الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَلا يَضْرِبْنَ بِأرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وتُوبُوا إلى اللهِ جَمِيعًا أيُّهَ المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾ [النور: ٣١] ﴿وَأنْكِحُوا الأيامى مِنكم والصالِحِينَ مِن عِبادِكم وإمائِكم إنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ واللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ﴾
أسْنَدَ الطَبَرِيُّ عَنِ المُعْتَمِرِ عن أبِيهِ قالَ: زَعَمَ حَضْرَمِيٌّ أنَّ امْرَأةً اتَّخَذَتْ بُرَتَيْنِ مِن فِضَّةٍ، واتَّخَذَتْ جَزْعًا، فَجَعَلَتْ في ساقَيْها فَمَرَّتْ عَلى القَوْمِ فَضَرَبَتْ بِرِجْلِها الأرْضَ، فَوَقَعَ الخَلْخالُ عَلى الجَزْعِ فَصَوَّتَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، وسَماعُ هَذِهِ الزِينَةِ أشَدُّ تَحْرِيكًا لِلشَّهْوَةِ مِن إبْدائِها، ذَكَرَهُ الزَجّاجُ.
قالَ مَكِّيٌّ رَحِمَهُ اللهُ: لَيْسَ في كِتابِ اللهِ تَعالى آيَةٌ أكْثَرَ ضَمائِرَ مِن هَذِهِ، جَمَعَتْ خَمْسَةً وعِشْرِينَ ضَمِيرًا لِلْمُؤْمِناتِ مِن مَخْفُوضٍ ومَرْفُوعٍ. وقَرَأ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ: "لِيَعْلَمَ ما سُرَّ مِن زِينَتِهِنَّ".
ثُمْ أمَرَ عَزَّ وجَلَّ بِالتَوْبَةِ مُطْلَقَةً، وقَدْ قَيَّدَ تَوْبَةَ الكَفّارِ بِالإخْلاصِ وبِالِانْتِهاءِ في آيَةٍ (p-٣٧٩)أُخْرى، وتَوْبَةَ أهْلِ الذِمَّةِ بِالتَبْيِينِ، يُرِيدُ لِأمْرِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وأمَرَ بِهَذِهِ التَوْبَةِ مُطْلَقَةً عامَّةً مِن كُلِّ شَيْءٍ صَغِيرٍ وكَبِيرٍ.
وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ: "أيُّهُ المُؤْمِنُونَ" بِضَمِّ الهاءِ مِن "أيُّهَ"، ووَجْهُهُ أنْ يَجْعَلَ الخاءَ كَأنَّها مِن نَفْسِ الكَلِمَةِ، فَيَكُونُ إعْرابُ المُنادى فِيها، وضَعَّفَ أبُو عَلِيٍّ ذَلِكَ جِدًّا، وبَعْضُهم يَقِفُ "أيُّهْ"، وبَعْضُهم يَقِفُ "أيُّها" بِالألْفِ، وقَوّى أبُو عَلِيٍّ الوَقْفَ بِالألْفِ لَأنَّ عِلَّةَ حَذْفِها في الوَصْلِ إنَّما هو سُكُونُها وسُكُونُ اللامِ، فَإذا كانَ الوَقْفُ ذَهَبَتِ العِلَّةُ فَرَجَعَتِ الألْفُ كَما تَرْجِعُ الياءُ إذا وقَفَتْ عَلى "مُحِلِّي" مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿غَيْرَ مُحِلِّي الصَيْدِ﴾ [المائدة: ١]، والِاخْتِلافُ الَّذِي ذَكَرْناهُ في "أيُّهَ المُؤْمِنُونَ" كَذَلِكَ هو في "يَأيُّهَ الساحِرُ"، و"أيُّهَ الثَقَلانِ".
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأنْكِحُوا الأيامى﴾، هَذِهِ المُخاطَبَةُ لِكُلِّ مِن تَصَوَّرَ أنْ يَنْكِحَ في نازِلَةٍ ما، فَهُمُ المَأْمُورُونَ بِتَزْوِيجِ مَن لا زَوْجَ لَهُ ومَن لا زَوْجَةَ لَهُ، وظاهِرُ الآيَةِ أنَّ المَرْأةَ لا تَتَزَوَّجُ إلّا بِوَلِيٍّ، و"الأيِّمْ" يُقالُ لِلرَّجُلِ ولِلْمَرْأةِ، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ لِلَّهِ دَرُّ بَنِي عَلِـ ـيٍّ أيِّمْ مِنهم وناكِحِ
(p-٣٨٠)وَلِعُمُومِ هَذا اللَفْظِ قالَتْ فِرْقَةٌ: إنَّ هَذِهِ الآيَةَ ناسِخَةٌ لِحُكْمِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿والزانِيَةُ لا يَنْكِحُها إلا زانٍ أو مُشْرِكٌ وحُرِّمَ ذَلِكَ عَلى المُؤْمِنِينَ﴾ [النور: ٣]، وقَوْلُهُ: ﴿والصالِحِينَ مِن عِبادِكُمْ﴾ يُرِيدُ: لِلنِّكاحِ. وقَرَأ الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ: "مِن عَبِيدِكُمْ"، والجُمْهُورِ عَلى "مِن عِبادِكُمْ"، والمَعْنى واحِدٌ، إلّا أنَّ قَرِينَةَ التَرْفِيعِ بِالنِكاحِ تُؤَيِّدُ قِراءَةَ الجُمْهُورِ.
وهَذا الأمْرُ بِالنِكاحِ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ شَخْصٍ شَخْصٍ، فَفي نازِلَةٍ يَتَصَوَّرُ وُجُوبُهُ، وفي نازِلَةِ النَدْبُ، وغَيْرُ ذَلِكَ، وهَذا بِحَسْبَ ما قِيلَ في النِكاحِ.
ثُمْ وعَدَ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى بِإغْناءِ الفُقَراءِ المُتَزَوِّجِينَ طَلَبًا لِرِضى اللهِ عنهم واعْتِصامًا مِن مَعاصِيهِ، وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ تَعالى عنهُ: التَمَسُوا الغِنى في النِكاحِ، وقالَ عُمْرُ رَضِيَ اللهُ عنهُ: عَجَبِي مِمَّنْ لا يَطْلُبُ الغِنى بِالنِكاحِ، وقَدْ قالَ اللهُ تَعالى: ﴿إنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ﴾. قالَ النِقاشُ: هَذِهِ الآيَةُ حُجَّةٌ عَلى مَن قالَ إنَّ القاضِيَ يُفَرِّقُ بَيْنَ الزَوْجَيْنِ إذا كانَ الزَوْجُ فَقِيرًا لا يَقْدِرُ عَلى النَفَقَةِ؛ لَأنَّ اللهَ قالَ: ﴿يُغْنِهِمُ اللهُ﴾ ولَمْ يَقِلْ: "يُفَرِّقُ بَيْنَهُما".
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا انْتِزاعٌ ضَعِيفٌ، ولَيْسَتْ هَذِهِ الآيَةُ حِكَمًا فِيمَن عَجَزَ عَنِ النَفَقَةِ، وإنَّما هي وعْدٌ بِالإغْناءِ، كَما وعَدَ بِهِ تَعالى مَعَ التَفَرُّقِ في قَوْلِهِ: ﴿وَإنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلا مِن سَعَتِهِ﴾ [النساء: ١٣٠]، ونَفَحاتُ رَحْمَةِ اللهِ تَعالى مَأْمُولَةٌ في كُلِّ حالٍ، مَوْعُودٌ بِها.
(p-٣٨١)وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿واسِعٌ عَلِيمٌ﴾ صِفَتانِ نَحْوَ المَعْنى الَّذِي فِيهِ القَوْلُ، أيْ واسِعٌ الفَضْلِ، عَلِيمٌ بِمُسْتَحِقِّ التَوْسِعَةِ والإغْناءِ.
{"ayah":"وَأَنكِحُوا۟ ٱلۡأَیَـٰمَىٰ مِنكُمۡ وَٱلصَّـٰلِحِینَ مِنۡ عِبَادِكُمۡ وَإِمَاۤىِٕكُمۡۚ إِن یَكُونُوا۟ فُقَرَاۤءَ یُغۡنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَٱللَّهُ وَ ٰسِعٌ عَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق