الباحث القرآني

فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى- فِي نُزُولِهَا، قِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ تَمَنَّوْا سَعَةَ الرِّزْقِ. وَقَالَ خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ: فِينَا نَزَلَتْ، نَظَرْنَا إِلَى أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ وَقُرَيْظَةَ وَبَنِي قَيْنُقَاعَ فَتَمَنَّيْنَاهَا فَنَزَلَتْ. "لَوْ بَسَطَ" مَعْنَاهُ وَسَّعَ. وَبَسَطَ الشَّيْءَ نَشَرَهُ. وَبِالصَّادِ أَيْضًا. "لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ" طَغَوْا وَعَصَوْا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَغْيُهُمْ طَلَبُهُمْ مَنْزِلَةً بَعْدَ مَنْزِلَةٍ وَدَابَّةً بَعْدَ دَابَّةٍ وَمَرْكَبًا بَعْدَ مَرْكَبٍ وَمَلْبَسًا بَعْدَ مَلْبَسٍ. وَقِيلَ أَرَادَ لَوْ أَعْطَاهُمُ الْكَثِيرَ لَطَلَبُوا مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ، لِقَوْلِهِ: (لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ ذَهَبٍ لَابْتَغَى إِلَيْهِمَا ثَالِثًا) وَهَذَا هُوَ الْبَغْيُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقِيلَ: لَوْ جَعَلْنَاهُمْ سَوَاءً فِي الْمَالِ لَمَا انْقَادَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، وَلَتَعَطَّلَتِ الصَّنَائِعُ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِالرِّزْقِ الْمَطَرَ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الرِّزْقِ، أَيْ لَوْ أَدَامَ الْمَطَرَ لَتَشَاغَلُوا بِهِ عَنِ الدُّعَاءِ، فَيَقْبِضُ تَارَةً لِيَتَضَرَّعُوا وَيَبْسُطُ أُخْرَى لِيَشْكُرُوا. وَقِيلَ: كَانُوا إِذَا أَخْصَبُوا أَغَارَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَلَا يَبْعُدُ حَمْلُ الْبَغْيِ عَلَى هَذَا. الزَّمَخْشَرِيُّ: "لَبَغَوْا" مِنَ الْبَغْيِ وَهُوَ الظُّلْمُ، أَيْ لَبَغَى هَذَا عَلَى ذَاكَ وَذَاكَ عَلَى هَذَا، لِأَنَّ الْغِنَى مَبْطَرَةٌ مَأْشَرَةٌ، وَكَفَى بِقَارُونَ عِبْرَةً. وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي زَهْرَةَ الدُّنْيَا وَكَثْرَتَهَا). وَلِبَعْضِ الْعَرَبِ: وَقَدْ جَعَلَ الْوَسْمِيُّ يَنْبُتُ بَيْنَنَا ... وَبَيْنَ بَنِي دُودَانَ نَبْعًا وَشَوْحَطَا [[الوسمي: مطر أول الربيع. والنبع والشوحط: شجر من أشجار الجبال تتخذ منه القسي. وفي النسخ الأصل وبعض كتب التفسير: "... بني رومان". ودودان: أبو قبيلة من أسد.]] يَعْنِي أَنَّهُمْ أَحْيَوْا فَحَدَّثُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْبَغْيِ وَالتَّغَابُنِ. أَوْ مِنَ الْبَغْيِ وَهُوَ الْبَذَخُ وَالْكِبْرُ، أَيْ لَتَكَبَّرُوا فِي الْأَرْضِ وَفَعَلُوا مَا يَتْبَعُ الْكِبْرَ مِنَ الْعُلُوِّ فِيهَا وَالْفَسَادِ. "وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشاءُ" أَيْ يُنَزِّلُ أَرْزَاقَهُمْ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ لِكِفَايَتِهِمْ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: "يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشاءُ" يَجْعَلُ من يشاء غنيا ومن يشاء فقيرا. الثَّانِيَةُ- قَالَ عُلَمَاؤُنَا: أَفْعَالُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ لَا تَخْلُو عَنْ مَصَالِحَ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَى اللَّهِ الِاسْتِصْلَاحُ، فَقَدْ يَعْلَمُ مِنْ حَالِ عَبْدٍ أَنَّهُ لَوْ بَسَطَ عَلَيْهِ قَادَهُ ذَلِكَ إِلَى الْفَسَادِ فَيَزْوِي عَنْهُ الدُّنْيَا، مَصْلَحَةً لَهُ. فَلَيْسَ ضيق الرزق هوانا ولا سعة فَضِيلَةً، وَقَدْ أَعْطَى أَقْوَامًا مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُمْ يَسْتَعْمِلُونَهُ فِي الْفَسَادِ، وَلَوْ فَعَلَ بِهِمْ خِلَافَ مَا فَعَلَ لَكَانُوا أَقْرَبَ إِلَى الصَّلَاحِ. وَالْأَمْرُ عَلَى الْجُمْلَةِ مُفَوَّضٌ إِلَى [[في ح: والأمر على الجملة إلى مسببه]] مَشِيئَتِهِ، وَلَا يُمْكِنُ الْتِزَامُ مَذْهَبِ الِاسْتِصْلَاحِ فِي كُلِّ فِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى. وَرَوَى أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: (مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ وَإِنِّي لَأَسْرَعُ شَيْءٍ إِلَى نُصْرَةِ أَوْلِيَائِي وَإِنِّي لَأَغْضَبُ لَهُمْ كَمَا يَغْضَبُ اللَّيْثُ الْحَرِدُ. وَمَا تَرَدَّدْتُ فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي فِي قَبْضِ رُوحِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ إِسَاءَتَهُ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ. وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي الْمُؤْمِنُ بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ. وَمَا يَزَالُ عَبْدِي الْمُؤْمِنُ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ لَهُ سَمْعًا وَبَصَرًا وَلِسَانًا وَيَدًا وَمُؤَيِّدًا فَإِنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ وَإِنْ دَعَانِي أَجَبْتُهُ. وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يَسْأَلُنِي الْبَابَ مِنَ الْعِبَادَةِ وَإِنِّي عَلِيمٌ أَنْ لَوْ أَعْطَيْتُهُ إِيَّاهُ لَدَخَلَهُ الْعُجْبُ فَأَفْسَدَهُ. وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إِلَّا الْغِنَى وَلَوْ أَفْقَرْتُهُ لَأَفْسَدَهُ الْفَقْرُ. وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إِلَّا الْفَقْرُ وَلَوْ أَغْنَيْتُهُ لَأَفْسَدَهُ الْغِنَى. وَإِنِّي لِأُدَبِّرُ عِبَادِي لِعِلْمِي بِقُلُوبِهِمْ فَإِنِّي عَلِيمٌ خَبِيرٌ (. ثُمَّ قَالَ أَنَسٌ: اللَّهُمَّ إِنِّي مِنْ عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَا يُصْلِحُهُمْ إِلَّا الْغِنَى، فَلَا تُفْقِرْنِي بِرَحْمَتِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب