الباحث القرآني
(p-٦٩٨)بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحِيمِ
تَفْسِيرُ سُورَةِ الكَوْثَرِ
وهِيَ مَكِّيَّةٌ قوله عزّ وجلّ:
﴿إنّا أعْطَيْناكَ الكَوْثَرَ﴾ ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانْحَرْ﴾ ﴿إنَّ شانِئَكَ هو الأبْتَرُ﴾
قَرَأ الحَسَنُ: "إنّا أنْطَيْناكَ"، وهي لُغَةٌ في "أعْطى"، قالَ النَبِيُّ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ « "واليَدُ المُنْطِيَةُ خَيْرٌ مِنَ السُفْلى"»، وقالَ الأعْشى:
؎ جِيادُكَ خَيْرُ جِيادِ المُلُوكِ تُصانُ الجِلالَ وتُنْطى الشَعِيرا
(p-٦٩٩)قالَ أنَسٌ، وابْنُ عَبّاسٍ، وابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عنهُمْ- وجَماعَةٌ مِنَ الصَحابَةِ والتابِعِينَ: الكَوْثَرُ نَهْرٌ في الجَنَّةِ، حافَّتاهُ قِبابٌ مِن دُرٍّ مُجَوَّفٍ، وطِينُهُ مِسْكٌ، وحَصْباؤُهُ ياقُوتٌ، ونَحْوُ هَذا مِن صِفاتِهِ وإنِ اخْتَلَفَتْ ألْفاظُ الرُواةِ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما أيْضًا: الكَوْثَرُ: الخَيْرُ الكَثِيرُ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
"كَوْثَرُ" بِناءُ مُبالِغَةٍ مِنَ الكَثْرَةِ، ولا مَحالَةَ أنَّ الَّذِي أعْطى اللهُ تَعالى مُحَمَّدًا ﷺ مِنَ النُبُوَّةِ والحِكْمَةِ والعِلْمِ بِرَبِّهِ تَعالى والفَوْزِ بِرِضْوانِهِ والشَرَفِ عَلى عِبادِهِ هو أكْثَرُ الأشْياءِ وأعْظَمُها، فَكَأنَّهُ يُقالُ في هَذِهِ الآيَةِ: إنّا أعْطَيْناكَ الحَظَّ الأعْظَمَ، قالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: النَهْرُ الَّذِي في الجَنَّةِ هو مِنَ الخَيْرِ الَّذِي أعْطاهُ اللهُ تَعالى إيّاهُ، فَنِعْمَ ما ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ عَبّاسٍ، ونِعْمَ ما تَمَّمَ ابْنُ جُبَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، وأمْرُ النَهْرِ ثابِتٌ في الآثارِ في حَدِيثِ الإسْراءِ وغَيْرِهِ، صَلّى اللهُ عَلى مُحَمَّدٍ وسَلَّمَ ونَفَعَنا بِما مَنَحَنا مِنَ الهِدايَةِ بِهِ. وقالَ الحَسَنُ: الكَوْثَرُ: القُرْآنُ، وقالَ أبُو بَكْرِ بْنُ عَيّاشٍ: هو كَثْرَةُ الأصْحابِ والأشْياعِ، وقالَ جَعْفَرُ الصادِقُ: نُورٌ في قَلْبِهِ دَلَّهُ عَلى اللهِ تَعالى وقَطَعَهُ عَمّا سِواهُ، وقالَ أيْضًا: هو الشَفاعَةُ، وقالَ هِلالُ بْنُ يُسافَ: هو التَوْحِيدُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: "فَصَلِّ لِرَبِّكَ" أمْرٌ بِالصَلاةِ عَلى العُمُومِ، فَفِيهِ المَكْتُوباتُ بِشُرُوطِها، والنَوافِلُ عَلى أثَرِها، والنَحْرُ نَحْرُ الهَدْيِ والنُسُكِ في الضَحايا في قَوْلِ جُمْهُورِ الناسِ، فَكَأنَّهُ تَعالى قالَ: لِيَكُنْ شُغْلُكَ هَذَيْنِ، ولَمْ يَكُنْ في ذَلِكَ الوَقْتِ جِهادٌ، وقالَ أنَسُ بْنُ مالِكٍ: «كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: يَنْحَرُ يَوْمَ الأضْحى قَبْلَ الصَلاةِ فَأمَرَ أنْ يُصَلِّيَ ثُمَّ يَنْحَرُ،» وقالَهُ قَتادَةُ، وقالَ القُرْطُبِيُّ وغَيْرُهُ: في الآيَةِ طَعْنٌ عَلى كَفّارِ مَكَّةَ، أيْ إنَّهم يُصَلُّونَ لِغَيْرِ اللهِ تَعالى مُكاءً وتَصْدِيَةً، ويَنْحَرُونَ لِلْأصْنامِ، ونَحْوِهُ، فافْعَلْ هَذا أنْتَ لِرَبِّكَ تَكُنْ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.
(p-٧٠٠)وَقالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ وقْتَ صُلْحِ قُرَيْشٍ، قِيلَ لِمُحَمَّدٍ ﷺ: صِلْ وانْحَرْ الهَدْيَ، وعَلى هَذا تَكُونُ الآيَةُ مِنَ المَدَنِيِّ، ورُوِيَ عن عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّهُ قالَ: مَعْنى الآيَةِ: صَلِّ لِرَبِّكَ، وضَعْ يَمِينِكَ عَلى شِمالِكَ عِنْدَ نَحْرِكَ في الصَلاةِ، فالنَحْرُ -عَلى هَذا- لَيْسَ بِمَصْدَرِ نَحَرَ، بَلْ هو الصَدْرُ، وقالَ آخَرُونَ: المَعْنى: ارْفَعْ يَدَكَ في اسْتِفْتاحِ صَلاتِكَ عِنْدَ نَحْرِكَ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ شانِئَكَ هو الأبْتَرُ﴾ رَدٌّ عَلى مَقالَةٍ كانَ كَثِيرٌ مِن سُفَهاءِ قُرَيْشٍ يَقُولُها لِما لَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ ولَدٌ، فَكانُوا يَقُولُونَ: هو أبْتَرُ، يَمُوتُ فَنَسْتَرِيحُ مِنهُ، ويَمُوتُ أمْرُهُ بِمَوْتِهِ، فَقالَ اللهُ تَعالى -وَقَوْلُهُ الحَقُّ-: ﴿إنَّ شانِئَكَ هو الأبْتَرُ﴾، أيِ المَقْطُوعُ المَبْتُورُ مِن رَحْمَةِ اللهِ تَعالى، ولَوْ كانَ لَهُ بَنُونَ فَهم غَيْرُ نافِعِيهِ. "والشانِئُ": المُبْغِضُ، وقالَ قَتادَةُ الأبْتَرُ هُنا يُرادُ بِهِ الحَقِيرُ الذَلِيلُ، وقالَ عِكْرِمَةُ: ماتَ ابْنُ النَبِيِّ ﷺ فَخَرَجَ أبُو جَهْلٍ يَقُولُ "بُتِرَ مُحَمَّدٌ"، فَنَزَلَتِ السُورَةُ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: نَزَلَتْ في العاصِ بْنِ وائِلٍ، سَمّى النَبِيَّ ﷺ حِينَ ماتَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ: أبْتُرُ.
كَمُلَ تَفْسِيرُ سُورَةِ [الكَوْثَرِ] والحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["إِنَّاۤ أَعۡطَیۡنَـٰكَ ٱلۡكَوۡثَرَ","فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ","إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلۡأَبۡتَرُ"],"ayah":"فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق