الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى:
﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ والأقْرَبُونَ والَّذِينَ عَقَدَتْ أيْمانُكم فَآتُوهم نَصِيبَهم إنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا﴾ ﴿الرِجالُ قَوّامُونَ عَلى النِساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهم عَلى بَعْضٍ وبِما أنْفَقُوا مِن أمْوالِهِمْ فالصالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللهُ واللاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ واهْجُرُوهُنَّ في المَضاجِعِ واضْرِبُوهُنَّ فَإنْ أطَعْنَكم فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إنَّ اللهُ كانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾
"كُلُّ" إنَّما تُسْتَعْمَلُ مُضافَةً ظَهَرَ المُضافُ إلَيْهِ أو تَقَدَّرَ، فَهي بِمَثابَةِ: "قَبْلَ وبَعْدَ" ولِذَلِكَ أجازَ بَعْضُ النُحاةِ مَرَرْتُ بِكُلٍّ- عَلى حَدِّ "قَبْلَ وبَعْدَ"، فالمُقَدَّرُ هُنا عَلى قَوْلِ فِرْقَةٍ: ولِكُلِّ أحَدٍ - وعَلى قَوْلِ فِرْقَةٍ: ولِكُلِّ شَيْءٍ، يَعْنِي: التَرِكَةَ.
والمَوْلى -فِي كَلامِ العَرَبِ- لَفْظَةٌ يَشْتَرِكُ فِيها: القَرِيبُ القَرابَةِ، والصَدِيقُ، والحَلِيفُ، والمُعْتِقُ، والمُعْتَقُ، والوارِثُ، والعَبْدُ فِيما حَكى ابْنُ سِيدَهْ، ويَحْسُنُ هُنا مِن هَذا الِاشْتِراكِ: الوَرَثَةُ، لِأنَّها تَصْلُحُ عَلى تَأْوِيلِ: ولِكُلِّ أحَدٍ، وعَلى تَأْوِيلِ: ولِكُلِّ شَيْءٍ، وبِذَلِكَ فَسَّرَ قَتادَةُ والسُدِّيُّ، وابْنُ عَبّاسٍ وغَيْرُهُمْ: أنَّ "المَوالِيَ": العُصْبَةُ والوَرَثَةُ. قالَ ابْنُ زَيْدٍ: لَمّا أسْلَمَتِ العَجَمُ سُمُّوا مَوالِيَ اسْتِعارَةً وتَشْبِيهًا، وذَلِكَ في قَوْلِ اللهِ تَعالى: ﴿فَإنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهم فَإخْوانُكم في الدِينِ ومَوالِيكُمْ﴾ [الأحزاب: ٥].
(p-٥٣٨)قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وقَدْ سُمِّيَ قَوْمٌ مِنَ العَجَمِ بِبَنِي العَمِّ. و"مِمّا" مُتَعَلِّقَةٌ بِشَيْءٍ، تَقْدِيرُهُ: ولِكُلِّ شَيْءٍ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ والأقْرَبُونَ جَعَلْنا ورَثَةً، وهي مُتَعَلِّقَةٌ، عَلى تَأْوِيلِ: ولِكُلِّ أحَدٍ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ تَقْدِيرُهُ: ولِكُلِّ أحَدٍ جَعَلْنا مَوالِيَ يَرِثُونَ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ والأقْرَبُونَ، ويُحْتَمَلُ -عَلى هَذا- أنْ تَتَعَلَّقَ "مِن" بِـ "مَوالِيَ". وقَوْلُهُ: "والَّذِينَ" رُفِعَ بِالِابْتِداءِ، والخَبَرُ في قَوْلِهِ "فَآتُوهُمْ".
وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ عامِرٍ: "عاقَدَتْ" عَلى المُفاعَلَةِ، أيْ: أيْمانُ هَؤُلاءِ عاقَدَتْ أُولَئِكَ، وقَرَأ عاصِمٌ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: "عَقَدَتْ" بِتَخْفِيفِ القافِ عَلى حَذْفِ مَفْعُولٍ تَقْدِيرُهُ: عَقَدَتْ أيْمانُكم حِلْفَهم أو ذِمَّتَهُمْ، وقَرَأ حَمْزَةُ، في رِوايَةِ عَلِيِّ بْنِ كَبْشَةَ عنهُ-: "عَقَّدَتْ" مُشَدَّدَةَ القافِ.
واخْتَلَفَ المُتَأوِّلُونَ في مَنِ المُرادُ بِـ "والَّذِينَ"ـ فَقالَ الحَسَنُ، وابْنُ عَبّاسٍ، وابْنُ جُبَيْرٍ، وقَتادَةُ، وغَيْرُهُمْ: هُمُ الأحْلافُ، فَإنَّ العَرَبَ كانَتْ تَتَوارَثُ بِالحِلْفِ، فَشَدَّدَ اللهُ ذَلِكَ بِهَذِهِ الآيَةِ، ثُمَّ نَسَخَهُ بِآيَةِ الأنْفالِ ﴿وَأُولُو الأرْحامِ بَعْضُهم أولى بِبَعْضٍ في كِتابِ اللهِ﴾ [الأنفال: ٧٥]، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ أيْضًا: هُمُ الَّذِينَ كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ آخى بَيْنَهُمْ، فَإنَّهم كانُوا يَتَوارَثُونَ بِهَذِهِ الآيَةِ حَتّى نُسِخَ ذَلِكَ بِما تَقَدَّمَ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
ووَرَدَ لِابْنِ عَبّاسٍ أنَّ المُهاجِرِينَ كانُوا يَرِثُونَ الأنْصارَ دُونَ ذَوِي رَحِمِهِمْ، لِلْأُخُوَّةِ الَّتِي آخى رَسُولُ اللهِ ﷺ بَيْنَهم فَنَزَلَتِ الآيَةُ في ذَلِكَ ناسِخَةً، وبَقِيَ إيتاءُ النَصِيبِ مِنَ النَصْرِ والمَعُونَةِ أو مِنَ المالِ عَلى جِهَةِ النَدْبِ في الوَصِيَّةِ.
وقالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ: هُمُ الأبْناءُ الَّذِينَ كانُوا يُتَبَنَّوْنَ، والنَصِيبُ الَّذِي أُمِرَ الناسُ بِإيتائِهِ هو الوَصِيَّةُ لا المِيراثُ.
وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ أيْضًا: هُمُ الأحْلافُ إلّا أنَّ النَصِيبَ هو المُؤازَرَةُ في الحَقِّ، والنَصْرُ، والوَفاءُ بِالحِلْفِ، لا المِيراثُ.
(p-٥٣٩)وَرُوِيَ عَنِ الحَسَنِ أنَّها في قَوْمٍ يُوصى لَهم فَيَمُوتُ المُوصى لَهُ قَبْلَ نُفُوذِ الوَصِيَّةِ ووُجُوبِها، فَأمَرَ المُوصِيَ أنْ يُؤَدِّيَها إلى ورَثَةِ المُوصى لَهُ.
ولَفْظَةُ المُعاقَدَةِ والأيْمانِ تُرَجِّحُ أنَّ المُرادَ: الأحْلافُ، لِأنَّ ما ذُكِرَ مِن غَيْرِ الأحْلافِ لَيْسَ في جَمِيعِهِ مُعاقَدَةٌ ولا أيْمانٌ.
و"شَهِيدًا" مَعْناهُ: أنَّ اللهَ شَهِيدٌ بَيْنَكم عَلى المُعاقَدَةِ والصِلَةِ، فَأوفُوا بِالعَهْدِ بِحَسَبِ ذَلِكَ مُراقَبَةً ورَهْبَةً.
وقَوْلُهُ تَعالى: "الرِجالُ قَوّامُونَ" الآيَةُ، قَوّامٌ فَعّالٌ، بِناءُ مُبالَغَةٍ، وهو مِنَ القِيامِ عَلى الشَيْءِ، والِاسْتِبْدادِ بِالنَظَرِ فِيهِ، وحِفْظِهِ بِالِاجْتِهادِ، فَقِيامُ الرَجُلِ عَلى النِساءِ هو عَلى هَذا الحَدِّ، وتَعْلِيلُ ذَلِكَ بِالفَضِيلَةِ والنَفَقَةِ يَقْتَضِي أنَّ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ اسْتِيلاءً ومِلْكًا ما.
قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: الرِجالُ أُمَراءُ عَلى النِساءِ، وعَلى هَذا قالَ أهْلُ التَأْوِيلِ، و"ما" في قَوْلِهِ: ﴿بِما فَضَّلَ اللهُ﴾ مَصْدَرِيَّةٌ، ولِذَلِكَ اسْتَغْنَتْ عَنِ العائِدِ، وكَذَلِكَ: "وَبِما أنْفَقُوا"، والفَضِيلَةُ: هي الغَزْوُ، وكَمالُ الدِينِ، والعَقْلُ، وما أشْبَهَهُ، والإنْفاقُ: هو المَهْرُ، والنَفَقَةُ المُسْتَمِرَّةُ عَلى الزَوْجاتِ.
(p-٥٤٠)وَقِيلَ: سَبَبُ هَذِهِ الآيَةِ «أنَّ سَعْدَ بْنَ الرَبِيعِ لَطَمَ زَوْجَهُ حَبِيبَةَ بِنْتَ زَيْدِ بْنِ أبِي زُهَيْرٍ، فَجاءَتْ مَعَ أبِيها إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَأمَرَ أنْ تَلْطِمَهُ كَما لَطَمَها، فَنَزَلَتِ الآيَةُ مُبِيحَةً لِلرِّجالِ تَأْدِيبَ نِسائِهِمْ، فَدَعاهم رَسُولُ اللهِ ﷺ، ونَقَضَ الحُكْمَ الأوَّلَ وقالَ: "أرَدْتُ شَيْئًا، وما أرادَ اللهُ خَيْرٌ"، وفي طَرِيقٍ آخَرَ: "أرَدْتُ شَيْئًا وأرادَ اللهُ غَيْرَهُ"، وقِيلَ: إنَّ في هَذا الحُكْمِ المَرْدُودِ نَزَلَتْ: ﴿وَلا تَعْجَلْ بِالقُرْآنِ مِن قَبْلِ أنْ يُقْضى إلَيْكَ وحْيُهُ﴾ [طه: ١١٤]» وقِيلَ: سَبَبُها قَوْلُ أُمِّ سَلَمَةَ المُتَقَدِّمُ، أيْ: لَمّا تَمَنّى النِساءُ دَرَجَةَ الرِجالِ عُرِّفْنَ وجْهَ الفَضِيلَةِ.
والصَلاحُ في قَوْلِهِ: "فالصالِحاتُ" هو الصَلاحُ في الدِينِ. و"قانِتاتٌ" مَعْناهُ: مُطِيعاتٌ، والقُنُوتُ: الطاعَةُ، ومَعْناهُ: لِأزْواجِهِنَّ، أو لِلَّهِ في أزْواجِهِنَّ، وغَيْرُ ذَلِكَ. وقالَ الزَجّاجُ: إنَّها الصَلاةُ، وهَذا هُنا بَعِيدٌ.
"وَلِلْغَيْبِ" مَعْناهُ: كُلُّ ما غابَ عن عِلْمِ زَوْجِها مِمّا اسْتَرْعَتْهُ، وذَلِكَ يَعُمُّ حالَ غَيْبِ الزَوْجِ وحالَ حُضُورِهِ، ورَوى أبُو هُرَيْرَةَ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: « "خَيْرُ النِساءِ امْرَأةٌ إذا نَظَرْتَ إلَيْها سَرَّتْكَ، وإذا أمَرْتَها أطاعَتْكَ وإذا غِبْتَ عنها حَفِظَتْكَ في مالِكَ ونَفْسِها"، ثُمَّ قَرَأ رَسُولُ اللهِ ﷺ هَذِهِ الآيَةَ.»
وفِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "فالصَوالِحُ قَوانِتُ حَوافِظُ"، وهَذا بِناءٌ يَخْتَصُّ (p-٥٤١)بِالمُؤَنَّثِ، وقالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: "والتَكْسِيرُ أشْبَهُ لَفْظًا بِالمَعْنى، إذْ هو يُعْطِي الكَثْرَةَ وهي المَقْصُودُ هُنا".
و"بِما حَفِظَ اللهُ"، الجُمْهُورُ عَلى رَفْعِ اسْمِ اللهِ بِإسْنادِ الفِعْلِ إلَيْهِ، وقَرَأ أبُو جَعْفَرِ بْنُ القَعْقاعِ: "اللهَ" بِالنَصْبِ عَلى إعْمالِ: "حَفِظَ"، فَأمّا قِراءَةُ الرَفْعِ فَـ "ما" مَصْدَرِيَّةٌ تَقْدِيرُهُ: يَحْفَظُ اللهُ، ويَصِحُّ أنْ تَكُونَ بِمَعْنى "الَّذِي" ويَكُونَ العائِدُ الَّذِي في "حَفِظَ" ضَمِيرَ نَصْبٍ، ويَكُونَ المَعْنى إمّا حِفْظُ اللهِ ورِعايَتُهُ الَّتِي لا يَتِمُّ أمْرٌ دُونَها، وإمّا أوامِرُهُ ونَواهِيهِ لِلنِّساءِ، فَكَأنَّها حِفْظُهُ، فَمَعْناهُ: أنَّ النِساءَ يُحْفَظْنَ بِإرادَتِهِ وقُدْرَتِهِ، وأمّا قِراءَةُ ابْنِ القَعْقاعِ "بِما حَفِظَ اللهَ" فالأولى أنْ تَكُونَ "ما" بِمَعْنى "الَّذِي"، وفي "حَفِظَ" ضَمِيرٌ مَرْفُوعٌ، والمَعْنى: حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِطاعَةٍ وخَوْفٍ وبِرٍّ ودِينٍ حَفِظْنَ اللهَ في أوامِرِهِ حِينَ امْتَثَلْنَها. وقِيلَ: يَصِحُّ أنْ تَكُونَ "ما" مَصْدَرِيَّةً، عَلى أنَّ تَقْدِيرَ الكَلامِ: بِما حَفِظْنَ اللهَ، ويَنْحَذِفُ الضَمِيرُ، وفي حَذْفِهِ قُبْحٌ لا يَجُوزُ إلّا في الشِعْرِ كَما قالَ:
؎ ............ فَإنَّ الحَوادِثَ أودى بِها
يُرِيدُ أودَيْنَ، والمَعْنى: يَحْفَظْنَ اللهَ في أمْرِهِ حِينَ امْتَثَلْنَهُ، وقالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: الكَلامُ عَلى حَذْفِ مُضافٍ تَقْدِيرُهُ: بِما حَفِظَ دِينَ اللهِ، أو أمْرَ اللهِ. وفي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "بِما حَفِظَ اللهُ فَأصْلِحُوا إلَيْهِنَّ".
"واللاتِي" في مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِداءِ، والخَبَرُ "فَعِظُوهُنَّ"، ويَصِحُّ أنْ تَكُونَ في مَوْضِعِ نَصْبٍ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ تَقْدِيرُهُ: وعِظُوا اللاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ، كَقَوْلِهِ: "والسارِقَ والسارِقَةَ" عَلى قِراءَةِ مَن قَرَأها بِالنَصْبِ، قالَ سِيبَوَيْهِ: النَصْبُ القِياسُ، إلّا أنَّ الرَفْعَ أكْثَرُ في كَلامِهِمْ، وحُكِيَ عن سِيبَوَيْهِ أنَّ تَقْدِيرَ الآيَةِ عِنْدَهُ: وفِيما يُتْلى عَلَيْكُمُ اللاتِي.
قالَتْ فِرْقَةٌ: مَعْنى "تَخافُونَ": تَعْلَمُونَ وتَتَيَقَّنُونَ، وذَهَبُوا في ذَلِكَ إلى أنَّ وُقُوعَ النُشُوزِ هو الَّذِي يُوجِبُ الوَعْظَ، واحْتَجُّوا في جَوازِ وُقُوعِ الخَوْفِ بِمَعْنى اليَقِينِ بِقَوْلِ أبِي مِحْجَنٍ:(p-٥٤٢)
؎ ولا تَدْفِنَنِّي بِالفَلاةِ فَإنَّنِي ∗∗∗ أخافُ إذا ما مِتُّ ألّا أذُوقَها
وقالَتْ فِرْقَةٌ: الخَوْفُ هاهُنا- عَلى بابِهِ في التَوَقُّعِ، لِأنَّ الوَعْظَ وما بَعْدَهُ إنَّما هو في دَوامِ ما ظَهَرَ مِن مَبادِئِ ما يُتَخَوَّفُ.
"والنُشُوزُ": أنْ تَتَعَوَّجَ المَرْأةُ، وتَرْتَفِعَ في خُلُقِها، وتَسْتَعْلِيَ عَلى زَوْجِها وهو مِن نَشَزِ الأرْضِ، يُقالُ: ناشِزٌ، وناشِصٌ، ومِنهُ بَيْتُ الأعْشى:
؎ تَجَلَّلَها شَيْخٌ عِشاءً فَأصْبَحَتْ ∗∗∗ قُضاعِيَّةً تَأْتِي الكَواهِنَ ناشِصا
و"فَعِظُوهُنَّ" مَعْناهُ: ذَكِّرُوهُنَّ أمْرَ اللهِ، واسْتَدْعُوهُنَّ إلى ما يَجِبُ عَلَيْهِنَّ بِكِتابِ اللهِ وسُنَّةِ نَبِيِّهِ، وقَرَأ إبْراهِيمُ النَخْعِيُّ: "فِي المَضْجَعِ"، وهو واحِدٌ يَدُلُّ عَلى الجَمْعِ.
واخْتَلَفَ المُتَأوِّلُونَ في قَوْلِهِ: "اهْجُرُوهُنَّ"، فَقالَتْ فِرْقَةٌ: مَعْناهُ: جَنِّبُوا جِماعَهُنَّ، وجَعَلُوا "فِي" لِلْوِعاءِ عَلى بابِها دُونَ حَذْفٍ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: يُضاجِعُها ويُوَلِّيها ظَهْرَهُ ولا يُجامِعُها. وقالَ مُجاهِدٌ: جَنِّبُوا مُضاجَعَتَهُنَّ، فَيَتَقَدَّرُ عَلى هَذا القَوْلِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: واهْجُرُوهُنَّ بِرَفْضِ المَضاجِعِ، أو بِتَرْكِ المَضاجِعِ. وقالَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هي هِجْرَةُ الكَلامِ، أيْ: لا تُكَلِّمُوهُنَّ، وأعْرِضُوا عنهُنَّ، فَيُقَدَّرُ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: (p-٥٤٣)واهْجُرُوهُنَّ في سَبَبِ المَضاجِعِ حَتّى يُراجِعْنَها، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ أيْضًا:
مَعْناهُ: وقُولُوا لَهُنَّ هَجْرًا مِنَ القَوْلِ، أيْ: إغْلاظًا، حَتّى يُراجِعْنَ المَضاجِعَ، وهَذا لا يَصِحُّ تَصْرِيفُهُ إلّا عَلى مَن حَكى: هَجَرَ وأهْجَرَ بِمَعْنىً واحِدٍ.
وقالَ الطَبَرِيُّ: مَعْناهُ: ارْبِطُوهُنَّ بِالهِجارِ كَما يُرْبَطُ البَعِيرُ بِهِ، وهو حَبْلٌ يُشَدُّ بِهِ البَعِيرُ، فَهي في مَعْنى: اضْرِبُوهُنَّ ونَحْوِها، ورَجَّحَ الطَبَرِيُّ مَنزَعَهُ هَذا، وقَدَحَ في سائِرِ الأقْوالِ، وفي كَلامِهِ كُلِّهِ في هَذا المَوْضِعِ نَظَرٌ.
والضَرْبُ في هَذِهِ الآيَةِ هو ضَرْبُ الأدَبِ غَيْرُ المُبَرِّحِ وهو الَّذِي لا يَكْسِرُ عَظْمًا، ولا يَشِينُ جارِحَةً، وقالَ النَبِيُّ ﷺ: « "اضْرِبُوا النِساءَ إذا عَصَيْنَكم في مَعْرُوفٍ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ"،» وقالَ عَطاءٌ: قُلْتُ لِابْنِ عَبّاسٍ: ما الضَرْبُ غَيْرُ المُبَرِّحِ؟ قالَ: بِالشِراكِ ونَحْوِهِ، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ شِهابٍ أنَّهُ قالَ: لا قِصاصَ بَيْنَ الرَجُلِ وامْرَأتِهِ إلّا في النَفْسِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا تَجاوُزٌ، قالَ غَيْرُهُ: إلّا في النَفْسِ والجِراحِ، وهَذِهِ العِظَةُ والهَجْرُ والضَرْبُ مَراتِبٌ، إنْ وقَعَتِ الطاعَةُ عِنْدَ إحْداها لَمْ يُتَعَدَّ إلى سائِرِها.
و"تَبْغُوا" مَعْناهُ: تَطْلُبُوا، و"سَبِيلًا" أيْ: إلى الأذى، وهو التَعْنِيتُ والتَعَسُّفُ بِقَوْلٍ أو فِعْلٍ، وهَذا نَهْيٌ عن ظُلْمِهِنَّ بِغَيْرِ واجِبٍ بَعْدَ تَقْدِيرِ الفَضْلِ عَلَيْهِنَّ، والتَمْكِينِ مِن أدَبِهِنَّ، وحَسُنَ مَعَهُ الِاتِّصافُ بِالعُلُوِّ والكِبَرِ، أيْ: قَدْرُهُ فَوْقَ كُلِّ قَدْرٍ، ويَدُهُ بِالقُدْرَةِ فَوْقَ كُلِّ يَدٍ، فَلا يَسْتَعْلِي أحَدٌ عَلى امْرَأتِهِ، فاللهُ بِالمِرْصادِ، ويَنْظُرُ هَذا إلى (p-٥٤٤)حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «فَصَرَفْتُ وجْهِي فَإذا رَسُولُ اللهِ ﷺ يَقُولُ: "اعْلَمْ أبا مَسْعُودٍ أنَّ اللهَ أقْدَرُ عَلَيْكَ مِنكَ عَلى هَذا العَبْدِ".»
{"ayahs_start":33,"ayahs":["وَلِكُلࣲّ جَعَلۡنَا مَوَ ٰلِیَ مِمَّا تَرَكَ ٱلۡوَ ٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَۚ وَٱلَّذِینَ عَقَدَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡ فَـَٔاتُوهُمۡ نَصِیبَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ شَهِیدًا","ٱلرِّجَالُ قَوَّ ٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَاۤءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضࣲ وَبِمَاۤ أَنفَقُوا۟ مِنۡ أَمۡوَ ٰلِهِمۡۚ فَٱلصَّـٰلِحَـٰتُ قَـٰنِتَـٰتٌ حَـٰفِظَـٰتࣱ لِّلۡغَیۡبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُۚ وَٱلَّـٰتِی تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهۡجُرُوهُنَّ فِی ٱلۡمَضَاجِعِ وَٱضۡرِبُوهُنَّۖ فَإِنۡ أَطَعۡنَكُمۡ فَلَا تَبۡغُوا۟ عَلَیۡهِنَّ سَبِیلًاۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیࣰّا كَبِیرࣰا"],"ayah":"ٱلرِّجَالُ قَوَّ ٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَاۤءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضࣲ وَبِمَاۤ أَنفَقُوا۟ مِنۡ أَمۡوَ ٰلِهِمۡۚ فَٱلصَّـٰلِحَـٰتُ قَـٰنِتَـٰتٌ حَـٰفِظَـٰتࣱ لِّلۡغَیۡبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُۚ وَٱلَّـٰتِی تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهۡجُرُوهُنَّ فِی ٱلۡمَضَاجِعِ وَٱضۡرِبُوهُنَّۖ فَإِنۡ أَطَعۡنَكُمۡ فَلَا تَبۡغُوا۟ عَلَیۡهِنَّ سَبِیلًاۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیࣰّا كَبِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق