الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ [البقرة ٢١٣] نشوف الإعراب، أولًا: ﴿أُمَّةً﴾ ما الذي نصبها؟
* طلبة: خبر (كان).
* الشيخ: خبر (كان). ﴿مُبَشِّرِينَ﴾ ويش إعرابها؟
* طلبة: حال.
* الشيخ: حال، من الفاعل أو من المفعول به؟
* طلبة: من الفاعل.
* الشيخ: من الفاعل؛ يعني الله هو المبشِّر؟
* طالب: يصلح للاثنين.
* الشيخ: لا.
* طالب: من المفعول به.
* الشيخ: من المفعول به؛ لأنها جمع، من قوله: ﴿النَّبِيِّينَ﴾، ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ﴾.
وقولُه: ﴿وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ﴾ الكتاب هنا أيش؟ مفرد يراد به الجنس فيعُم كل كتاب، طيب إعرابه؟
* طلبة: مفعول (أنزل).
* الشيخ: مفعول (أنزل)؟ طيب قوله: ﴿بِالْحَقِّ﴾ الباء؟
* طالب: مصاحبة.
* الشيخ: مصاحبة. قوله: ﴿لِيَحْكُمَ﴾ الضمير يعود على أيش؟
* طلبة: على الكتاب.
* طلبة آخرون: على النبيين.
* الشيخ: على الكتاب، على النبيين، على الله؟
* طالب: على الكتاب يا شيخ.
* الشيخ: طيب نشوف الآن؛ ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ﴾ ﴿لِيَحْكُمَ﴾ أي: هو، أي: الله؛ لأن الحكم إليه، أو: ليحكمَ الكتاب باعتبار أنه وسيلة الحكم، أو: ليحكم النبي باعتبار أنه الذي معه الكتاب، ولكن هنا فيه إشكال وهو أن (يحكم) مفرد و(النبيين) جمع، لكن قالوا: لما كان النبيون جمعًا، والجمع له أفراد صار ليحكم أي: كل فرد منهم، كل فرد منهم بما أنزل الله.
قوله: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ﴾ [البقرة ٢١٣]. ﴿الَّذِينَ﴾ ويش إعرابها؟ ﴿الَّذِينَ﴾ فاعل (اختلف)؛ لأن الاستثناء هنا مفرغ.
وقوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ [البقرة ٢١٣] قوله: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ﴾ ويش هي متعلقة به؟
* طالب: ﴿أُوتُوهُ﴾ يا شيخ.
* الشيخ: أوتوا، لا؛ لأنه يفسد المعنى، لكنها متعلقة بقوله: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ﴾ يعني وما اختلف فيه من بعد ما جاءتهم البينات بغيًا بينهم إلا الذين أوتوه.
﴿بَغْيًا﴾ ويش إعرابها؟ مفعول لأجله، وبقية الآية أظنه واضحًا.
يقول الله عز وجل: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ [البقرة ٢١٣] (أمة) هنا بمعنى طائفة، وكان فيما مضى من قبل أن تبعث الرسل إليهم كانوا أمة؛ أي: طائفة واحدة على دين واحد، ما هذا الدين الواحد؟
* طالب: الإسلام.
* الشيخ: هو دين الإسلام؛ لأن آدم نبي موحى إليه بشريعة يتعبد بها، فصار يتعبد بها واتبعه أبناؤه على ذلك، ثم بعد مدة من الزمن وكثر الناس واختلفت الأهواء فاختلفوا، فحينئذٍ صاروا بحاجة إلى بعث الرسل فبعث الله الرسل، ثم تقدم لنا أنها تأتي على كم وجه؟
* طالب: ثلاثة.
* طالب آخر: أربعة.
* الشيخ: أربعة؟
* طلبة: ثلاثة.
* الشيخ: خمسة؟ طيب نعد الآن: أمّة بمعنى طائفة، مثاله هذه الآية، أمّة بمعنى إمام: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً﴾ [النحل ١٢٠]، أمّة بمعنى زمن؛ قال: ﴿وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ [يوسف ٤٥] أي: بعد زمن، هذه ثلاثة، الرابع: أمّة بمعنى طريقة مثل: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الزخرف ٢٢]. والخامس؟
* طالب: متبع السبيل.
* الشيخ: متبع السبيل، كيف مثل؟
* الطالب: يبعث بعض النبيين أمة واحدة يوم القيامة.
* الشيخ: إيه، لا، هذا بمعنى طائفة. الخامس وين؟ أنا ما أذكر الآن إلا أربعة.
* طالب: بمعنى قرن.
* الشيخ: بمعنى أيش؟
* الطالب: قرن يعني جيل من الناس.
* الشيخ: بمعنى جيل؟ الأمّة: الطائفة من الناس..
* طالب: الأجل.
* الشيخ: الأجل، مثل؟
* الطالب: آية هود.
* الشيخ: مثل؟
* الطالب: مثل آية من الآيات التي في سورة هود.
* الشيخ: وهي؟
* الطالب: ﴿إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ﴾ [هود ٨]؛ أجله.
* الشيخ: (...).
* الطالب: (...) إلى أمة.
* الشيخ: إلى أمّةٍ .. إذن نعم، نعم، لكن (أمة) ما يمكن أن تعود إلى..؟
* الطالب: الأجل (...).
* الشيخ: إلى الزمن.
* الطالب: الأجل.
* الشيخ: إلى زمن.
* الطالب: الأجل.
* الشيخ: أقول: ما يمكن أجعل (أمّة) بمعنى (زمن) مثل: ﴿وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ [يوسف ٤٥]؟
هنا (أمّة) بمعنى طائفة، ﴿أُمَّةً وَاحِدَةً﴾: على دين واحد وهو الإسلام.
﴿فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ﴾ [البقرة ٢١٣] الفاء هنا عاطفة، فهل المعطوف عليه مقدَّر ولَّا لا حاجة للتقدير لأنه مفهوم من السياق؛ لأن كونهم أمة واحدة ليس هو السبب في البعث، السبب في البعث الاختلاف، فقال بعضهم: إنه على تقدير محذوف: كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله، واستدلوا لذلك بقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا﴾ [يونس ١٩] إلى آخره، واستدلوا أيضًا بأن السياق يدل عليه لقوله: ﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ [البقرة ٢١٣].
وقال بعضهم: لا يحتاج إلى تقدير لفهمه من الآية، وعلى كل حال ما يهم، ولا شك أنه لا بد أن يكون المعنى أنهم اختلفوا فبعث الرسل، ونظير هذا مما يعيّنه السياق قوله تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ﴾ [البقرة ١٨٥] هل المريض أو المسافر عليه العدة ولو صام؟ لا، إذن لا بد أن نقدر: فأفطر فعليه العدة.
قال: ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ﴾ [البقرة ٢١٣] بعث بمعنى أرسل، وأصله من الإخراج والإثارة، ولا شك أن الرسل عليهم الصلاة والسلام أن بعثهم إثارة وإخراج، فإن الله تعالى أوجدهم من بين هذه الأمم حتى هدى الله بهم من هدى.
﴿فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ﴾ [البقرة ٢١٣] وفيها قراءة: ﴿النَّبِيئِينَ﴾ بالهمزة، وكلاهما أو كلتاهما سبعيّتان.
﴿بَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾ المراد بالنبيين هنا الرسل لقوله: ﴿مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾. وقوله: ﴿النَّبِيِّينَ﴾ قلت: إنها تشمل الرسل، فهل هناك فرق بين النبي والرسول؟
الجواب: نعم، هناك فرق، والدليل على الفرق أن آدم نبي، وأن أول الرسل نوح، ولو لم يكن فرق لكان أول الرسل من؟ آدم.
إذن بينهما فرق، فما هو الفرق بين النبي والرسول؟ قيل: إن الفرق بينهما أن النبي من أوحي إليه بشرع ولم يُؤمر بتبليغه، بل تُعبِّد به، يتعبد من هنا بنفسه، ويكون كالمجدد للدين السابق، وأما الرسول فهو الذي أوحي إليه بشرع وأُمر بتبليغه، وهذا هو رأي الجمهور، وهو فرق جيد جدًّا؛ لأن النبي من النبأ، وهو الخبر؛ فهو مخبَر، والرسول من الإرسال، وهو البعث إلى أحد تقول: أرسلت فلانًا؛ يعني بعثته ليبلغ عني، أليس كذلك؟
* طلبة: بلى.
* الشيخ: وقال بعض العلماء: إن الفرق أنه إذا كان من أتى بالوحي متمِّمًا لرسالة سابقة -يعني مجددًا لها- فهو نبي، وإن كان مستقلًّا برسالة فهو رسول، لكن هذا ينتقض علينا بماذا؟ بآدم؛ لأن آدم ما هو مجدد، فرأي الجمهور جيد في هذه المسألة.
وقوله: ﴿مُبَشِّرِينَ﴾ حال. ﴿مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾ مبشرين بماذا؟ بثواب الله عز وجل لمن استحقه،﴿وَمُنْذِرِينَ﴾ بعقاب الله من خالف أمر الله؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا﴾ [الكهف ٢] فهنا بينت الآية المبشَّر والمبشَّر به، من المبشَّر؟ ﴿الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ﴾، والمبشَّر به؟ ﴿أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (٢) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (٣) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (٤) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾ [الكهف ٣- ٥] فالمنذَر هم الكفار، والمنذَر به العذاب.
وقوله: ﴿مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾ هذان الحالان هما حالان مركبان أو منفردان؟
الجواب: مركبان؛ لأن الرسول يأتي بالبشارة والإنذار في آنٍ واحد ولَّا لا؟ يعني ليس أحد الرسل مبشرًا والآخر منذرًا، بل كل واحد جامع بين التبشير والإنذار.
وفي قوله: ﴿مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾ دليل على أن ما سمي الآن من دعوة النصارى إلى دينهم بالتبشير أن هذه تسمية خاطئة كاذبة ناصبة، تصلى نارًا حامية، هذه أحق الناس بها من؟ الذين يدعون إلى دين الإسلام، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول لمن يبعثهم: «بَشِّرُوا وَأَنْذِرُوا»[[أخرجه مسلم (١٧٣٢ / ٦) من حديث أبي موسى بلفظ: كان رسول الله ﷺ إذا بعث أحدًا من أصحابه في بعض أمره قال: «بَشِّرُوا وَلا تُنَفِّرُوا، وَيَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا». ]] فيجب علينا معشر المسلمين أن نكون على يقظة من مثل هذه التسميات، ما نأخذها مجردة ونقول: والله، هذه البلاد شاع فيها التبشير، كثر فيها التبشير، المبشرون كثيرون، وما أشبه ذلك، هذا لا يجوز، لا يجوز أن نسلب هذا الوصف الحبيب إلى النفوس، نسلبه من عندنا وهو لنا ونعطيه إلى أعدائنا، وما نظير ذلك إلا نظير من اغترّ بتسمية النصارى بالمسيحيين؛ (المسيحيين) معناه أنك الآن أقررت بأنهم يتّبعون المسيح، كما إذا قلت: فلان تميمي؛ إذن هو من بني تميم، مسيحي على دين المسيح، المسيح ابن مريم يتبرأ من هذا الدين؛ لأنه كفر، فمثل هذه الكلمات ينبغي لطالب العلم أن يكون يقظًا من ناحيتها، وألَّا يقول: إن هذا اصطلاح عرفي، لا يقول هكذا، الاصطلاح العرفي الذي يُغيّر المفاهيم له ليس بمقبول، إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول: «لَا تَغْلِبَنَّكُمُ الْأَعْرَابُ عَلَى صَلَاتِكُمُ الْعِشَاءِ: العتَمَةَ، فَإِنَّ اللَّهَ سَمَّاهَا فِي الْقُرْآنِ الْعِشَاءَ، وَإِنَّمَا يُعْتِمُونَ بِالْإِبِلِ»[[أخرجه مسلم (٦٤٤ / ٢٢٨) من حديث عبد الله بن عمر. بلفظ: «لا تَغْلِبَنَّكُمُ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ، أَلَا إِنَّهَا الْعِشَاءُ وَهُمْ يُعْتِمُونَ بِالْإِبِلِ». ]].
الرسول عليه الصلاة والسلام أمرنا ألَّا نغير هذا الاسم مع أنه ليس فيه خطورة كخطورة هذه التسمية للنصارى؛ أنهم مبشِّرون وأنهم مسيحيون، أعتقد الآن لو أن أحدًا قال عن اليهود: إنهم مُوسَوِيُّون، ويش يقولون الناس؟ يردون عليه، يقولون: موسى بريء منهم عليه الصلاة والسلام، فالمسألة هي هي لا فرق. ﴿مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾.
* طالب: شيخ، قول الجمهور عندما فرقوا بين النبي والرسول، البعض يعترض عليهم بأن المؤمن يعني الدعاة يبلّغون، وبهذا يكون يعني أكمل من الأنبياء الذين لا يبلّغون؟
* الشيخ: لا؛ لأنهم فقدوا الوحي.
* الطالب: بس الدعاة يبلّغون، والأنبياء على هذا التعريف على هذا الفرق لا يبلّغون؟
* الشيخ: نعم، ما يبلّغون؛ لأنهم ما أمروا بذلك؛ فهم مطيعون، أصل كمال العبادة في امتثال الأمر حتى لو أمرت بالشرك والقتل وفعلت فأنت عابد، ولهذا كان الملائكة عبادًا لله عز وجل بسجودهم لآدم وهو شِرك، وكان إبراهيم عليه الصلاة والسلام خليلًا للرحمن؛ لأنه أُمر بقتل ولده فامتثل.
* طالب: شيخ، لكن في قوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ﴾ الرسالة للنبي، كيف ذلك؟
* الشيخ: لا، هذا من باب إطلاق الرسالة على النبي، هذا من باب التغليب؛ لأنه قال: ﴿مِنْ رَسُولٍ﴾ كما نقول: القمران، والعُمَران.
* طالب: الدليل على أن آدم نبي مُرسَل؟
* الشيخ: الدليل حديث أبي ذر عند ابن حبان وغيره أن الرسول قال: «إِنَّهُ نَبِيٌّ مُكَلَّمٌ»[[ أخرجه ابن حبان في صحيحه (٣٦١) عن أبي ذر رضي الله عنه في سؤاله عن آدم عليه السلام بلفظ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَبِيٌّ مُرْسَلٌ؟ قَالَ: نَعَمْ؛ خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَكَلَّمَهُ قِبَلًا».]]. هذا بالنسبة للحديث وهو صريح، وأما في القرآن فواضح أن الله تعالى كلّمه وأمره ونهاه، وهذا وحي، ثم إنه لا بد له أن يتعبد، فبماذا يتعبد؟ العبادة ما تثبت بالعقل، لا بد فيها من وحي.
* طالب: يا شيخ، أيضًا لو قلنا: (نصارى) بدل (مسيحيين)، يقولون النصارى: نعم نحن أنصار عيسى؟ أيش نقول؟
* الشيخ: لا، أصل (نصارى) نسبة لبلد الناصرة؛ لأن (نصارى) ما هو معناه جمع (ناصر)، لا، لكن نسبة إلى هذا.
* طالب: بعض (...) في تعريفه الرسول يقول: إنه أُمِر بالجهاد عليه (...) شرعًا (...)، فهل ذلك صحيح؟
* الشيخ: لا.
* الطالب: فما وجه ها ذاك؟
* الشيخ: لأنه غير صحيح؛ لأن بعض الرسل أمروا بالجهاد، وبعضهم ما أمروا بالجهاد.
* طالب: شيخ، بالنسبة لقولك تؤيده: لا يجوز وصف النصارى بأنهم مبشِّرون؛ لأن البشارة (...)، لكن الله تبارك وتعالى يقول: ﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [آل عمران ٢١].
* الشيخ: ويش الجواب على هذا؟ الجواب: أن البشارة إذا قُيدت فهي بما قُيّدت به، لكن أن تقول: هذا المبشِّرين بس! أنا أوافقك إذا قلت: هؤلاء المبشِّرون بالعذاب.
* طالب: شيخ، تعرف شيخ للروافض يطلق عليهم (جعفريون)، فهل لهذا (جعفريين) نسبة إلى جعفر الصادق، وهو بريء منهم؟
* الشيخ: على كل حال كل من انتسب إلى نبي أو رسول أو مؤمن أو ولي وهو مخالف له فإن نسبته إليه كاذبة.
يقول هنا: ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ ﴿أَنْزَلَ مَعَهُمُ﴾ المعية هنا للمصاحبة، والمعية كلما أطلقت فهي للمصاحبة لكنها في كل موضع بحسبه ﴿أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ﴾ الكتاب هنا قلت قبل قليل: إنه يراد به الجنس؛ يعني: جنس الكتاب، وإلا فلكل رسول كتاب، وقد زعم بعض المفسرين أن قوله: ﴿وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ﴾ أي: مع بعضهم، وقال: ليس كل الرسل معهم كتاب، ولكن هذا خلاف ظاهر القرآن، وقد قال الله تعالى في سورة الحديد: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ﴾ [الحديد ٢٥] فظاهر الآية أن مع كل رسول كتاب، وهذا هو مقتضى الحال حتى يكون هذا الكتاب الذي معه يبلّغه إلى الناس، ولا يرد على هذا أن بعض الشرائع تتفق في مشروعاتها وحتى في منهاجها لا يكون فيها إلا اختلاف يسير كما في شريعة التوراة والإنجيل، فإن هذا لا يضر، المهم أن كل رسول في ظاهر القرآن معه كتاب.
وقوله: (كتاب) بمعنى: مكتوب، فمنه ما نعلم أن الله كتبه، ومنها ما لم نعلم أن الله كتبه، لكن تكلم به؛ فالتوراة كتبها الله عز وجل؛ ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف ١٤٥]، وكذلك أيضًا في الزبور؛ ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء ١٠٥]، القرآن الكريم ما ذكر الله تعالى أنه كتبه، وإنما ذكر أنه أنزله على محمد ﷺ، فيكون وحيًا من الله تكلم به وألقاه إلى جبريل، ثم جبريل ألقاه إلى النبي ﷺ، ولكن على كل حال الكل منزل من عند الله سواء كان مكتوبًا أو مقولًا؛ يعني سواء كان طريقه -أي: طريق إنزاله- على وجه الكتابة أو على وجه القول والوحي يوحيه الله عز وجل إلى جبريل ثم ينزل به جبريل إلى من أرسله الله إليه.
وقوله: ﴿أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ﴾ القرآن من الكتب، أو لا؟ وقد ذكرنا فيما سبق أنه سمي كتابًا لأنه مكتوب في اللوح المحفوظ، ولأنه مكتوب في الصحف التي بأيدي الملائكة، ولأنه مكتوب في الصحف التي بأيدينا، وسبق لنا أن الكتاب (فِعَال) بمعنى (مَفْعُول)، وأن فِعال تأتي بمعنى مفعول في اللغة العربية كثيرًا، وضربنا لذلك أمثلة بمثل: فراش، وبناء، وغراس، وكساء، وما أشبهها.
وقوله: ﴿بِالْحَقِّ﴾ هل هي متعلقة بـ(أنزل)؟ ﴿وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾؟ يعني الكتاب جاء بالحق، أو أنها حال من الكتاب، يعني متلبسًا بالحق؟ هذا هو الأخير مع أنهما متلازمان، ما دام أنه متلبس بالحق أن الكتب هذه كلها حق فهي إذن نازلة من عند الله حقًّا؛ لأن الله هو الحق ولا ينزل منه إلا الحق سبحانه وتعالى.
وقوله: ﴿بِالْحَقِّ﴾ أي: الثابت، الثابت النافع، وضده الباطل الذي يزول ولا ينفع، فما هو الحق الثابت للكتب المنزلة من عند الله؟ نقول: بالنسبة للأخبار الحق فيها هو الصدق، لأن الخبر؛ يعني: إذا قلت: هذا الخبر حق؛ يعني: صدقًا مطابقًا للواقع، وأما الحق في الأحكام فإنه العدل والنفع، وعلى هذا قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ [الأنعام ١١٥] الكتب اللي من غير الله فيها تناقض، والتناقض إبطال الشيء بالشيء؛ ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء ٨٢]، ولهذا يقولون في باب المناظرة في العلم: إن من أكبر ما تخصم به مجادلك أن يكون قوله متناقضًا، إذا كان القول متناقضًا فليس بصحيح؛ لأن القول الحق لا يمكن يتناقض، لا يمكن يتناقض أبدًا بل هو مطرد، بل أنت بنفسك إذا أردت أن تختار قولًا من الأقوال ثم وجدت أن هذا القول الذي تميل إليه يتناقض فاعلم أنه غير صحيح وإن كان في أول الأمر يتراءى لك أنه صحيح، لكن إذا عرفت أنه يتناقض فاعلم أنه ليس بحق؛ لأن الحق لا يمكن أن يتناقض، فهنا نقول: ﴿بِالْحَقِّ﴾ هل المعنى أن نزوله بالحق فيكون متعلق بـ(أنزل)؟ يعني: أنه حق من عند الله لا من عند غيره، أو أن المعنى متلبسًا بالحق؛ أي أنه مشتمل على الحق في الكتابة؟
* طلبة: كلا الأمرين.
* الشيخ: قلنا: كلا الأمرين، كلا الأمرين حق؛ أما الأول فواضح؛ فإن الكتب التي جاءت بها الرسل من عند الله لا شك فيها، وأما الثاني فكذلك؛ لأن من تأمل ما جاءت به هذه الكتب وجده صدقًا في الأخبار وعدلًا في الأحكام.
ثم قال عز وجل: ﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ ﴿لِيَحْكُمَ﴾ ذكرت أن فيها ثلاثة آراء، هل الفاعل الله، أو الفاعل الرسول، أو الفاعل الكتاب؟
منهم من قال: إن الفاعل هو الله أي: ليحكم الله، قال: لأن الضمائر ينبغي أن تكون متسقة على مجرى واحد: ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ﴾ ﴿وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ﴾ ﴿لِيَحْكُمَ﴾ تكون الضمائر كلها تعود على من؟ على الله؛ ليكون السياق متسقًا، ومعلوم أن الله تعالى هو الحاكم، حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والرسل لا يحكمون إلا بحكمه، والكتب علامة ودليل على حكم الله عز وجل، وإلا فالأصل أن الحكم إلى من؟ إلى الله سبحانه وتعالى، والذين قالوا ﴿لِيَحْكُمَ﴾ أي: الكتاب، قالوا: لأنه طريق الحكم، ونحن لا نعلم أن هذا حكم الله إلا بواسطة الكتاب المنزل فهو حاكم؛ لأنه وحي الله عز وجل، والحقيقة حتى على هذا القول فإن المرجع إلى أي شيء؟ إلى الله، المرجع إلى الله.
أما قوله: ﴿لِيَحْكُمَ﴾ أي: النبي، فهذا أوردنا عليه إشكالًا من جهة أن (النبيين) جمع وهذا مفرد، ولو كان عائدًا إلى النبيين لقال: ليحكموا بين الناس، وأجبنا عن ذلك بأن النبيين جمع، والجمع دال على أفراد، والمعنى: ليحكم كل واحد منهم بين الناس، ومنه على رأيٍ قوله تعالى: ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان ٧٤] ما قال: واجعلنا للمتقين أئمة، مع أن (نا) تدل على الجمع، قال: ﴿اجْعَلْنَا﴾ اجعل كل واحد منا إمامًا للمتقين.
* طالب: شيخ، القول الأول ﴿لِيَحْكُمَ﴾ أنها تعود إلى الله ﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ﴾، هل هذا حق لحكم الله بالكتاب؟
* الشيخ: معلوم من الناحية الشرعية، الحكم الشرعي ما يُعرف إلا بالكتاب الذي أنزله الله، أما الحكم القدري ما هو موضوع هذه الآية.
قال: ﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ اختلف الناس، فبعضهم قال: الحق كذا. ومشى معه، وبعضهم قال: الحق كذا. ومشى معه.
الآية الكريمة: ﴿وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة 212] إثبات أفعال الله سبحانه وتعالى المتعلقة بمشيئته؛ لقوله: ﴿وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ﴾ وتسمى هذه الأفعال في كتب العقائد تسمى: الأفعال الاختيارية؛ لأنها متعلقة بمشيئة الله، وهي ثابتة لله عز وجل على وجه الحقيقة، وأمثلتها في القرآن كثيرة.
وقوله: ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾ فيها إثبات المشيئة لله، وكل ما في الكون فإنه واقع بمشيئة الله، والمشيئة تختلف عن الإرادة؛ لأنها لا تنقسم، بخلاف الإرادة فإنها تنقسم إلى قسمين: إرادة شرعية وإرادة كونية، أما هذه فلا تنقسم بل هي واجبة المراد، يعني: إذا شاء الله تعالى شيئًا كان؛ ولهذا كان من قول المسلمين عامة: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
وهل تتعلق بما يحبه وما لا يحبه؟ نعم، قال الله تعالى: ﴿مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ﴾ [الأنعام ٣٩] وهذا لا يحبه، ﴿وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ وهذا يحبه، فهو متعلقة بما يحبه وما لا يحبه.
وقد سبق لنا أن كل فعل علقه الله بالمشيئة فإنه مقرون بالحكمة؛ إذ ليس لمجرد المشيئة فقط بل للمشيئة المقرونة بالحكمة، ودليل ذلك سمعي وعقلي:
السمعي قوله: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ ويش بعده؟ ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [الإنسان ٣٠]، فدل هذا على أن مشيئته مقرونة بالحكمة.
وأما العقلي: فلأن الله سبحانه وتعالى وصف نفسه بأنه حكيم، بل سمى نفسه بالحكيم، والحكيم لا يصدر منه شيء إلا وهو موافق للحكمة.
إذن يستفاد من هذه الآية: إثبات المشيئة لله، وإطلاقها مقيد بما علم من أن كل مشيئة فهي مقرونة بالحكمة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: كثرة رزق الله عز وجل؛ لقوله: ﴿بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ يعني معناه أنه يعطي عطاء لا يبلغه الحساب، كما قال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة ٢٦١].
ثم قال الله تعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ [البقرة ٢١٣] نشوف الإعراب، أولًا: ﴿أُمَّةً﴾ ما الذي نصبها؟
* طالب: خبر.
* الشيخ: خبر كان. ﴿مُبَشِّرِينَ﴾ ويش إعرابها؟
* طالب: حال.
* الشيخ: حال من الفاعل أو من المفعول به؟
* طلبة: من الفاعل.
* الشيخ: من الفاعل؟ يعني الله هو المبشر؟
* طالب: يصلح للاثنين.
* الشيخ: لا.
* طالب: من المفعول به.
* الشيخ: من المفعول به؛ لأنها جمع. وقوله..
* طالب: (...).
* الشيخ: من قوله: ﴿النَّبِيِّينَ﴾ ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ﴾.
وقوله: ﴿وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ﴾ (الكتاب) هنا أيش؟ مفرد يراد به الجنس، فيعم كل كتاب، طيب إعرابه؟
* طالب: مفعول (أنزل).
* الشيخ: مفعول أنزل؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: قوله: ﴿بِالْحَقِّ﴾ الباء؟
* طالب: مصاحبة.
* الشيخ: مصاحبة. قوله: ﴿لِيَحْكُمَ﴾ الضمير يعود على أيش؟
* طالب: الكتاب.
* طالب آخر: على (النبيين).
* طالب آخر: على (الكتاب).
* الشيخ: على (الكتاب)، على (النبيين)، على (الله)؟
* طالب: على الكتاب.
* الشيخ: نعم طيب، نشوف الآية ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ﴾ ﴿لِيَحْكُمَ﴾ أي: هو، الله؛ لأن الحكم إليه، أو ليحكم الكتاب باعتبار أنه وسيلة الحكم، أو ليحكم النبي باعتبار أنه الذي معه الكتاب، ولكن هنا فيه إشكال وهو أن (يحكم) مفرد و(النبيين) جمع، لكن قالوا: لما كان (النبيون) جمعًا، والجمع له أفراد صار ﴿لِيَحْكُمَ﴾ أي: كل فرد منهم، كل فرد منهم بما أنزل الله.
قوله: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ﴾ ﴿الَّذِينَ﴾ ويش إعرابه؟ (الذين) فاعل (اختلف)؛ لأن الاستثناء هنا مفرغ.
وقوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ قوله: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ﴾ ويش هي متعلقة به؟
* طالب: ﴿أُوتُوهُ﴾ يا شيخ.
* الشيخ: بـ(أوتوا)، لا؛ لأنه يفسد المعنى، لكنها متعلقة في قوله: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ﴾ يعني: وما اختلف فيه من بعد ما جاءتهم البينات بغيًا بينهم إلا الذين أوتوه.
﴿بَغْيًا﴾ ويش إعرابها؟ مفعول لأجله، وبقية الآية أظنه واضحًا.
يقول الله عز وجل: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ (أمة) هنا بمعنى طائفة، وكان: فيما مضى من قبل أن تبعث الرسل إليهم، كانوا أمة أي: طائفة واحدة على دين واحد، ما هذا الدين الواحد؟ هو دين الإسلام؛ لأن آدم نبي موحى إليه بشريعة يتعبد بها، فصار يتعبد بها واتبعه أبناؤه على ذلك، ثم بعد مدة من الزمن وكثر الناس واختلفت الأهواء فاختلفوا، فحينئذٍ صاروا بحاجة إلى بعث الرسل، فبعث الله الرسل.
﴿أُمَّة﴾ تقدم لنا أنها تأتي على كم وجه؟
* طالب: ثلاثة
* طالب آخر: أربعة.
* الشيخ: أربعة؟
* طلبة: ثلاثة.
* الشيخ: خمسة؟ طيب نعد الآن: أمة بمعنى طائفة، مثاله؟
* طالب: الآية.
* الشيخ: هذه الآية. أمة بمعنى إمام: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً﴾ [النحل ١٢٠]. أمة بمعنى زمن قوله: ﴿وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ [يوسف ٤٥] أي: بعد زمن، هذه ثلاثة. الرابع: أمة بمعنى طريقة مثل: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الزخرف ٢٢] الخامس؟
* طالب: متبع السبيل
* الشيخ: متبع السبيل، كيف، مثل؟
* الطالب: يبعث بعض النبيين أمة واحدة يوم القيامة.
* الشيخ: لا، هذا بمعنى طائفة، الخامس وين هي؟ أنا ما أذكر الآن إلا أربعة؟
* طالب: بمعنى قرن.
* الشيخ: بمعنى أيش؟
* الطالب: قرن: جيل من الناس.
* الشيخ: بمعنى جيل، الأمة: الطائفة من الناس.
* طالب: الأجل.
* الشيخ: الأجل مثل؟
* الطالب: آية هود.
* الشيخ: مثل؟
* الطالب: مثل آية من الآيات التي في سورة هود.
* الشيخ: وهي؟
* الطالب: ﴿إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ﴾ [هود ٨]؛ أجله.
* الشيخ: (...).
* الطالب: (...) إلى أمة.
* الشيخ: إلى أُمَّة.. إذن نعم نعم، لكن (أمة) ما يمكن أن تعود إلى..؟
* الطالب: الأجل (...).
* الشيخ: إلى الزمن.
* الطالب: الأجل.
* الشيخ: إلى زمن؟
* الطالب: الأجل.
* الشيخ: أقول: ما يمكن أجعل (أمة) بمعنى (زمن)، مثل: ﴿وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ [يوسف 45]؟
هنا (أمة) بمعنى طائفة، ﴿أُمَّةً وَاحِدَةً﴾: على دين واحد وهو الإسلام.
﴿فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ﴾ الفاء هنا عاطفة، فهل المعطوف عليه مقدر؟ ولَّا لا حاجة للتقدير؛ لأنه مفهوم من السياق؛ لأن كونهم أمة واحدة ليس هو السبب في البعث، السبب في البعث؟ الاختلاف، فقال بعضهم: إنه على تقدير محذوف: كان الناس أمة واحدة، فاختلفوا فبعث الله، واستدلوا لذلك بقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا﴾ [يونس ١٩]، ﴿وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا﴾ إلى آخره، واستدلوا أيضًا بأن السياق يدل عليه؛ لقوله: ﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾، وقال بعضهم: لا يحتاج إلى تقدير لفهمه من الآية.
وعلى كل حال ما يهم، ولا شك أنه لا بد أن يكون المعنى: أنهم اختلفوا فبعث الرسل، ونظير هذا مما يعينه السياق قوله تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ﴾ [البقرة ١٨٥] هل المريض أو المسافر عليه العدة ولو صام؟ لا، إذن لا بد أن نقدر: فأفطر فعليه عدة.
قال: ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ﴾ (بعث) بمعنى: أرسل، وأصله من الإخراج والإثارة، ولا شك أن الرسل عليهم الصلاة السلام أن بعثهم إثارة وإخراج؛ فإن الله تعالى أوجدهم من بين هذه الأمم حتى هدى الله بهم من هدى.
﴿فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ﴾ وفيها قراءة: ﴿النَّبِيئِينَ﴾ بالهمز وكلتاهما سبعيتان، ﴿بَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾ المراد بالنبيين: هنا الرسل؛ لقوله: ﴿مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾.
وقوله: ﴿النَّبِيِّينَ﴾ قلت: إنها تشمل الرسل، فهل هناك فرق بين النبي والرسول؟ الجواب: نعم، هناك فرق، والدليل على الفرق: أن آدم نبي، وأن أول الرسل نوح ولو لم يكن فرق لكان أول الرسل من؟ آدم، إذن بينهما فرق، فما هو الفرق بين النبي والرسول؟
قيل: إن الفرق بينهما: أن النبي من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، بل تُعبد به، يتعبد به هو بنفسه، ويكون كالمجدد للدين السابق. وأما الرسول فهو الذي أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه. وهذا هو رأي الجمهور، وهو فرق جيد جدًّا؛ لأن النبي من: النبأ، وهو الخبر، فهو مخبر، والرسول من: الإرسال، وهو البعث إلى أحد، تقول: أرسلت فلانًا، يعني: بعثته ليبلغ عني، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: وقال بعض العلماء: إن الفرق أنه إذا كان من أتى بالوحي متممًا لرسالة سابقة -يعني: مجددًا لها- فهو نبي، وإن كان مستقلًا برسالة فهو رسول، لكن هذا ينتقض علينا بماذا؟
* طالب: بآدم.
* الشيخ: بآدم؛ لأن آدم ما هو مجدد، فرأي الجمهور جيد في هذه المسألة.
وقوله: ﴿مُبَشِّرِينَ﴾ حال، ﴿مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾ مبشرين بماذا؟ بثواب الله عز وجل لمن استحقه، ﴿وَمُنْذِرِينَ﴾ من؟ بعقاب الله من خالف أمر الله، قال الله تبارك وتعالى: ﴿لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا﴾ [الكهف ٢] فهنا بينت الآية المبشَّر والمبشَّر به، من المبشَّر؟
* طالب: المؤمنين.
* الشيخ: المؤمنين الذين يعملون الصالحات، والمبشَّر به: ﴿أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (٢) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (٣) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (٤) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ﴾ ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾ [الكهف ٢ - ٥] فالمنذَر هم الكفار، والمنذَر به؟ العذاب، والمنذَر به العذاب.
وقوله: ﴿مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾ هذان الحالان هما حالان مركبان أو منفردان؟ الجواب؟
* طالب: منفردان.
* الشيخ: مركبان؛ لأن الرسول يأتي بالبشارة والإنذار في آن واحد، ولَّا لا؟ يعني ليس أحد الرسل مبشرًا والآخر منذر، بل كل واحد جامع بين؟
* طالب: البشارة..
* الشيخ: التبشير والإنذار، بين التبشير والإنذار.
وفي قوله: ﴿مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾ دليل على أن ما سمي الآن من دعوة النصارى إلى دينهم بالتبشير أن هذه تسمية خاطئة كاذبة ناصبة تصلى نارًا حامية، هذه أحق الناس بها من؟ الذين يدعون إلى دين الإسلام، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول لمن يبعثهم: «بَشِّرُوا وَأَنْذِرُوا»[[أخرجه مسلم (١٧٣٢ / ٦) من حديث أبي موسى رضي الله عنه بلفظ: كان رسول الله ﷺ إذا بعَثَ أحدًا من أصحابه في بعضِ أمْرِهِ قال: «بَشِّرُوا ولا تُنَفّرُوا، وَيَسّرُوا ولا تُعَسّرُوا».]]، فيجب علينا معشر المسلمين أن نكون على يقظة من مثل هذه التسميات، ما نأخذها مجردة ونقول: والله، هذه البلاد شاع فيها التبشير، كثر فيها التبشير، المبشرون كثيرون، وما أشبه ذلك، هذا لا يجوز، لا يجوز أن نسلب هذا الوصف الحبيب إلى النفوس، نسلبه من عندنا وهو لنا، ونعطيه إلى أعدائنا.
وما نظير ذلك إلا نظير من اغتر بتسمية النصارى بالمسيحيين، المسيحيين معناه أنك الآن أقررت بأنهم يتبعون المسيح، كما إذا قلت: فلان تميمي، إذن هو من بني تميم، مسيحي على دين المسيح، المسيح ابن مريم يتبرأ من هذا الدين؛ لأنه كفر، فمثل هذه الكلمات ينبغي لطالب العلم أن يكون يقظًا من ناحيتها، وألَّا يقول: إن هذا اصطلاح عرفي، لا يقول هكذا، الاصطلاح العرفي الذي يغير المفاهيم له ليس بمقبول، إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول: «لَا تَغْلِبَنَّكُمُ الْأَعْرَابُ عَلَى صَلاتِكُمُ الْعِشَاءِ: الْعَتَمَةَ، فَإِنَّ اللَّهَ سَمَّاهَا فِي الْقُرْآنِ الْعِشَاءَ، وَإِنَّمَا يُعْتِمُونَ بِالإِبِلِ»[[أخرجه مسلم (٦٤٤ / ٢٢٨)، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه بلفظ: «لا تَغْلِبَنَّكُمُ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ، أَلَا إِنَّهَا الْعِشَاءُ، وَهُم يُعْتِمُونَ بِالْإِبِلِ». ]]، الرسول عليه الصلاة والسلام أمرنا ألَّا نغير هذا الاسم مع أنه ليس فيه الخطورة كخطورة هذه التسمية للنصارى أنهم مبشرون وأنهم مسيحيون.
أعتقد الآن لو أن أحدًا قال عن اليهود: إنهم مُوسَوِيُّون، ويش يقولون الناس؟ يردون عليه، يقولون: موسى بريء منهم، عليه الصلاة والسلام، فالمسألة هي هي لا فرق.
﴿مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾..
* طالب: قول الجمهور عندما فرقوا بين النبي والرسول البعض يعترض عليهم بأن المؤمن الدعاة يبلغون، وبهذا يكونون يعني أكمل من الأنبياء الذين لا يبلغون؟
* الشيخ: لا؛ لأنهم فقدوا الوحي.
* الطالب: بس الدعاة يبلغون، والأنبياء على هذا التعريف على هذا الفرق لا يبلغون؟
* الشيخ: نعم، ما يبلغون؛ لأنهم ما أمروا بذلك فهم مطيعون، أصله كمال العبادة في امتثال الأمر، حتى لو أمرت بالشرك والقتل وفعلت فأنت عابد؛ ولهذا كان الملائكة عبادًا لله عز وجل بسجودهم لآدم وهو شرك، وكان إبراهيم عليه الصلاة والسلام خليلًا للرحمن؛ لأنه أمر بقتل ولده فامتثل.
* طالب: شيخ، لكن في قوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ﴾ [الحج ٥٢] كيف الرسالة من النبي، كيف ذلك؟
* الشيخ: لا، هذا من باب إطلاق الرسالة على النبي هذا من باب التغليب؛ لأنه قال: ﴿مِنْ رَسُولٍ﴾، كما نقول: القمران، والعمران.
* طالب: الدليل على أن آدم نبي وليس رسول؟
* الشيخ: الدليل حديث أبي ذر عند ابن حبان وغيره: أن الرسول قال: «إِنَّهُ نَبِيٌّ مُكَلَّمٌ»[[أخرجه ابن حبان في صحيحه (٦١٩٠)، من حديث أبي أمامة رضي الله عنه. أما حديث أبي ذر فأخرجه أحمد في المسند (٢١٥٤٦).]] هذا بالنسبة للحديث وهو صريح، وأما في القرآن فواضح أن الله تعالى كلمه وأمره ونهاه، وهذا وحي، ثم إنه لا بد له أن يتعبد فبماذا يتعبد؟ العبادة ما تدرك بالعقل لا بد فيها من وحي.
* طالب: يا شيخ، أيضًا إذا قلنا: نصارى بدل مسيحيين، يقولون النصارى: نعم نحن أنصار عيسى؟
* الشيخ: لا، أصل (نصارى) نسبة لبلد الناصرة؛ لأن (نصارى) ما هو معناه جمع (ناصر)، لا لكن نسبة إلى هذا.
* طالب: بعض (...) في تعريفه الرسول يقول: إنه أُمِر بالجهاد عليه، أُمِر عليه شرعًا، أما النبي فإنه لا جهاد عليه، فهل ذلك صحيح؟
* الشيخ: لا.
* الطالب: فما وجه ها ذاك؟
* الشيخ: لأنه غير صحيح؛ لأن بعض الرسل أُمِروا بالجهاد، وبعضهم ما أُمِروا بالجهاد.* طالب: شيخ، بالنسبة لقولك تؤيده: لا يجوز وصف النصارى بأنهم مبشرون؛ لأن البشارة (...)، لكن الله تبارك وتعالى يقول: ﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [آل عمران ٢١]؟
* الشيخ: ويش الجواب على هذا؟ الجواب: أن البشارة إذا قيدت فهي بما قيدت به، لكن أن تقول: هذا المبشرين بس، أنا أوافقك إذا قلت: هؤلاء المبشرون بالعذاب.
* طالب: شيخ، تعرف شيخ الروافض يطلق عليهم جعفريين، فهل لهذا جواب؟ جعفريين نسبة إلى جعفر الصادق وهو بريء منهم؟
* الشيخ: على كل حال، كل من انتسب إلى نبي أو رسول أو مؤمن أو ولي وهو مخالف له، فإن نسبته إليه كاذبة.
يقول هنا: ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ ﴿أَنْزَلَ مَعَهُمُ﴾ المعية هنا للمصاحبة، والمعية كلما أطلقت فهي للمصاحبة، لكنها في كل موضع بحسبه، ﴿أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ﴾ (الكتاب) هنا قلت قبل قليل: إنه يراد به الجنس، يعني: جنس الكتاب، وإلا فلكل رسول كتاب، وقد زعم بعض المفسرين: أن قوله: ﴿وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ﴾ أي: مع بعضهم، وقال: ليس كل الرسل معهم كتاب، ولكن هذا خلاف ظاهر القرآن، وقد قال الله تعالى في سورة الحديد: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ﴾ [الحديد ٢٥]، فظاهر الآية: أن مع كل رسول كتاب، وهذا هو مقتضى الحال، حتى يكون هذا الكتاب الذي معه يبلغه إلى الناس.
ولا يرد على هذا أن بعض الشرائع تتفق، بعض الشرائع تتفق في مشروعاتها وحتى في منهاجها، لا يكون فيها إلا اختلاف يسير كما في شريعة التوراة والإنجيل، فإن هذا لا يضر، المهم أن كل رسول في ظاهر القرآن معه كتاب.
وقوله: (كتاب) بمعنى: مكتوب، فمنه ما نعلم أن الله كتبه، ومنها ما لم نعلم أن الله كتبه لكن تكلم به، فالتوراة كتبها الله عز وجل: ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف ١٤٥]، وكذلك أيضًا في الزبور: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء ١٠٥]، القرآن الكريم ما ذكر الله تعالى أنه كتبه، وإنما ذكر أنه أنزله على محمد ﷺ، فيكون وحيًا من الله تكلم به وألقاه إلى جبريل، ثم جبريل ألقاه إلى النبي ﷺ، ولكن على كل حال الكل منزل من عند الله، سواء كان مكتوبًا أو مقولًا، يعني سواء كان طريقه -أي: طريق إنزاله- على وجه الكتابة أو على وجه القول والوحي يوحيه الله عز وجل إلى جبريل، ثم ينزل به جبريل إلى من أرسله الله إليه.
وقوله: ﴿أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ﴾ القرآن من الكتب، أو لا؟
* طالب: نعم
* الشيخ: وقد ذكرنا فيما سبق أنه سمي كتابًا؛ لأنه مكتوب في اللوح المحفوظ؛ ولأنه مكتوب في الصحف التي بأيدي الملائكة؛ ولأنه مكتوب في الصحف التي بأيدينا، وسبق لنا أن الكتاب فِعَال بمعنى مَفْعُول، وأن فِعَال تأتي بمعنى مَفْعُول في اللغة العربية كثيرًا، وضربنا لذلك أمثلة في مثل: فراش، وبناء، وغراس، وكساء، وما أشبهها.
وقوله: ﴿بِالْحَقِّ﴾ هل هي متعلقة بأنزل ﴿وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾؟ يعني الكتاب جاء بالحق، أو أنها حال من الكتاب، يعني: متلبسًا بالحق؟ هذا هو الأخير مع أنهما متلازمان، ما دام أنه متلبس بالحق أن الكتب هذه كلها حق، فهي إذن نازلة من عند الله حقًّا؛ لأن الله هو الحق، ولا ينزل منه إلا الحق سبحانه وتعالى.
وقوله: ﴿بِالْحَقِّ﴾ أي: الثابت، الثابت النافع، وضده الباطل الذي يزول ولا ينفع، فما هو الحق الثابت في الكتب المنزلة من عند الله؟ نقول: بالنسبة للأخبار الحق فيها هو الصدق، يعني: إذا قلت: هذا الخبر حق، يعني: صدقًا مطابقًا للواقع، وأما الحق في الأحكام فإنه العدل والنفع، وعلى هذا قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ [الأنعام ١١٥]، الكتب اللي من غير الله فيها تناقض، والتناقض إبطال الشيء بالشيء ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء ٨٢]؛ ولهذا يقولون في باب المناظرة في العلم: إن من أكبر ما تخصم به مجادلك أن يكون قوله متناقضًا، إذا كان القول متناقضًا فليس بصحيح؛ لأن القول الحق لا يمكن يتناقض، لا يمكن يتناقض أبدًا بل هو مطرد٣
بل أنت بنفسك إذا أردت أن تختار قولًا من الأقوال، ثم وجدت أن هذا القول الذي تميل إليه يتناقض، فاعلم أنه غير صحيح، إذا وجدته يتناقض فاعلم أنه غير صحيح، وإن كان في أول الأمر يتراءى لك أنه صحيح، لكن إذا عرفت أنه يتناقض، فاعلم أنه ليس بحق؛ لأن الحق لا يمكن أن يتناقض.
فهنا نقول: ﴿بِالْحَقِّ﴾ هل المعنى: أن نزوله بالحق فيكون متعلق بأنزل، يعني: أنه حق من عند الله لا من عند غيره، أو أن المعنى: متلبسًا بالحق، أي: أنه مشتمل على الحق، الكتاب؟
* الطلبة: كلا الأمرين.
* الشيخ: قلنا: كلا الأمرين، كلا الأمرين حق، أما الأول فواضح؛ فإن الكتب التي جاءت بها الرسل من عند الله لا شك فيها، وأما الثاني فكذلك؛ لأن من تأمل ما جاءت به هذه الكتب وجده صدقًا في الأخبار، وعدلًا في الأحكام.
ثم قال عز وجل: ﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ ﴿لِيَحْكُمَ﴾ ذكرت أن فيها ثلاثة أراء: هل الفاعل الله، أو الفاعل الرسول، أو الفاعل الكتاب؟ منهم من قال: إن الفاعل هو الله، أي: ليحكم الله، قال: لأن الضمائر ينبغي أن تكون متسقة على مجرى واحد: ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ﴾، ﴿وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ﴾، ﴿لِيَحْكُمَ﴾ تكون الضمائر كلها تعود على من؟ على الله، فيكون السياق متسقًا، ومعلوم أن الله تعالى هو الحاكم، حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والرسل لا يحكمون إلا بحكمه، والكتب علامة ودليل على حكم الله عز وجل، وإلا فالأصل أن الحكم إلى من؟ إلى الله سبحانه وتعالى.
والذين قالوا: ﴿لِيَحْكُمَ﴾ أي: الكتاب، قالوا: لأنه طريق الحكم، ونحن لا نعلم أن هذا حكم الله إلا بواسطة الكتاب المنزل فهو حاكم؛ لأنه وحي الله عز وجل، والحقيقة حتى على هذا القول فإن المرجع إلى أي شيء؟ إلى الله، المرجع إلى الله.
أما قوله: ﴿لِيَحْكُمَ﴾ أي: النبي، فهذا أوردنا عليه إشكالًا من جهة أن النبيين جمع، وهذا مفرد، ولو كان عائدًا إلى النبيين لقال: ليحكموا بين الناس، ليحكموا، وأجبنا عن ذلك بأن النبيين جمع، والجمع دال على أفراد، والمعنى: ليحكم كل واحد منهم بين الناس، ومنه على رأي قوله تعالى: ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان ٧٤] ما قال: وجعلنا للمتقين أئمة مع إن (نا) تدل على الجمع، قالوا: ﴿وَاجْعَلْنَا﴾ اجعل كل واحد منا، اجعل كل واحد منا إمامًا للمتقين.
* طالب: شيخ، القول الأول ﴿لِيَحْكُمَ﴾ أنها تعود إلى الله ليحكم بين الناس، هل هذا حق لحكم الله بالكتاب؟
* الشيخ: معلوم من الناحية الشرعية الحكم الشرعي ما يعرف إلا بالكتاب الذي أنزله الله، أما الحكم القدري ما هو موضوع هذه الآية.
قال: ﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ اختلف الناس فبعضهم قال: الحق كذا، ومشى معه، وبعضهم قال: الحق كذا، ومشى معه، خصمان لا بد بينهما من حكَم، فما هو الحكَم؟ هو ما جاءت به الرسل؛ ولهذا قال: ﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾، وقوله: ﴿فِيمَا اخْتَلَفُوا﴾ ﴿فيما﴾ (ما) هذه اسم موصول، واسم الموصول من ألفاظ العموم، فيشمل كل ما اختلف فيه الناس من الدقيق والجليل في مسائل الدين.
لعلكم تقولون: لماذا لم تقل: من أصول الدين وفروعه؟ هذا التقسيم الذي اشتهر عند أهل العلم أبطله شيخ الإسلام وابن القيم يقول: ما في دليل على أن الدين ينقسم إلى أصول وفروع، ولا فيه ضابط مستقيم، والتقسيم هذا حادث، وفي الدين ما هو أصول بالإجماع وهو عندكم فروع، كالصلاة والحج والزكاة والصيام، أركان الإسلام أصول، وهي عند هؤلاء تسمى فروع، وفيه من الأشياء العلمية ما لا يعد أصلًا من الدين، ولا يكفر مخالفه ولا يضل، فدل هذا على أن هذا التقسيم ليس بصحيح، على الرغم من أنه مشهور عند أهل العلم حتى إنهم فرعوا على هذا فروعًا، منها: أن المخالف في الأصول يضلل، والمخالف في الفروع لا يضلل، ومنها: أن الأصول لا تقبل إلا بخبر يقيني، والفروع تقبل بخبر الظني وما أشبه ذلك مما ذكروه مفرعًا على هذا، ومن أراد زيادة البحث فيه فليرجع إلى كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وكذلك تلميذه ابن القيم في مختصر الصواعق المرسلة، ذكر رد هذا القول من وجوه متعددة.
المهم أن قوله: ﴿فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ (ما) اسم موصول يفيد العموم، كل ما اختلفوا فيه من الدقيق والجليل في الدين، فإن مرجعه إلى الله ورسله، قال الله تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء ٥٩]، وقال تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ [الشورى ١٠].
﴿وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ ﴿وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ﴾ أي: في الكتاب، أي: في جنسه، ﴿إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ﴾ أي: أعطوه، وهنا قال: ﴿إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ﴾ والمراد هنا: الأمم لا الرسل؛ لأن الإتيان مباشرة إلى من؟ إلى الرسل، ﴿وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ﴾ [المائدة ٤٦]، ﴿وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا﴾ [النساء ١٦٣]، ولكن حقيقة الأمر أنه يأتي إلى الرسل ثم؟ يعود إلى الأمة، فقوله: ﴿إلا الذين أوتوه﴾ أي: أوتوا الكتاب، قال الله تعالى: ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ [البينة ٤]، فالذين اختلفوا فيه اختلفوا فيه بغير عذر؛ لأنهم أوتوه وعرفوه ومع ذلك اختلفوا فيه.
﴿وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ قوله: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ﴾ قالوا: إنه متعلق بـ﴿اخْتَلَفَ﴾، يعني: وما اختلف فيه من بعد ما جاءتهم البينات إلا الذين أوتوه، و﴿بَغْيًا﴾ هذه مفعول من أجله متعلق عاملها أيش؟ ﴿اخْتَلَفَ﴾ أيضًا، يعني: اختلفوا بغيًا، وليس عاملها ﴿أُوتُوهُ﴾؛ لفساد المعنى، لو قلت: أوتوه بغيًا، هل الله آتاهم إياه ليبغوا به؟ لا، لكن اختلفوا بغيًا، فعلى هذا يكون التقدير واضحًا: وما اختلف فيه من بعد ما جاءتهم البينات بغيًا إلا الذين أوتوه.
وفي قوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ﴾ الإتيان بهذا الوصف بالذات فيه من كمال التوبيخ واللوم ما هو ظاهر؛ لأنه كان الأوجب والأحرى بهؤلاء الذين أوتوه أيش؟ ألَّا يختلفوا فيه، كان الأوجب أن يتفقوا عليه، لكنهم اختلفوا فيه مع تفضل الله عليهم بإيتائه، فيكون هذا أشد في اللوم والتوبيخ.
(..) تعالى: ﴿فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ﴾ (هدى) المراد بالهداية هنا: هداية التوفيق المسبوقة بهداية العلم والإرشاد؛ لأن الهداية تنقسم إلى قسمين: هداية دلالة وإرشاد، وهداية توفيق، انظر إلى قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت ١٧] ما معنى هديناهم؟ أي: بينا لهم وأرشدناهم، ولكنهم لم يهتدوا، وانظر إلى قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [القصص ٥٦] أي: لا توفقه للهداية، فهي هداية توفيق، وهنا ﴿فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ هل المراد هداية التوفيق؛ لأن الكل قد هدوا بدلالة ما جاءت به الكتب التي جاءت مع الرسل، أو هداية الدلالة والتوفيق جميعًا؟
* طالب: التوفيق.
* الشيخ: التوفيق؛ لأن الجميع قد جاءتهم الرسل بالكتب وبينت لهم، لكن ما اهتدى منهم إلا الذين هداهم الله.
﴿فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ﴾ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ الإيمان في اللغة: التصديق، ولكنه في الشرع: التصديق المستلزم للقبول والإذعان، وليس مجرد التصديق إيمانًا، لو كان مجرد التصديق إيمانًا لكان أبو طالب مؤمنًا؛ لأن أبا طالب كان يقر بأن محمدًا ﷺ صادق، ويقول:
؎لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ ابْنَنَا لَا مُكَذَّبٌ ∗∗∗ لَدَيْنَــــا وَلَا يُعْنَى بِقَوْلِالْأَبَاطِــــــــل
لكنه لم يقبل، ولم يذعن فلم يكن مؤمنًا، إذن فالإيمان في الشرع: التصديق المستلزم للقبول والإذعان، وليس مجرد التصديق.
وقوله: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ﴾ أي: للذي اختلفوا فيه، والضمير في قوله: ﴿اخْتَلَفُوا﴾ يعود على ﴿النَّاسُ﴾، يعني: هدى الله المؤمنين لما اختلفوا فيه من الحق، فإن الناس اختلفوا في الحق فمنهم من قبله، ومنهم من أنكره ورده، فالمؤمنون هداهم الله لهذا الحق الذي اختلفوا فيه، وعلى هذا فيكون قوله: ﴿مِنَ الْحَقِّ﴾ في موضع نصب على الحال بيانًا لأيش؟ ﴿لِمَا﴾ الذي هي اسم الموصول، ويبين لك أن الجار والمجرور بيان لها: أنك لو قلت: فهدى الله الذين آمنوا للحق الذي اختلفوا فيه، يستقيم المعنى ولَّا لا؟ يستقيم المعنى، فبهذا نعرف أن قوله: ﴿مِنَ الْحَقِّ﴾ ليست للتبعيض ولكنها للبيان، أي: بيان الإبهام الكائن في (ما) الموصولة ﴿لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ﴾.
وقوله: ﴿مِنَ الْحَقِّ﴾ سبق لنا عدة مرات معنى الحق، وأنه في الأصل: الشيء الثابت المنافي للباطل، وقلنا: إنه إن وصف به الخبر فالمراد به الصدق، وإن وصف به الحكم فالمراد به العدل، وعلى هذا قوله تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ [الأنعام ١١٥].
وقوله تعالى: ﴿بِإِذْنِهِ﴾ أي: بمشيئته، هداهم بمشيئته وإرادته، ولكنه سبحانه وتعالى لا يشاء شيئًا إلا مشيئة مقرونة بالحكمة؛ إذ إن مشيئة الله سبحانه وتعالى ليست مشيئة مجردة، بل هي مقرونة بالحكمة، ما الدليل على ذلك؟
الدليل ما أشرنا إليه من قبل وهو قوله تعالى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [الإنسان ٣٠]، فبين الله عز وجل أن مشيئته تابعة لحكمته، فليست مجرد مشيئة، ولكنها مشيئة مقرونة بالحكمة لتكون أتم مشيئة.
وقوله: ﴿بِإِذْنِهِ﴾ الإذن التي اتصف الله بها نوعان: كونية، وشرعية؛ فالكونية هي المتعلقة بالقضاء والقدر، والشرعية هي المتعلقة بالشرع، مثال الكونية: قوله تعالى: ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [البقرة ١٠٢] يعني: السحر، فالمراد ﴿بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ هنا أيش؟ الإذن الكوني، وليست الإذن الشرعي؛ لأن الله لا يمكن أن يأذن بالسحر وما يترتب عليه من ضرر، ولكن هذا إذن كوني، ومثال الإذن الشرعي: قوله: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى ٢١]، هذا يتعين أن يكون الإذن الشرعي، لماذا؟ لأنه أذن فيه كونًا، وقع، فهو –كونًا- مأذون فيه؛ لأنهم شرعوا لهم من الدين، لكن شرعًا لم يأذن به، فيتعين أن يكون قوله: ﴿شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ أن يكون المراد به أيش؟ الإذن الشرعي؛ أولًا لأنه مقرون بالشريعة ﴿شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ﴾ شرعوا من الدين، فيكون المراد الإذن الشرعي، ثانيًا: أنه لا يمكن أن يراد به الإذن الكوني؛ لأنه قد وقع، فيكون ما شرعوه مأذونًا فيه أيش؟ كونًا لا شرعًا. هنا في قوله تعالى: ﴿مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ﴾ أي المعنيين يراد؟
* طالب: الشرعي.
* الشيخ: ﴿فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ﴾
* طالب: الكوني.
* الشيخ: المراد الكوني، نعم.
قال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ في: ﴿صِرَاطٍ﴾ قراءتان: بالصاد، وبالسين، سبعيتان، وقوله: ﴿وَاللَّهُ يَهْدِي﴾ هذه جملة مكونة من مبتدأ وخبر، والخبر فيها جملة.
وقوله: ﴿يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ ﴿يَهْدِي﴾ بمعنى: يدل ويرشد ولَّا بمعنى يدل ويرشد ويوفق؟ الجميع، فهي هداية كونية شرعية، ﴿يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.
وقوله: ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾ يعني: ممن يستحق الهداية؛ لأننا ما دمنا قد قررنا أن كل شيء علق بمشيئة الله، فإنه تابع لحكمته، إذن يهدي من يشاء إذا كان أهلًا للهداية، فهو سبحانه وتعالى كما أنه يجعل الرسالة في أهلها، فإنه يجعل الهداية في أهلها، كما قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام ١٢٤]، كذلك هو أعلم حيث يجعل شريعته وتوفيقه.
وقوله: ﴿إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ الصراط في اللغة العربية: هو الطريق الواسع، وسمي: صراطًا، وقد يقال: زراطًا بالزاي، قالوا: لأنه يبتلع سالكه، كما أنك إذا بلعت اللقمة بسرعة ويش يقال؟
* طالب: زرطها.
* الشيخ: زرطها نعم؛ لأنه لما كان واسعًا يبتلع السالك، بسرعة يمشون، سمي صراطًا، فالصراط هو الطريق الواسع، وبعضهم قال: الطريق الواسع المستقيم؛ لأن المعرَّج ما يحصل فيه العبور بسهولة، وجعل قوله: ﴿مُسْتَقِيمٍ﴾ صفة مؤكدة.
وعلى كل حال فالصراط المستقيم الذي ذكره الله عز وجل بينه سبحانه وتعالى في سورة الفاتحة في قوله: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة ٦، ٧]، فهو الصراط الذي يجمع بين العلم والهداية، وإن شئت فقل: بين الهدى والرشد، بخلاف الطريق غير المستقيم الذي يحرم فيه السالك الهدى كطريق النصارى، أو يحرم فيه الرشد كطريق اليهود.
﴿يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ ثم قال..
* طالب: شيخ؟
* الشيخ: نعم.
* الطالب: ما الفرق بين الإذن والقضاء؟
* الشيخ: من أي ناحية؟
* الطالب: من ناحية المعنى.
* الشيخ: كلاهما متقارب، حتى القضاء ينقسم إلى: قضاء شرعي وقضاء كوني.
* الطالب: (...).
* الشيخ: إيه متقاربة.
* الطالب: (...).
* الشيخ: كل هذه معناها متقاربة متلازمة بعضها مع بعض؛ لأنه سبحانه وتعالى إذا قضى أَذِن، يعني: أمر، وإذنه حكم، وأمره حكم، فهي معانٍ متقاربة مثل الغضب والسخط، والرضى والقبول.
* الطالب: (...) ليس مباشرًا؟
* الشيخ: لا، ما هو لازم، مباشر.
ثم قال: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ﴾ إلى آخره، (أم) هذه من حروف العطف، ولكنها هل هي هنا متصلة أو منقطعة؟
* طالب: منقطعة.
* الشيخ: منقطعة؟ طيب اللي بيقول: منقطعة نبغي نسأله ويش الفرق بينهما؟ وإلا كان مثل الصبي، الصبي إن قلت: تحب أباك ولا أمك؟ قال: أمي، ولو قلت: تحب أمك ولا أبوك؟ قال: أبوي، يجعلها الأخيرة، فالآن نشوف أنت قلت: منقطعة؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: طيب، ويش السبب؟
* الطالب: لأنها لم يذكر معها المعادل، المنقطعة إذا لم يذكر معها المعادل فهي منقطعة.
* الشيخ: (أم) إذا لم يذكر معها المعادل فهي منقطعة، زين، فرق آخر؟
* الطالب: بمعنى (بل).
* الشيخ: بمعنى (بل)، والمتصلة بمعنى؟
* الطالب: بمعنى العطف (أو).
* الشيخ: بمعنى (أو)، صح، (...) الفرق بين المتصلة والمنقطعة من وجهين: المتصلة يذكر فيها المعادل، كقوله تعالى: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ﴾ [البقرة ٦]، والمنقطعة لا يذكر فيها المعادل، ثانيًا: المنقطعة بمعنى (بل)، والمتصلة بمعنى (أو).
هنا ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾ قالوا: إنها منقطعة يقدر بعدها همزة الاستفهام، أي: بل أحسبتم، فهي إذن للإضراب، الإضراب الإبطالي أو الانتقالي هنا؟
* طالب: الانتقالي.
* الشيخ: الانتقالي، انتقال من كلام إلى آخر، بل: أحسبتم.
و﴿حَسِبْتُمْ﴾ بمعنى ظننتم، وعلى هذا فتنصب مفعولين، ولكن أين مفعولاها؟ قال بعض النحويين: إن (أنْ) وما دخلت عليه تسد مسد المفعولين، وقال آخرون: بل إن (أنْ) وما دخلت عليه تسد مسد المفعول الأول، ويكون المفعول الثاني محذوفًا، الكلام مفهوم؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: طيب، إذا قلنا: إن مفعوليها يسد مسدهما (أنْ) وما دخلت عليه، فالأمر واضح ما يحتاج إلى تقدير شيء آخر، وإذا قلنا: إن (أنْ) وما دخلت عليه تسد مسد المفعول الأول، فكيف نقدر الثاني؟ يكون التقدير: أم حسبتم دخولكم الجنة واقعًا ولما يعلم الله.
ثم قال: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾ [البقرة 214] الخطاب في قوله: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ﴾ يعود إلى من؟ إلى كل من يتوجه إليه الخطاب: إلى النبي ﷺ، وإلى الصحابة، وإلى من بعدهم.
وقوله: ﴿أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾ الجنة تقدم لنا مرارًا أنها في اللغة: البستان الكثير الأشجار، وأنه سمي بذلك؛ لأنه يُجِنُّ من كان فيه، أي: يستره ويغطيه، وأن أصل هذه المادة: الجيم والنون، أصلها: الاستتار، ومنه سمي الجن، ومنه سميت الجُنَّة التي يتترس بها المقاتل، كقوله تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [المجادلة ١٦]، فعندنا: جُنة وجِنة وجَنة كلها موجودة في القرآن أو لا؟ ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً﴾، ﴿مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾ [الناس ٦]، ﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا﴾ [الصافات ١٥٨]، أما الجَنة فكثير.
لكن هل نقول في الجنة التي وعد الله المتقين: إنها البستان الكثير الأشجار؟
* طالب: نعم.
الشيخ: قلنا لكم: لا نقول هذا؛ لأنك لو قلتها؛ لكان فيها توهين لأمرها وتهوين لشأنها، لكن إذا قلت: هي الدار التي أعدها الله للمتقين، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، أيما أعظم في النفس أن تقول مثل هذا الكلام، أو أن تقول: هي البستان الكثير الأشجار؟ في ظني أن الأول أبلغ؛ لأنك إذا قلت: البستان الكثير الأشجار، قال: هذا موجود، روح لبستان فلان كثير الأشجار، لكن إذا قلت: الدار التي أعدها الله للمتقين، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، كان هذا أعظم في النفوس.
* طالب: شيخ؟
* الشيخ: نعم.
* الطالب: الحديث الذي «أَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ (...)، وَأَنَّ غِرَاسَهَا: سُبْحَانَ اللَّهِ»[[أخرجه الترمذي (٣٤٦٢)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بلفظ: «وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ، عَذْبَةُ الْمَاءِ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا: سُبْحَانَ اللَّهِ..» الحديث.]]؟
* الشيخ: نعم صحيح.
* الطالب: طيب هذا يوحي أنها يعني جنة مثل..؟
* الشيخ: إيه، لكن الغراس غير الغراس هذا؛ لأن كثيرًا من الناس ما يتوهم عندما تقول: البستان كثير الأشجار إلا ما يشاهد في الدنيا فقط.
ثم قال: ﴿وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ﴾ إلى آخره، ﴿لَمَّا﴾ هنا جزمت الفعل ولَّا لا؟
* طالب: جزمت.
* الشيخ: الدليل؟
* طالب: حذف الياء.
* الشيخ: حذف الياء، نعم.
﴿وَلَمَّا يَأْتِكُمْ﴾ لو كان لم يجزم لقيل: يأتيكم، ﴿وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ﴾ هل (لما) هنا على معناها وعلى ظاهرها، أو هي بمعنى لم يأتكم؟ قال بعض المعربين: إنها بمعنى (لم)، وقال آخرون: بل هي على ظاهرها بمعنى (لما)؛ لأن الأصل إبقاء الكلام على ظاهره، هل هناك فرق بين القولين؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: نعم، إذا قلنا: (لم) ما دلت إلا على انتفاء ذلك الشيء، أو على نفي ذلك الشيء دون أن يكون متوقعًا، لكن إذا قيل: (لما يأتكم) صار هذا الأمر متوقعًا، من أجل أن تُهيأ النفوس لوقوعه، والمتوقع قد يقع وقد لا يقع، أليس كذلك؟ لكن إذا سيق مساق المتوقع، فإن النفوس تتهيأ له، وهذا الوجه أصح أنها على ظاهرها.
وقد تقدم أنك إذا قلت: سرت إلى البلد ولم أدخلها، فهذا نفي للدخول، لكن ما يتوقع أن تدخلها، لكن إذا قلت: سرت إلى البلد ولما أدخلها، صرت قريبًا منها ويتوقع دخولك إياها.
قال: ﴿وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ﴾ مثلهم، أي: صفة ما وقع لهم، والمثل يطلق على الصفة، يعني: يكون بمعنى الصفة مثل قوله تعالى: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ﴾ [الرعد ٣٥]، أي: صفتها كذا وكذا. إذن ﴿مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ أي: صفة ما وقع بهم.
وقوله: ﴿الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ ﴿خَلَوْا﴾ بمعنى: مضوا، فما فائدة قوله: ﴿مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ ما دامت ﴿خَلَوْا﴾ بمعنى مضوا؟ نقول: هذا من باب التوكيد، والتوكيد قد يأتي بالمعنى مع اختلاف اللفظ، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [البقرة ٦٠]، فإن الإفساد هو العتو، ومع ذلك جاء حالًا من الواو، فهو مؤكد لفعله لعامله، هذه ﴿خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ ﴿مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ مؤكدة لقوله: ﴿خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ﴾.
ثم لما كانت (مثل) مبهمة ﴿مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ ما هذا المثل؟ بينه الله تعالى بقوله: ﴿مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا﴾ ﴿مَسَّتْهُمُ﴾ المس -كما تعرفون- هو: المباشرة مباشرة الشيء، تقول: مسسته -مثلًا- بيدي، مس ثوبُه الأرض، وما أشبه ذلك، ﴿مَسَّتْهُمُ﴾ يعني: أصابتهم إصابة مباشرة، وهذه الجملة استئنافية لبيان المثل الذي ذكر في قوله: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ ﴿مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا﴾، ثلاثة أشياء: ﴿الْبَأْسَاءُ﴾ قالوا: إنها شدة الفقر، مأخوذة من البؤس وهو الفقر الشديد، ﴿الضَّرَّاءُ﴾ قالوا: إنها المرض والمصائب البدنية، ﴿وَزُلْزِلُوا﴾ بالمخاوف والقلق، فتكون الإصابات هنا في ثلاثة مواضع: في المال، ويش بعد؟ والبدن، والنفس.
﴿زلزلوا﴾ زلزلوا بماذا؟ هل المراد زلزلت بهم الأرض؟ لا، زلزلوا بالمخاوف والفتن العظيمة، انظر إلى قصة أصحاب الأخدود زلزلوا ولَّا لا؟ نعم، زلزلوا وفتنوا، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾ [البروج ١٠]، فالزلزلة هنا ليست زلزلة الأرض، لكنها زلزلة القلوب بما يحصل لها من المخاوف والفتن والشبهات والشهوات، وقد حصل ذلك للمؤمنين، حصل ذلك للمؤمنين في غزوة الخندق، أو لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: اتلو الآية؟ ﴿هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا﴾ [الأحزاب ١١]، وهو كذلك واقع، وبهذا نعرف أن قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا يَأْتِكُمْ﴾ أن الصواب فيها إبقاؤها على ظاهرها.
﴿وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ﴾ في ﴿يَقُولَ﴾ قراءتان: ﴿يَقُولُ﴾ ، و﴿يَقُولَ﴾، أما قراءة الرفع فعلى إلغاء (حتى)، وأما قراءة النصب فعلى إعمالها، وقد سبق هل هي التي تعمل بنفسها وإلا (أن) مضمرة بعدها، لكنها لا تعمل، لا تعمل إلا في المستقبل أو لا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: طيب، هنا ﴿حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ﴾ هذا القول صدر من الذين خلوا من قبلنا، فكيف يصح أن ينصب وهو قد خلا؟ انتبه كيف يصح أن ينصب؟ قال المعربون: إنه نصب على حكاية الحال، وإذا قدرنا حكاية الحال الماضية صار ﴿يَقُولَ﴾ مستقبلًا بالنسبة لها، فإن ﴿يَقُولَ﴾ بالنسبة للزلزال والبأساء والضراء مستقبل ولَّا غير مستقبل؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ﴿مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ﴾ هو مستقبل بالنسبة لما سبقه، لكن بالنسبة لنا غير مستقبل؛ لأنه ماضٍ، لكن باعتبار حكاية الحال يكون مستقبلًا، وعلى هذا فنقول: إنه مستقبل بالنسبة لما سبقه، لكن الحال الواقعة بالنسبة لنا كلها ماضية.
وأما على قراءة الرفع ﴿حَتَّى يَقُولُ﴾ فهو على حكاية الحال الماضية، ويش معنى على حكاية الحال الماضية؟ يعني: أن الله تعالى يحكي لنا ذلك وهو شيء مضى، يعني: حتى إنه ليقول الرسول والذين معه، إلى آخره. فصار في الآية قراءتان: النصب، ويش بعد؟ والرفع، أما النصب فعلى تقدير حكاية الحال الحاضرة كأنها حال حاضرة الآن فنقول: ﴿حَتَّى يَقُولَ﴾ بالنصب، وأما الثاني: فعلى حكاية الحال الماضية، يعني: كأن الله يخبرنا عن هذا القول.
وقوله: ﴿حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ﴾ من الرسول؟
* طالب: (...).
* الشيخ: المراد به الجنس، يعني: حتى يقول الرسول من هؤلاء الذين زلزلوا وأصيبوا ومستهم البأساء والضراء.
وقوله: ﴿مَتَى نَصْرُ اللَّهِ﴾ (متى) اسم استفهام، وترد للانكار والاستبعاد وللاستبطاء وللرجاء، ولعدة معانٍ، فهنا هل هو للإنكار؟
* طالب: لا.
* الشيخ: لا. للاستبعاد؟
* طالب: لا.
* الشيخ: لا، طيب للإنكار ويش مثاله؟ ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [يونس ٤٨] هذا للإنكار، لكن هذه لا يمكن أن تكون للإنكار، ولا يمكن أن تكون للاستبعاد، لماذا؟ قالوا: للاستبطاء، يعني: أنهم استبطؤوا النصر، ما هم استبطؤوا وقوعه، يعني: (...) سيقع، لكن يريدون تعجيله، كقول النبي عليه الصلاة والسلام في بدر: «اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي»[[أخرجه مسلم (١٧٦٣ / ٥٨)، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.]]، فهم يريدون تنجيزه، يعني: يقول: يا ربنا، أبطأ علينا نصرك فأنجزه لنا، وهذا يدل على شدة ما نزل بهم حتى إنهم يقولون هذا الدعاء، دعاء الملهوف الطالب للإغاثة: متى النصر؟ متى النصر؟ متى النصر؟ يعني: أنهم في شدة ولهف لطلب هذا النصر من قوة الأمر الذي أصابهم.
﴿حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾ كلمة (معه) هل هي متعلقة بـ﴿يَقُولَ﴾، ولا متعلقة بـ﴿آمَنُوا﴾؟
* طالب: ﴿آمَنُوا﴾.
* الشيخ: حتى يقولوا معه، وإلا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه، إذا قلنا: يقول معه، صار قولهم جميعًا، كأن يقولوا جميعًا: متى نصر الله، وإذا قلنا: والذين آمنوا معه، فمعناها أن إيمانهم إيمان مصحوب بمعيتهم له، يعني: ما هم آمنوا وتخلوا عنه بل آمنوا معه، فيكون دالًّا على أنهم مؤمنون مصاحبون لهذا النبي، ولا يعني ذلك أنه لا يفهم أنهم يقولون، لا، يقولون؛ لأن العطف ﴿وَالَّذِينَ﴾ يقتضي اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في الحكم الذي هو القول، ولكن تعلقه بقوله: ﴿آمَنُوا﴾ أقرب من تعلقه بقوله: ﴿يَقُولَ﴾.
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ﴾ قال الله تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ هذا الجواب من أين؟
* طالب: من الله.
* الشيخ: من الله، يعني: أن الله يقول: ﴿أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾، ولكن هل إنه يقول لأولئك الذين قالوا: متى نصر الله، أو أن الله يخبرنا الآن أن نصر الله قريب؟ هو كونه يخبرنا أن نصر الله قريب أبلغ، يعني أن الأمر ﴿مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا﴾ حتى تصل الحال بهم إلى هذا مع أن نصر الله قريب ﴿أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾، أظن سبق لنا في البخاري في التفسير الكلام على هذا، وقلنا: إن بعض المفسرين يقول: إن قوله: ﴿أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ من كلام الرسل، وإن المعنى ﴿حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ﴾ الذين يقوله المؤمنون، ويكون الرسول يقول: ﴿أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾، ولكنه سبق أن هذا قول بعيد من الصواب؛ لأنه يقتضي تشتيت الآية (...) معناها، والصواب أنه من كلام الله سبحانه وتعالى وأن قول الرسول والمؤمنين ﴿مَتَى نَصْرُ اللَّهِ﴾.
(...) ﴿وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾.
* يستفاد من الآية الكريمة: أن دين الإسلام هو الفطرة؛ لقوله: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾، فقبل أن يحصل ما يفتنهم كانوا على دين واحد دين الإسلام.
* ويستفاد من ذلك: الحكمة في إرسال الرسل، وهو التبشير والإنذار؛ لقوله: ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾.
ويستفاد من ذلك: أن النبوة لا تنال بالكسب، وإنما هي فضل من الله؛ لقوله: ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ﴾ قال السفاريني في عقيدته:
؎وَلَا تُنَــــــــــالُ رُتْبَــــــــــــةُالنُّبُــــــــــــــــــــــــوَّة ∗∗∗ بِالْكَسْــــبِ وَالتَّهْذِيــــبِوَالْفُتُــــــــــــوَّة؎لَكِنَّهَا فَضْلٌ مِنَ الْمَوْلَى الْأَجَلْ ∗∗∗ لِمَنْ يَشَــــا مِنْ خَلْقِهِ إِلَىالْأَجَــــلْ
والدليل هذا ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ﴾.
* ويستفاد من هذه الآية الكريمة: أن أحق وصف بالتبشير إنما هو لأتباع الرسل؛ لقوله: ﴿مُبَشِّرِينَ﴾، وأما أخذ النصارى -قاتلهم الله- هذا الوصف لدعاتهم الآن لكونهم يقولون للداعية إلى النصرانية يسمونه: مبشرًا، فهذا عدوان وظلم منهم، وغفلة ونوم من المسلمين، وإلا فالمسلمون المتبعون للرسل هم أحق الناس بهذا الوصف، أما أولئك فإن أحق وصف لهم أن نقول: هم منصِّرون أو مضللون.
* ويستفاد من الآية الكريمة: أن الشرائع التي جاءت بها الرسل تنقسم إلى أوامر ونواهٍ، من أين تؤخذ؟
* الطلبة: ﴿مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾.
* الشيخ: كيف؟ لأن الإنذار عن الوقوع في المخالفة، والبشارة لمن امتثل وأطاع.
* ويستفاد من الآية الكريمة: أن الكتب نازلة من عند الله؛ لقوله: ﴿وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ﴾.
* ويستفاد منها: علو الله سبحانه وتعالى؛ لأنه إذا كانت الكتب من عنده نازلة لزم أن يكون هو عاليًا أو لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: لأن النزول يكون من؟ من فوق إلى تحت.
* طالب: رحمة الله بعباده.
* الشيخ: نعم.
* ويستفاد من الآية الكريمة أيضا: أن الواجب الرجوع إلى الكتب السماوية عند النزاع؛ لقوله: ﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾، وإلا لضاعت فائدة الكتب المنزلة.
* ويستفاد من الآية أيضا: رحمة الله عز وجل بالعباد؛ حيث لم يكلهم إلى عقولهم؛ لأنهم لو وكلوا إلى عقولهم لفسدت السماوات والأرض، كما قال الله تعالى: ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ﴾ [المؤمنون ٧١]، كل إنسان يقول: العقل عندي، والصواب معي، ولكن الله تعالى بعث النبيين وأنزل معهم الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه.
* ويستفاد من الآية الكريمة: أن الخلاف بين الناس كائن لا محالة؛ لقوله: ﴿بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾، ويدل لهذا قوله تعالى: ﴿وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [هود ١١٨، ١١٩]، وقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ﴾ [التغابن ٢]، ولولا هذا ما قامت الدنيا، ولا قام الجهاد، ولا قام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا امتحن الصادق من الكاذب.
* ويستفاد من الآية الكريمة: أن أولئك الذين اختلفوا في الشرع كانوا قد أوتوا الكتاب؛ لقوله: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ﴾.
* ويتفرع على هذه الفائدة: أن الحجة قد قامت عليهم؛ لقوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ﴾ وكان عليهم لما أوتوا الكتاب ألَّا يختلفوا.
* ويستفاد من هذه الآية الكريمة: الرد أو بيان ضعف الحديث الذي يروى عن الرسول عليه الصلاة والسلام: «اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ»[[قال العراقي في تخريج الإحياء (١ / ١٠٦): ذكره البيهقي في رسالته الأشعرية بغير إسناد بهذا اللفظ.]]، فإن هذا الحديث لا يصح عن الرسول عليه الصلاة والسلام، والاختلاف ليس برحمة؛ ولهذا قال: ﴿وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ﴾، نعم دخول الجميع تحت عفو الله رحمة؛ حيث إن الله عز وجل لم ينتقم من المخطئ، فالمختلفون تسعهم الرحمة إذا كانوا مجتهدين؛ لأن «مَنِ اجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَمَنِ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ»[[أخرجه أبو داود (٣٥٧٤)، وابن ماجه (٢٣١٤)، من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه، بلفظ: «إِذَا حكَمَ الحاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأصَابَ فَلَهُ أجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ». ]]، أما أن نقول: إن الخلاف بين الأمة رحمة فلا.
* ويستفاد من الآية الكريمة: أن أولئك الذين اختلفوا وأنكروا الحق أن فعلهم بغي وعدوان؛ لقوله: ﴿بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾، فاليهود الذين علموا الحق واختلفوا في الرسول عليه الصلاة والسلام منهم من آمن به ومنهم من كفر، الذين كفروا كفروا بغيًا وعدوانًا، وكذلك الذين أنزل الله عليهم القرآن من قريش وغيرهم فاختلفوا فيه، فإن المخالفين له إنما خالفوه بغيًا وعدوانًا.
* ويستفاد من هذا: أن كل مخالف للحق بعد أن يتبين له فهو باغٍ، وإن قال: أنا لا أريد البغي ولا أريد العدوان، نقول: إنك باغٍ، إذا تبين لك الحق فالواجب عليك أن تتبعه وألَّا تخالفه، وإلا فإنك باغٍ.
وبهذه المناسبة أود أن ما رتب على وصف معين من الأحكام، فإنه لا يشترط فيه النية، فإذا حصل البغي فهو بغي وإن لم ينوه الفاعل، لو أن أحدًا لبس لباس النصارى أو لباس المشركين، وقال: أنا ما قصدت التشبه، ماذا نقول له؟ نقول: حصل التشبه، التشبه نفسه حصل، نويت أم لم تنوِ؛ ولهذا لا يشترط للتشبه قصد النية ما دام الفاعل يعلم أن هذا من فعلهم، أما إذا كان لا يعلم، فهو إذا علم يجب أن يزيل ما تشبه به.
* ومن فوائد الآية الكريمة: رحمة الله عز وجل بالمؤمنين؛ لقوله: ﴿فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ﴾.
* ومن فوائدها: أنه يجب على المرء الذي هداه الله ألَّا يعجبَ بنفسه، وألَّا يظنَّ أن ذلك من حوله وقوته؛ لقوله: ﴿فَهَدَى اللَّهُ﴾ ثم قال: ﴿بِإِذْنِهِ﴾ أيضًا، بأمره الكوني والقدري، ولولا ذلك ما اهتدوا لكانوا مثل أولئك القوم الذين ردوا الحق بغيًا وعدوانًا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الإيماء إلى أنه ينبغي للإنسان أن يسأل الهداية ممن؟ من الله؛ لقوله: ﴿فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه كلما قوي إيمان العبد كان أقرب إلى إصابة الحق، من أين تؤخذ؟ لأن الله علق الهداية على الإيمان بهذا الوصف، فكلما كان الإنسان أقوى إيمانًا كان أقرب لإصابة الحق، ﴿فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا﴾؛ ولهذا كانت الصحابة رضي الله عنهم أقرب إلى الحق ممن بعدهم، لا في تفسير القرآن، ولا في أحكام أفعال المكلفين، ولا في العقائد أيضًا، الصحابة أقرب الناس إلى الحق؛ لأن الهداية الحق علقت بالإيمان، ولا شك أن الصحابة أقوى الناس إيمانًا، «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي»، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»[[أخرجه البخاري (٢٦٥٢)، ومسلم (٢٥٣٣ / ٢١٢)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.]]؛ ولهذا ذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى أن قول الصحابي حجة ما لم يخالف النص، فإن خالف النص فليس بحجة، أو يخالفه صحابي آخر، فإن خالفه صحابي آخر نظر في الترجيح أيهما أقرب إلى الصواب.
* ويستفاد من هذه الآية الكريمة: إثبات صفة الإذن؛ لقوله: ﴿بِإِذْنِهِ﴾ يعني: بأمره، ما هي صفة الأُذُن، الإِذْن ﴿بِإِذْنِهِ﴾.
* ويستفاد منه: إثبات الأفعال الاختيارية لله؛ لقوله: ﴿فَهَدَى﴾ ﴿فَهَدَى اللَّهُ﴾ وكذلك: ﴿بِإِذْنِهِ﴾.
* ويستفاد منه: الرد على القدرية؛ لقوله: ﴿فَهَدَى اللَّهُ﴾ و﴿بِإِذْنِهِ﴾ أيضًا، الهداية ظاهرة في أفعالهم، فإذا كان ذلك من فعل الله دل على أن الله هو الذي خلق أفعالهم، وإذا كان بإذنه دل ذلك على أن الله هو الذي شاء أفعالهم، والقدرية يقولون: إن العبد لا يتعلق فعله بالله في حال من الأحوال، فهو الذي أراد فعله، وهو الذي أوجد فعله استقلالًا عن الله سبحانه وتعالى.
* ويستفاد منه: الرد على الجبرية أيضًا؛ لقوله: ﴿لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾، فأضاف الفعل إلى من؟ إليهم، والجبرية يقولون: الإنسان ما له فعل، الإنسان مجبر على فعله، فهو في حركاته كتحرك الأغصان، أغصان الشجرة بالهواء، ما له فيها اختيار، أفهمتم؟ أنت الآن تكتب غصبًا عليك، مجبر على أنك تأخذ القلم وتكتب، لو تركت الكتابة غصبًا عليك، الآن تضع الشريط في المسجل غصبًا عليك، الآن أنا أكلمكم غصبًا علي، هذا مذهب الجبرية، وهو جنون في الحقيقة.
والذين يقولون: إنك تتكلم وتفعل بغير مشيئة الله ولا قدرته، هذا أيضًا نوع من الجنون، أنت مخلوق لله عز وجل، صفاتك مخلوقة لله، إي نعم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات المشيئة لله: ﴿وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ إثبات المشيئة.
وعندي سؤال: هل المشيئة بتنقسم كالإرادة؟
* طالب: نعم.
* طالب: ما تنقسم.
* الشيخ: ما تنقسم؛ لأن المشيئة قسم واحد: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وتتعلق فيما يحبه الله وما لا يحبه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن كل ما سوى الشرع فهو طريق معوج، ﴿إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.
* ويستفاد منها أيضا: أن الشرع لا ضيق فيه ولا اعوجاج، ولا تعب؛ لأنه صراط واسع، ومستقيم.
* ويستفاد منه: الإشارة إلى الطرق الثلاثة التي ذكرها الله تعالى في سورة الفاتحة، وهي: الطريق الذين أنعم الله عليهم، وطريق المغضوب عليهم، وطريق الضالين، الذين أنعم الله عليهم هم الرسل وأتباعهم، والمغضوب عليهم اليهود وأمثالهم، والضالون النصارى وأمثالهم.
وهذا -أعني القول بأن الضالين هم النصارى وأمثالهم- قبل أن يبعث الرسول عليه الصلاة والسلام، أما لما بعث الرسول عليه الصلاة والسلام وكذبوه صاروا من المغضوب عليهم، من قسم اليهود؛ لأن اليهود كانوا مغضوبًا عليهم حيث جاء عيسى، فكذبوه بعد أن علموا الحق، وبعدما بعث عيسى واتبعه النصارى وطال الأمد ابتدعوا ما ابتدعوا من الدين، فضلوا، فصاروا ضالين، لكن لما بعث محمد ﷺ وكذبوه وأنكروه صاروا من قسم اليهود من المغضوب عليهم.
ثم قال تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ﴾، ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾ إلى آخره.
* يستفاد من هذه الآية الكريمة: عناية الله عز وجل بهذه الأمة حيث يسليها بما وقع بغيرها، ولَّا لا؟ نعم، وهكذا كما جاء في القرآن جاء في السنة، فالرسول عليه الصلاة والسلام «لما جاء أصحابه يشكون إليه في مكة أخبرهم بأن من كان قبلنا يوضع المنشار على رأسه، ويمشط به ما بين لحمه وعظمه، ثم لا يرده ذلك عن دينه[[أخرجه البخاري (٣٦١٢)، من حديث خباب بن الأرت رضي الله عنه.]] »، تثبيتًا للمؤمنين.
* ويستفاد من هذه الآية الكريمة: أن الإيمان ليس بالتمني ولا بالتحلي، ما تقول: أنا مؤمن، فابدخل الجنة، لا، لا بد من إصابة.
* ويستفاد من هذه الآية الكريمة: حكمة الله عز وجل؛ حيث يبتلي المؤمنين بمثل هذه المصائب العظيمة ويش لأجله؟ امتحانًا حتى يتبين ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ [محمد ٣١].
أظننا لا نعرف زيف الذهب إلا إذا أذبناه بالنار ولَّا لا؟ ولا نعرف طيب العود إلا إذا أحرقناه بالنار، أيضًا ما يعرف المخلص إلا بالامتحان والابتلاء، فعليك يا أخي بالصبر، قد تؤذى على دينك، قد يستهزأ بك وربما تلاحق، وربما تراقب، ولكن اصبر واصدق، اصبر وانظر إلى ما حصل لأولي العزم من الرسل عليهم الصلاة والسلام، الرسول عليه الصلاة والسلام كان ساجدًا لله في آمن بقعة على الأرض، ساجد ما آذى أحدًا ولا شيئًا، في آمن بقعة على الأرض وهو المسجد الحرام، فيأتي طغاة البشر، يأتون بالأذى والقذر سلا الناقة يضعونه عليه وهو ساجد، عليه الصلاة والسلام، هذا أمر عظيم، يعني: ما يصبر عليه إلا أولو العزم، ويبقى ذلك حتى تأتي ابنته الصغيرة فاطمة تزيله عن ظهره، فيبقى القوم يضحكون ويقهقهون[[أخرجه مسلم (١٧٩٤ / ١٠٧)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.]].
أنا أعتقد أن الإنسان نفسيًّا إلا من عصمه الله وثبته، فسيمل، يتعب، يقول: ليش يفعل بي هذا؟ وعلى الأقل يختفي بدينه، لكن اصبر واحتسب واعلم أنه مهما كان، يعني مهما كان الأمر، غاية ما هنالك الموت، وإذا مت على الصبر في الله عز وجل انتقلت من دار إلى أيش؟ إلى خير منها، ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ﴾ [العنكبوت ١٠]، لا تكن هكذا، اصبر واحتسب، واعلم بأن ﴿اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ [النحل ١٢٨] وأن الله مع الصابرين، وأن لك أقوامًا من إخوانك يرقبون ما يحصل منك، فإذا صبرت شجعتهم وصبرتهم، وتعلمون أن الأمة أفراد إذا صلح فرد وفرد وفرد وفرد كونوا أمة.
وأيش اللغة هذه؟ الركِيَّة هي البئر إذا طاح منها واحد من حصاها اختلت ويطيح الجميع.
فالمهم أن الله عز وجل يسلي المؤمنين بمثل هذا، ويخبر أنه أصاب من قبلنا، أصابهم بأساء قلة مال وإعواز عظيم، فقر، مضرة في أبدانهم، يُضرَبون، ويجرحون، وربما يقتلون كما كان بنو إسرائيل يقتلون الأنبياء بغير حق، وتأتيهم المخاوف العظيمة وزلزلوا.
ويستفاد من هذه الآية الكريمة: أنه ينبغي للإنسان أن لا يسأل النصر إلا من القادر عليه وهو الله؛ لقوله: ﴿مَتَى نَصْرُ اللَّهِ﴾ [البقرة 214].
ويستفاد من ذلك: فضيلة اتباع الرسل؛ لقوله: ﴿حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾ يتفقون على هذه الكلمة التي فيها استدعاء النصر ﴿مَتَى نَصْرُ اللَّهِ﴾.
ويستفاد من هذه الآية: تمام قدرة الله عز وجل؛ لقوله: ﴿أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾.
ويستفاد منها: حكمة الله حيث يمنع النصر لفترة معينة من الزمن مع أنه قريب ﴿أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾.
ويستفاد من هذه الآية الكريمة: أن الصبر على البلاء في ذات الله عز وجل من أسباب دخول الجنة؛ لأن معنى الآية: اصبروا حتى تدخلوا الجنة.
ويستفاد من هذه الآية الكريمة: الإشارة إلى ما جاء في الحديث الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٦٤٨٧) من حديث أبي هريرة، ومسلم (٢٨٢٢ / ١) من حديث أنس بن مالك واللفظ له.]] أو لا؟ لأن هذه مكاره، ولكنها هي الطريق إلى الجنة.
ويستفاد من الآية الكريمة: أنه لا وصول إلى الكمال إلا بعد تجرع كأس الصبر، وهو من قوله: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ إلى آخره.
ويستفاد من الآية الكريمة أيضًا: إثبات الجنة؛ لقوله: ﴿أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾، وقد سبق أن مآل الخلق إلى دارين لا ثالث لهما: إما الجنة وإما النار، فالجنة للمتقين والنار للكافرين.
{"ayahs_start":213,"ayahs":["كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةࣰ وَ ٰحِدَةࣰ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِیِّـۧنَ مُبَشِّرِینَ وَمُنذِرِینَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِیَحۡكُمَ بَیۡنَ ٱلنَّاسِ فِیمَا ٱخۡتَلَفُوا۟ فِیهِۚ وَمَا ٱخۡتَلَفَ فِیهِ إِلَّا ٱلَّذِینَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَاۤءَتۡهُمُ ٱلۡبَیِّنَـٰتُ بَغۡیَۢا بَیۡنَهُمۡۖ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لِمَا ٱخۡتَلَفُوا۟ فِیهِ مِنَ ٱلۡحَقِّ بِإِذۡنِهِۦۗ وَٱللَّهُ یَهۡدِی مَن یَشَاۤءُ إِلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمٍ","أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُوا۟ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا یَأۡتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِینَ خَلَوۡا۟ مِن قَبۡلِكُمۖ مَّسَّتۡهُمُ ٱلۡبَأۡسَاۤءُ وَٱلضَّرَّاۤءُ وَزُلۡزِلُوا۟ حَتَّىٰ یَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصۡرُ ٱللَّهِۗ أَلَاۤ إِنَّ نَصۡرَ ٱللَّهِ قَرِیبࣱ"],"ayah":"كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةࣰ وَ ٰحِدَةࣰ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِیِّـۧنَ مُبَشِّرِینَ وَمُنذِرِینَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِیَحۡكُمَ بَیۡنَ ٱلنَّاسِ فِیمَا ٱخۡتَلَفُوا۟ فِیهِۚ وَمَا ٱخۡتَلَفَ فِیهِ إِلَّا ٱلَّذِینَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَاۤءَتۡهُمُ ٱلۡبَیِّنَـٰتُ بَغۡیَۢا بَیۡنَهُمۡۖ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لِمَا ٱخۡتَلَفُوا۟ فِیهِ مِنَ ٱلۡحَقِّ بِإِذۡنِهِۦۗ وَٱللَّهُ یَهۡدِی مَن یَشَاۤءُ إِلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمٍ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق