الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وبِما أنْفَقُوا مِن أمْوالِهِمْ فالصّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ واللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ واهْجُرُوهُنَّ فِي المَضاجِعِ واضْرِبُوهُنَّ فَإنْ أطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ [النساء: ٣٤].
قوامةُ الرجالِ على النساءِ:
في الآيةِ: دليلٌ على قِوامَةِ الرجُلِ على المرأةِ وولايتِهِ لها، وهذا ليس خاصًّا بالزوجيَّةِ، بل عامٌّ في النِّساءِ والرِّجالِ، لعمومِ الآيةِ، فيقومُ على المرأةِ أقرَبُ أرحامِها إنْ لم يكنْ لها زوجٌ، وإنْ كان للمرأةِ زوجٌ فهو أوْلى بقِوامتِها، والقِوامةُ والوِلايةُ لا تكونُ إلا لمَن قام بشروطِها، لا بمَن عطَّلَها أو عَجَز عنها، فتنتقِلُ القوامةُ ممَّن عطَّلَ شروطَها إلى القادرِ المُوفي لها، وقد تكونُ القوامةُ مِن رجُلٍ واحدٍ لعددٍ مِن النِّساءِ ولو كَثُرْنَ، كما يقومُ الرجُلُ على بناتِهِ أو على زوجاتِهِ، كما في الحديثِ: قال ﷺ: (حَتّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً القَيِّمُ الواحِدُ)[[أخرجه البخاري (٨١) (١/٢٧)، ومسلم (٢٦٧١) (٤/٢٠٥٦).]].
أنواعُ القوامةِ:
والأصلُ في القوامةِ والولايةِ على الأشخاصِ أنّها على نوعَيْنِ:
قوامةٌ وولايةٌ عامَّةٌ، وقوامةٌ وولايةٌ خاصَّةٌ:
أمّا الأُولى ـ وهي الولايةُ العامَّةُ ـ: فتكونُ لِمَن لا يستطيعُ القيامَ بشيءٍ مِن أمرِه، كالطفلِ والمجنونِ والأسيرِ.
وأمّا الثانيةُ ـ وهي الولايةُ والقوامةُ الخاصَّةُ ـ: فتكونُ لمَن يستطيعُ القيامَ بأَمْرِه، ولكنَّه يَضعُفُ أو يَعجِزُ عن القيامِ بأمرٍ خاصٍّ مِن أمورِه، كالمرأةِ في نِكاحِها والنفقةِ عليها، واليتيمِ في مالِه، وغيرِهما.
الحكمةُ من قوامةِ الرجلِ على المرأةِ:
والقوامةُ على المرأةِ تكميلٌ لما يَفُوتُ مِن حقِّ المرأةِ لو استَقلَّتْ بنفسِها، وأكثَرُ ما تَقْوى القوامةُ للرجُلِ على المرأةِ عندَ حاجتِها إلى معامَلَةِ الرجالِ، لذا يحرُمُ سَفَرُها بلا مَحْرَمٍ، أو خَلْوَتُها أو اختلاطُها بهم، لأنّ المرأةَ تضعُفُ عندَ الرجُلِ الأجنبيِّ لحيائِها، ويضعُفُ الرجُلُ والمرأةُ ـ إذا كانا أجنبيَّيْنِ ـ بعضُهما أمامَ بعضٍ، لميلِ أحدِ الجنسَيْنِ إلى الآخَرِ فِطْرةً، فتَضِيعُ الحقوقُ الماليَّةُ والزوجيَّةُ وغيرُها تحتَ ستارِ العاطفةِ.
وإذا حَضَرَتِ العاطفةُ، فقد يغيبُ العقل، ويضيعُ العدلُ، لهذا فقد جعَلَ اللهُ لها وليًّا في نِكاحِها لا تَحضُرُ العاطفةُ معه في مُقابِلِ الرجُلِ، فيَحفَظُ للمرأةِ حقَّها في مهرِها واختيارِ زوجِها وشروطِ نِكاحِها، ولو جاز للنِّساءِ أنْ يَعْقِدْنَ لأنفُسِهنَّ على الرجالِ، لَضاعَتْ حُقُوقُهُنَّ، فجعَلَ اللهُ بينَهما وليًّا يقومُ بما قد يَفُوتُ مِن حَظِّها، لحضورِ عاطفتِها مع الرجُلِ الأجنبيِّ عنها، وإذا زوَّجَها وليُّها، انتقَلَتِ القِوامةُ إلى زوجِها الذي كانتْ هي تحتاجُ إلى قيِّمٍ يقومُ بأمرِ زواجِها منه، لأنّ الزوجَ قبلَ العقدِ أجنبيٌّ، وبَعْدَهُ قريبٌ يَحفَظُ حقَّها، ويَرْعى شأنَها.
وقولُه تعالى: ﴿الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلى النِّساءِ﴾، يعني: أُمَراءَ بالحقِّ وطاعةِ اللهِ، فيجبُ على الزوجةِ طاعةُ زوجِها، وحفظُ مالِهِ وعهدِهِ، وولدِهِ وبيتِه، والإحسانُ إلى أهلِهِ ووالدَيْهِ، روى عليُّ بنُ أبي طَلْحةَ، عن ابنِ عبّاسٍ، قال: «يعني: أُمَراءَ، عَلَيْها أنْ تُطِيعَهُ فِيما أمَرَها اللهُ بِهِ مِن طاعَتِهِ، وطاعَتُهُ: أنْ تَكُونَ مُحْسِنَةً إلى أهْلِهِ، حافِظَةً لِمالِهِ، وفَضَّلَهُ عَلَيْها بِنَفَقَتِهِ وسَعْيِهِ»[[«تفسير الطبري» (٦/٦٨٧)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٣/٩٣٩).]]، وبنحوِه قال الضَّحّاكُ[[«تفسير الطبري» (٦/٦٨٧).]].
الإمارةُ والقوامةُ تكليفٌ:
والأصلُ في الإمارةِ: أنّها تكليفٌ، لا تشريفٌ، لأنّ غُرْمَها أعظَمُ مِن غُنْمِها، لهذا جاء في الشريعةِ التحذيرُ مِن طلبِ الوِلايةِ والتشوُّفِ لها، وأنّ الأصلَ في أهلِ الوِلاياتِ: أنّهم يُبعَثونَ مَغْلُولةً أيدِيهم إلى أعناقِهم، حتى يَثبُتَ عَدْلُهم وبِرُّهم لِمَن تحتَهم.
ويتولّى الرجُلُ كاملُ الأهليَّةِ على المرأةِ كاملةِ الأهليَّةِ، لا العكسُ، ولكنْ تتولّى المرأةُ على الرجلِ ناقصِ الأهليَّةِ، كالصغيرِ والأسيرِ والمريضِ، وبمقدارِ ما يَفُوتُ مِن الرجلِ تتولاَّهُ المرأةُ إلاَّ ما اسْتَثْنَتْهُ الشريعةُ بعينِه، وتتولّى المرأةُ على المرأةِ كامِلةً أو ناقصةً إلاَّ ما اسْتَثْنَتْهُ الشريعةُ، كالنِّكاحِ، فلا تُزوِّجُ الأمُّ ابنتَها، لأنّه لا يَصِحُّ منها أنْ تُزَوِّجَ نفسَها.
فطرةُ اللهِ للجنسَيْنِ:
وقولُه تعالى: ﴿بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ﴾:
فَطَرَ اللهُ كلَّ جنسٍ على فِطْرةٍ واحدةٍ، وخَصَّ كلَّ واحدٍ منهما بخصائصَ ليستْ في الآخَرِ، ففي الرجُلِ مِن الخصائصِ الفِطْريَّةِ مِن القوَّةِ والصبرِ وبَسْطَةِ الجسمِ ما ليس في المرأةِ، وفي المرأةِ مِن الرحمةِ والتحنُّنِ على الولدِ والصبرِ على رعايتِه ما ليس في الرجُلِ، فلكلِّ جنسٍ فضلٌ ليس في الآخَرِ، وفي هذا قولُهُ تعالى: ﴿ولا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا اكْتَسَبُوا ولِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمّا اكْتَسَبْنَ﴾ [النساء: ٣٢].
معنى التفاضُلِ بين الجنسَيْنِ:
والمقصودُ بالفضلِ: الزيادةُ، وهو ضِدُّ النقصِ، والجمعُ فُضُولٌ، يعني: ما زادَ اللهُ به بعضَهم على بعضٍ، ولمّا كان السِّياقُ في تقديمِ الرجُلِ في القِوامةِ والوِلايةِ، كان المقصودُ فَضْلَ الرجلِ، والفضلُ في الآيةِ على نوعَيْنِ:
الأولُ: فِطْريٌّ خِلْقيٌّ، وهو ما ينشَأُ الرجلُ أو المرأةُ عليه، كقوَّةِ الرجُلِ وبَسْطَتِهِ وصبرِه، وهذا لا يُكتسَبُ حيثُ تَقْوى المرأةُ على اكتسابِه، فهذا استرجالٌ منهيٌّ عنه، ومِثلُه تنعُّمُ الرجُلِ وترقيقُ صوتِهِ وتكسُّرُ مِشْيَتِه، وهو استئناثٌ منهيٌّ عنه.
الثاني: مُكتسَبٌ، وهو طلبُ الرِّزْقِ والنفقةُ، وهذا يجوزُ للمرأةِ فِعْلُه، لكنَّه لا يجبُ عليها، وإنّما يجبُ على وليِّها، فإنْ فقَدَتِ المرأةُ وليًّا، أُعْطِيَتْ مِن بيتِ المالِ ومِن الزَّكاةِ ولو كانتْ قادرةً على العملِ، لأنّها لم تُخاطَبْ بالكَسْبِ والعملِ ولم تُؤمَرْ به كالرجُلِ.
روى عليُّ بنُ أبي طَلْحةَ، عن ابنِ عبّاسٍ، قال: «فَضَّلَهُ عَلَيْها بِنَفَقَتِهِ وسَعْيِهِ»، وبنحوِه قال الشَّعْبيُّ وسُفْيانُ[[«تفسير الطبري» (٦/٦٩٠)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٣/٩٤٠).]].
وذِكرُ اللهِ لفَضْلِ الرجُلِ على المرأةِ في سياقِ القِوامةِ إشارةٌ إلى أنْ لا قوامةَ لرجُلٍ لا يقومُ بسببِ قِوامتِه، وهو الفضلُ الفِطْريُّ والمُكتسَبُ، فالذي لا يعملُ بالفضلِ الفِطْريِّ وهو القوةُ، فيَرْعى المرأةَ ويَحمِيها مما يُخافُ منه، ولا يبذُلُ ما يَكتسِبُهُ مِن مالٍ فيَكْفِيها ويُنفِقُ على زوجتِه ـ: لا ولايةَ له عليها، فتكونُ ولايتُها إمّا لأبيها أو للسُّلْطانِ، ويُفسَخُ النِّكاحُ إنْ شاءتْ، ما لم تُسقِطْ حَقَّ النفقةِ عنه.
والأصلُ في القِوامةِ: أنّها حَقٌّ يُبذَلُ مِن الزوجِ لزوجتِهِ مُقابِلَ حقٍّ منها يُبذَلُ له، فهي مُكافَأةٌ ومُقابَلةٌ، ولذا قال معلِّلًا حَقَّ القِوامةِ: ﴿الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وبِما أنْفَقُوا مِن أمْوالِهِمْ﴾، وكلَّما كان الواحدُ منهما أشَدَّ عفوًا وصَفْحًا وإحسانًا، فهو أكرَمُ وأفضَلُ.
حقيقةُ النشوزِ من الزوجةِ:
ولمّا ذكَرَ اللهُ القِوامةَ للرجُلِ، ذَكَرَ نُشُوزَ الزوجةِ، إشارةً إلى أنّ النشوزَ الذي يُعالَجُ مِن الزوجِ النشوزُ الذي ينشَأُ مع تمامِ إعطاءِ حقِّ القِوامةِ على الزوجةِ بالنفقةِ والحِمايةِ، لا ما يكونُ مِن نشوزٍ سببُهُ تعطيلُ حقِّ القِوامةِ، فذلك يُعالَجُ بالوفاءِ بها وبَذْلِها.
وفي قولِه تعالى: ﴿فالصّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ﴾ إشارةٌ إلى الترغيبِ في الزوجةِ الصالحةِ ذاتِ الدِّينِ، لأنّ صلاحَها في أمرِ ربِّها يَتْبَعُهُ صلاحُها في حقِّ زوجِها.
وقولُه تعالى: ﴿واللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ﴾:
أصلُ النشوزِ: الارتفاعُ، وسببُهُ الكِبْرُ والاحتقارُ والبغضُ، ومَن تكبَّرَ واحتقَرَ وأبغَضَ، عَصى وخرَجَ عن الطاعةِ، والمرادُ: خروجُ المرأةِ عن طاعةِ زوجِها بالامتناعِ عن فِراشِه وسائرِ حقوقِهِ عليها.
نشوزُ الزوجةِ وعلاجُهُ:
قولُه تعالى: ﴿فَعِظُوهُنَّ واهْجُرُوهُنَّ فِي المَضاجِعِ واضْرِبُوهُنَّ فَإنْ أطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا﴾:
الوعظُ: التذكيرُ بحُكْمِ اللهِ مِن كتابِ اللهِ وسُنَّةِ نبيِّه، والتخويفُ مِن عقابِه، والوعظُ بالحقِّ الفِطْريِّ العقليِّ الذي فُطِرَتِ النفوسُ عليه، والتذكيرُ بالعهدِ المأخوذِ عليها وعليه.
وجعَلَ اللهُ علاجَ النشوزِ على مرتبتَيْنِ:
الأُولى: علاجُ البيوتِ، فلا يَخرُجُ للناسِ، حِفْظًا لحقِّ البيتِ وحُرْمَتِهِ مِن ذُيُوعِ ما فيه مِن أسرارٍ، لتُحفَظَ هيبتُهُ وكرامتُهُ، حتى لا يقَعَ في أفواهِ مَن يُفسِدُ على أهلِ البيتِ أمْرَهُمْ بالقالاتِ والنميمةِ والغِيبةِ، وقد جاء في «المُسنَدِ»، و«السُّنَنِ»، مِن حديثِ مُعاويةَ بنِ حَيْدَةَ مرفوعًا: (ولا يَضْرِبِ الوَجْهَ، ولا يُقَبِّحْ، ولا يَهْجُرْ إلاَّ فِي البَيْتِ)[[أخرجه أحمد (٢٠٠١١) (٤/٤٤٦)، وأبو داود (٢١٤٢) (٢/٢٤٤)، والنسائي في «السنن الكبرى» (٩١٢٦) (٨/٢٦٦)، وابن ماجه (١٨٥٠) (١/٥٩٣).]]، فجعَلَ مَحَلَّ ذلك في البيتِ لا خارجَهُ، ليَحفَظَ للبيتِ حُرْمَتَهُ، وللزوجةِ كرامتَها، وجعَلَ اللهُ هذه المرتبةَ على حالاتٍ:
الحالةُ الأُولى: الوعظُ بينَه وبينَها.
الحالةُ الثانيةُ: الهجرُ، وخَصَّهُ اللهُ في المَضْجَعِ، يعني: الفِراشَ، فلا يَهْجُرُها في المبيتِ كلِّه ويدَعُ الدارَ ويترُكُها أو يُخرِجُ المرأةَ مِن بيتِه، وإنّما يكونُ معها في فِراشِها ويُولِيها ظَهْرَهُ، قاله عليُّ بنُ أبي طالبٍ وابنُ عبّاسٍ والشَّعْبيُّ والحسنُ وقتادةُ وعامَّةُ السلفِ[[ينظر: «تفسير الطبري» (٦/٧٠٠)، و«تفسير ابن المنذر» (٢/٦٩٠)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٣/٩٤٢).]]، وذلك ليكونَ أقرَبَ لعودةِ النفوسِ ومراجعتِها، وأبعَدَ عن وسواسِ الشيطانِ بالخَلْوةِ.
ومِن السلفِ: مَن جعَلَ الهجرَ هنا هجرَ الكلامِ والحديثِ والمُؤانَسَةِ به، لا هَجْرَ الجِماعِ.
ومنهم مَن قال: هو هجرُ المؤانسةِ والجِماعِ جميعًا.
وبالأولِ قال ابنُ عبّاسٍ وعِكْرِمةُ والضحّاكُ.
والثاني روايةٌ أُخرى عن ابنِ عبّاسٍ.
والهجرُ لا يكونُ فوقَ ثلاثٍ، لعمومِ النهيِ، كما في «الصحيحَيْنِ»، مِن حديثِ أنسٍ، قال ﷺ: (لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثٍ)[[أخرجه البخاري (٦٠٦٥) (٨/١٩)، ومسلم (٢٥٥٨) (٤/١٩٨٣).]].
وله أنْ يَهْجُرَ ثمَّ يَصِلَ ثمَّ يهجُرَ، إنْ قام مُوجِبُ الهجرِ وطال، ورأى أنّ الهجرَ يُصلِحُها لو طال، وظاهِرُ الآيةِ: أنّ الهجرَ هنا هجرٌ لا يُسقِطُ الحقوقَ، فيَهجُرُ كلامَهُ معها المُشعِرَ بالمُؤانَسَةِ والقُرْبِ والرضا، ويُكلِّمُها في الضروراتِ والحاجاتِ، لا هجرًا تامًّا، ولذا قيَّدَ الهجرَ بالمَضاجِعِ: ﴿واهْجُرُوهُنَّ فِي المَضاجِعِ﴾، مع أنّ الرجُلَ يُخالِطُ زوجتَهُ في غيرِ المَضجَعِ أكثَرَ، وفي ذلك إشعارٌ بهجرِ المُؤانَسَةِ، وعندَ الحاجةِ لهجرِ الجِماع يهجُرُ به.
الحالةُ الثالثةُ: الضَّرْبُ، ولا يَصِيرُ إلى حالةٍ حتى يأتيَ بما يَسبقُها، لأنّ اللهَ رتَّبَ ذلك بقولِه: ﴿فَعِظُوهُنَّ﴾، والفاءُ للتعقيبِ، وبينَ كلِّ حالةٍ والتي تَلِيها ما يَكفِي لوجودِ أثرِها، ولذا قال سعيدُ بنُ جُبيرٍ: «يَعِظُها، فإنْ فعَلَتْ، وإلاَّ هَجَرَها»، أخرَجَه ابنُ المُنذِرِ[[«تفسير ابن المنذر» (٢/٦٩٠).]].
وظاهرُ قولِ الشافعيِّ: الترتيبُ إلا للحاجةِ، فيجوزُ الجمعُ بينَ العِظَةِ والهجرِ والضربِ.
وليس المرادُ بالضربِ: المبرِّحَ الذي يُوجِعُ ويَجرَحُ ويَكسِرُ ويُفسِدُ العُضْوَ، وإنّما ما يَثْبُتُ معه التذكيرُ بالقِوامةِ، كالضَّرْبِ بالسِّواكِ ونحوِه، قاله ابنُ عبّاسٍ وعطاءٌ[[«تفسير الطبري» (٦/٧١١)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٣/٩٤٤).]].
وأمّا المرتبةُ الثانيةُ: فهي معالجةُ نُشُوزِ المرأةِ خارجَ بيتِ زوجِها، وذلك بالسَّعْيِ بالإصلاحِ مِن الأَوْلياءِ، وبعثِ الحَكَمَيْنِ مِن أولياءِ الزوجَيْنِ، كما يأتي في الآيةِ التاليةِ.
والسُّنَّةُ: ألاَّ يُصارَ إلى مرتبةٍ حتى يُؤتى بالأُولى.
قال تعالى: ﴿فَإنْ أطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا﴾، أيْ: لو رجَعَتِ الزوجةُ عن نُشُوزِها ومَنعِ الزوجِ حقَّه منها كفِراشِهِ، فلا يجوزُ له أنْ يستمِرَّ في وعظِهِ كالمُعَيِّرِ لها ليَكسِرَها، أو هَجْرِهِ وضَرْبِهِ ليُؤذِيَها ويَضُرَّها، لأنّ التائبَ كمَن لا ذنبَ له، فلا يجوزُ المؤاخذةُ بما تِيبَ منه.
{"ayah":"ٱلرِّجَالُ قَوَّ ٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَاۤءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضࣲ وَبِمَاۤ أَنفَقُوا۟ مِنۡ أَمۡوَ ٰلِهِمۡۚ فَٱلصَّـٰلِحَـٰتُ قَـٰنِتَـٰتٌ حَـٰفِظَـٰتࣱ لِّلۡغَیۡبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُۚ وَٱلَّـٰتِی تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهۡجُرُوهُنَّ فِی ٱلۡمَضَاجِعِ وَٱضۡرِبُوهُنَّۖ فَإِنۡ أَطَعۡنَكُمۡ فَلَا تَبۡغُوا۟ عَلَیۡهِنَّ سَبِیلًاۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیࣰّا كَبِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق