الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلى النِّساءِ﴾ يَعْنِي أهْلَ قِيامٍ عَلى نِسائِهِمْ، في تَأْدِيبِهِنَّ، والأخْذِ عَلى أيْدِيهِنَّ، فِيما أوْجَبَ اللَّهُ لَهم عَلَيْهِنَّ. ﴿بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهم عَلى بَعْضٍ﴾ يَعْنِي في العَقْلِ والرَّأْيِ. ﴿وَبِما أنْفَقُوا مِن أمْوالِهِمْ﴾ يَعْنِي بِهِ الصَّداقَ والقِيامَ بِالكِفايَةِ. وَقَدْ رَوى (p-٤٨١) جَرِيرُ بْنُ حازِمٍ عَنِ الحَسَنِ أنَّ سَبَبَ ذَلِكَ «أنَّ رَجُلًا مِنَ الأنْصارِ لَطَمَ امْرَأتَهُ فَجاءَتْ تَلْتَمِسُ القِصاصَ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَهُما القِصاصَ فَنَزَلَتْ: ﴿وَلا تَعْجَلْ بِالقُرْآنِ مِن قَبْلِ أنْ يُقْضى إلَيْكَ وحْيُهُ﴾» [طه: ١١٤] ونَزَلَتِ: ﴿الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهم عَلى بَعْضٍ﴾، وكانَ الزُّهْرِيُّ يَقُولُ: لَيْسَ بَيْنَ الرَّجُلِ وامْرَأتِهِ قِصاصٌ فِيما دُونَ النَّفْسِ. ﴿فالصّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ﴾ يَعْنِي المُسْتَقِيماتِ الدِّينِ العامِلاتِ بِالخَيْرِ، والقانِتاتُ يَعْنِي المُطِيعاتِ لِلَّهِ ولِأزْواجِهِنَّ. ﴿حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ﴾ يَعْنِي حافِظاتٍ لِأنْفُسِهِنَّ عِنْدَ غَيْبَةِ أزْواجِهِنَّ، ولِما أوْجَبَهُ اللَّهُ مِن حَقِّهِ عَلَيْهِنَّ. ﴿بِما حَفِظَ اللَّهُ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: يَعْنِي يَحْفَظُ اللَّهُ لَهُنَّ إذْ صَيَّرَهُنَّ كَذَلِكَ، وهو قَوْلُ عَطاءٍ. والثّانِي: بِما أوْجَبَهُ اللَّهُ عَلى أزْواجِهِنَّ مِن مُهُورِهِنَّ ونَفَقَتِهِنَّ حَتّى صِرْنَ بِها مَحْفُوظاتٍ، وهَذا قَوْلُ الزَّجّاجِ. وَقَدْ رَوى ابْنُ المُبارَكِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبِي سَعِيدٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: « (خَيْرُ النِّساءِ امْرَأةٌ إذا نَظَرْتَ إلَيْها سَرَّتْكَ، وإذا أمَرْتَها أطاعَتْكَ، وإذا غِبْتَ عَنْها حَفِظَتْكَ في مالِها ونَفْسِها قالَ: ثُمَّ قَرَأ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ﴿الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلى النِّساءِ﴾ إلى آخِرِ الآيَةِ. » ﴿واللاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ﴾ في ( تَخافُونَ ) تَأْوِيلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ العِلْمُ، فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالخَوْفِ، كَما قالَ الشّاعِرُ: ؎ ولا تَدْفِنِينِي بِالفَلاةِ فَإنَّنِي أخافُ إذا ما مِتُّ أنْ لا أذُوقَها يَعْنِي فَإنَّنِي أعْلَمُ (p-٤٨٢) والتَّأْوِيلُ الثّانِي: أنَّهُ الظَّنُّ، كَما قالَ الشّاعِرُ: ؎ أتانِي عَنْ نَصْرٍ كَلامٌ يَقُولُهُ ∗∗∗ وما خِفْتُ يا سَلامُ أنَّكَ عائِبِي وَهُوَ أنْ يَسْتُرَ عَلى نُشُوزِها بِما تُبْدِيهِ مِن سُوءِ فِعْلِها. والنُّشُوزُ: هو مَعْصِيَةُ الزَّوْجِ والِامْتِناعُ مِن طاعَتِهِ بُغْضًا وكَراهَةً - وأصْلُ النُّشُوزِ: الِارْتِفاعُ، ومِنهُ قِيلَ: لِلْمَكانِ المُرْتَفِعِ مِنَ الأرْضِ نَشَزٌ، فَسُمِّيَتِ المُمْتَنِعَةُ عَنْ زَوْجِها ناشِزًا لِبُعْدِها مِنهُ وارْتِفاعِها عَنْهُ. ﴿فَعِظُوهُنَّ واهْجُرُوهُنَّ في المَضاجِعِ واضْرِبُوهُنَّ﴾ أمّا وعْظُها فَهو أنْ يَأْمُرَها بِتَقْوى اللَّهِ وطاعَتِهِ، ويُخَوِّفَها اسْتِحْقاقَ الوَعِيدِ في مَعْصِيَتِهِ وما أباحَهُ اللَّهُ تَعالى مِن ضَرْبِها عِنْدَ مُخالَفَتِهِ، وفي المُرادِ بِقَوْلِهِ: ﴿واهْجُرُوهُنَّ في المَضاجِعِ﴾ خَمْسَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: ألّا يُجامِعَها، وهو قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ، وسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. والثّانِي: أنْ لا يُكَلِّمَها ويُوَلِّيَها ظَهْرَهُ في المَضْجَعِ، وهو قَوْلُ الضَّحّاكِ، والسُّدِّيِّ. والثّالِثُ: أنْ يَهْجُرَ فِراشَها ومُضاجَعَتَها وهو قَوْلُ الضَّحّاكِ، والسُّدِّيِّ. والرّابِعُ: يَعْنِي: وقُولُوا لَهُنَّ في المَضاجِعِ هُجْرًا، وهو الإغْلاظُ في القَوْلِ، وهَذا قَوْلُ عِكْرِمَةَ، والحَسَنِ. والخامِسُ: هو أنْ يَرْبِطَها بِالهِجارِ وهو حَبَلٌ يُرْبَطُ بِهِ البَعِيرُ لِيُقِرَّها عَلى الجِماعِ، وهو قَوْلُ أبِي جَعْفَرٍ الطَّبَرِيِّ. واسْتَدَلَّ بِرِوايَةِ ابْنِ المُبارَكِ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قالَ: (p-٤٨٣) «قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، نِساؤُنا ما نَأْتِي مِنها وما نَذَرُ؟ قالَ: (حَرْثُكَ فَأْتِ حَرْثَكَ أنّى شِئْتَ غَيْرَ ألّا تَضْرِبَ الوَجْهَ ولا تُقَبِّحْ إلّا في البَيْتِ، وأطْعِمْ إذا طَعِمْتَ واكْسُ إذا اكْتَسَيْتَ، كَيْفَ وقَدْ أفْضى بَعْضُكم إلى بَعْضٍ)» ولَيْسَ في هَذا الخَبَرِ دَلِيلٌ عَلى تَأْوِيلِهِ دُونَ غَيْرِهِ. وَأصْلُ الهَجْرِ: التَّرْكُ عَلى قِلًى، والهُجْرُ: القَبِيحُ مِنَ القَوْلِ لِأنَّهُ مَهْجُورٌ. ﴿واضْرِبُوهُنَّ﴾ فَجَعَلَ اللَّهُ تَعالى مُعاقَبَتَها عَلى النُّشُوزِ ثَلاثَةَ أشْياءَ: وعْظَها وهَجْرَها وضَرْبَها. وَفي تَرْبِيَتِها إذا نَشَزَتْ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ إذا خافَ نُشُوزَها وعَظَها وهَجَرَها، فَإنْ أقامَتْ عَلَيْهِ ضَرَبَها. والثّانِي: أنَّهُ إذا خافَ نُشُوزَها وعَظَها، فَإذا أبْدَتِ النُّشُوزَ هَجَرَها، فَإنْ أقامَتْ عَلَيْهِ ضَرَبَها، وهو الأظْهَرُ مِن قَوْلِ الشّافِعِيِّ. والَّذِي أُبِيحُ لَهُ مِنَ الضَّرْبِ ما كانَ تَأْدِيبًا يَزْجُرُها بِهِ عَنِ النُّشُوزِ غَيْرَ مُبَرِّحٍ ولا مُنْهِكٍ، رَوى بِشْرٌ عَنْ عِكْرِمَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: « (اضْرِبُوهُنَّ إذا عَصَيْنَكم في المَعْرُوفِ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ)» . ﴿فَإنْ أطَعْنَكم فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا﴾ يَعْنِي أطَعْنَكم في المَضْجَعِ والمُباشَرَةِ. ﴿فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا﴾ فِيهِ تَأْوِيلانِ: أحَدُهُما: لا تَطْلُبُوا لَهُنَّ الأذى. والثّانِي: هو أنْ يَقُولَ لَها لَسْتِ تُحِبِّينَنِي وأنْتِ تَعْصِينِي، فَيُصَيِّرُها عَلى ذَلِكَ وإنْ كانَتْ مُطِيعَةً: قالَ سُفْيانُ: إذا فَعَلَتْ ذَلِكَ لا يُكَلِّفُها أنْ تُحِبَّهُ لِأنَّ قَلْبَها لَيْسَ في يَدِها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب