الباحث القرآني
وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي أنه قال: " ما أعطي أحد عطاء خير وأوسع من الصبر"
وفي بعض المسانيد عنه أنه قال: "قال الله عز وجل: إذا وجهت إلى عبد من عبيدي مصيبة في بدنه أو ماله أو ولده ثم استقبل ذلك بصبر جميل استحييت منه يوم القيامة أن أنصب له ميزانا أو أنشر له ديوانا ".
وفي جامع الترمذي عنه: " إذا أحب الله قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط "
وفي بعض المسانيد عنه مرفوعا "إذا أراد الله بعبد خيرا صب عليه البلاء صبا " وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله دخل على امرأة فقال: "مالك ترفرفين قالت الحمى لا بارك الله فيها قال لا تسبي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد ".
ويذكر عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي أنه قال: "من وعك ليلة فصبر ورضي عن الله تعالى خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه"
وقال الحسن: "إنه ليكفر عن العبد خطاياه كلها بحمى ليلة"
وفي المسند وغيره عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال دخلت على النبي وهو محموم فوضعت يدى من فوق القطيفة فوجدت حرارة الحمى فقلت ما أشد حماك يا رسول الله قال "انا كذلك معاشر الأنبياء يضاعف علينا الوجع ليضاعف لنا الأجر " قال قلت يا رسول الله فأى الناس أشد بلاء قال الأنبياء قلت ثم من قال الصالحون إن كان الرجل ليبتلى بالفقر حتى ما يجد إلا العباء فيجوبها فيلبسها وإن كان الرجل ليبتلى بالقمل حتى يقتله القمل وكان ذلك أحب إليهم من العطاء إليكم" وقال عقبة بن عامر الجهني قال رسول الله: "ليس من عمل إلا وهو يختم عليه، فإذا مرض المؤمن قالت الملائكة يا ربنا عبدك فلان قد حبسته عن العمل؟
فيقول الرب تعالى اختموا له على مثل عمله حتى يبرأ أو يموت"
وقال أبو هريرة: "إذا مرض العبد المسلم نودي صاحب اليمين أن أجر على عبدي صالح ما كان يعمل وهو صحيح، ويقال لصاحب الشمال أقصر عن عبدي ما دام في وثاقي"
فقال رجل عند أبي هريرة يا ليتني لا أزال ضاجعا.
فقال أبو هريرة كره العبد الخطايا.
ذكره ابن أبي الدنيا.
وذكر أيضا عن هلال بن بساق قال كنا قعودا عند عمار بن ياسر فذكروا الأوجاع فقال أعرابي ما اشتكيت قط.
فقال عمار ما أنت منا أو لست منا؟!
إن المسلم يبتلى بلاء فتحط عنه ذنوبه كما يحط الورق من الشجر، وإن الكافر أو قال الفاجر يبتلى ببلية فمثله مثل البعير إن أطلق لم يدر لم أطلق، وإن عقل لم يدر لم عقل.
وذكر عن أبي معمر الأزدي قال: كنا إذا سمعنا من ابن مسعود شيئا نكرهه سكتنا حتى يفسره لنا، فقال لنا ذات يوم:
ألا إن السقم لا يكتب له أجر، فساءنا ذلك وكبر علينا فقال: ولكن يكفر به الخطيئة. فسرنا ذلك وأعجبنا.
وهذا من كمال علمه وفقهه رضي الله عنه فإن الأجر إنما يكون على الأعمال الاختيارية ومما تولد منها كما ذكر الله سبحانه النوعين في آخر سورة التوبة في قوله في المباشر من الإنفاق وقطع الوادي ﴿إلا كتب لهم﴾
وفي المتولد من أصابه الظمأ والنصب والمخمصة في سبيله وغيظ الكفار ﴿إلا كتب لهم به عمل صالح﴾ فالثواب مرتبط بهذين النوعين.
وأما الأسقام والمصائب فإن ثوابها تكفير الخطايا ولهذا قال تعالى ﴿وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم﴾ والنبي إنما قال في المصائب "كفر الله بها من خطاياه " كما تقدم ذكر ألفاظه.
وكذا قوله: " المرض حطة " فالطاعات ترفع الدرجات والمصائب تحط السيئات ولهذا قال:
" من يرد الله به خيرا يصب منه "
وقال: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين"
فهذا يرفعه وهذا يحط خطاياه.
وقال يزيد بن ميسرة: إن العبد ليمرض المرض وما له عند الله من عمل خير فيذكره الله سبحانه بعض ما سلف من خطاياه فيخرج من عينه مثل رأس الذباب من الدمع من خشية الله فيبعثه الله أن يبعثه مطهرا أو يقبضه أن قبضه مطهرا ولا يرد على هذا حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في ثواب من قبض الله ولده وثمرة فؤاده بأن يبني له بيتا في الجنة ويسميه بيت الحمد.
* [فَصْلٌ: آثارُ المَحَبَّةِ]
والمَحَبَّةُ لَها آثارٌ وتَوابِعُ ولَوازِمُ وأحْكامٌ، سَواءٌ كانَتْ مَحْمُودَةً أوْ مَذْمُومَةً، نافِعَةً أوْ ضارَّةً، مِنَ الوَجْدِ والذَّوْقِ والحَلاوَةِ، والشَّوْقِ والأُنْسِ، والِاتِّصالِ بِالمَحْبُوبِ والقُرْبِ مِنهُ، والِانْفِصالِ عَنْهُ والبُعْدِ عَنْهُ، والصَّدِّ والهُجْرانِ، والفَرَحِ والسُّرُورِ، والبُكاءِ والحُزْنِ، وغَيْرِ ذَلِكَ مِن أحْكامِها ولَوازِمِها.
والمَحَبَّةُ المَحْمُودَةُ: هي المَحَبَّةُ النّافِعَةُ الَّتِي تَجْلِبُ لِصاحِبِها ما يَنْفَعُهُ في دُنْياهُ وآخِرَتِهِ، وهَذِهِ المَحَبَّةُ هي عُنْوانُ السَّعادَةِ، والضّارَّةُ: هي الَّتِي تَجْلِبُ لِصاحِبِها ما يَضُرُّهُ في دُنْياهُ وآخِرَتِهِ، وهي عُنْوانُ الشَّقاوَةِ.
وَمَعْلُومٌ أنَّ الحَيَّ العاقِلَ لا يَخْتارُ مَحَبَّةَ ما يَضُرُّهُ ويُشْقِيهِ، وإنَّما يَصْدُرُ ذَلِكَ عَنْ جَهْلٍ وظُلْمٍ، فَإنَّ النَّفْسَ قَدْ تَهْوى ما يَضُرُّها ولا يَنْفَعُها، وذَلِكَ مِن ظُلْمِ الإنْسانِ لِنَفْسِهِ، إمّا بِأنْ تَكُونَ جاهِلَةً بِحالِ مَحْبُوبِها بِأنْ تَهْوى الشَّيْءَ وتُحِبَّهُ غَيْرَ عالِمَةٍ بِما في مَحَبَّتِهِ مِنَ المَضَرَّةِ، وهَذا حالُ مَنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وإمّا عالِمَةً بِما في مَحَبَّتِهِ مِنَ الضَّرَرِ لَكِنْ تُؤْثِرُ هَواها عَلى عِلْمِها، وقَدْ تَتَرَكَّبُ مَحَبَّتُها عَلى أمْرَيْنِ: اعْتِقادٍ فاسِدٍ، وهو مَذْمُومٌ، وهَذا حالُ مَنِ اتَّبَعَ الظَّنَّ وما تَهْوى الأنْفُسُ، فَلا تَقَعُ المَحَبَّةُ الفاسِدَةُ إلّا مِن جَهْلٍ أوِ اعْتِقادٍ فاسِدٍ أوْ هَوًى غالِبٍ، أوْ ما تَرَكَّبَ مِن ذَلِكَ فَأعانَ بَعْضُهُ بَعْضًا فَتَنْفُقُ شُبْهَةً وشَهْوَةً، شُبْهَةً يَشْتَبِهُ بِها الحَقُّ بِالباطِلِ وتُزَيِّنُ لَهُ أمْرَ المَحْبُوبِ، وشَهْوَةً تَدْعُوهُ إلى حُصُولِهِ، فَيَتَساعَدُ جَيْشُ الشُّبْهَةِ والشَّهْوَةِ عَلى جَيْشِ العَقْلِ والإيمانِ، والغَلَبَةُ لِأقْواهُما.
وَإذا عُرِفَ هَذا فَتَوابِعُ كُلِّ نَوْعٍ مِن أنْواعِ المَحَبَّةِ لَهُ حُكْمُ مَتْبُوعِهِ، فالمَحَبَّةُ النّافِعَةُ المَحْمُودَةُ الَّتِي هي عُنْوانُ سَعادَةِ العَبْدِ وتَوابِعُها كُلُّها نافِعَةٌ لَهُ، فَحُكْمُها حُكْمُ مَتْبُوعِها، فَإنْ بَكى نَفَعَهُ، وإنْ حَزِنَ نَفَعَهُ، وإنْ فَرِحَ نَفَعَهُ، وإنِ انْقَبَضَ نَفَعَهُ، وإنِ انْبَسَطَ نَفَعَهُ، فَهو يَتَقَلَّبُ في مَنازِلِ المَحَبَّةِ وأحْكامِها في مَزِيدٍ ورِبْحٍ وقُوَّةٍ.
والمَحَبَّةُ الضّارَّةُ المَذْمُومَةُ، تَوابِعُها وآثارُها كُلُّها ضارَّةٌ لِصاحِبِها، مُبْعِدَةٌ لَهُ مِن رَبِّهِ، كَيْفَما تَقَلَّبَ في آثارِها ونَزَلَ في مَنازِلِها في خَسارَةٍ وبُعْدٍ.
وَهَذا شَأْنُ كُلِّ فِعْلٍ تَوَلَّدَ عَنْ طاعَةٍ ومَعْصِيَةٍ، فَكُلُّ ما تَوَلَّدَ مِنَ الطّاعَةِ فَهو زِيادَةٌ لِصاحِبِها وقُرْبَةٌ، وكُلُّ ما تَوَلَّدَ عَنِ المَعْصِيَةِ فَهو خُسْرانٌ لِصاحِبِهِ وبُعْدٌ، قالَ تَعالى: ﴿ذَلِكَ بِأنَّهم لا يُصِيبُهم ظَمَأٌ ولا نَصَبٌ ولا مَخْمَصَةٌ في سَبِيلِ اللَّهِ ولا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الكُفّارَ ولا يَنالُونَ مِن عَدُوٍّ نَيْلًا إلّا كُتِبَ لَهم بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أجْرَ المُحْسِنِينَ - ولا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً ولا كَبِيرَةً ولا يَقْطَعُونَ وادِيًا إلّا كُتِبَ لَهم لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: ١٢٠-١٢١].
فَأخْبَرَ اللَّهُ سُبْحانَهُ في الآيَةِ الأُولى: أنَّ المُتَوَلِّدَ عَنْ طاعَتِهِمْ وأفْعالِهِمْ يُكْتَبُ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ، وأخْبَرَ في الثّانِيَةِ: أنَّ أعْمالَهُمُ الصّالِحَةَ الَّتِي باشَرُوها تُكْتَبُ لَهم أنْفُسُها، والفَرْقُ بَيْنَهُما: أنَّ الأوَّلَ لَيْسَ مِن فِعْلِهِمْ، وإنَّما تَوَلَّدَ عَنْهُ فَكُتِبَ لَهم بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ، والثّانِي نَفْسُ أعْمالِهِمْ فَكُتِبَ لَهم.
فَلْيَتَأمَّلْ قَتِيلُ المَحَبَّةِ هَذا الفَصْلَ حَقَّ التَّأمُّلِ؛ لِيَعْلَمَ ما لَهُ وما عَلَيْهِ.
؎سَيَعْلَمُ يَوْمَ العَرْضِ أيَّ بِضاعَةٍ ∗∗∗ أضاعَ وعِنْدَ الوَزْنِ ما كانَ حَصَّلا
{"ayah":"مَا كَانَ لِأَهۡلِ ٱلۡمَدِینَةِ وَمَنۡ حَوۡلَهُم مِّنَ ٱلۡأَعۡرَابِ أَن یَتَخَلَّفُوا۟ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ وَلَا یَرۡغَبُوا۟ بِأَنفُسِهِمۡ عَن نَّفۡسِهِۦۚ ذَ ٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ لَا یُصِیبُهُمۡ ظَمَأࣱ وَلَا نَصَبࣱ وَلَا مَخۡمَصَةࣱ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَلَا یَطَـُٔونَ مَوۡطِئࣰا یَغِیظُ ٱلۡكُفَّارَ وَلَا یَنَالُونَ مِنۡ عَدُوࣲّ نَّیۡلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِۦ عَمَلࣱ صَـٰلِحٌۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُضِیعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق