الباحث القرآني
القول في تأويل قوله: ﴿مَا كَانَ لأهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١٢٠) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لم يكن لأهل المدينة، مدينة رسول الله ﷺ = ﴿ومن حولهم من الأعراب﴾ ، سُكّان البوادي، الذين تخلفوا عن رسول الله ﷺ في غزوة تبوك، وهم من أهل الإيمان به، أن يتخلفوا في أهاليهم ولا دارٍ لهم، [[في المطبوعة: " ولا دارهم "، وأثبت ما في المخطوطة.]] ولا أن يرغبوا بأنفسهم عن نفسه في صحبته في سفره والجهاد معه، ومعاونته على ما يعانيه في غزوه ذلك. [[انظر تفسير " رغب " فيما سلف ٣: ٨٩.]] يقول: إنه لم يكن لهم هذا = ﴿بأنهم﴾ ، من أجل أنهم، وبسبب أنهم = ﴿لا يصيبهم﴾ ، في سفرهم إذا كانوا معه = ﴿ظمأ﴾ ، وهو العطش = ﴿ولا نصب﴾ ، يقول: ولا تعب = ﴿ولا مخمصة في سبيل الله﴾ ، يعني: ولا مجاعة في إقامة دين الله ونصرته، وهدْم مَنَار الكفر [[انظر تفسير " المخمصة " فيما سيأتي ص: ٥٦٤، تعليق: ١.
= وتفسير " سبيل الله " فيما سلف من فهارس اللغة (سبل) .]] = ﴿ولا يطئون موطئًا﴾ ، يعني: أرضًا، يقول: ولا يطأون أرضًا = ﴿يغيظ الكفار﴾ ، وطؤهم إياها [[انظر تفسير " الغيظ " فيما سلف ٧: ٢١٥ / ١١٤: ١٦.]] = ﴿ولا ينالون من عدوّ نيلا﴾ ، يقول: ولا يصيبون من عدوّ الله وعَدُوّهم شيئًا في أموالهم وأنفسهم وأولادهم = إلا كتب الله لهم بذلك كله، ثوابَ عمل صالح قد ارتضاه [[انظر تفسير " كتب " فيما سلف من فهارس اللغة (كتب) .]] = ﴿إن الله لا يضيع أجر المحسنين﴾ ، يقول: إن الله لا يدع محسنًا من خلقه أحسن في عمله فأطاعه فيما أمره، وانتهى عما نهاه عنه، أن يجازيه على إحسانه، ويثيبه على صالح عمله. [[انظر تفسير " المحسن " فيما سلف من فهارس اللغة (حسن) .]] فلذلك كتبَ لمن فعل ذلك من أهل المدينة ومن حولهم من الأعراب ما ذكر في هذه الآية، الثوابَ على كلّ ما فعل، فلم يضيِّع له أجرَ فعله ذلك.
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في حكم هذه الآية.
* * *
فقال بعضهم: هي محكمة، وإنما كان ذلك لرسول الله ﷺ خاصة، لم يكن لأحدٍ أن يتخلف إذا غزا خِلافَه فيقعد عنه، إلا من كان ذا عُذْرٍ. فأما غيره من الأئمة والولاة، فإن لمن شاء من المؤمنين أن يتخلَّف خلافه، إذا لم يكن بالمسلمين إليه ضرورة.
* ذكر من قال ذلك:
١٧٤٦٢- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: ﴿ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه﴾ ، هذا إذا غزا نبيُّ الله بنفسه، فليس لأحد أن يتخلف. ذكر لنا أن نبي الله ﷺ قال: لولا أن أشقَّ على أمتي ما تخلَّفت خلف سريّة تغزو في سبيل الله، لكني لا أجد سَعةً، فأنطلق بهم معي، ويشقّ علي = أو: أكره = أن أدعهم بعدي.
١٧٤٦٣- حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا الوليد بن مسلم قال، سمعت الأوزاعي، وعبد الله بن المبارك، والفزاري، والسبيعي، وابن جابر، وسعيد بن عبد العزيز يقولون في هذه الآية: ﴿ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله﴾ ، إلى آخر الآية، إنها لأوّل هذه الأمة وآخرها من المجاهدين في سبيل الله.
* * *
وقال آخرون هذه الآية: نزلت وفي أهل الإسلام قلة، فلما كثروا نسخها الله، وأباح التخلف لمن شاء، فقال: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً﴾ [سورة التوبة: ١٢٢]
* ذكر من قال ذلك:
١٧٤٦٤- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ﴿ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله﴾ ، فقرأ حتى بلغ: ﴿ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون﴾ ، قال: هذا حين كان الإسلام قليلا فلما كثر الإسلام بعدُ قال: ﴿وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة﴾ ، إلى آخر الآية.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي، أن الله عنى بها الذين وصفهم بقوله: ﴿وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ﴾ ، [سورة التوبة: ٩٠] . ثم قال جل ثناؤه: ﴿ما كان لأهل المدينة﴾ ، الذين تخلفوا عن رسول الله، ولا لمن حولهم من الأعراب الذين قعدوا عن الجهاد معه، أن يتخلفوا خِلافَه ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه. وذلك أن رسول الله ﷺ كان ندب في غزوته تلك كلَّ من أطاق النهوض معه إلى الشخوص، إلا من أذن له، أو أمره بالمقام بعده. فلم يكن لمن قدر على الشخوص التخلُّف. فعدّد جل ثناؤه من تخلف منهم، فأظهر نفاقَ من كان تخلُّفه منهم نفاقًا، وعذر من كان تخلفه لعُذْرٍ، وتاب على من كان تخلُّفه تفريطًا من غير شك ولا ارتياب في أمر الله، إذ تاب من خطأ ما كان منه من الفعل. فأما التخلف عنه في حال استغنائه، فلم يكن محظورًا، إذا لم يكن عن كراهةٍ منه ﷺ ذلك. وكذلك حكم المسلمين اليوم إزاء إمامهم. فليس بفرضٍ على جميعهم النهوضُ معه، إلا في حال حاجته إليهم، لما لا بُدَّ للإسلام وأهله من حضورهم واجتماعهم واستنهاضه إياهم، فيلزمهم حينئذ طاعته.
وإذا كان ذلك معنى الآية، لم تكن إحدى الآيتين اللتين ذكرنا ناسخةً للأخرى، إذ لم تكن إحداهما نافيةً حكم الأخرى من كل وجوهه، ولا جاء خبر يوجِّه الحجة بأن إحداهما ناسخة للأخرى.
* * *
وقد بينا معنى "المخمصة"، وأنها المجاعة بشواهده، وذكرنا الرواية عمن قال ذلك في موضعٍ غير هذا، فأغنى ذلك عن إعادته ههنا. [[انظر تفسير " المخمصة " فيما سلف ٩: ٥٣٢ - ٥٣٤.]]
* * *
وأما "النيل"، فهو مصدر من قول القائل: "نالني ينالني"، و"نلت الشيء فهو مَنيل". وذلك إذا كنت تناله بيدك، وليس من "التناول". وذلك أن "التناول" من "النوال"، يقال منه: "نُلْتُ له، أنول له"، من العطيّة.
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول: "النيل" مصدر من قول القائل: "نالني بخير ينولني نوالا"، و"أنالني خيرًا إنالةً". وقال: كأن "النيل" من الواو أبدلت ياء لخفتها وثقل الواو. وليس ذلك بمعروف في كلام العرب، بل من شأن العرب أن تصحِّح الواو من ذوات الواو، إذا سكنت وانفتح ما قبلها، كقولهم: "القَوْل"، و"العَوْل"، و"الحول"، ولو جاز ما قال، لجاز "القَيْل". [[انظر تفسير " النيل " فيما سلف ٣: ٢٠ / ٦: ٥٨٧ / ١٢: ٤٠٨، ٤٦٩ / ١٣: ١٣٣ ولم يفسر " النيل " فيما سلف بمثل هذا البيان في هذا الموضع. وهذه ملاحظة نافعة في استخراج المنهج الذي ألف به أبو جعفر تفسيره هذا.]]
{"ayah":"مَا كَانَ لِأَهۡلِ ٱلۡمَدِینَةِ وَمَنۡ حَوۡلَهُم مِّنَ ٱلۡأَعۡرَابِ أَن یَتَخَلَّفُوا۟ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ وَلَا یَرۡغَبُوا۟ بِأَنفُسِهِمۡ عَن نَّفۡسِهِۦۚ ذَ ٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ لَا یُصِیبُهُمۡ ظَمَأࣱ وَلَا نَصَبࣱ وَلَا مَخۡمَصَةࣱ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَلَا یَطَـُٔونَ مَوۡطِئࣰا یَغِیظُ ٱلۡكُفَّارَ وَلَا یَنَالُونَ مِنۡ عَدُوࣲّ نَّیۡلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِۦ عَمَلࣱ صَـٰلِحٌۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُضِیعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق