الباحث القرآني
تَفْسِيرُ سُورَةِ الْكَوْثَرِ
وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ، وَقِيلَ: مَكِّيَّةٌ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
* * *
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُل، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَغْفَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِغْفَاءَةً، فَرَفَعَ رَأْسَهُ مُبْتَسِمًا، إِمَّا قَالَ لَهُمْ وَإِمَّا قَالُوا لَهُ: لِمَ ضَحِكْتَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّهُ أُنْزِلَتْ عليَّ آنِفًا سُورَةٌ". فَقَرَأَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾ حَتَّى خَتَمَهَا، قَالَ: "هَلْ تَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ؟ "، قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "هُوَ نَهْرٌ أَعْطَانِيهِ رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، فِي الْجَنَّةِ، عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، تردُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، آنِيَتُهُ عَدَدَ الْكَوَاكِبِ، يُخْتَلَج الْعَبْدُ مِنْهُمْ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، إِنَّهُ مِنْ أُمَّتِي. فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ". [[المسند (٣/١٠٢)]]
هَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ الثُّلَاثِيِّ، وَهَذَا السِّيَاقِ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي صِفَةِ الْحَوْضِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّهُ يَشْخَب فِيهِ مِيزَابَانِ مِنَ السَّمَاءِ عَنْ نَهْرِ الْكَوْثَرِ، وَأَنَّ عَلَيْهِ آنِيَةً عددَ نُجُومِ السَّمَاءِ. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ، وَعَلِيِّ بْنِ مُسْهِر، كِلَاهُمَا عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُل، عَنْ أَنَسٍ. وَلَفَظُ مُسْلِمٍ قَالَ: "بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ أَظْهُرِنَا فِي الْمَسْجِدِ، إِذْ أَغْفَى إِغْفَاءَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُبْتَسِمًا، قُلْنَا: مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "أُنْزِلَتْ عَلِيَّ آنِفًا سُورَةٌ"، فَقَرَأَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ﴾ ثُمَّ قَالَ: "أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ؟ " قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "فَإِنَّهُ نَهْرٌ وَعَدنيه رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، هُوَ حَوْضٌ تَرِدُ عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد النُّجُومِ [[في م، أ: "عدد نجوم السماء".]] فَيختلجُ الْعَبْدُ مِنْهُمْ، فَأَقُولُ: رَبِّ إِنَّهُ مِنْ أُمَّتِي. فَيَقُولُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَ بَعْدَكَ". [[صحيح مسلم برقم (٤٠٠) وسنن أبي داود برقم (٤٧٤٧) وسنن النسائي الكبرى برقم (١١٧٠٢) .]]
وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مَدَنِيَّةٌ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الْبَسْمَلَةَ مِنَ السُّورَةِ، وَأَنَّهَا مُنَزَّلَةٌ مَعَهَا.
فَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ. وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى، عَنْ أَنَسٍ فَقَالَ: حدثنا عفان، حدثنا حماد، أخبرنا ثابت، عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ [[في م: "هذه السورة".]] ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أعطيتُ الْكَوْثَرَ، فَإِذَا هُوَ نَهَرٌ يَجْرِي، وَلَمْ يُشق شَقًّا، وَإِذَا حَافَّتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ، فَضَرَبْتُ بِيَدِي فِي تُرْبَتِهِ، فَإِذَا مِسْكُهُ ذَفَرة، وَإِذَا حَصَاهُ اللُّؤْلُؤُ" [[المسند (٢/٢٤٧) .]]
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا أَنَا بِنَهْرٍ، حَافَّتَاهُ خِيَامُ اللُّؤْلُؤِ، فَضَرَبْتُ بِيَدِي إِلَى مَا يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ، فَإِذَا مِسْكٌ أَذْفَرُ. قُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَهُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ". [[المسند (٣/١٠٣) .]]
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، وَمُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ شَيْبَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا عُرجَ بِالنَّبِيِّ ﷺ إِلَى السَّمَاءِ قَالَ: "أتيتُ عَلَى نَهْرٍ حَافَّتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ الْمُجَوَّفِ [[في م، أ: "المجوفة".]] فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا الْكَوْثَرُ". وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيُّ [[صحيح البخاري برقم (٤٩٤٦) .]] رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُنَا قَالَ: لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، مَضَى بِهِ جِبْرِيلُ فِي [[في م: "إلى".]] السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَإِذَا هُوَ بِنَهْرٍ عَلَيْهِ قَصْرٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ، فَذَهَبَ يُشمَ تُرَابه، فَإِذَا هُوَ مِسْكٌ. قَالَ: "يَا جِبْرِيلُ، مَا هَذَا النَّهْرُ؟ قَالَ: هُوَ الْكَوْثَرُ الَّذِي خَبَأ لَكَ رَبُّكَ". [[تفسير الطبري (٣٠/٢٠٧) .]]
وَقَدْ تَقَدَّمَ [فِي] [[زيادة من م.]] حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ فِي سُورَةِ "سُبْحَانَ"، مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ عَنْ أَنَسٍ [عَنِ النَّبِيِّ ﷺ] [[زيادة من م.]] وَهُوَ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ. [[انظر: تفسير أول سورة الإسراء.]]
وَقَالَ سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "بَيْنَا أَنَا أَسِيرُ فِي الْجَنَّةِ إِذْ عَرَضَ لِي نَهْرٌ، حَافَّتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ مُجَوف، فَقَالَ الْمَلَكُ الَّذِي مَعَهُ: أَتَدْرِي مَا هَذَا؟ هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَ اللَّهُ. وَضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى أَرْضِهِ، فَأَخْرَجَ مِنْ طِينِهِ الْمِسْكَ" [[رواه الطبري في تفسيره (٣٠/٢٠٨) عن بشر، عن يزيد، عن سعيد، به.]] وَكَذَا رَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ طِرْخان، وَمَعْمَرٌ وهَمَام وَغَيْرُهُمْ، عَنْ قَتَادَةَ، بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيج [[في أ: "شريح".]] حَدَّثَنَا أَبُو أَيُّوبَ الْعَبَّاسِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَنَسٍ قال: سُئل رسول اللَّهِ ﷺ عَنِ الْكَوْثَرِ، فَقَالَ: "هُوَ نَهْرٌ أَعْطَانِيهِ اللَّهُ فِي الْجَنَّةِ، تُرَابُهُ مِسْكٌ، [مَاؤُهُ] [[زيادة من أ.]] أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، تَرِدُهُ طَيْرٌ أَعْنَاقُهَا مِثْلُ أَعْنَاقِ الجُزُر". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهَا لِنَاعِمَةٌ؟ قَالَ: "أَكْلُهَا أَنْعَمُ مِنْهَا". [[تفسير الطبري (٣٠/٢٠٩) .]]
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْكَوْثَرُ؟ قَالَ: "نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ أَعْطَانِيهِ رَبِّي، لَهُوَ أَشَدَّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، فِيهِ طُيُورٌ أَعْنَاقُهَا كَأَعْنَاقِ الْجُزُرِ". قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهَا لَنَاعِمَةٌ؟ قَالَ: "أَكْلُهَا أَنْعَمُ مِنْهَا يَا عُمَرُ". [[المسند (٣/٢٢٠) .]]
رَوَاهُ [[في م: "ورواه".]] ابْنُ جَرِيرٍ، مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عن الْكَوْثَرِ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاءً. [[تفسير الطبري (٣٠/٢٠٩) .]]
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ الْكَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَ: سَأَلْتُهَا عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾ قَالَتْ: نَهْرٌ [عَظِيمٌ] [[زيادة من أ.]] أُعْطِيَهُ نَبِيُّكُمْ ﷺ، شَاطِئَاهُ عَلَيْهِ دُرٌّ مُجَوَّفٌ، آنِيَتُهُ كَعَدَدِ النُّجُومِ. [[صحيح البخاري برقم (٤٩٦٥) .]]
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: رَوَاهُ زَكَرِيَّا وَأَبُو الْأَحْوَصِ وَمُطَرِّفٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ طَرِيقِ مُطرّف، بِهِ. [[المسند (٦/٨١) وسنن النسائي الكبرى برقم (١١٧٠٥) .]]
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيب، حَدَّثَنَا وَكِيع، عَنْ سُفْيَانَ، وَإِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتِ: الْكَوْثَرُ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ، شَاطِئَاهُ دُرٌّ مُجَوف. وَقَالَ إِسْرَائِيلُ: نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ عَلَيْهِ مِنَ الْآنِيَةِ عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ.
وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيد، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ القُمي [[في أ: "العمى".]] عَنْ حَفْصِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ شَمِر بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ شَقِيقٍ [[في أ: "سفيان".]] أَوْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، حَدِّثِينِي عَنِ الْكَوْثَرِ. قَالَتْ: نَهْرٌ فِي بُطْنَانِ الْجَنَّةِ. قُلْتُ: وَمَا بُطْنَانُ الْجَنَّةِ؟ قَالَتْ: وَسَطُهَا، حَافَّتَاهُ قُصُورُ اللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ، تُرَابُهُ الْمِسْكُ، وَحَصَاؤُهُ اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ.
وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عن عائشة قَالَتْ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْمَعَ خَرِيرَ الْكَوْثَرِ، فَلْيَجعل أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ. [[تفسير الطبري (٣٠/٢٠٧) ، ورواه ابن أبي الدنيا في صفة الجنة برقم (٦٧) من طريق محمد بن ربيعة، عن أبي جعفر الرازي، عن مجاهد، عن عائشة مرفوعا.]]
وَهَذَا مُنْقَطِعٌ بَيْنَ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ وَعَائِشَةَ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: "عَنْ رَجُلٍ، عَنْهَا". وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ يَسْمَعُ نَظِيرَ ذَلِكَ، لَا أَنَّهُ يَسْمَعُهُ نَفْسَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَرْفُوعًا، مِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ مِغْوَل [[في م: "يزيد بن مغول".]] عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. [[الروض الأنف للسهيلي (١/٢٤١) .]]
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هُشَيم، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْكَوْثَرِ: هُوَ الْخَيْرُ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ. قَالَ أَبُو بِشْرٍ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: فَإِنَّ نَاسًا يَزْعُمون أَنَّهُ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ سَعِيدٌ: النَّهْرُ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ مِنَ الْخَيْرِ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ. [[صحيح البخاري برقم (٤٩٦٦) .]]
وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ هُشَيْمٍ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ وَعَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْكَوْثَرُ: الْخَيْرُ الْكَثِيرُ. [[صحيح البخاري برقم (٦٥٧٨) .]]
[وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْكَوْثَرُ: الْخَيْرُ الْكَثِيرُ] . [[زيادة من تفسير الطبري (٣٠/٢٠٧) .]]
وَهَذَا التَّفْسِيرُ يَعُمُّ النَّهْرَ وَغَيْرَهُ؛ لِأَنَّ الْكَوْثَرَ مِنَ الْكَثْرَةِ، وَهُوَ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ، وَمِنْ ذَلِكَ النَّهْرُ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَمُحَارِبُ بْنُ دِثَار، وَالْحُسْنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ. حَتَّى قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُوَ النُّبُوَّةُ وَالْقُرْآنُ، وَثَوَابُ الْآخِرَةِ.
وَقَدْ صَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ فَسَّرَهُ بِالنَّهْرِ أَيْضًا، فَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ:
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيب، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْكَوْثَرُ: نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ، حَافَّتَاهُ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ، يَجْرِي عَلَى الْيَاقُوتِ وَالدُّرِّ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ الثَّلْجِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ.
وَرَوَى الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، نَحْوَ ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثار، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: الْكَوْثَرُ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ، حَافَّتَاهُ ذَهَبٌ وفضة، يجري على الدر وَالْيَاقُوتِ، مَاؤُهُ أَشَدَّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ.
وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ عَطَاءٍ بْنِ السَّائِبِ، بِهِ مِثْلَهُ [[تفسير الطبري (٣٠/٢٠٧) ولم يقع لي في سنن الترمذي من هذا الطريق ولا ذكره المزي في تحفة الأشراف.]] مَوْقُوفًا. وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ قَالَ ... وَقَالَ عَطَاءُ [بْنُ السَّائِبِ] [[زيادة من م.]] عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثار، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "الْكَوْثَرُ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ حَافَّتَاهُ مِنْ ذَهَبٍ، وَالْمَاءُ يَجْرِي عَلَى اللُّؤْلُؤِ، وَمَاؤُهُ أَشَدَّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، بِهِ مَرْفُوعًا [[المسند (٢/١٥٨) وسنن الترمذي برقم (٣٣٦١) وسنن ابن ماجة برقم (٤٣٣٤) وتفسير الطبري (٣٠/٢١٠) .]] وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُليَّة، أَخْبَرَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ قَالَ: قَالَ لِي مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ: مَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي الْكَوْثَرِ؟ قُلْتُ: حَدثَنا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ. فَقَالَ: صَدَقَ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لِلْخَيْرُ الْكَثِيرُ. وَلَكِنْ حَدَّثَنَا ابْنُ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "الْكَوْثَرُ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ، حَافَّتَاهُ مِنْ ذَهَبٍ، يَجْرِي عَلَى الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ". [[تفسير الطبري (٣٠/٢١٠) .]]
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي ابْنُ الْبَرْقِيِّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، أَخْبَرَنِي حَرَام بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَتَى حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَوْمًا فَلَمْ يَجِدْهُ، فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ عَنْهُ -وَكَانَتْ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ-فَقَالَتْ: خَرَجَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ آنِفًا عَامِدًا نَحْوَكَ، فَأَظُنُّهُ أَخْطَأَكَ فِي بَعْضِ أَزِقَّةِ بَنِي النَّجَّارِ، أَوَلَا تدخلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَدَخَلَ، فَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ حَيْسًا، فَأَكَلَ مِنْهُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَنِيئًا لَكَ وَمَرِيئًا، لَقَدْ جئتَ وَأَنَا أُرِيدَ أَنْ آتِيَكَ فأهْنيك وأمْريك؛ أَخْبَرَنِي أَبُو عُمَارَةَ أَنَّكَ أُعْطِيتَ نَهْرًا فِي الْجَنَّةِ يُدْعَى الْكَوْثَرَ. فَقَالَ: "أَجَلْ، وَعَرَضُهُ -يَعْنِي أَرْضَهُ-يَاقُوتٌ وَمَرْجَانٌ، وَزَبَرْجَدٌ وَلُؤْلُؤٌ". [[تفسير الطبري (٣٠/٢١٠) .]]
حَرَام بْنُ عُثْمَانَ ضَعِيفٌ. وَلَكِنَّ هَذَا سِيَاقٌ حَسَنٌ، وَقَدْ صَحَّ أَصْلُ هَذَا، بَلْ قَدْ تَوَاتَرَ مِنْ طَرِيقٍ تُفِيدُ الْقَطْعَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، وَكَذَلِكَ أَحَادِيثُ الْحَوْضِ [وَلْنَذْكُرْهَا هَاهُنَا] . [[زيادة من أ، وكذا قال الحافظ، ولم يقع في النسخ ذكر أحاديث الحوض، وقد ذكرها الحافظ ابن كثير في كتابه (النهاية في الفتن والملاحم ١/٣٧٤-٤١٢) ولولا خشية الإطالة لذكرناها هاهنا فلتراجع هناك.]]
وَهَكَذَا رُوي عَنْ أَنَسٍ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَمُجَاهِدٍ، وَغَيْرِ واحدٍ مِنَ السَّلَفِ: أَنَّ الْكَوْثَرَ: نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: هُوَ حَوْضٌ فِي الْجَنَّةِ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ أَيْ: كَمَا أَعْطَيْنَاكَ الْخَيْرَ الْكَثِيرَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، ومن ذلك النهرُ الَّذِي تَقَدَّمَ صِفَتُهُ -فَأَخْلِصْ لِرَبِّكَ صَلَاتَكَ الْمَكْتُوبَةَ وَالنَّافِلَةَ ونَحْرَك، فَاعْبُدْهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَانْحَرْ عَلَى اسْمِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الْأَنْعَامِ: ١٦٢، ١٦٣] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَالْحَسَنُ: يَعْنِي بِذَلِكَ نَحْرَ البُدْن وَنَحْوِهَا. وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، وَالضَّحَّاكُ، والربيع، وعطاء الخراساني، والحكم، وَإِسْمَاعِيلُ [[في م: "وسعيد".]] بْنُ أَبِي خَالِدٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ. وَهَذَا بِخِلَافِ مَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِ مِنَ السُّجُودِ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَالذَّبْحِ عَلَى غَيْرِ اسْمِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ الْآيَةَ [الْأَنْعَامِ:١٢١] .
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَانْحَرْ﴾ وَضْعُ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى تَحْتَ النَّحْرِ. يُرْوَى هَذَا عَنْ عَلِيٍّ، وَلَا يَصِحُّ. وَعَنِ الشَّعْبِيِّ مِثْلَهُ.
وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ: ﴿وَانْحَرْ﴾ يَعْنِي: ارْفَعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ.
وَقِيلَ: ﴿وَانْحَرْ﴾ أَيْ: اسْتَقْبِلْ بِنَحْرِكَ الْقِبْلَةَ. ذَكَرَ هَذِهِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ هَاهُنَا حَدِيثًا مُنْكَرًا جِدًّا فَقَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْفَامِيُّ [[في أ: "العامي".]] -سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ-حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ، عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نَبَاتَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "يَا جِبْرِيلُ، مَا هَذِهِ النَّحِيرَةُ الَّتِي أَمَرَنِي بِهَا رَبِّي؟ " فَقَالَ: لَيْسَتْ بِنَحِيرَةٍ، وَلَكِنَّهُ يَأْمُرُكَ إِذَا تَحَرَّمْتَ لِلصَّلَاةِ، ارْفَعْ يَدَيْكَ إِذَا كَبَّرْتَ وَإِذَا رَكَعْتَ، وَإِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ مِنَ الرُّكُوعِ، وَإِذَا سَجَدْتَ، فَإِنَّهَا صَلَاتُنَا وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ فِي السَّمَوَاتِ السَّبْعِ، وَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ زِينَةً، وَزِينَةُ الصَّلَاةِ رَفَعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ.
وَهَكَذَا [[في م: "وقد".]] رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ بْنِ حَاتِمٍ، بِهِ. [[المستدرك (٢/٥٣٧) ، ورواه من طريق البيهقي في السنن (٢/٧٥) ، ورواه ابن حبان في المجروحين (١/١٧٧) من طريق إسرائيل بن حاتم، به. وقال ابن حبان: "هذا متن باطل إلا ذكر رفع اليدين فيه، وهذا خبر رواه عمر بن صبح، عن مقاتل بن حيان، وعمر بن صبح يضع الحديث فطفر عليه إسرائيل بن حاتم فحدث به عن مقاتل".]]
وَعَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ: ﴿وَانْحَرْ﴾ أَيْ: ارْفَعْ صُلْبَكَ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَاعْتَدِلْ، وَأَبْرِزْ نَحْرَكَ، يَعْنِي بِهِ الِاعْتِدَالَ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
[كُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ غَرِيبَةٌ جِدًّا] [[زيادة من م، أ.]] وَالصَّحِيحُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّحْرِ ذَبْحُ الْمَنَاسِكِ؛ وَلِهَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يصلي الْعِيدَ [[في م: "يصلي يوم العيد".]] ثُمَّ يَنْحَرُ نُسُكَهُ وَيَقُولُ: "مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا، وَنَسَكَ نُسُكَنَا، فَقَدْ أَصَابَ النُّسُكَ. وَمَنْ نَسَكَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلَا نُسُكَ لَهُ". فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نَيَّارٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي نَسكتُ شَاتِي قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَعَرَفْتُ أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ. قَالَ: "شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ". قَالَ: فَإِنَّ عِنْدِي عِنَاقًا هِيَ أَحَبُّ إليَّ مِنْ شَاتَيْنِ، أَفَتُجْزِئُ عَنِّي؟ قَالَ: "تُجْزِئُكَ، وَلَا تُجَزِئُ أَحَدًا بَعْدَكَ". [[رواه البخاري في صحيحه برقم (٩٨٣) من حديث البراء، رضي الله عنه.]]
قَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ: وَالصَّوَابُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَاجْعَلْ صَلَاتَكَ كُلَّهَا لِرَبِّكَ خَالِصًا دُونَ مَا سِوَاهُ مِنَ الْأَنْدَادِ وَالْآلِهَةِ [[في م: "والأولاد".]] وَكَذَلِكَ نَحْرَكَ اجْعَلْهُ لَهُ دُونَ الْأَوْثَانِ؛ شُكْرًا لَهُ عَلَى مَا أَعْطَاكَ مِنَ الْكَرَامَةِ وَالْخَيْرِ، الَّذِي لَا كِفَاء لَهُ، وَخَصَّكَ بِهِ. [[تفسير الطبري (٣٠/٢١٢) .]]
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ، وَقَدْ سَبَقَهُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى: مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، وَعَطَاءٌ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ﴾ أَيْ: إِنَّ مُبْغِضَكَ -يَا مُحَمَّدُ-وَمُبْغِضَ مَا جِئْتَ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْحَقِّ وَالْبُرْهَانِ السَّاطِعِ وَالنُّورِ الْمُبِينِ، هُوَ الْأَبْتَرُ الْأَقَلُّ الْأَذَلُّ الْمُنْقَطِعُ ذكْرُه.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَقَتَادَةُ: نَزَلَتْ فِي الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ قَالَ: كَانَ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ إِذَا ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يقول: دَعُوهُ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَبْتَرُ لَا عَقِبَ لَهُ، فَإِذَا هَلَكَ انْقَطَعَ ذِكْرُهُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ السُّورَةَ.
وَقَالَ شَمِر بْنُ عَطِيَّةَ: نَزَلَتْ فِي عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيط.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا، وَعِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ فِي كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ.
وَقَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ يَحْيَى الحَسَّاني، حَدَّثَنَا بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ مَكَّةَ فَقَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ: أَنْتَ سَيِّدُهُمْ أَلَّا تَرَى إِلَى هَذَا المُصَنْبر [[في م: "هذا الضبر".]] الْمُنْبَتِرَ مِنْ قَوْمِهِ يَزْعُمُ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنَّا، وَنَحْنُ أَهْلُ الْحَجِيجِ، وَأَهْلُ السِّدَانَةِ وَأَهْلُ السِّقَايَةِ؟ فَقَالَ: أَنْتُمْ خَيْرٌ مِنْهُ. قَالَ: فَنَزَلَتْ: ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ﴾
هَكَذَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ [[مسند البزار برقم (٢٢٩٣) "كشف الأستار" ووقع فيه: "حدثنا الحسن بن علي الواسطي، حدثنا يحيى بن راشد، عن داود فذكر مثله، ورواه أيضا النسائي في السنن الكبرى برقم (١١٧٠٧) .]] وَهُوَ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ.
وَعَنْ [[في م: "وقال".]] عَطَاءٍ: نَزَلَتْ فِي أَبِي لَهَبٍ، وَذَلِكَ حِينَ مَاتَ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَذَهَبَ أَبُو لَهَبٍ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَالَ: بُتِرَ مُحَمَّدٌ اللَّيْلَةَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ: ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ﴾
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلٍ. وَعَنْهُ: ﴿إِنَّ شَانِئَكَ﴾ يَعْنِي: عَدُّوَّكَ. وَهَذَا يَعُمُّ جميعَ مَنِ اتصفَ بِذَلِكَ ممن ذكر، وغيرهم.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الْأَبْتَرُ: الْفَرْدُ. وَقَالَ السُّدِّي: كَانُوا إِذَا مَاتَ ذكورُ الرَّجُلِ قَالُوا: بُتر. فَلَمَّا مَاتَ أَبْنَاءُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالُوا: بُتِرَ مُحَمَّدٌ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ﴾
وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْأَبْتَرَ الَّذِي إِذَا مَاتَ انْقَطَعَ ذِكْرُهُ، فَتَوَهَّمُوا لِجَهْلِهِمْ أَنَّهُ إِذَا مَاتَ بَنُوهُ يَنْقَطِعُ ذِكْرُهُ، وَحَاشَا وَكَلَّا بَلْ قَدْ أَبْقَى اللَّهُ ذِكْرَهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ، وَأَوْجَبَ شَرْعَهُ عَلَى رِقَابِ الْعِبَادِ، مُسْتَمِرًّا عَلَى دَوَامِ الْآبَادِ، إِلَى يَوْمِ الْحَشْرِ وَالْمَعَادِ [[في م: "والتناد".]] صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا إِلَى يَوْمِ التَّنَادِّ.
آخِرُ تفسير سورة "الكوثر"، ولله الحمد والمنة.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["إِنَّاۤ أَعۡطَیۡنَـٰكَ ٱلۡكَوۡثَرَ","فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ","إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلۡأَبۡتَرُ"],"ayah":"فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق