الباحث القرآني

﴿كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً﴾ مُتَّفِقِينَ عَلى التَّوْحِيدِ مُقِرِّينَ بِالعُبُودِيَّةِ حِينَ أخَذَ اللَّهُ - تَعالى - عَلَيْهِمُ العَهْدَ، وهو المَرْوِيُّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أوْ بَيْنَ آدَمَ وإدْرِيسَ - عَلَيْهِما السَّلامُ -، بِناءً عَلى ما في رَوْضَةِ الأحْبابِ، أنَّ النّاسَ في زَمانِ آدَمَ كانُوا مُوَحِّدِينَ مُتَمَسِّكِينَ بِدِينِهِ، بِحَيْثُ يُصافِحُونَ المَلائِكَةَ، إلّا قَلِيلٌ مِن قابِيلٍ ومُتابِعِيهِ إلى زَمَنِ رَفْعِ إدْرِيسَ، أوْ بَيْنَ آدَمَ ونُوحٍ - عَلَيْهِما السَّلامُ - عَلى ما رَوى البَزّارُ وغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما - (p-101)أنَّهُ كانَ بَيْنَهُما عَشَرَةُ قُرُونٍ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الحَقِّ، أوْ بَعْدَ الطُّوفانِ؛ إذْ لَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ سِوى ثَمانِينَ رَجُلًا وامْرَأةٍ ثُمَّ ماتُوا إلّا نُوحًا وبَنِيهِ حامَ وسامَ ويافِثَ وأزْواجَهُمْ، وكانُوا كُلُّهم عَلى دِينِ نُوحٍ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ -، فالِاسْتِغْراقُ عَلى الأوَّلِ والأخِيرِ حَقِيقِيٌّ، وعَلى الثّانِي والثّالِثِ ادْعائِيٌّ بِجَعْلِ القَلِيلِ في حُكْمِ العَدَمِ، وقِيلَ: مُتَّفِقِينَ عَلى الجَهالَةِ والكُفْرِ بِناءً عَلى ما أخْرَجَهُ ابْنُ أبِي حاتِمٍ مِن طَرِيقِ العَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللهُ تَعالى عَنْهُما -، أنَّهم كانُوا كُفّارًا، وذَلِكَ بَعْدَ رَفْعِ إدْرِيسَ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - إلى أنْ بُعِثَ نُوحٌ، أوْ بَعْدَ مَوْتِ نُوحٍ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - إلى أنْ بُعِثَ هُودٌ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - . ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ﴾ أيْ: فاخْتَلَفُوا فَبَعَثَ .... إلَخْ، وهي قِراءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ -، وإنَّما حُذِفَ تَعْوِيلًا عَلى ما يُذْكَرُ عَقِبَهُ. ﴿مُبَشِّرِينَ﴾ مَن آمَنَ بِالثَّوابِ. ﴿ومُنْذِرِينَ﴾ مَن كَفَرَ بِالعَذابِ - وهم كَثِيرُونَ -، فَقَدْ أخْرَجَ أحْمَدُ وابْنُ حِبّانَ «عَنْ أبِي ذَرٍّ، أنَّهُ سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: كَمِ الأنْبِياءُ؟ قالَ: ”مِائَةُ ألْفٍ وأرْبَعَةٌ وعِشْرُونَ ألْفًا“، قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، كَمِ الرُّسُلُ؟ قالَ: ”ثَلاثُمِائَةٍ وثَلاثَةَ عَشَرَ جَمٌّ غَفِيرٌ“» ولا يُعارِضُ هَذا قَوْلَهُ تَعالى: ﴿ورُسُلا قَدْ قَصَصْناهم عَلَيْكَ﴾ الآيَةَ، لِما سَيَأْتِي - إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى -، والجَمْعانِ مَنصُوبانِ عَلى الحالِ مِنَ النَّبِيِّينَ، والظّاهِرُ أنَّها حالٌ مُقَدَّرَةٌ، والقَوْلُ بِأنَّها حالٌ مُقارِنَةٌ خِلافَ الظّاهِرِ. ﴿وأنْزَلَ مَعَهُمُ الكِتابَ﴾ اللّامُ لِلْجِنْسِ، ومَعَهم حالٌ مُقَدَّرَةٌ مِنَ (الكِتابِ) فَيَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ، ولَيْسَ مَنصُوبًا بِـ(أنْزَلَ)، والمَعْنى: أنْزَلَ جِنْسَ الكِتابِ مُقَدِّرًا مُقارَنَتَهُ ومُصاحَبَتَهُ لِلنَّبِيِّينَ؛ حَيْثُ كانَ كُلُّ واحِدٍ مِنهم يَأْخُذُ الأحْكامَ إمّا مِن كِتابٍ يَخُصُّهُ أوْ مِن كِتابٍ مِن قَبْلِهِ، والكُتُبُ المُنَزَّلَةُ مِائَةٌ وأرْبَعَةٌ في المَشْهُورِ؛ أُنْزِلَ عَلى آدَمَ عَشْرُ صَحائِفَ، وعَلى شِيثَ ثَلاثُونَ، وعَلى إدْرِيسَ خَمْسُونَ، وعَلى مُوسى قَبْلَ التَّوْراةِ عَشَرَةٌ، والتَّوْراةُ، والإنْجِيلُ، والزَّبُورُ، والفُرْقانُ، وجُوِّزَ كَوْنُ (اللّامِ) لِلْعَهْدِ وضَمِيرِ (مَعَهُمْ) لِلنَّبِيِّينَ بِاعْتِبارِ البَعْضِ؛ أيْ: أنْزَلَ مَعَ كُلِّ واحِدٍ مِن بَعْضِ النَّبِيِّينَ كِتابَهُ، ولا يَخْفى ما فِيهِ مِنَ الرِّكَّةِ. ﴿بِالحَقِّ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِـ أنْزَلَ أوْ حالٌ مِنَ الكِتابَ أيْ: مُتَلَبِّسًا شاهِدًا بِهِ ﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ﴾ عِلَّةٌ لِلْإنْزالِ المَذْكُورِ أوَّلَهُ ولِلْبَعْثِ، وهَذا البَعْثُ المُعَلَّلُ هو المُتَأخِّرُ عَنِ الِاخْتِلافِ، فَلا يَضُرُّ تَقَدُّمُ بِعْثَةِ آدَمَ وشِيثَ وإدْرِيسَ - عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ - بِناءً عَلى بَعْضِ الوُجُوهِ السّابِقَةِ، و(الحُكْمُ) بِمَعْنى الفَصْلِ بِقَرِينَةٍ تَعَلَّقَ (بَيْنَ) بِهِ، ولَوْ كانَ بِمَعْنى (القَضاءِ) لَتَعَدّى بِـ ( عَلى )، والضَّمِيرُ المُسْتَتِرُ راجِعٌ إلى اللَّهِ - سُبْحانَهُ -، ويُؤَيِّدُهُ قِراءَةُ الجَحْدَرَيِّ فِيما رَواهُ عَنْهُ مَكِّيُّ ( لِنَحْكُمَ ) بِنُونِ العَظَمَةِ أوْ إلى النَّبِيِّ وأفْرَدَ الفِعْلَ؛ لِأنَّ الحاكِمَ كُلُّ واحِدٍ مِنَ النَّبِيِّينَ، وجَوَّزَ رُجُوعَهُ إلى (الكِتابِ) والإسْنادُ حِينَئِذٍ مَجازِيٌّ بِاعْتِبارِ تَضَمُّنِهِ ما بِهِ الفَصْلُ، وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّهُ الأظْهَرُ؛ إذْ لا بُدَّ في عَوْدِهِ إلى اللَّهِ - تَعالى - مَن تُكَلِّفٍ في المَعْنى؛ أيْ: يَظْهَرُ حُكْمُهُ، وإلى النَّبِيِّ مَن تَكَلُّفٍ في اللَّفْظِ؛ حَيْثُ لَمَّ يُقِلُّ (لِيَحْكُمُوا)، ومِمّا ذَكَرْنا يُعْلَمُ ما فِيهِ مِنَ الضَّعْفِ، والمُرادُ مِنَ النّاسِ المَذْكُورُونَ، والإظْهارُ في مَوْضِعِ الإضْمارِ لِزِيادَةِ التَّعْيِينِ. ﴿فِيما اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ أيْ: في الحَقِّ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ بِناءً عَلى أنَّ وحْدَةَ الأُمَّةِ بِالِاتِّفاقِ عَلى الحَقِّ، وإذا فُسِّرَتِ الوَحْدَةُ بِالِاتِّفاقِ عَلى الجَهالَةِ والكُفْرِ يَكُونُ الِاخْتِلافُ مَجازًا عَنْ الِالتِباسِ والِاشْتِباهِ اللّازِمِ لَهُ، والمَعْنى فِيما التَبَسَ عَلَيْهِمْ ﴿وما اخْتَلَفَ فِيهِ﴾ أيْ: في الحَقِّ بِأنْ أنْكَرُوهُ وعانَدُوهُ أوْ في الكِتابِ المُنَزَّلِ مُتَلَبِّسًا بِهِ، بِأنْ حَرَّفُوهُ وأوَّلُوهُ بِتَأْوِيلاتٍ زائِغَةٍ والواوُ حالِيَّةٌ. ﴿إلا الَّذِينَ أُوتُوهُ﴾ أيِ: الكِتابِ المُنَزَّلِ لِإزالَةِ الِاخْتِلافِ وإزاحَةِ الشِّقاقِ؛ أيْ: عَكَسُوا الأمْرَ حَيْثُ جَعَلُوا ما أُنْزِلَ مُزِيحًا لِلِاخْتِلافِ سَبَبًا لِرُسُوخِهِ واسْتِحْكامِهِ، وبِهَذا يَنْدَفِعُ السُّؤالُ بِأنَّهُ (p-102)لَمّا لَمْ يَكُنْ الِاخْتِلافُ إلّا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوهُ - فالِاخْتِلافُ لا يَكُونُ سابِقًا عَلى البَعْثَةِ - وحاصِلُهُ أنَّ المُرادَ هَهُنا اسْتِحْكامُ الِاخْتِلافِ واشْتِدادُهُ، وعَبَّرَ عَنِ (الإنْزالِ) بِالإيتاءِ؛ لِلتَّنْبِيهِ مِن أوَّلِ الأمْرِ عَلى كَمالِ تَمَكُّنِهِمْ مِنَ الوُقُوفِ عَلى ما فِيهِ مِنَ الحَقِّ، فَإنَّ (الإنْزالَ) لا يُفِيدُ ذَلِكَ، وقِيلَ: عَبَّرَ بِهِ لِيَخْتَصَّ المَوْصُولُ بِأرْبابِ العِلْمِ والدِّراسَةِ مِن أُولَئِكَ المُخْتَلِفِينَ، وخَصَّهم بِالذِّكْرِ لِمَزِيدِ شَناعَةِ فِعْلِهِمْ، ولِأنَّ غَيْرَهم تَبَعٌ لَهم ﴿مِن بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ البَيِّناتُ﴾ أيْ: رَسَخَتْ في عُقُولِهِمُ الحُجَجُ الظّاهِرَةُ الدّالَّةُ عَلى الحَقِّ، و مِن مُتَعَلِّقَةٌ بِـ اخْتَلَفُوا مَحْذُوفًا، والحَصْرُ عَلى تَسْلِيمِ أنْ يَكُونَ مَقْصُودًا مُسْتَفادًا مِنَ المَقامِ أوْ مِن حَذْفِ الفِعْلِ، ووُقُوعُ الظَّرْفِ بَعْدَ حَرْفِ الِاسْتِثْناءِ لَفْظًا، أوْ مِن تَقْدِيرِ المَحْذُوفِ مُؤَخَّرًا - وفي الدُّرِّ المَصُونِ تَجْوِيزُ تَعَلُّقِهِ بِما اخْتُلِفَ قَبْلَهُ - ولا يَمْنَعُ مِنهُ إلّا كَما قالَهُ أبُو البَقاءِ، ولِلنُّحاةِ في هَذا المَقامِ كَلامٌ مُحَصِّلُهُ أنَّ اسْتِثْناءَ شَيْئَيْنِ بِأداةٍ واحِدَةٍ بِلا عَطْفٍ غَيْرُ جائِزٍ مُطْلَقًا عِنْدَ الأكْثَرِينَ، لا عَلى وجْهِ البَدَلِ ولا غَيْرِهِ - ويَجُوزُ عِنْدَ جَماعَةٍ مُطْلَقًا - وفَصْلُ بَعْضِهِمْ إنْ كانَ المُسْتَثْنى مِنهُ مَذْكُورًا مَعَ كُلٍّ مِنَ المُسْتَثْنَيَيْنِ وهُما بَدَلانِ جازَ - وإلّا فَلا - واسْتَدَلَّ مَن أجازَ مُطْلَقًا بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وما نَراكَ اتَّبَعَكَ إلا الَّذِينَ هم أراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ﴾ فَإنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ المُسْتَثْنى أصْلًا، والتَّقْدِيرُ: ما نَراك اتَّبَعَكَ أحَدٌ في حالٍ إلّا أراذِلُنا في بادِيَ الرَّأْيِ وأجابَ مَن لَمْ يُجَوِّزْ بِأنَّ النَّصْبَ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ؛ أيِ: اتَّبَعُوا وبِأنَّ الظَّرْفَ يَكْفِيهِ رائِحَةُ الفِعْلِ، فَيَجُوزُ فِيهِ ما لا يَجُوزُ في غَيْرِهِ، قالَهُ الرِّضى، وهو مَبْنى الِاخْتِلافِ في الآيَةِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِما تَعَلَّقَ بِهِ ( مِن ) و( البَغْيُ ) الظُّلْمُ أوِ الحَسَدُ، وبَيْنَهم مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفِ صِفَةِ بَغْيًا وفِيهِ إشارَةٌ - عَلى ما أرى - إلى أنَّ هَذا ( البَغْيَ ) قَدْ باضَ وفَرَخَ عِنْدَهُمْ، فَهو يَحُومُ عَلَيْهِمْ ويَدُورُ بَيْنَهم لا طَمَعَ لَهُ في غَيْرِهِمْ، ولا مَلْجَأ لَهُ سِواهُمْ، وفِيهِ إيذانٌ بِتَمَكُّنِهِمْ في ذَلِكَ، وبُلُوغِهِمُ الغايَةَ القُصْوى فِيهِ - وهو فائِدَةُ التَّوْصِيفِ بِالظَّرْفِ - وقِيلَ: أشارَ بِذَلِكَ إلى أنَّ البَغْيَ أمْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهم وأنَّ كُلَّهم سُفْلٌ، ومَنشَأُ ذَلِكَ مُزِيدُ حِرْصِهِمْ في الدُّنْيا وتَكالُبِهِمْ عَلَيْها، ﴿فَهَدى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِما اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإذْنِهِ﴾ أيْ بِأمْرِهِ أوْ بِتَوْفِيقِهِ وتَيْسِيرِهِ، و(مِن) بَيانٍ (لِما) والمُرادُ لِلْحَقِّ الَّذِي اخْتَلَفَ النّاسُ فِيهِ؛ فالضَّمِيرُ عامٌّ شامِلٌ لِلْمُخْتَلِفِينَ السّابِقِينَ واللّاحِقِينَ، ولَيْسَ راجِعًا إلى الَّذِينَ أُوتُوهُ كالضَّمائِرِ السّابِقَةِ، والقَرِينَةُ عَلى ذَلِكَ عُمُومُ الهِدايَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ السّابِقَيْنِ عَلى اخْتِلافِ أهْلِ الكِتابِ واللّاحِقِينَ بَعْدَ اخْتِلافِهِمْ، وقِيلَ: المُرادُ مِنَ ( الَّذِينَ آمَنُوا ) أُمَّةُ مُحَمَّدٍ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ -، والضَّمِيرُ في اخْتَلَفُوا لِلَّذِينِ أُوتُوهُ أيِ الكِتابِ، ويُؤَيِّدُهُ ما أخْرَجَهُ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ، قالَ: اخْتَلَفُوا في يَوْمِ الجُمُعَةِ، فَأخَذَ اليَهُودُ يَوْمَ السَّبْتِ، والنَّصارى يَوْمَ الأحَدِ فَهَدى اللَّهُ - تَعالى - أُمَّةَ مُحَمَّدٍ - صَلّى اللهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - لِيَوْمِ الجُمُعَةِ، واخْتَلَفُوا في القِبْلَةِ، فاسْتَقْبَلَتِ النَّصارى المَشْرِقَ واليَهُودُ بَيْتَ المَقْدِسِ، وهَدى اللَّهُ - تَعالى - أُمَّةَ مُحَمَّدٍ - صَلّى اللهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - لِلْقِبْلَةِ، واخْتَلَفُوا في الصَّلاةِ، فَمِنهم مَن يَرْكَعُ ولا يَسْجُدُ، ومِنهم مَن يَسْجُدُ ولا يَرْكَعُ، ومِنهم مَن يُصَلِّي وهو يَتَكَلَّمُ، ومِنهم مَن يُصَلِّي وهو يَمْشِي، فَهَدى اللَّهُ - تَعالى - أُمَّةَ مُحَمَّدٍ - صَلّى اللهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - لِلْحَقِّ مِن ذَلِكَ، واخْتَلَفُوا في الصِّيامِ، فَمِنهم مَن يَصُومُ النَّهارَ واللَّيْلَ، ومِنهم مَن يَصُومُ عَنْ بَعْضِ الطَّعامِ، فَهَدى اللَّهُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ - صَلّى اللهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - لِلْحَقِّ مِن ذَلِكَ، واخْتَلَفُوا في إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ -، فَقالَتِ اليَهُودُ: كانَ يَهُودِيًّا، وقالَتِ النَّصارى: كانَ نَصْرانِيًّا، وجَعَلَهُ اللَّهُ - تَعالى - حَنِيفًا مُسْلِمًا فَهَدى اللَّهُ - تَعالى - أُمَّةَ مُحَمَّدٍ - صَلّى اللهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - لِلْحَقِّ مِن ذَلِكَ. واخْتَلَفُوا في عِيسى - عَلَيْهِ الصَّلاةُ (p-103)والسَّلامُ -، فَكَذَّبَتْ بِهِ اليَهُودُ، وقالُوا لِأُمِّهِ بُهْتانًا عَظِيمًا، وجَعَلَتْهُ النَّصارى إلَهًا ووَلَدًا، وجَعَلَهُ اللَّهُ - تَعالى - رُوحَهُ وكَلِمَتَهُ، فَهَدى اللَّهُ - تَعالى - أُمَّةَ مُحَمَّدٍ - صَلّى اللهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - لِلْحَقِّ مِن ذَلِكَ، وقِراءَةُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: (فَهَدى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِما اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإذْنِهِ لِيَكُونُوا شُهَداءَ عَلى النّاسِ). ﴿واللَّهُ يَهْدِي مَن يَشاءُ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ 123﴾ وهو طَرِيقُ الحَقِّ الَّذِي لا يَضِلُّ سالِكُهُ، والجُمْلَةُ مُقَرِّرَةٌ لِمَضْمُونِ ما قَبْلَها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب