وأما الأكنة ففي قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أكِنَّةً أنْ يَفْقَهُوهُ﴾ وهي جمع كنان كعنان وأعنة وأصله من الستر والتغطية ويقال كنه وأكنه وكنان بمعنى واحد بل بينهما فرق فأكنة إذا ستره وأخفاه كقوله تعالى: ﴿أوْ أكْنَنْتُمْ في أنْفُسِكُمْ﴾ وكنه إذا صانه وحفظه كقوله: ﴿بَيْضٌ مَكْنُونٌ﴾ ويشتركان في الستر والكنان ما أكن الشيء وستره وهو كالغلاف وقد أقروا على أنفسهم بذلك فقالوا: ﴿قُلُوبُنا في أكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إلَيْهِ وفي آذانِنا وقْرٌ ومِن بَيْنِنا وبَيْنِكَ حِجاب﴾ فذكروا غطاء القلب وهي الأكنة وغطاء الأذن وهو الوقر وغطاء العين وهو الحجاب والمعنى لا نفقه كلامك ولا نسمعه ولا نراك والمعنى إنا في ترك القبول منك بمنزلة من لا يفقه ما تقول ولا يراك قال ابن عباس: "قلوبنا في أكنة مثل الكنانة التي فيها السهام"
وقال مجاهد: "كجعبة النبل"
وقال مقاتل: "عليها غطاء فلا نفقه ما تقول.
* (فائدة)
وهذه الأكنة والوقر هي شدة البغض والنفرة والإعراض التي لا يستطيعون معها سمعا ولا عقلا والتحقيق أن هذا ناشئ عن الأكنة والوقر فهو موجب ومقتضاه فمن فسر الأكنة والوقر به فقد فسرهما بموجبهما ومقتضاهما وبكل حال فتلك النفرة والإعراض والبغض من أفعالهم وهي مجعولة لله سبحانه كما أن الرأفة والرحمة وميل الأفئدة إلى بيته هو من أفعالهم والله جاعله فهو الجاعل للذوات وصفاتها وأفعالها وإراداتها واعتقاداتها فذلك كله مجعول مخلوق له وإن كان العبد فاعلا له باختياره وإرادته.
فإن قيل هذا كله معارض بقوله تعالى: ﴿ما جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ ولا سائِبَةٍ ولا وصِيلَةٍ ولا حامٍ﴾؟
والبحيرة والسائبة إنما صارت كذلك بجعل العباد لها فأخبر سبحانه أن ذلك لم يكن بجعله قيل لا تعارض بحمد الله بين نصوص الكتاب بوجه ما والجعل هاهنا جعل شرعي أمري لا كوني قدري فإن الجعل في كتاب الله ينقسم إلى هذه النوعين كما ينقسم إليهما الأمر والإذن والقضاء والكتابة والتحريم كما سيأتي بيانه إن شاء الله فنفى سبحانه عن البحيرة والسائبة جعله الديني الشرعي أي لم يشرع ذلك ولا أمر به ولكن الذين كفروا افتروا عليه الكذب وجعلوا ذلك دينا له بلا علم.
{"ayah":"وَمِنۡهُم مَّن یَسۡتَمِعُ إِلَیۡكَۖ وَجَعَلۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ أَكِنَّةً أَن یَفۡقَهُوهُ وَفِیۤ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرࣰاۚ وَإِن یَرَوۡا۟ كُلَّ ءَایَةࣲ لَّا یُؤۡمِنُوا۟ بِهَاۖ حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءُوكَ یُجَـٰدِلُونَكَ یَقُولُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّاۤ أَسَـٰطِیرُ ٱلۡأَوَّلِینَ"}