الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿ما كانَ لأهْلِ المَدِينَةِ ومَن حَوْلَهم مِنَ الأعْرابِ أنْ يَتَخَلَّفُوا عن رَسُولِ اللهِ ولا يَرْغَبُوا بِأنْفُسِهِمْ عن نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأنَّهم لا يُصِيبُهم ظَمَأٌ ولا نَصَبٌ ولا مَخْمَصَةٌ في سَبِيلِ اللهِ ولا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الكُفّارَ ولا يَنالُونَ مِنَ عَدُوٍّ نَيْلا إلا كُتِبَ لَهم بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إنَّ اللهِ لا يُضِيعُ أجْرَ المُحْسِنِينَ﴾ ﴿وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً ولا كَبِيرَةً ولا يَقْطَعُونَ وادِيًا إلا كُتِبَ لَهم لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ هَذِهِ مُعاتَبَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ مِن أهْلِ يَثْرِبَ وقَبائِلِ العَرَبِ المُجاوِرَةِ لَها عَلى التَخَلُّفِ عن رَسُولِ اللهِ ﷺ في غَزْوِهِ، وقُوَّةُ الكَلامِ تُعْطِي الأمْرَ بِصُحْبَتِهِ إلى تَوَجُّهِهِ غازِيًا وبَذْلِ النُفُوسِ دُونَهُ، واخْتَلَفَ المُتَأوِّلُونَ، فَقالَ قَتادَةُ: كانَ هَذا الإلْزامُ خاصًّا مَعَ النَبِيِّ ﷺ ووُجُوبِ النَفْرِ إلى الغَزْوِ إذا خَرَجَ هو بِنَفْسِهِ، ولَمْ يَبْقَ هَذا الحُكْمُ مَعَ غَيْرِهِ مِنَ الخُلَفاءِ، وقالَ زَيْدُ بْنُ أسْلَمَ: كانَ هَذا الأمْرُ والإلْزامُ في قِلَّةِ الإسْلامِ والِاحْتِياجِ إلى اتِّصالِ الأيْدِي ثُمَّ نُسِخَ عِنْدَ قُوَّةِ الإسْلامِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَما كانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كافَّةً﴾ [التوبة: ١٢٢]. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وهَذا كُلُّهُ في الِانْبِعاثِ إلى غَزْوِ العَدُوِّ عَلى الدُخُولِ في الإسْلامِ، وأمّا إذا ألَمَّ العَدُوُّ بِجِهَةٍ فَمُتَعَيَّنٌ عَلى كُلِّ أحَدٍ القِيامُ بِذَبِّهِ ومُكافَحَتِهِ. وأمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا يَرْغَبُوا بِأنْفُسِهِمْ﴾ فَمَعْناهُ ألّا يَتَحَمَّلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ في اللهِ مَشَقَّةً ويَجُودَ بِنَفْسِهِ في سَبِيلِ اللهِ فَيَقَعَ مِنهم شُحٌّ عَلى أنْفُسِهِمْ ويَكِعُّونَ عَمّا دَخَلَ هو فِيهِ، ثُمَّ ذَكَرَ تَعالى لِمَ لَمْ يَكُنْ لَهُمُ التَخَلُّفُ عن رَسُولِ اللهِ ﷺ بِقَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ بِأنَّهُمْ﴾... الآيَةُ. والنَصَبُ: التَعَبُ. ومِنهُ قَوْلُ النابِغَةِ: (p-٤٣٣) ؎ كِلِينِي لِهَمٍّ يا أُمَيْمَةُ ناصِبِ ∗∗∗......................... أيْ: ذِي نَصْبٍ. ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَقَدْ لَقِينا مِن سَفَرِنا هَذا نَصَبًا﴾ [الكهف: ٦٢]. والمَخْمَصَةُ: مَفْعَلَةٌ مِن خَمْصِ البَطْنِ وهو ضُمُورُهُ، واسْتُعِيرَ ذَلِكَ لِحالَةِ الجُوعِ إذِ الخُمُوصُ مُلازِمٌ لَهُ، ومِن ذَلِكَ قَوْلُ الأعْشى: تَبِيتُونَ في المَشْتى مِلاءً بُطُونُكم... وجاراتُكم غَرْثى يَبِتْنَ خَمائِصا ومِنهُ: "أخْمَصُ القَدَمِ"، والخُمْصانَةُ مِنَ النِساءِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا﴾ أيْ: ولا يَنْتَهُونَ مِنَ الأرْضِ مُنْتَهًى مُؤْذِيًا لِلْكُفّارِ، وذَلِكَ هو الغائِظُ، ومِنهُ في "المُدَوَّنَةِ": "كُنّا لا نَتَوَضَّأُ مِن مَوْطِئٍ" مِن قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلا يَنالُونَ مِن عَدُوٍّ نَيْلا﴾ لَفْظٌ عامٌّ لِقَلِيلِ ما يَصْنَعُهُ المُؤْمِنُونَ بِالكَفَرَةِ مِن أخْذِ مالٍ أو إيرادِ هَوانٍ وكَثِيرِهِ، والنَيْلُ: مَصْدَرُ نالَ يَنالُ، ولَيْسَ مِن قَوْلِهِمْ: نِلْتُ أنُولُهُ نَوْلًا ونَوالًا، وقِيلَ: هو مِنهُ وبُدِّلَتِ الواوُ ياءً لِخِفَّتِها هُنا، وهَذا ضَعِيفٌ، والطَبَرِيُّ قَدْ ذَكَرَ نَحْوَهُ وضَعَّفَهُ وقالَ: لَيْسَ ذَلِكَ المَعْرُوفَ مِن كَلامِ العَرَبِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا يُنْفِقُونَ﴾ الآيَةُ، قَدَّمَ الصَغِيرَةَ لِلِاهْتِمامِ، أيْ: إذا كُتِبَتِ (p-٤٣٤)الصَغِيرَةُ فالكَبِيرَةُ أحْرى، والوادِي: ما بَيْنَ الجَبَلَيْنِ كانَ فِيهِ ماءٌ أو لَمْ يَكُنْ، وجَمْعُهُ أودِيَةٌ، ولَيْسَ في كَلامِ العَرَبِ فاعِلٌ وأفْعِلَةٌ إلّا في هَذا الحَرْفِ وحْدَهُ، وفي الحَدِيثِ: « "ما ازْدادَ قَوْمٌ مِن أهْلِيهِمْ في سَبِيلِ اللهِ بُعْدًا إلّا ازْدادُوا مِنَ اللهِ قُرْبًا"».
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب