الباحث القرآني

وقوله تعالى: وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ الأَيِّمُ: مَنْ لا زوجةَ له أو لا زوجَ لها فالأَيِّمُ: يقال للرجل والمرأة. وقوله: وَالصَّالِحِينَ يريد: للنكاح، وهذا الأمر بالنكاح يختلف بحسب شَخْصٍ شخْصٍ، ففي نازلة: يُتَصَوَّرُ وجوبُه، وفي نازلة: النَّدْبُ وغيرُ ذلك حسبما هو مذكور في كتب الفقه قال ابن العربيِّ في «أحكامه» [[ينظر: «أحكام القرآن» (3/ 1378) .]] : قوله تعالى: وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ الأظهر فيه: أنه أمر بإنكاح العبيد والإماء كما أمر بإنكاح الأيامى، وذلك بيد السادَةِ في العبيد والإماء كما هو في الأحرار بيد الأولياء، انتهى. ثم وعد تعالى بإغناء الفقراء المتزوجين طَلَبَ رضا الله عنهم، واعتصاماً من معاصيه، ثم أمر تعالى كُلَّ مَنْ يَتَعَذَّرُ عليه النكاحُ أَنْ يستعفف حتى يُغْنِيَهُمُ الله من فضله، إذِ الغالب من موانع النكاح عَدَمُ المال، فوعد سبحانه المُتَعَفِّفُ بالغنى. والمكاتبة: مفاعلة من حيث يَكْتُبُ هذا على نفسه وهذا على نفسه، ومذهب مالك: أَنَّ الأَمرَ بالكتابة هو على الندب. وقال عطاء: ذلك واجب، وهو ظاهرُ مذهب عمرَ بن الخطاب [[أخرجه الطبريّ (9/ 312) رقم (26018) ، وذكره ابن عطية (4/ 181) .]] رضي الله عنه. وقوله: إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً قالت فرقة: الخير هنا المال. وقال مالك: إنَّه ليقال: القُوَّةُ والأداء، وقال عبَيْدَةُ السَّلْمانيَّ: الخير هو: الصلاح في الدّين. وقوله تعالى: وَآتُوهُمْ قال المفسرون: هو أمر لكل مُكَاتِبِ أنْ يضع عن العبد من مال كتابته، ورأى مالك هذا الأمر على النَّدْبِ، ولم يَرَ لقدر الوضيعة حَدّاً، واستحسن [[أخرجه الطبريّ (9/ 315) برقم (26046، 26047، 26048، 26049) ، وابن عطية (4/ 181) ، والسيوطي (5/ 83) وعزاه لأبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب، وعزاه أيضا في رواية أخرى لعبد الرزاق، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، والديلمي، وابن المنذر، والبيهقي، وابن مردويه.]] عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه أن يُوضَعَ عنه الرُّبُعُ، وقيل: الثُّلُثُ، وقيل: العشر، ورأى عمر [[ذكره ابن عطية (4/ 181) .]] أَنْ يكون ذلك من أَوَّلِ نُجُومِهِ مبادرةً إلى الخير، وخوفَ أَلاَّ يدركَ آخرها، ورأى مالك وغيره: أَنْ يكونَ الوضعُ من آخر نَجْمٍ وعِلَّةُ ذلك أَنَّه: ربما عجز العبدُ فرجع هو وماله إلى السَّيِّدِ، فعادت إليه وضيعته وهي شبه الصدقة. قلت: والظاهر أَنَّ هذا لا يُعَدُّ رجوعاً كما لو رجع إليه بالميراث، ورأى الشافعيُّ وغيره: أَنَّ الوضيعة واجبةُ يُحكَمُ بها. وقال الحسن [[أخرجه الطبريّ (9/ 317) برقم (26066) ، وذكره ابن عطية (4/ 182) ، والسيوطي (5/ 83) ، وعزاه لعبد بن حميد عن الحسن.]] وغيره: الخطاب بقوله تعالى: وَآتُوهُمْ: للناس أجمعين في أَنْ يتصدَّقُوا على المكاتَبِينَ. وقال زيد بن أسلم [[ذكره ابن عطية (4/ 182) ، والسيوطي (5/ 83) ، وعزاه لابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم.]] : إنَّما الخطاب لولاة الأمور. وقوله سبحانه: وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً الآية: رُوِيَ أَنَّ سبب الآية هو أَن عبد الله بن أُبَيِّ ابن سلولَ كانت له أَمَةٌ، فكان يأمرُها بالزنا والكَسْبِ به، فشكَتْ ذلك إلى النبي ﷺ، فنزلت الآية فيهِ، وفيمن فَعَلَ فعلَه من المنافقين [[أخرجه الطبريّ (9/ 318) برقم (26073) ، وذكره البغوي (3/ 344) ، وابن عطية (4/ 182) ، والسيوطي (5/ 84) ، وعزاه لابن أبي حاتم عن السدي.]] . وقوله: إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً راجع إلى الفتيات وذلك أَنَّ الفتاةَ إذا أَرادت التَّحَصُّنَ فحينئذ يمكن ويُتَصَوَّرُ أَنْ يكونَ السيد مُكْرِهاً، ويمكن أن ينهى عن الإكراه، وإذا كانت الفتاة لا تريد التحصنَ فلا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُقَالَ للسيد: لا تُكْرِهها: لأَنَّ الإكراه لا يُتَصوَّرُ فيها وهي مريدة للفساد، فهذا أمر في سادة وفتياتٍ حالُهم هذه، وذهب هذا النظرُ عن كثير من المفسرين/: فقال بعضُهم: قولُه: إِنْ أَرَدْنَ راجِعٌ إلى الأيامى في قوله: وَأَنْكِحُوا 38 ب الْأَيامى مِنْكُمْ، وقال بعضهم: هذا الشرط في قوله: إِنْ أَرَدْنَ مَلْغِيٌّ ونحو هذا مِمَّا هو ضعيف، والله الموفق للصواب برحمته. قلت: وما اختاره ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 182) .]] هو الذي عَوَّلَ عليه ابن العرَبيِّ [[ينظر: «أحكام القرآن» (3/ 1386) .]] وَنَصَّهُ، وإنما ذكر الله تعالى إِرادة التَّحَصّنِ من المرأة لأَنَّ ذلك هو الذي يصور الإكراه، فأَمَّا إذا كانت هي راغبةً في الزنا، لم يتحصل الإكراه فحصلوه إنْ شاء الله، انتهى من «الأحكام» وقرأ ابن مسعود [[وقرأ بها ابن عباس، وسعيد بن جبير. قال أبو الفتح: اللام في «لهن» متعلقة ب «غفور» لأنها أدنى إليها، ولأن فعولا أقعد في التعدي من فعيل، فكأنه قال: فإن الله من بعد إكراههن غفور لهن. ويجوز أن تكون أيضا متعلقة ب «رحيم» ، وذلك أن ما لا يتعدى قد يتعدى بحرف الجر ألا تراك تقول: هذا مارّ بزيد أمس، فتعمل اسم الفاعل، وهو لما مضى؟ فكذلك يجوز تعلق اللام في «لهن» بنفس «رحيم» . ينظر: «المحتسب» (2/ 108) ، و «الكشاف» (3/ 240) ، و «المحرر الوجيز» (4/ 182) ، وزاد نسبتها إلى جابر بن عبد الله.]] وغيره: «فَإنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إكْرَاهِهِنَّ [لهُنَّ] [[سقط في ج.]] غَفُورٌ رَحِيمٌ» ثم عَدَّد سبحانه نِعَمَهُ على المؤمنين في قوله: وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ليقع التحفظ ممّا وقع أولئك فيه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب