الباحث القرآني

قال الله تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَّبِكَ وانْحَرْ ۝﴾ [الكوثر: ٢]. أمَر اللهُ بتوحيدِهِ وبَذْلِ العبادةِ له أداءً للصلاةِ أو نَحْرًا للنُّسُكِ، والآيةُ عامَّةٌ في كلِّ صلاةٍ وفي كلِّ منحورٍ، وهي نظيرُ قولِهِ تعالى في سورةِ الأنعامِ: ﴿قُلْ إنَّ صَلاتِي ونُسُكِي ومَحْيايَ ومَماتِي لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ ۝لا شَرِيكَ لَهُ وبِذَلِكَ أُمِرْتُ وأَنا أوَّلُ المُسْلِمِينَ ۝﴾ [١٦٢ ـ ١٦٣]. ومِن السلفِ: مَن خصَّصَ النزولَ بصلاةِ العيدِ ونَحْرِ الهَدْيِ والأُضْحِيَّةِ، كمجاهدٍ وعطاءٍ وعِكْرمةَ[[«تفسير الطبري» (٢٤ /٦٩٤)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (١٠ /٣٤٧٠).]]، وهو ظاهرٌ، للتلازُمِ بينَ الصلاةِ والنحرِ، لأنّهما يكونانِ مشروعَيْنِ في يومِ النحرِ، وهو عيدُ الأَضْحى، ولهذا قال ﷺ: (مَن صَلّى صَلاتَنا، ونَسَكَ نُسُكَنا، فَقَدْ أصابَ النُّسُكَ، ومَن نَسَكَ قَبْلَ الصَّلاةِ، فَإنَّهُ قَبْلَ الصَّلاةِ، ولا نُسُكَ لَهُ) [[أخرجه البخاري (٩٥٥).]]. ويُرْوى عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ: أنّ المرادَ بالنحرِ رفعُ اليدَيْنِ في الصلاةِ، وهو مُنكَرٌ، يَرويهِ مُقاتِلُ بنُ حَيّانَ، عن الأَصْبَغِ بنِ نُباتَةَ، عنه، أخرَجَه ابنُ أبي حاتمٍ[[«تفسير ابن أبي حاتم» (١٠ /٣٤٧٠).]]. ويُروى عنه: أنّه قَبْضُ اليمينِ على الشِّمالِ في الصلاةِ[[«تفسير الطبري» (٢٤/٦٩٠).]]، ولا يصحُّ. حُكْمُ الأُضْحِيَّةِ ووقتُها: وقولُه تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَّبِكَ وانْحَرْ ۝﴾، يتضمَّنُ أحكامًا في النَّحْرِ، منها: ذِكْرُ اللهِ والتسميةُ عندَ ذَبْحِ بهيمةِ الأنعامِ، ومنها: مسألةُ وجوبِ الأُضْحِيَّةِ، ومنها: تقديمُ صلاةِ العيدِ على ذبحِ الأُضْحِيَّةِ: فأمّا التسميةُ عندَ الذبحِ والنحرِ: فهذا قد تقدَّم الكلامُ عليه عندَ قولِه تعالى: ﴿فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ ۝﴾ [الأنعام: ١١٨]، وقولِه: ﴿ولا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وإنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ [الأنعام: ١٢١]، وتقدَّم الكلامُ على التسميةِ عندَ إرسالِ الصيدِ عندَ قولِه: ﴿واذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [المائدة: ٤]. وأمّا حُكْمُ الأُضْحِيَّةِ: فهو مختلَفٌ فيه عندَ الأئمَّةِ، والأرجحُ عدمُ الوجوبِ، وهو قولُ جمهورِ العلماءِ، خلافًا لأبي حنيفةَ والأوزاعيِّ وقولٍ لمالكٍ بوجوبِها، ولم يكنِ الخلفاءُ الراشدونَ يُوجِبونَها كأبي بكرٍ وعمرَ، وقولِ جماعةٍ مِن الصحابةِ، كابنِ عمرَ وبلالٍ وأبي مسعودٍ البَدْرِيِّ، وأئمَّةِ التابعينَ، كابنِ المسيَّبِ وعلقمةَ. ولا يثبُتُ عن النبيِّ ﷺ نصٌّ صريحٌ على وجوبِ الأُضْحِيَّةِ، ولا نهيٌ صريحٌ مؤكَّدٌ عن تركِها، وأَمْثَلُ ما يَحتجُّ به مَن يقولُ بوجوبِها: ما رواهُ ابنُ ماجَهْ، مِن حديثِ أبي هريرةَ مرفوعًا: (مَن كانَ لَهُ سَعَةٌ ولَمْ يُضَحِّ، فلا يَقْرَبَنَّ مُصَلاَّنا) [[أخرجه أحمد (٢ /٣٢١)، وابن ماجه (٣١٢٣).]]، وهو حديثٌ يَرويهِ عبدُ اللهِ بنُ عيّاشٍ القِتْبانِيُّ، عن الأعرجِ، عن أبي هريرةَ مرفوعًا، وابنُ عيّاشٍ مختلَفٌ فيه، وهو ضعيفُ الحديثِ، قاله أبو داودَ والنَّسائيُّ وغيرُهما[[«تهذيب الكمال» (١٥ /٤١١).]]، وفي الحديثِ اختلافٌ في الرفعِ والوقفِ، وقد أنكَرَ أحمدُ رَفْعَه، وقال: «هذا حديثٌ مُنكَرٌ»[[ينظر: «تنقيح التحقيق»، للذهبي (٢ /٦٢)، و«الفروسية» لابن القيم (ص٢٦١)، و«تفسير ابن كثير» (٥ /٤٣٢).]]. وقد كان أبو بكرٍ وعمرُ يَتْرُكانِ الأُضْحِيَّةَ، خشيةَ المشقَّةِ على الناسِ فيظُنُّونَها سُنَّةً، كما قال أبو سَرِيحَةَ حُذَيْفةُ بن أسِيدٍ: «رأيتُ أبا بكرٍ وعمرَ وما يُضَحِّيانِ»، رواهُ عبدُ الرزّاقِ[[أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (٨١٣٩).]]. وروى عبد الله بنُ أحمد في «علله»[[«العلل ومعرفة الرجال» لأحمد، رواية ابنه عبد الله (٣ /٣٣٧).]]، عن حُذَيْفَةَ بنِ أسِيدٍ، قال: لقد رأيتُ أبا بكرٍ وعمرَ وما يُضَحِّيانِ عن أهلِهما، خشيةَ أنْ يُستَنَّ بهما. ورَوى الخطيبُ في «المتَّفِقِ»، عن العلاءِ بنِ هلالٍ، أنّ رجلًا سأَل ابنَ عمرَ عن الأُضْحِيَّةِ؟ فقال ابنُ عمرَ: أيَحسَبُها حَتْمًا؟ لا، ولكنَّها حسَنةٌ[[«المتفق والمفترق» للخطيب البغدادي (٣ /١٧٣٧).]]. وأمّا ما رواهُ الشيخانِ، مِن حديثِ جُنْدُبِ بنِ سُفْيانَ البَجَليِّ، قال: ضَحَّيْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ أُضْحِيَّةً ذاتَ يَوْمٍ، فَإذا أُناسٌ قَدْ ذَبَحُوا ضَحاياهُمْ قَبْلَ الصَّلاةِ، فَلَمّا انْصَرَفَ، رَآهُمُ النَّبِيُّ ﷺ أنَّهُمْ قَدْ ذَبَحُوا قَبْلَ الصَّلاةِ، فَقالَ: (مَن ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاةِ، فَلْيَذْبَحْ مَكانَها أُخْرى، ومَن كانَ لَمْ يَذْبَحْ حَتّى صَلَّيْنا، فَلْيَذْبَحْ عَلى اسْمِ اللهِ) [[أخرجه البخاري (٥٥٠٠)، ومسلم (١٩٦٠).]]. فهذا تشريعُ توقيتٍ، والمواقيتُ تكونُ في السُّننِ، كما تكونُ في الواجباتِ، وما جاء توقيتُه، فليس لأحدٍ تقديمُهُ ولا تأخيرُهُ عما وُقِّتَ فيه، كتشريعِ الوِتْرِ آخِرَ صلاةِ الليلِ في قولِه ﷺ: (اجْعَلُوا آخِرَ صَلاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا) [[أخرجه البخاري (٩٩٨)، ومسلم (٧٥١).]]، وذلك أنّ التوقيتَ للعبادةِ حُكْمٌ غيرُ حُكْمِ العبادةِ في نفسِها. وأمّا وقتُ الأُضْحِيَّةِ: فلا يختلفُ العلماءُ في أنّ الأُضْحِيَّةَ تُشرَعُ بعدَ صلاةِ العيدِ، وأنّ ذَبْحَها قبلَ ذلك ليس وقتًا لها، كما جاء عن البَراءِ، أنّه قال: خَطَبَنا النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ النَّحْرِ، قالَ: (إنَّ أوَّلَ ما نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنا هَذا أنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَن فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَدْ أصابَ سُنَّتَنا، ومَن ذَبَحَ قَبْلَ أنْ يُصَلِّيَ، فَإنَّما هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ)، فَقامَ خالِي أبو بُرْدَةَ بنُ نِيارٍ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ، أنا ذَبَحْتُ قَبْلَ أنْ أُصَلِّيَ وعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِن مُسِنَّةٍ؟ قالَ: (اجْعَلْها مَكانَها ـ أوْ قالَ: اذْبَحْها ـ ولَنْ تَجْزِيَ جَذَعَةٌ عَنْ أحَدٍ بَعْدَكَ)، رواهُ الشيخانِ[[أخرجه البخاري (٩٦٨)، ومسلم (١٩٦١).]]، وكذلك قولُه ﷺ في حديثِ جُنْدُبٍ السابقِ: (مَن ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاةِ، فَلْيَذْبَحْ مَكانَها أُخْرى) [[سبق تخريجه.]]. ومِثلُه عندَهما مِن حديثِ أنسٍ[[أخرجه البخاري (٩٥٤)، ومسلم (١٩٦٢/١٠).]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب