الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿ألَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيارِهِمْ وهم أُلُوفٌ حَذَرَ المَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أحْياهم إنَّ اللهُ لَذُو فَضْلٍ عَلى الناسِ ولَكِنَّ أكْثَرَ الناسِ لا يَشْكُرُونَ﴾
هَذِهِ رُؤْيَةُ القَلْبِ بِمَعْنى: ألَمْ تَعْلَمْ، والكَلامُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ بِمَعْنى تَنَبُّهٍ إلى أمْرِ الَّذِينَ، ولا تَحْتاجُ هَذِهِ الرُؤْيَةُ إلى مَفْعُولَيْنِ.
وقِصَّةُ هَؤُلاءِ فِيما قالَ الضَحّاكُ: هي أنَّهم قَوْمٌ مِن بَنِي إسْرائِيلَ أمَرُوا بِالجِهادِ فَخافُوا المَوْتَ بِالقَتْلِ في الجِهادِ، فَخَرَجُوا مِن دِيارِهِمْ فِرارًا مِن ذَلِكَ، فَأماتَهُمُ اللهُ لِيُعَرِّفَهُما أنَّهُ لا يُنْجِيهِمْ مِنَ المَوْتِ شَيْءٌ، ثُمَّ أحْياهم وأمَرَهم بِالجِهادِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَقاتِلُوا في سَبِيلِ اللهِ﴾ [البقرة: ١٩٠] الآيَةُ.
وحَكى قَوْمٌ مِنَ اليَهُودِ لِعُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّ جَماعَةً مِن بَنِي إسْرائِيلَ وقَعَ فِيهِمُ الوَباءُ فَخَرَجُوا مِن دِيارِهِمْ فِرارًا مِنهُ، فَأماتَهُمُ اللهُ فَبَنى عَلَيْهِمْ سائِرُ بَنِي إسْرائِيلَ حائِطًا، حَتّى إذا بَلِيَتْ عِظامُهم بَعَثَ اللهُ حِزْقِيلَ النَبِيَّ عَلَيْهِ السَلامُ فَدَعا اللهَ فَأحْياهم لَهُ.
(p-٦١٠)وَقالَ السُدِّيُّ: "هم أمَةٌ كانَتْ قَبْلَ واسِطٍ، في قَرْيَةٍ يُقالُ لَها: (ذاوَرَدانَ) وقَعَ بِها الطاعُونُ فَهَرَبُوا مِنهُ، وهم بِضْعَةٌ وثَلاثُونَ ألْفًا في حَدِيثٍ طَوِيلٍ. فَفِيهِمْ نَزَلَتِ الآيَةُ. وقالَ: إنَّهم فَرُّوا مِنَ الطاعُونِ: الحَسَنُ وعَمْرُو بْنُ دِينارٍ. وحَكى النَقّاشُ أنَّهم فَرُّوا مِنَ الحُمّى. وحَكى فِيهِمْ مُجاهِدٌ أنَّهم لَمّا أُحْيُوا رَجَعُوا إلى قَوْمِهِمْ يُعَرِّفُونَ لَكِنَّ سِحْنَةُ المَوْتِ عَلى وجْهِهِمْ، ولا يَلْبَسُ أحَدٌ مِنهم ثُوبًا إلّا عادَ كَفَنًا دَسِمًا حَتّى ماتُوا لِآجالِهِمُ الَّتِي كُتِبَتْ لَهم.
ورَوى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهم كانُوا مِن بَنِي إسْرائِيلَ، وأنَّهم كانُوا أرْبَعِينَ ألْفًا وثَمانِيَةَ آلافٍ، وأنَّهم أُمِيتُوا ثُمَّ أُحْيُوا، وبَقِيَتِ الرائِحَةُ عَلى ذَلِكَ السِبْطِ مِن بَنِي إسْرائِيلَ إلى اليَوْمِ، فَأمَرَهُمُ اللهُ بِالجِهادِ ثانِيَةً فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَقاتِلُوا في سَبِيلِ اللهِ﴾ [البقرة: ١٩٠] الآيَةُ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا القَصَصُ كُلُّهُ لَيِّنُ الأسانِيدِ، وإنَّما اللازِمُ مِنَ الآيَةِ أنَّ اللهَ تَعالى أخْبَرَ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ أخْبارًا في عِبارَةِ التَنْبِيهِ والتَوْقِيفِ عن قَوْمٍ مِنَ البَشَرِ خَرَجُوا مِن دِيارِهِمْ فِرارًا مِنَ المَوْتِ، فَأماتَهُمُ اللهُ تَعالى ثُمَّ أحْياهم لِيُرَوْا هُمْ، وكُلُّ مَن خَلَفَ بَعْدَهم أنَّ الإماتَةَ إنَّما هي بِيَدِ اللهِ لا بِيَدِ غَيْرِهِ، فَلا مَعْنى لِخَوْفِ خائِفٍ، ولا لِاغْتِرارِ مُغْتَرٍّ. وجَعَلَ اللهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ مُقَدِّمَةً بَيْنَ يَدَيْ أمْرِهِ المُؤْمِنِينَ مِن أُمَّةِ مُحَمَّدٍ بِالجِهادِ. هَذا قَوْلُ الطَبَرِيِّ، وهو ظاهِرُ رَصْفِ الآيَةِ. ولِمُورِدِي القِصَصِ في هَذِهِ القِصَّةِ زِياداتٌ اخْتَصَرْتُها لِضَعْفِها.
واخْتَلَفَ الناسُ في لَفْظِ "أُلُوفٌ" فَقالَ الجُمْهُورُ: هي جَمْعُ ألْفٍ. وقالَ بَعْضُهُمْ: كانُوا ثَمانِينَ ألْفًا. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: كانُوا أرْبَعِينَ ألْفًا، وقِيلَ: كانُوا ثَلاثِينَ ألْفًا. وهَذا كُلُّهُ يَجْرِي مَعَ "أُلُوفٌ"، إذًا هو جَمْعُ الكَثِيرِ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ أيْضًا: كانُوا ثَمانِيَةَ آلافٍ، وقالَ أيْضًا: أرْبَعَةُ آلافٍ، وهَذا يُضْعِفُهُ لَفْظُ "أُلُوفٌ" لِأنَّهُ جَمْعُ الكَثِيرِ. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ في لَفْظَةِ "أُلُوفٌ": إنَّما مَعْناها: وهم مُؤْتَلِفُونَ فَخالَفَتْ هَذِهِ الفِرْقَةُ فَخَرَجَتْ فِرارًا مِنَ المَوْتِ وابْتِغاءَ الحَياةِ، فَأماتَهُمُ اللهُ في مُنَجّاهم بِزَعْمِهِمْ.
(p-٦١١)وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا﴾ الآيَةُ إنَّما هي مُبالَغَةٌ في العِبارَةِ عن فِعْلِهِ بِهِمْ، كَأنَّ ذَلِكَ الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ فِعْلُ مَن قِيلَ لَهُ: مُتَّ فَماتَ.
وحُكِيَ أنَّ مَلَكَيْنِ صاحا بِهِمْ: مُوتُوا فَماتُوا، فالمَعْنى قالَ لَهُمُ اللهُ بِواسِطَةِ المَلَكَيْنِ. وهَذا المَوْتُ ظاهِرُ الآيَةِ، وما رُوِيَ في قَصَصِها أنَّهُ مَوْتٌ حَقِيقِيٌّ فارَقَتْ فِيهِ الأرْواحُ الأجْسادَ، وإذا كانَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِمَوْتِ آجالِهِمْ، بَلْ جَعَلَهُ اللهُ في هَؤُلاءِ كَمَرَضٍ وحادِثٍ مِمّا يَحْدُثُ عَلى البَشَرِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلى الناسِ﴾ الآيَةُ، تَنْبِيهٌ عَلى فَضْلِ اللهِ عَلى هَؤُلاءِ القَوْمِ الَّذِينَ تَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ بِالنِعَمِ وأمَرَهم بِالجِهادِ، وأمَرَهم بِأنْ لا يَجْعَلُوا الحَوْلَ والقُوَّةَ إلّا لَهُ، حَسَبَما أمَرَ جَمِيعَ العالَمِ بِذَلِكَ، فَلَمْ يَشْكُرُوا نِعْمَتَهُ في جَمِيعِ هَذا، بَلِ اسْتَبَدُّوا وظَنُّوا أنَّ حَوْلَهم وسَعْيَهم يُنْجِّيهِمْ، وهَذِهِ الآيَةُ تَحْذِيرٌ لِسائِرِ الناسِ مِن مِثْلِ هَذا الفِعْلِ، أيْ: فَيَجِبُ أنْ يَشْكُرَ الناسُ فَضْلَ اللهِ في إيجادِهِ لَهم ورِزْقِهِ إيّاهُمْ، وهِدايَتِهِ بِالأوامِرِ والنَواهِي، فَيَكُونُ مِنهُمُ الجَرْيُ إلى امْتِثالِها لا طَلَبَ الخُرُوجِ عنها. وتَخْصِيصُهُ تَعالى الأكْثَرَ دَلالَةً عَلى الأقَلِّ الشاكِرِ.
{"ayah":"۞ أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِینَ خَرَجُوا۟ مِن دِیَـٰرِهِمۡ وَهُمۡ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُوا۟ ثُمَّ أَحۡیَـٰهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَشۡكُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق