الباحث القرآني
ثُمَّ بَيَّنَ - سُبْحانَهُ - وجْهَ اسْتِحْقاقِ بَعْضِ المُفَضَّلِينَ؛ فَقالَ - جَوابًا لِسُؤالِ مَن كَأنَّهُ قالَ: ما لِلرِّجالِ فُضِّلُوا؟ - ﴿الرِّجالُ قَوّامُونَ﴾؛ أيْ: قِيامَ الوُلاةِ؛ ﴿عَلى النِّساءِ﴾؛ في التَّأْدِيبِ؛ والتَّعْلِيمِ؛ وكُلِّ أمْرٍ ونَهْيٍ؛ وبَيَّنَ سَبَبَيْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿بِما فَضَّلَ اللَّهُ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَهُ الحِكْمَةُ البالِغَةُ والكَمالُ الَّذِي لا يُدانى؛ هِبَةً مِنهُ؛ وفَضْلًا؛ مِن غَيْرِ تَكَسُّبٍ؛ ﴿بَعْضَهُمْ﴾؛ وهُمُ الرِّجالُ؛ في العَقْلِ؛ والقُوَّةِ؛ والشَّجاعَةِ؛ ولِهَذا كانَ فِيهِمُ الأنْبِياءُ؛ والوُلاةُ؛ والإمامَةُ الكُبْرى؛ والوِلايَةُ في النِّكاحِ؛ ونَحْوِ ذَلِكَ؛ مِن كُلِّ أمْرٍ يَحْتاجُ إلى فَضْلِ قُوَّةٍ في البَدَنِ؛ والعَقْلِ؛ والدِّينِ؛ ﴿عَلى بَعْضٍ﴾؛ يَعْنِي النِّساءَ؛ فَقالَ لِلرِّجالِ: ﴿انْفِرُوا خِفافًا وثِقالا﴾ [التوبة: ٤١]؛ وقالَ لِلنِّساءِ: ﴿وقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ﴾ [الأحزاب: ٣٣] (p-٢٧٠)ولَمّا ذَكَرَ السَّبَبَ المَوْهِبِيَّ أتْبَعَهُ الكَسْبِيَّ؛ فَقالَ: ﴿وبِما أنْفَقُوا﴾؛ أيْ: مِنَ المُهُورِ؛ والكُسى؛ وغَيْرِها؛ ﴿مِن أمْوالِهِمْ﴾؛ أيْ: عَلَيْهِنَّ؛ فَصارَتِ الزِّيادَةُ في أحَدِ الجانِبَيْنِ مُقابَلَةً بِالزِّيادَةِ مِنَ الجانِبِ الآخَرِ.
ولَمّا بانَ بِذَلِكَ فَضْلُهُمْ؛ فَأذْعَنَتِ النَّفْسُ لِما فُضِّلُوا بِهِ في الإرْثِ؛ وغَيْرِهِ؛ وكانَ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ نِكاحِهِمْ لِلنِّساءِ؛ والحَثِّ عَلى العَدْلِ فِيهِنَّ؛ حَسُنَ بَيانُ ما يَلْزَمُ الزَّوْجاتِ مِن حُقُوقِهِمْ؛ وتَأْدِيبِ مَن جَحَدَتِ الحَقَّ؛ فَقالَ - مُسَبِّبًا لِما يَلْزَمُهُنَّ مِن حُقُوقِهِمْ؛ عَمّا ذَكَرَ مِن فَضْلِهِمْ -: ﴿فالصّالِحاتُ قانِتاتٌ﴾؛ أيْ: مُخْلِصاتٌ في طاعَةِ الأزْواجِ؛ ولِذَلِكَ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ؛ ﴿حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ﴾؛ أيْ: لِحُقُوقِ الأزْواجِ؛ مِنَ الأنْفُسِ؛ والبُيُوتِ؛ والأمْوالِ؛ في غَيْبَتِهِمْ عَنْهُنَّ؛ ﴿بِما﴾؛ أيْ: بِالأمْرِ الَّذِي؛ ﴿حَفِظَ اللَّهُ﴾؛ أيْ: المُحِيطُ عِلْمًا؛ وقُدْرَةً؛ بِهِ غَيْبَتَهُمْ؛ بِفِعْلِهِ فِيهِ فِعْلَ مَن يَحْفَظُ؛ مِنَ التَّرْغِيبِ في طاعَتِهِمْ فِيما يُرْضِي اللَّهَ؛ والتَّرْهِيبِ مِن عِصْيانِهِمْ بِما يُسْخِطُهُ؛ ورَعْيِ الحُدُودِ الَّتِي أشارَ إلَيْها - سُبْحانَهُ - مِن ”البَقَرَةِ“؛ وشَرَحَتْها سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
ولَمّا عَرَّفَ بِالصّالِحاتِ لِاسْتِحْقاقِ الإنْفاقِ في اللَّوازِمِ؛ أتْبَعَهُ حُكْمَ غَيْرِهِنَّ؛ فَقالَ: ﴿واللاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ﴾؛ أيْ: تَرَفُّعَهُنَّ عَلَيْكم عَنِ (p-٢٧١)الرُّتْبَةِ الَّتِي أقامَهُنَّ اللَّهُ بِها؛ وعِصْيانَهُنَّ لَكم فِيما جَعَلَ اللَّهُ لَكم مِنَ الحَقِّ؛ وأصْلُ النُّشُوزِ: الِانْزِعاجُ في ارْتِفاعٍ؛ قالَ الشّافِعِيُّ: دَلالاتُ النُّشُوزِ قَدْ تَكُونُ قَوْلًا؛ وقَدْ تَكُونُ فِعْلًا؛ فالقَوْلُ مِثْلُ أنْ كانَتْ تُلَبِّيهِ إذا دَعاها؛ وتَخْضَعُ لَهُ بِالقَوْلِ إذا خاطَبَها؛ ثُمَّ تَغَيَّرَتْ؛ والفِعْلُ مِثْلُ أنْ كانَتْ تَقُومُ لَهُ إذا دَخَلَ إلَيْها؛ أوْ كانَتْ تُسارِعُ إلى أمْرِهِ؛ وتُبادِرُ إلى فِراشِهِ بِاسْتِبْشارٍ إذا التَمَسَها؛ ثُمَّ إذا تَغَيَّرَتْ فَحِينَئِذٍ ظُنَّ نُشُوزُها؛ ومُقْدِماتُ هَذِهِ الأحْوالِ تُوجِبُ خَوْفَ النُّشُوزِ؛ ﴿فَعِظُوهُنَّ﴾؛ أيْ: ذَكِّرُوهُنَّ مِن أمْرِ اللَّهِ؛ بِما يُصَدِعُ قُلُوبَهُنَّ؛ ويُرَقِّقُها؛ ويُخِيفُهُنَّ مِن جَلالِ اللَّهِ.
ولَمّا كانَ الوَعْظُ مُوجِبًا لِتَحَقُّقِ الطّاعَةِ؛ أوِ المَعْصِيَةِ؛ قالَ: ﴿واهْجُرُوهُنَّ﴾؛ أيْ: إنْ لَمْ يَرْجِعْنَ بِالوَعْظِ؛ ﴿فِي المَضاجِعِ﴾؛ أيْ: الَّتِي كُنْتُمْ تَبِيتُونَ مَعَهُنَّ فِيها؛ مِنَ البَيْتِ؛ وفي ضِمْنِ الهَجْرِ امْتِناعُهُ مِن كَلامِها؛ قالَ الشّافِعِيُّ: ولا يَزِيدُ في هِجْرَةِ الكَلامِ عَلى ثَلاثٍ؛ ﴿واضْرِبُوهُنَّ﴾؛ أيْ: إنْ أصْرَرْنَ؛ ضَرْبَ تَأْدِيبٍ؛ غَيْرَ مُبَرِّحٍ؛ وهو ما لا يَكْسِرُ عَظْمًا؛ ولا يَشِينُ عُضْوًا؛ ويَكُونُ مُفَرَّقًا عَلى بَدَنِها؛ ولا يُوالِي بِهِ في مَوْضِعٍ واحِدٍ؛ ويَتَّقِي الوَجْهَ؛ لِأنَّهُ مَجْمَعُ المَحاسِنِ؛ ويَكُونُ دُونَ الأرْبَعِينَ؛ قالَ الشّافِعِيُّ: الضَّرْبُ مُباحٌ؛ وتَرْكُهُ أفْضَلُ؛ ﴿فَإنْ أطَعْنَكُمْ﴾؛ أيْ: بِشَيْءٍ مِنَ الوَعْظِ؛ (p-٢٧٢)والهَجْرِ في مَوْضِعِ المَبِيتِ مِنَ البَيْتِ؛ أوِ الضَّرْبِ؛ ﴿فَلا تَبْغُوا﴾؛ أيْ: تَطْلُبُوا؛ ﴿عَلَيْهِنَّ سَبِيلا﴾؛ أيْ: طَرِيقًا إلى الأذى؛ عَلى ما سَلَفَ مِنَ العِصْيانِ؛ مِن تَوْبِيخٍ عَلى ما سَلَفَ نَحْوُهُ؛ بِما لَكَمَ عَلَيْهِنَّ مِنَ العُلُوِّ؛ بَلِ اغْفِرُوا لَهُنَّ ما سَلَفَ؛ ولا يَحْمِلَنَّكم ما مَنَحَكُمُ اللَّهُ مِنَ العُلُوِّ عَلى المُناقَشَةِ؛ ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ﴾؛ أيْ: وقَدْ عَلِمْتُمْ ما لَهُ مِنَ الكَمالِ؛ ﴿كانَ﴾؛ ولَمْ يَزَلْ؛ ﴿عَلِيًّا كَبِيرًا﴾؛ أيْ: لَهُ العُلُوُّ والكِبَرُ؛ عَلى الِإطْلاقِ؛ بِكَمالِ القُدْرَةِ؛ ونُفُوذِ المَشِيئَةِ؛ فَهو لا يُحِبُّ الباغِيَ؛ ولا يُقِرُّهُ عَلى بَغْيِهِ؛ وقُدْرَتُهُ عَلَيْكم أعْظَمُ مِن قُدْرَتِكم عَلَيْهِنَّ؛ وهو مَعَ ذَلِكَ يَعْفُو عَمَّنْ عَصاهُ؛ وإنْ مَلَأ الأرْضَ خَطايا؛ إذا أطاعَهُ؛ ولا يُؤاخِذُهُ بِشَيْءٍ مِمّا فَرَّطَ في حَقِّهِ؛ بَلْ يُبَدِّلُ سَيِّئاتِهِ حَسَناتٍ؛ فَلَوْ أخَذَكم بِذُنُوبِكم أهْلَكَكُمْ؛ فَتَخَلَّقُوا بِما قَدَرْتُمْ عَلَيْهِ مِن صِفاتِهِ؛ لِتَنالُوا جَلِيلَ هِباتِهِ؛ وخافُوا سَطْواتِهِ؛ واحْذَرُوا عُقُوبَتَهُ؛ بِما لَهُ مِنَ العُلُوِّ والكِبَرِ.
{"ayah":"ٱلرِّجَالُ قَوَّ ٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَاۤءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضࣲ وَبِمَاۤ أَنفَقُوا۟ مِنۡ أَمۡوَ ٰلِهِمۡۚ فَٱلصَّـٰلِحَـٰتُ قَـٰنِتَـٰتٌ حَـٰفِظَـٰتࣱ لِّلۡغَیۡبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُۚ وَٱلَّـٰتِی تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهۡجُرُوهُنَّ فِی ٱلۡمَضَاجِعِ وَٱضۡرِبُوهُنَّۖ فَإِنۡ أَطَعۡنَكُمۡ فَلَا تَبۡغُوا۟ عَلَیۡهِنَّ سَبِیلًاۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیࣰّا كَبِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق