فِيهَا سَبْعُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: {الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32] وَالْأَيِّمُ فِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا الَّتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا. الثَّانِي: أَنَّهَا الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا.
وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ: «نَهَى عَنْ الْأَيْمَةِ». وَقَالَ الشَّاعِرُ:
فَإِنْ تَنْكِحِي أَنْكِحْ وَإِنْ تَتَأَيَّمِي ... وَإِنْ كُنْت أَفْتَى مِنْكُمْ أَتَأَيَّمُ
وَفِي الْحَدِيثَ: «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا»؛ وَهِيَ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا بَعْدَ زَوْجِهَا. وَفِي لَفْظٍ: «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا».
[مَسْأَلَة الْمُرَادِ بِالْخِطَابِ قَوْله تَعَالَى وَأَنْكِحُوا]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي الْمُرَادِ بِالْخِطَابِ بِقَوْلِهِ: {وَأَنْكِحُوا} [النور: 32] فَقِيلَ: هُمْ الْأَزْوَاجُ. وَقِيلَ: هُمْ الْأَوْلِيَاءُ مِنْ قَرِيبٍ أَوْ سَيِّدٍ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمْ الْأَوْلِيَاءُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: أَنْكِحُوا. بِالْهَمْزَةِ، وَلَوْ أَرَادَ الْأَزْوَاجَ لَقَالَ ذَلِكَ بِغَيْرِ هَمْزَةٍ، وَكَانَتْ الْأَلِفُ لِلْوَصْلِ، وَإِنْ كَانَ بِالْهَمْزَةِ فِي الْأَزْوَاجِ لَهُ وَجْهٌ فَالظَّاهِرُ أَوْلَى، فَلَا يُعْدَلُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ. الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: {وَأَنْكِحُوا} [النور: 32]: لَفْظُهُ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ، وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ أَوْ نَدْبِهِ أَوْ إبَاحَتِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمَرْءِ مِنْ خَوْفِهِ الْعَنَتَ، وَعَدَمِ صَبْرِهِ، وَمِنْ قُوَّتِهِ عَلَى الصَّبْرِ، وَزَوَالِ خَشْيَةِ الْعَنَتِ عَنْهُ. وَإِذَا خَافَ الْهَلَاكَ فِي الدِّينِ أَوْ الدُّنْيَا أَوْ فِيهِمَا فَالنِّكَاحُ حَتْمٌ.
وَإِنْ لَمْ يَخْشَ شَيْئًا وَكَانَتْ الْحَالُ مُطْلَقَةً، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: النِّكَاحُ مُبَاحٌ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ: هُوَ مُسْتَحَبٌّ.
وَتَعَلَّقَ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ قَضَاءُ لَذَّةٍ، فَكَانَ مُبَاحًا كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ.
وَتَعَلَّقَ عُلَمَاؤُنَا فِي ذَلِكَ بِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ، وَلَا فَائِدَةَ فِي التَّعَلُّقِ بِغَيْرِ الصَّحِيحِ. وَفِي ذَلِكَ حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ: الْأَوَّلُ: قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: «جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا أُخْبِرُوهَا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَأُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا. وَقَالَ الْآخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ، وَلَا أُفْطِرُ. وَقَالَ الْآخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ وَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا. فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَيْهِمْ، فَقَالَ: أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا وَاَللَّهِ إنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، وَلَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ؛ مَنْ يَرْغَبُ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي». الثَّانِي: قَالَ عُرْوَةُ: سَأَلْت عَائِشَةَ عَنْ قَوْلِهِ: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] إلَى قَوْلِهِ: {أَلا تَعْدِلُوا} [النساء: 3]. قَالَتْ: يَا بْنَ أُخْتِي، هِيَ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حِجْرِ وَلِيِّهَا، فَيَرْغَبُ فِي مَالِهَا وَجَمَالِهَا، وَيُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِأَدْنَى مِنْ سُنَّةِ صَدَاقِهَا، فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ فَيُكْمِلُوا الصَّدَاقَ، وَأُمِرُوا بِنِكَاحِ مَنْ سِوَاهُنَّ مِنْ النِّسَاءِ.
[مَسْأَلَة تقدير قَوْله تَعَالَى وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32]
وَفِيهَا قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَأَنْكِحُوا إمَاءَكُمْ. وَتَقْرِيرُهَا: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ.
الثَّانِي: وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ أَمَرَ بِإِنْكَاحِ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ، كَمَا أَمَرَ بِإِنْكَاحِ الْأَيَامَى، وَذَلِكَ بِيَدِ السَّادَةِ فِي الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ، كَمَا هُوَ فِي الْأَحْرَارِ بِيَدِ الْأَوْلِيَاءِ، إلَّا مَنْ مَلَكَ نَفْسَهُ، وَائْتَمَرَ أَمْرَهُ، وَأَبْصَرَ رُشْدَهُ.
أَمَّا أَنَّ أَصْحَابَ الشَّافِعِيِّ تَعَلَّقُوا بِأَنَّ الْعَبْدَ مُكَلَّفٌ فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ كَامِلٌ مِنْ جِهَةِ الْآدَمِيَّةِ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَمْلُوكِيَّةُ فِيمَا كَانَ حَظًّا لِلسَّيِّدِ مِنْ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَالْمَنْفَعَةِ، فَلَهُ حَقُّ الْمَمْلُوكِيَّةِ فِي بُضْعِ الْأَمَةِ لِيَسْتَوْفِيَهُ وَيَمْلِكَهُ. فَأَمَّا بُضْعُ الْعَبْدِ فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ، وَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَا تُبَاحُ السَّيِّدَةُ لِعَبْدِهَا؛ هَذِهِ عُمْدَةُ أَهْلِ خُرَاسَانَ وَالْعِرَاقِ. وَلِعُلَمَائِنَا النُّكْتَةُ الْعُظْمَى فِي أَنَّ مَالِكِيَّةَ الْعَبْدِ اسْتَغْرَقَتْهَا مَالِكِيَّةُ السَّيِّدِ؛ وَلِذَلِكَ لَا يَتَزَوَّجُ إلَّا بِإِذْنِهِ إجْمَاعًا.
وَالنِّكَاحُ وَبَابُهُ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْمَصَالِحِ، وَمَصْلَحَةُ الْعَبْدِ مَوْكُولَةٌ إلَى السَّيِّدِ، هُوَ يَرَاهَا وَيُقِيمُهَا لِلْعَبْدِ، وَلِذَلِكَ زَوَّجَ الْأَمَةَ بِمِلْكِهِ لِرَقَبَتِهَا، لَا بِاسْتِيفَائِهِ لِبُضْعِهَا.
وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بُضْعَ امْرَأَتِهِ وَإِنْ كَانَ يَمْلِكُهَا، وَيَمْلِكُ بُضْعَ أُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ أَمَةً، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَوْفِيهِ. وَالْمَالِكِيَّةُ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ كَالْمَالِكِيَّةِ فِي رَقَبَةِ الْأَمَةِ.
وَالْمَصْلَحَةُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِيَدِ السَّيِّدِ اسْتِيفَاؤُهَا وَإِقَامَتُهَا وَالنَّظَرُ إلَيْهَا، وَمِنْهَا وَمِنْ عَدِّهِمْ الطَّلَاقَ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ بِمِلْكِ عَقْدِهِ. وَهَذَا لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ نَظَرًا فِي الْمَصْلَحَةِ، فَإِنْ أَسْقَطَهَا الْعَبْدُ فَقَدْ أَسْقَطَ خَالِصَ حَقِّهِ الَّذِي لَهُ، وَقَدْ نَرَى الثَّيِّبَ لَا تَمْلِكُ الطَّلَاقَ، وَلَا يُمْلَكُ عَلَيْهَا النِّكَاحُ، وَيُمْلَكُ النِّكَاحُ عَلَى السَّفِيهِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ، وَلَا يُمْلَكُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، وَيُمْلَكُ عَلَيْهِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ، وَلَا يَمْلِكُ هُوَ الْإِقَالَةَ وَلَا الْفَسْخَ، وَلَا الْعِتْقَ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مُطْلَقَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَيْنَيْنِ غَيْرُ مَطْلَعِ الْآخَرِ، فَافْتَرَقَا.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ أَرَادَ الْمَمْلُوكَيْنِ لَقَالَ مِنْ عَبِيدِكُمْ.
قُلْنَا عَنْهُ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ: (وَإِمَائِكُمْ)، وَلَوْ أَرَادَ النَّاسَ لَمَا جَاءَ بِالْهَمْزَةِ. كَمَا تَقَدَّمَ، وَلِذَلِكَ قَرَأَهَا الْحَسَنُ مِنْ عَبِيدِكُمْ، وَلِيُبَيَّنَ الْإِشْكَالُ وَيُرْفَعَ اللَّبْسُ.
الثَّانِي: أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَوْ قَدَّرْنَاهُ كَمَا زَعَمُوا لَكَانَ عَامًّا، وَكُنَّا نَحْكُمُ بِعُمُومِهِ فِيمَنْ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، كَمَا حَكَمْنَا بِعُمُومِهِ فِيمَنْ كَانَتْ أَمَةً لِلَّهِ أَوْ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ بِتَمْلِيكِهِ إيَّاهَا لَهُ.
[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى إنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ]
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 32].
وَهَذَا فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: يُغْنِيهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ بِالنِّكَاحِ، كَقَوْلِهِ: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: 130] يَعْنِي النِّكَاحَ مِنْ غَيْرِهِ.
الثَّانِي: يُغْنِيهِمْ بِالْمَالِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ؛ فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: عَجِبْت لِمَنْ لَا يَرْغَبُ فِي الْبَاءَةِ، وَاَللَّهُ يَقُولُ: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 32]. وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُ: الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالنَّاكِحُ يُرِيدُ الْعَفَافَ، وَالْمُكَاتَبُ يُرِيدُ الْأَدَاءَ». فَإِنْ قُلْنَا: قَدْ نَجِدُ النَّاكِحَ لَا يَسْتَغْنِي. قُلْنَا: عَنْهُ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يُغْنِيهِ بِإِيتَاءِ الْمَالِ، وَقَدْ يُوجَدُ ذَلِكَ.
الثَّانِي: يُغْنِيهِ عَنْ الْبَاءَةِ بِالْعِفَّةِ.
الثَّالِثُ: يُغْنِيهِ بِغِنَى النَّفْسِ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ هَذَا كُلُّهُ عَلَى الدَّوَامِ؛ بَلْ لَوْ كَانَ فِي لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ لَصَدَقَ الْوَعْدُ.
وَقَدْ رَأَيْت بَعْضَ عُلَمَائِنَا يَقُولُ: إنَّ هَذَا عَلَى الْخُصُوصِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْجَوَابِ الْأَوَّلِ. وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ: " النَّاكِحُ مُعَانٌ، وَالْمُكَاتَبُ مُعَانٌ، وَبَاغِي الرَّجْعَةِ مُعَانٌ ".
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ الْآيَةُ وَإِنْ وَرَدَتْ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهَا قَدْ تَنَاوَلَتْ مُخْتَلِفَاتِ الْأَحْكَامِ؛ مِنْهَا وَاجِبٌ، وَمِنْهَا غَيْرُ وَاجِبٍ، وَمِنْهَا فِي الْبَالِغِ، وَمِنْهَا فِي الصَّغِيرِ، وَمِنْهَا فِي الثَّيِّبِ، وَمِنْهَا فِي الْبِكْرِ.
قُلْنَا: هَذَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الْخِطَابِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ؛ وَأَقْرَبُ مِنْهُ الْآيَةُ الَّتِي تَلَوْنَاهَا آنِفًا فِي قَوْلِهِ: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور: 31] إلَى آخِرِ الِاثْنَيْ عَشَرَ وَجْهًا، وَكُلُّ وَاحِدٍ يَخْتَلِفُ فِي بَابِهِ، وَالْخِطَابُ مُشْتَرَكٌ فِيهِمْ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ يَخْتَلِفُ فِي التَّعَلُّقِ بِهِمْ.
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى تَزْوِيجِ الْفَقِيرِ، وَلَا يَقُولَنَّ كَيْفَ أَتَزَوَّجُ وَلَيْسَ لِي مَالٌ؟ فَإِنَّ رِزْقَهُ وَرِزْقَ عِيَالِهِ عَلَى اللَّهِ، «وَقَدْ زَوَّجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَوْهُوبَةَ مِنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، وَلَيْسَ لَهُ إلَّا إزَارٌ وَاحِدٌ»، وَلَيْسَ لَهَا بَعْدَ هَذَا فَسْخُ النِّكَاحِ بِالْإِعْسَارِ؛ لِأَنَّهَا عَلَيْهِ دَخَلَتْ؛ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى الْحُكْمِ إذَا دَخَلَتْ عَلَى الْيَسَارِ، فَخَرَجَ مُعْسِرًا، أَوْ طَرَأَ الْإِعْسَارُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
{"ayah":"وَأَنكِحُوا۟ ٱلۡأَیَـٰمَىٰ مِنكُمۡ وَٱلصَّـٰلِحِینَ مِنۡ عِبَادِكُمۡ وَإِمَاۤىِٕكُمۡۚ إِن یَكُونُوا۟ فُقَرَاۤءَ یُغۡنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَٱللَّهُ وَ ٰسِعٌ عَلِیمࣱ"}