الباحث القرآني
الباطِلُ: ما لَيْسَ بِحَقٍّ، ووُجُوهُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، ومِنَ الباطِلِ البُيُوعاتُ الَّتِي نَهى عَنْها الشَّرْعُ. والتِّجارَةُ في اللُّغَةِ عِبارَةٌ عَنِ المُعارَضَةِ، وهَذا الِاسْتِثْناءُ مُنْقَطِعٌ؛ أيْ: لَكِنَّ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنكم جائِزَةٌ بَيْنَكم، أوْ لَكِنَّ كَوْنَ تِجارَةٍ عَنْ تَراضٍ مِنكم حَلالًا لَكم. وقَوْلُهُ: ﴿عَنْ تَراضٍ﴾ صِفَةٌ لِ ( تِجارَةً )؛ أيْ: كائِنَةً عَنْ تَراضٍ، وإنَّما نَصَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ عَلى التِّجارَةِ دُونَ سائِرِ أنْواعِ المُعاوَضاتِ لِكَوْنِها أكْثَرَها وأغْلَبَها، وتُطْلَقُ التِّجارَةُ عَلى جَزاءِ الأعْمالِ مِنَ اللَّهِ عَلى وجْهِ المَجازِ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿هَلْ أدُلُّكم عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكم مِن عَذابٍ ألِيمٍ﴾ [الصف: ١٠] .
وقَوْلُهُ: ﴿يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ﴾ [فاطر: ٢٩] . واخْتَلَفَ العُلَماءُ في التَّراضِي، فَقالَتْ طائِفَةٌ: تَمامُهُ وُجُوبُهُ بِافْتِراقِ الأبْدانِ بَعْدَ عَقْدِ البَيْعِ، أوْ بِأنْ يَقُولَ أحَدُهُما لِصاحِبِهِ: اخْتَرْ. كَما في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ «البَيِّعانِ بِالخِيارِ ما لَمْ يَتَفَرَّقا، أوْ يَقُولَ أحَدُهُما لِصاحِبِهِ: اخْتَرْ» .
وإلَيْهِ ذَهَبَ جَماعَةٌ مِنَ الصَّحابَةِ والتّابِعِينَ، وبِهِ قالَ الشّافِعِيُّ والثَّوْرِيُّ والأوْزاعِيُّ واللَّيْثُ وابْنُ عُيَيْنَةَ وإسْحاقُ وغَيْرُهم. وقالَ مالِكٌ وأبُو حَنِيفَةَ: تَمامُ البَيْعِ هو أنْ يُعْقَدَ البَيْعُ بِالألْسِنَةِ فَيَرْتَفِعَ بِذَلِكَ الخِيارُ، وأجابُوا عَنِ الحَدِيثِ بِما لا طائِلَ تَحْتَهُ. وقَدْ قُرِئَ ( تِجارَةٌ ) بِالرَّفْعِ عَلى أنَّ كانَ تامَّةٌ، ( وتِجارَةً ) بِالنَّصْبِ عَلى أنَّها ناقِصَةٌ. قَوْلُهُ: ﴿ولا تَقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ﴾ أيْ: لا يَقْتُلْ بَعْضُكم أيُّها المُسْلِمُونَ بَعْضًا إلّا بِسَبَبٍ أثْبَتَهُ الشَّرْعُ، أوْ لا تَقْتُلُوا أنْفُسَكم بِاقْتِرافِ المَعاصِي، أوِ المُرادُ النَّهْيُ عَنْ أنْ يَقْتُلَ الإنْسانُ نَفْسَهُ حَقِيقَةً. ولا مانِعَ مِن حَمْلِ الآيَةِ عَلى جَمِيعِ المَعانِي. ومِمّا يَدُلُّ عَلى ذَلِكَ احْتِجاجُ عَمْرِو بْنِ العاصِ بِها حِينَ لَمْ يَغْتَسِلْ بِالماءِ البارِدِ حِينَ أجْنَبَ في غَزاةِ ذاتِ السُّلاسِلِ، فَقَرَّرَ النَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ احْتِجاجَهُ وهو في مُسْنَدِ أحْمَدَ وسُنَنِ أبِي داوُدَ وغَيْرِهِما.
قَوْلُهُ: ﴿ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ﴾ أيِ: القَتْلَ خاصَّةً أوْ أكْلَ أمْوالِ النّاسِ ظُلْمًا والقَتْلَ عُدْوانًا وظُلْمًا، وقِيلَ: هو إشارَةٌ إلى كُلِّ ما نُهِيَ عَنْهُ في هَذِهِ السُّورَةِ، وقالَ ابْنُ جَرِيرٍ: إنَّهُ عائِدٌ عَلى ما نَهى عَنْهُ مِن آخِرِ وعِيدٍ وهو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكم أنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهًا﴾ [النساء: ١٩]؛ لِأنَّ كُلَّ ما نُهِيَ عَنْهُ مِن أوَّلِ السُّورَةِ قُرِنَ بِهِ وعِيدٌ إلّا مِن قَوْلِهِ: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ﴾ فَإنَّهُ لا وعِيدَ بَعْدَهُ إلّا قَوْلَهُ: ﴿ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوانًا وظُلْمًا﴾ والعُدْوانُ: تَجاوُزُ الحَدِّ. والظُّلْمُ: وضْعُ الشَّيْءِ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وقِيلَ: إنَّ مَعْنى العُدْوانِ والظُّلْمِ واحِدٌ، وتَكْرِيرُهُ لِقَصْدِ التَّأْكِيدِ كَما في قَوْلِ الشّاعِرِ:(p-٢٩٣)
؎وأُلْفِي قَوْلَها كَذِبًا ومَيْنا
وخَرَجَ بِقَيْدِ العُدْوانِ والظُّلْمِ ما كانَ مِنَ القَتْلِ بِحَقٍّ كالقِصاصِ وقَتْلِ المُرْتَدِّ وسائِرِ الحُدُودِ الشَّرْعِيَّةِ وكَذَلِكَ قَتْلُ الخَطَأِ.
قَوْلُهُ: ﴿فَسَوْفَ نُصْلِيهِ﴾ جَوابُ الشَّرْطِ؛ أيْ: نُدْخِلُهُ نارًا عَظِيمَةً وكانَ ذَلِكَ أيْ: إصْلاؤُهُ النّارَ ﴿عَلى اللَّهِ يَسِيرًا﴾؛ لِأنَّهُ لا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ. وقُرِئَ: " نَصْلِيهِ " بِفَتْحِ النُّونِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الأعْمَشِ والنَّخَعِيِّ، وهو عَلى هَذِهِ القِراءَةِ مَنقُولٌ مِن صَلى، ومِنهُ شاةٌ مَصْلِيَّةٌ. قَوْلُهُ: ﴿إنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكم سَيِّئاتِكم﴾ أيْ: إنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ الذُّنُوبِ الَّتِي نَهاكُمُ اللَّهُ عَنْها ﴿نُكَفِّرْ عَنْكم سَيِّئاتِكُمْ﴾ أيْ: ذُنُوبَكُمُ الَّتِي هي صَغائِرُ، وحَمْلُ السَّيِّئاتِ عَلى الصَّغائِرِ هُنا مُتَعَيِّنٌ لِذِكْرِ الكَبائِرِ قَبْلَها، وجَعْلِ اجْتِنابِها شَرْطًا لِتَكْفِيرِ السَّيِّئاتِ. وقَدِ اخْتَلَفَ أهْلُ الأُصُولِ في تَحْقِيقِ مَعْنى الكَبائِرِ ثُمَّ في عَدَدِها، فَأمّا في تَحْقِيقِها فَقِيلَ: إنَّ الذُّنُوبَ كُلَّها كَبائِرُ، وإنَّما يُقالُ لِبَعْضِها صَغِيرَةٌ بِالإضافَةِ إلى ما هو أكْبَرُ مِنها، كَما يُقالُ: الزِّنا صَغِيرَةٌ بِالإضافَةِ إلى الكُفْرِ، والقُبْلَةُ المُحَرَّمَةُ صَغِيرَةٌ بِالإضافَةِ إلى الزِّنا، وقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذا عَنِ الِاسْفَرايِينِيِّ والجُوَيْنِيِّ والقُشَيْرِيِّ وغَيْرِهِمْ قالُوا: والمُرادُ بِالكَبائِرِ الَّتِي يَكُونُ اجْتِنابُها سَبَبًا لِتَكْفِيرِ السَّيِّئاتِ هي الشِّرْكُ، واسْتَدَلُّوا عَلى ذَلِكَ بِقِراءَةِ مَن قَرَأ ( إنْ تَجْتَنِبُوا كَبِيرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ ) وعَلى قِراءَةِ الجَمْعِ، فالمُرادُ أجْناسُ الكُفْرِ، واسْتَدَلُّوا عَلى ما قالُوهُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ ويَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشاءُ﴾ [النساء: ٤٨] قالُوا: فَهَذِهِ الآيَةُ مُقَيِّدَةٌ لِقَوْلِهِ: ﴿إنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: الكَبِيرَةُ كُلُّ ذَنْبٍ خَتَمَهُ اللَّهُ بِنارٍ أوْ غَضَبٍ أوْ لَعْنَةٍ أوْ عَذابٍ. وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الكَبائِرُ ما نَهى اللَّهُ عَنْهُ في هَذِهِ السُّورَةِ إلى ثَلاثٍ وثَلاثِينَ آيَةً. وقالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كُلُّ ذَنْبٍ نَسَبَهُ اللَّهُ إلى النّارِ فَهو كَبِيرَةٌ. وقالَ جَماعَةٌ مِن أهْلِ الأُصُولِ: الكَبائِرُ كُلُّ ذَنْبٍ رَتَّبَ اللَّهُ عَلَيْهِ الحَدَّ أوْ صَرَّحَ بِالوَعِيدِ فِيهِ. وقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ مِمّا لا فائِدَةَ في التَّطْوِيلِ بِذِكْرِهِ. وأمّا الِاخْتِلافُ في عَدَدِها فَقِيلَ: إنَّها سَبْعٌ، وقِيلَ: سَبْعُونَ، وقِيلَ: سَبْعُمِائَةٍ، وقِيلَ: غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ، ولَكِنَّ بَعْضَها أكْبَرُ مِن بَعْضٍ، وسَيَأْتِي ما ورَدَ في ذَلِكَ إنْ شاءَ اللَّهُ.
قَوْلُهُ: ﴿ونُدْخِلْكم مُدْخَلًا﴾ أيْ: مَكانَ دُخُولٍ وهو الجَنَّةُ كَرِيمًا أيْ: حَسَنًا مَرْضِيًّا، وقَدْ قَرَأ أبُو عَمْرٍو وابْنُ كَثِيرٍ وابْنُ عامِرٍ والكُوفِيُّونَ مُدْخَلًا بِضَمِّ المِيمِ. وقَرَأ أهْلُ المَدِينَةِ بِفَتْحِ المِيمِ، وكِلاهُما اسْمُ مَكانٍ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَصْدَرًا. وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ والطَّبَرانِيُّ، قالَ السُّيُوطِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أمْوالَكم بَيْنَكم بِالباطِلِ﴾ قالَ: إنَّها مُحْكَمَةٌ ما نُسِخَتْ ولا تُنْسَخُ إلى يَوْمِ القِيامَةِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ والحَسَنِ في الآيَةِ قالَ: كانَ الرَّجُلُ يَتَحَرَّجُ أنْ يَأْكُلَ عِنْدَ أحَدٍ مِنَ النّاسِ بَعْدَ ما نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، فَنَسَخَ ذَلِكَ الآيَةُ الَّتِي في النُّورِ ﴿ولا عَلى أنْفُسِكم أنْ تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكم﴾ [النور: ٦١] الآيَةَ. وأخْرَجَ ابْنُ ماجَهْ وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ أبِي سَعِيدٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: «إنَّما البَيْعُ عَنْ تَراضٍ» .
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ أبِي صالِحٍ وعِكْرِمَةَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولا تَقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ﴾ قالا: نَهاهم عَنْ قَتْلِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ مُجاهِدٍ نَحْوَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَطاءِ بْنِ أبِي رَباحٍ نَحْوَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿ولا تَقْتُلُوا أنْفُسَكم﴾ قالَ: أهْلُ دِينِكم. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ في قَوْلِهِ: ﴿ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوانًا وظُلْمًا﴾ يَعْنِي: مُتَعَمِّدًا اعْتِداءً بِغَيْرِ حَقٍّ ﴿وكانَ ذَلِكَ عَلى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ يَقُولُ: كانَ عَذابُهُ عَلى اللَّهِ هَيِّنًا. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قالَ: قُلْتُ لِعَطاءٍ: أرَأيْتَ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوانًا وظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نارًا﴾ في كُلِّ ذَلِكَ أمْ في قَوْلِهِ: ﴿ولا تَقْتُلُوا أنْفُسَكم﴾ ؟ قالَ: بَلْ في قَوْلِهِ: ﴿ولا تَقْتُلُوا أنْفُسَكم﴾ .
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: هانَ ما سَألَكم رَبُّكم ﴿إنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكم سَيِّئاتِكم﴾ . وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ والطَّبَرانِيُّ والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: كُلُّ ما نَهى عَنْهُ فَهو كَبِيرَةٌ، وقَدْ ذُكِرَتِ الطَّرْفَةُ: يَعْنِي النَّظْرَةَ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ قالَ: كُلُّ شَيْءٍ عُصِيَ اللَّهُ فِيهِ فَهو كَبِيرَةٌ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ قالَ: كُلُّ ما وعَدَ اللَّهُ عَلَيْهِ النّارَ كَبِيرَةٌ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْهُ قالَ: الكَبائِرُ كُلُّ ذَنْبٍ خَتَمَهُ اللَّهُ بِنارٍ أوْ غَضَبٍ أوْ لَعْنَةٍ أوْ عَذابٍ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ما قَدَّمْناهُ عَنْهُ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: أنَّهُ سُئِلَ عَنِ الكَبائِرِ أسَبْعٌ هي ؟ قالَ: هي إلى السَبْعِينَ أقْرَبُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ: أنَّ رَجُلًا سَألَهُ كَمِ الكَبائِرُ أسَبْعٌ هي ؟ قالَ: هي إلى سَبْعِمِائَةٍ أقْرَبُ مِنها إلى سَبْعٍ، غَيْرَ أنَّهُ لا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفارٍ، ولا صَغِيرَةَ مَعَ إصْرارٍ. وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْهُ: كُلُّ ذَنْبٍ أصَرَّ عَلَيْهِ العَبْدُ كَبِيرَةٌ، ولَيْسَ بِكَبِيرَةٍ ما تابَ عَنْهُ العَبْدُ. وقَدْ ثَبَتَ في الصَّحِيحَيْنِ وغَيْرِهِما مِن حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقاتِ، قالُوا: وما هي يا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلّا بِالحَقِّ، والسِّحْرُ، وأكْلُ الرِّبا، وأكْلُ مالِ اليَتِيمِ، والتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وقَذْفُ المُحْصَناتِ الغافِلاتِ المُؤْمِناتِ» وثَبَتَ في الصَّحِيحَيْنِ وغَيْرِهِما مِن حَدِيثِ أبِي بَكْرَةَ قالَ: قالَ النَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: «ألا أُنَبِّئُكم بِأكْبَرِ الكَبائِرِ ؟ قُلْنا: بَلى يا رَسُولَ اللَّهِ، قالَ: الإشْراكُ بِاللَّهِ، وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ، وكانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، فَقالَ: ألا وقَوْلُ الزُّورِ وشَهادَةُ الزُّورِ، فَما زالَ يُكَرِّرُها حَتّى قُلْنا لَيْتَهُ سَكَتَ» .
وأخْرَجَ البُخارِيُّ وغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ قالَ: «الكَبائِرُ: الإشْراكُ بِاللَّهِ، وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ وقَتْلُ النَّفْسِ - شَكَّ شُعْبَةُ - واليَمِينُ الغَمُوسُ» . وأخْرَجَ البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ (p-٢٩٤)وغَيْرُهُما عَنِ ابْنِ عَمْرٍو قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: «إنَّ مِن أكْبَرِ الكَبائِرِ أنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ والِدَيْهِ، قالُوا: وكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ والِدَيْهِ ؟ قالَ: يَسُبُّ أبا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أباهُ ويَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ» .
والأحادِيثُ في تَعْدادِ الكَبائِرِ وتَعْيِينِها كَثِيرَةٌ جِدًّا، فَمَن رامَ الوُقُوفَ عَلى ما ورَدَ في ذَلِكَ، فَعَلَيْهِ بِكِتابِ الزَّواجِرِ في الكَبائِرِ، فَإنَّهُ قَدْ جَمَعَ فَأوْعى. واعْلَمْ أنَّهُ لا بُدَّ مِن تَقْيِيدِ ما في هَذِهِ الآيَةِ مِن تَكْفِيرِ السَّيِّئاتِ بِمُجَرَّدِ اجْتِنابِ الكَبائِرِ بِما أخْرَجَهُ النَّسائِيُّ وابْنُ ماجَهْ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ خُزَيْمَةَ وابْنُ حِبّانَ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ وأبِي سَعِيدٍ أنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ جَلَسَ عَلى المِنبَرِ ثُمَّ قالَ: «والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ما مِن عَبْدٍ يُصَلِّي الصَّلَواتِ الخَمْسَ ويَصُومُ رَمَضانَ ويُؤَدِّي الزَّكاةَ ويَجْتَنِبُ الكَبائِرَ السَّبْعَ إلّا فُتِحَتْ لَهُ أبْوابُ الجَنَّةِ الثَّمانِيَةُ يَوْمَ القِيامَةِ حَتّى إنَّها لَتَصْفِقُ، ثُمَّ تَلا ﴿إنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكم سَيِّئاتِكم﴾» .
وأخْرَجَ أبُو عُبَيْدٍ في فَضائِلِهِ، وسَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، والطَّبَرانِيُّ، والحاكِمُ، والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: إنَّ في سُورَةِ النِّساءِ خَمْسَ آياتٍ ما يَسُرُّنِي أنَّ لِي بِها الدُّنْيا وما فِيها، ولَقَدْ عَلِمْتُ أنَّ العُلَماءَ إذا مَرُّوا بِها يَعْرِفُونَها: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ الآيَةَ [النساء: ٣١]، وقَوْلُهُ: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ﴾ الآيَةَ [النساء: ٤٠]، وقَوْلُهُ: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾ الآيَةَ [النساء: ٤٨، ١١٦]، وقَوْلُهُ: ﴿ولَوْ أنَّهم إذْ ظَلَمُوا أنْفُسَهم جاءُوكَ﴾ الآيَةَ [النساء: ٦٤]، وقَوْلُهُ: ﴿ومَن يَعْمَلْ سُوءًا أوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ﴾ الآيَةَ [النساء: ١١٠] .
{"ayah":"إِن تَجۡتَنِبُوا۟ كَبَاۤىِٕرَ مَا تُنۡهَوۡنَ عَنۡهُ نُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَیِّـَٔاتِكُمۡ وَنُدۡخِلۡكُم مُّدۡخَلࣰا كَرِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق