الباحث القرآني
قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -:
﴿وَمِنهم مَن يَسْتَمِعُ إلَيْكَ وجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أكِنَّةً أنْ يَفْقَهُوهُ وفي آذانِهِمْ وقْرًا وإنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتّى إذا جاءُوكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إنْ هَذا إلا أساطِيرُ الأوَّلِينَ﴾
اَلضَّمِيرُ في قَوْلِهِ: "وَمِنهُمْ"؛ عائِدٌ عَلى الكُفّارِ الَّذِينَ تَضَمَّنَهم قَبْلُ قَوْلُهُ: ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهم جَمِيعًا﴾ [الأنعام: ٢٢] ؛ وأفْرَدَ "يَسْتَمِعُ"؛ وهو فِعْلُ جَماعَةٍ؛ حَمْلًا عَلى لَفْظِ "مَن"؛ و"أكِنَّةً"؛ جَمْعُ "كِنانٌ"؛ وهو الغِطاءُ الجامِعُ؛ ومِنهُ كِنانَةُ السِهامِ؛ والَكِنُّ؛ ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿بَيْضٌ مَكْنُونٌ﴾ [الصافات: ٤٩] ؛ ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ إذا ما انْتَضَوْها في الوَغى مِن أكِنَّةٍ ∗∗∗ حَسِبْتَ بُرُوقَ الغَيْثِ هاجَتْ غُيُومُها
و"فِعالٌ" و"أفْعِلَةٌ"؛ مَهْيَعٌ في كَلامِهِمْ.
و"أنْ يَفْقَهُوهُ"؛ نُصِبَ عَلى المَفْعُولِ مِن أجْلِهِ؛ أيْ: "كَراهِيَةَ أنْ يَفْقَهُوهُ"؛ وقِيلَ: اَلْمَعْنى: "ألّا يَفْقَهُوهُ"؛ ويَلْزَمُ هَذا القَوْلَ إضْمارُ حَرْفِ النَفْيِ؛ و"يَفْقَهُوهُ"؛ مَعْناهُ: "يَفْهَمُوهُ"؛ ويُقالُ: "فَقِهَ الرَجُلُ"؛ بِكَسْرِ القافِ؛ إذا فَهِمَ الشَيْءَ؛ و"فُقُهَ"؛ بِضَمِّها؛ إذا صارَ فَقِيهًا لَهُ مَلَكَةٌ؛ و"فَقَهَ"؛ إذا غَلَبَ في الفِقْهِ غَيْرَهُ.
(p-٣٣٨)والوَقْرُ: اَلثِّقْلُ في السَمْعِ؛ يُقالُ: "وَقِرَتْ أُذُنُهُ"؛ و"وَقَرَتْ"؛ بِكَسْرِ القافِ؛ وفَتْحِها؛ ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ وكَلامٍ سَيِّئٍ قَدْ وقِرَتْ ∗∗∗ ∗∗∗ أُذُنِي مِنهُ وما بِي مِن صَمَمْ
وقَدْ سُمِعَ: "أُذُنٌ مَوْقُورَةٌ"؛ فالفِعْلُ عَلى هَذا "وُقِرَتْ"؛ وقَرَأ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ: "وِقْرًا"؛ بِكَسْرِ الواوِ؛ كَأنَّهُ ذَهَبَ إلى آذانِهِمْ؛ وقُرَّتْ بِالصَمَمِ؛ كَما تُوقَرُ الدابَّةُ مِنَ الحَمْلِ؛ وهي قِراءَةٌ شاذَّةٌ؛ وهَذا عِبارَةٌ عَمّا جَعَلَ اللهُ تَعالى في نُفُوسِ هَؤُلاءِ القَوْمِ مِنَ الغَلَطِ والبُعْدِ عن قَبُولِ الخَيْرِ؛ لا أنَّهم لَمْ يَكُونُوا سامِعِينَ لِأقْوالِهِ.
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿وَإنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ﴾ ؛ اَلْآيَةَ: اَلرُّؤْيَةُ هُنا: رُؤْيَةُ العَيْنِ؛ يُرِيدُ كانْشِقاقِ القَمَرِ؛ وشِبْهِهِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: ومَقْصِدُ هَذِهِ الآيَةِ أنَّهم في أعْجَزِ دَرَجَةٍ؛ وحاوَلُوا رَدَّ الحَقِّ بِالدَعْوى المُجَرَّدَةِ؛ والواوُ في قَوْلِهِ: "وَجَعَلْنا"؛ واوُ الحالِ؛ والبابُ أنْ يُصَرَّحَ مَعَها بِـ "قَدْ"؛ وقَدْ تَجِيءُ أحْيانًا مُقَدَّرَةً؛ وإيضاحُ ذَلِكَ أنَّهُ تَعالى قالَ: ومِن هَؤُلاءِ الكَفَرَةِ مَن يَسْتَمِعُكَ وهو مِنَ الغَباوَةِ في حَدِّ قَلْبِهِ في كِنانٍ؛ وأُذُنُهُ صَمّاءُ؛ وهو يَرى الآياتِ فَلا يُؤْمِنُ بِها؛ لَكِنَّهُ مَعَ بُلُوغِهِ الغايَةَ مِن هَذا القُصُورِ إذا جاءَ لِلْمُجادَلَةِ قابَلَ بِدَعْوًى مُجَرَّدَةٍ.
والمُجادَلَةُ: اَلْمُقابَلَةُ في الِاحْتِجاجِ؛ مَأْخُوذٌ مِن "اَلْجَدَلُ"؛ و"هَذا"؛ في قَوْلِهِمْ: إشارَةٌ إلى القُرْآنِ.
و"اَلْأساطِيرُ": جَمْعُ "أسْطارٌ"؛ كَـ "أقْوالٌ"؛ و"أقاوِيلُ"؛ ونَحْوِهِ؛ و"أسْطارٌ": جَمْعُ "سَطْرٌ"؛ أو "سَطَرٌ"؛ وقِيلَ: اَلْأساطِيرُ: جَمْعُ "إسْطارَةٌ"؛ وهي التُرَّهاتُ؛ وقِيلَ: جَمْعُ "أُسْطُورَةٌ"؛ (p-٣٣٩)كَـ "أُعْجُوبَةٌ"؛ و"أُضْحُوكَةٌ"؛ وقِيلَ: هو اسْمُ جَمْعٍ؛ لا واحِدَ لَهُ مِن لَفْظِهِ؛ كَـ "عَبابِيدُ"؛ و"شَمامِيطُ"؛ والمَعْنى: "أخْبارُ الأوَّلِينَ؛ وأقاصِيصُهُمْ؛ وأحادِيثُهُمُ الَّتِي تُسَطَّرُ؛ وتُحْكى؛ ولا تُحَقَّقُ؛ كالتَوارِيخِ؛ وإنَّما شَبَّهَها الكُفّارُ بِأحادِيثِ النَضْرِ بْنِ الحارِثِ ؛ وأبِي عَبْدِ اللهِ بْنِ أبِي أُمَيَّةَ؛ عن رُسْتُمَ؛ والسِنْدِبادِ؛ ومُجادَلَةُ الكُفّارِ كانَتْ مُرادَّتَهم نُورَ اللهِ بِأفْواهِهِمُ المُبْطِلَةِ؛ وقَدْ ذَكَرَ الطَبَرِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ مَثَّلَ مِن ذَلِكَ قَوْلَهُمْ: "إنَّكم أيُّها المُتَّبِعُونَ مُحَمَّدًا تَأْكُلُونَ ما قَتَلْتُمْ بِذَبْحِكُمْ؛ ولا تَأْكُلُونَ ما قَتَلَ اللهُ"؛ ونَحْوَ هَذا مِنَ التَخْلِيطِ الَّذِي لا تَتَرَكَّبُ مِنهُ حُجَّةٌ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وهَذا جِدالٌ في حُكْمٍ؛ والَّذِي في الآيَةِ إنَّما هو جِدالٌ في مُدافَعَةِ القُرْآنِ؛ فَلا تُتَفَسَّرُ الآيَةُ عِنْدِي بِأمْرِ الذَبْحِ.
{"ayah":"وَمِنۡهُم مَّن یَسۡتَمِعُ إِلَیۡكَۖ وَجَعَلۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ أَكِنَّةً أَن یَفۡقَهُوهُ وَفِیۤ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرࣰاۚ وَإِن یَرَوۡا۟ كُلَّ ءَایَةࣲ لَّا یُؤۡمِنُوا۟ بِهَاۖ حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءُوكَ یُجَـٰدِلُونَكَ یَقُولُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّاۤ أَسَـٰطِیرُ ٱلۡأَوَّلِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق