قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ﴾ الْآيَةَ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: اجْتَمَعَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ وَعُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ وَأُمَيَّةُ وَأُبَيُّ ابْنَا خَلَفٍ وَالْحَارِثُ بْنُ عَامِرٍ، يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَقَالُوا لِلنَّضْرِ: يَا أَبَا قَتِيلَةَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ؟ قَالَ: مَا أَدْرِي مَا يَقُولُ إِلَّا أَنِّي أَرَاهُ يُحَرِّكُ لِسَانَهُ وَيَقُولُ أَسَاطِيرَ الْأَوَّلِينَ، مِثْلَ مَا كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنِ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ، وَكَانَ النَّضْرُ كَثِيرَ الْحَدِيثِ عَنِ الْقُرُونِ وَأَخْبَارِهَا [[انظر: أسباب النزول للواحدي، ص (٢٤٧) .]] . فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: إِنِّي أَرَى بَعْضَ مَا يَقُولُ حَقًّا، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: كَلَّا لَا نُقِرُّ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا، وَفِي رِوَايَةٍ: لَلْمَوْتُ أَهْوَنُ عَلَيْنَا مِنْ هَذَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: "وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ" وَإِلَى كَلَامِكَ، ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً﴾ ، أَغْطِيَةً، جَمْعُ كِنَانٍ، كَالْأَعِنَّةِ جَمْعُ عَنَانٍ، ﴿أَنْ يَفْقَهُوهُ﴾ ، أَنْ يَعْلَمُوهُ، قِيلَ: مَعْنَاهُ أَنْ لَا يَفْقَهُوهُ، وَقِيلَ: كَرَاهَةَ أَنْ يَفْقَهُوهُ، ﴿وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا﴾ ، صَمَمًا وَثِقَلًا هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُقَلِّبُ الْقُلُوبَ فَيَشْرَحُ بَعْضَهَا لِلْهُدَى، وَيَجْعَلُ بَعْضَهَا فِي أَكِنَّةٍ فَلَا تَفْقَهُ كَلَامَ اللَّهِ وَلَا تُؤْمِنُ، ﴿وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ﴾ ، مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَالدِّلَالَاتِ، ﴿لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ ، يَعْنِي: أَحَادِيثَهُمْ وَأَقَاصِيصَهُمْ، وَالْأَسَاطِيرُ جَمْعُ: أُسْطُورَةٍ، وَإِسْطَارَةٍ، وَقِيلَ: هِيَ التُّرَّهَاتُ وَالْأَبَاطِيلُ، وَأَصْلُهَا مِنْ سَطَرْتُ، أَيْ: كَتَبْتُ.
﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ أَيْ: يَنْهَوْنَ النَّاسَ عَنِ اتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ ﷺ ﴿وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ﴾ ، أَيْ: يَتَبَاعَدُونَ عَنْهُ بِأَنْفُسِهِمْ، نَزَلَتْ فِي كُفَّارِ مَكَّةَ، قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ وَالسُّدِّيُّ وَالضَّحَّاكُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: يَنْهَوْنَ عَنِ الْقُرْآنِ وَعَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَيَتَبَاعَدُونَ عَنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُقَاتِلٌ [[انظر: أسباب النزول للواحدي ص (٢٤٧-٢٤٨) ، تفسير القرطبي: ٦ / ٤٠٦.]] نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَنْهَى النَّاسَ عَنْ أَذَى النَّبِيِّ ﷺ وَيَمْنَعُهُمْ وَيَنْأَى عَنِ الْإِيمَانِ بِهِ، أَيْ: يَبْعُدُ، حَتَّى رُوِيَ أَنَّهُ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ رُءُوسُ الْمُشْرِكِينَ وَقَالُوا: خُذْ شَابًّا مِنْ أَصْبَحِنَا وَجْهًا، وَادْفَعْ إِلَيْنَا مُحَمَّدًا، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: مَا أَنْصَفْتُمُونِي أَدْفَعُ إِلَيْكُمْ وَلَدِي لِتَقْتُلُوهُ وَأُرَبِّي وَلَدَكُمْ؟ وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَعَاهُ إِلَى الْإِيمَانِ، فَقَالَ: لَوْلَا أَنْ تُعَيِّرُنِي قُرَيْشٌ لَأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ، وَلَكِنْ أَذُبُّ عَنْكَ مَا حَيِيتُ. وَقَالَ فِيهِ أَبْيَاتًا: وَاللَّهِ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ بِجَمْعِهِمْ حَتَّى أُوَسَّدَ فِي التُّرَابِ دَفِينًا
فَاصْدَعْ بِأَمْرِكَ مَا عَلَيْكَ غَضَاضَةٌ وَابْشِرْ بِذَاكَ وَقِرَّ بِذَاكَ مِنْكَ عُيُونًا
وَدَعَوْتَنِي وَعَرَفْتُ أَنَّكَ نَاصِحِي وَلَقَدْ صَدَقْتَ وَكُنْتَ ثَمَّ أَمِينًا
وَعَرَضْتَ دِينًا قَدْ عَلِمْتُ بِأَنَّهُ مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ الْبَرِيَّةِ دِينًا
لَوْلَا الْمَلَامَةُ أَوْ حَذَارُ سُبَّةً لَوَجَدْتَنِي سَمْحًا بِذَاكَ مُبِينًا
﴿وَإِنْ يُهْلِكُونَ﴾ ، أَيْ: مَا يُهْلِكُونَ، ﴿إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾ أَيْ: لَا يَرْجِعُ وَبَالُ فِعْلِهِمْ إِلَّا إِلَيْهِمْ، وَأَوْزَارُ الَّذِينَ يَصُدُّونَهُمْ عَلَيْهِمْ، ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ . .
{"ayahs_start":25,"ayahs":["وَمِنۡهُم مَّن یَسۡتَمِعُ إِلَیۡكَۖ وَجَعَلۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ أَكِنَّةً أَن یَفۡقَهُوهُ وَفِیۤ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرࣰاۚ وَإِن یَرَوۡا۟ كُلَّ ءَایَةࣲ لَّا یُؤۡمِنُوا۟ بِهَاۖ حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءُوكَ یُجَـٰدِلُونَكَ یَقُولُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّاۤ أَسَـٰطِیرُ ٱلۡأَوَّلِینَ","وَهُمۡ یَنۡهَوۡنَ عَنۡهُ وَیَنۡـَٔوۡنَ عَنۡهُۖ وَإِن یُهۡلِكُونَ إِلَّاۤ أَنفُسَهُمۡ وَمَا یَشۡعُرُونَ"],"ayah":"وَمِنۡهُم مَّن یَسۡتَمِعُ إِلَیۡكَۖ وَجَعَلۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ أَكِنَّةً أَن یَفۡقَهُوهُ وَفِیۤ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرࣰاۚ وَإِن یَرَوۡا۟ كُلَّ ءَایَةࣲ لَّا یُؤۡمِنُوا۟ بِهَاۖ حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءُوكَ یُجَـٰدِلُونَكَ یَقُولُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّاۤ أَسَـٰطِیرُ ٱلۡأَوَّلِینَ"}