الباحث القرآني

وقوله تعالى: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ قال عمرو بن حُرَيْثٍ وغيره: إنَّها نزلت لأَنَّ قوماً من أهل الصفَّة طلبوا من رسول اللَّه ﷺ أنْ يُغْنِيَهُمُ/ اللَّه، ويبسطَ لهم الأموالَ والأرزاق، فأعلمهم اللَّه تعالى أنَّه لو جاء الرِّزْقُ على اختيار البَشَر واقتراحهم، لكان سَبَبَ بغيهم وإفسادهم ولكنّه عز وجل أعلمُ بالمَصْلَحَةِ في كُلِّ أحدٍ: إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ: بمصالحهم، فهو ينزل لهم من الرزق القَدْرَ الذي بِهِ صَلاَحُهُمْ فرُبَّ إنْسَانٍ لاَ يَصْلُحُ، وتَنْكَفُّ عاديته إلاَّ بالفقر. ت: وقد ذكرنا في هذا المختصر أحاديثَ كثيرةً مختارةً في فضل الفقراء الصابرين- ما فيه كفايةٌ لمن وُفِّق، وقد روى ابن المبارك في «رقائقه» عن سعيد بن المُسَيِّبِ قال: «جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ بِجُلَسَاءِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قال: هُمُ الخَائِفُونَ، الخَاضِعُونَ، المُتَوَاضِعُونَ، الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيراً، قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَهُمْ أَوَّلُ النَّاسِ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ؟ قال: لا، قَالَ: فَمَنْ أَوَّلُ النَّاسِ يَدْخُلُ الجَنَّةَ؟ قال: الفُقَرَاءُ يَسْبِقُونَ النَّاسَ إلَى الجَنَّةِ، فَتَخْرُجُ إلَيْهِمْ مِنْهَا مَلاَئِكَةٌ، فَيَقُولُونَ: ارجعوا إلَى الْحِسَابِ، فَيَقُولُونَ: عَلاَمَ نُحَاسَبُ، وَاللَّهِ مَا أُفِيضَتْ عَلَيْنَا الأَمْوَالُ في الدُّنْيَا فَنَقْبِضَ فِيهَا وَنَبْسُطَ، وَمَا كُنَّا أُمَرَاءَ نَعْدِلُ وَنَجُورُ وَلَكِنَّا جَاءَنَا أَمْرُ اللَّهِ فعبدناه حتّى أتانا اليقين» [[أخرجه أبو نعيم بن حماد في «زوائده» على الزهد (80) (283) .]] انتهى. وقوله عز وجل: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا ... الآية، تعديدُ نِعَمِ اللَّه تعالى الدَّالَّةِ على وَحْدَانِيَّتِهِ، وأَنَّه المولى الذي يستحقُّ أَنْ يُعْبَدُ دونَ ما سواه من الأنداد، وقرأ الجمهور: «قَنَطُوا» بفتح النون، وقرأ الأعمش: «قَنِطُوا» بكسرها، وهما لغتان [[وقرأ بها يحيى بن وثاب. ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 36) ، و «البحر المحيط» (7/ 495) ، و «الدر المصون» (6/ 81) .]] ، ورُوِيَ أَنَّ عمر- رضي اللَّه عنه- قيل له: أجدبت الأرض، وقَنِطَ النَّاس، فقال: مُطِرُوا إذَنْ، بمعنى أنَّ الفرج عند الشِّدَّةِ. وقوله تعالى: وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ قيل: أراد بالرحمة: المطر، وقيل: أراد بالرحمة هنا: الشمْسَ، فذلك تعديد نعمة غير الأولى، وذلك أَنَّ المطر إذا أَلَمَّ بعد القنط حَسُنَ موقعُهُ، فإذا دَامَ سُئِمَ، فتجيء الشمْسُ بعده عظيمة الموقع. وقوله تعالى: وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ أي: مَنْ هذه أفعاله هو الذي ينفع إذا والى، وتُحْمَدُ أفعاله ونعمه، قال القُشَيْرِيُّ: اسمه تعالى: «الولي» ، أي: هو المتولِّي لأحوال عباده، وقيل: هو من الوالي، وهو الناصر، فأولياءُ اللَّه أنصار دينه، وأشياعُ طاعته، والوليُّ: في- صفة العبد- مَنْ يُوَاظِبُ على طاعة رَبِّه، ومِنْ علاماتِ مَنْ يكونُ الحَقُّ سبحانه وَلِيَّهُ- أنْ يصونه، ويكفِيَهُ في جميع الأحوال، ويُؤَمِّنَهُ، فيغارَ على قلبه أنْ يتعلَّقَ بمخلوقٍ في دفع شَرٍّ أو جَلْبِ نَفْعٍ بل يكونُ سبحانه هو القائِمَ على قلبه في كُلِّ نَفَسٍ، فيحقِّق آماله عند إشاراته، ويعجِّل مَآرِبَهُ عند خَطَرَاتِهِ، ومن أماراتِ ولايته لِعَبْدِهِ: أنْ يُدِيمَ توفيقَهُ حتى لو أرادَ سُوءاً، أو قصد محظوراً- عَصَمَهُ عن ارتكابه، أو لو جنح إلى تقصير في طاعة، أبى إلاَّ توفيقاً وتأييداً، وهذا من أماراتِ السعادَةِ، وعَكْسُ هذا مِنْ أماراتِ الشقاوة، ومن أمارات ولايته أيضاً أنْ يرزقه مَوَدَّةً في قُلُوب أوليائه، انتهى من «التحبير» . ثم ذكر تعالى الآية الكبرى الدَّالَّةَ على الصَّانِعِ، وذلك خَلْقُ السموات والأرضِ. وقوله [تعالى] : وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ يتخرَّجُ على وجوهٍ: منها: أنْ يريدَ إحْدَاهُمَا، وهو ما بَثَّ في الأرض دونَ السموات، ومنها: أنْ يكون تعالى قد خلق في السموات وبَثَّ دوابَّ لا نعلَمُهَا نَحْنُ، ومنها: أنْ يريد الحيواناتِ التي تُوجَدُ في السحاب، وقد تَقَعُ أحياناً كالضفادع/ ونحوها فَإنَّ السَّحَابَ داخل في اسم السماء. وقوله تعالى: وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ يريد: يومَ القيامة عند الحشر من القبور.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب