الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أمْوالَكم بَيْنَكم بِالباطِلِ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّهُ الزِّنى، والقِمارُ، والبَخْسُ، والظُّلْمُ، وهو قَوْلُ السُّدِّيِّ. والثّانِي: العُقُودُ الفاسِدَةُ، وهو قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّالِثُ: أنَّهُ نَهى أنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ طَعامَ قِرًى وأمَرَ أنْ يَأْكُلَهُ شِرًى ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعالى في سُورَةِ النُّورِ: ﴿وَلا عَلى أنْفُسِكم أنْ تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ﴾ [النُّورِ: ٦١] إلى قَوْلِهِ: ﴿أوْ أشْتاتًا﴾ وهو قَوْلُ الحَسَنِ، وعِكْرِمَةَ. (p-٤٧٥) ﴿إلا أنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنكُمْ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّ التَّراضِيَ هو أنْ يَكُونَ العَقْدُ ناجِزًا بِغَيْرِ خِيارٍ، وهو قَوْلُ مالِكٍ، وأبِي حَنِيفَةَ. والثّانِي: هو أنْ يُخَيِّرَ أحَدُهُما صاحِبَهُ بَعْدَ العَقْدِ وقَبْلَ الِافْتِراقِ، وهو قَوْلُ شُرَيْحٍ، وابْنِ سِيرِينَ، والشَّعْبِيِّ. وَقَدْ رَوى القاسِمُ بْنُ سُلَيْمانَ الحَنَفِيُّ عَنْ أبِيهِ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرانَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: « (البَيْعُ عَنْ تَراضٍ والخِيارُ بَعْدَ الصَّفْقَةِ ولا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَغُشَّ مُسْلِمًا)» . ﴿وَلا تَقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: يَعْنِي لا يَقْتُلْ بَعْضُكم بَعْضًا، وهَذا قَوْلُ عَطاءٍ، والسُّدِّيِّ، وإنَّما كانَ كَذَلِكَ لِأنَّهم أهْلُ دِينٍ واحِدٍ فَصارُوا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإذا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلى أنْفُسِكُمْ﴾ [النُّورِ: ٦١] . والثّانِي: نَهى أنْ يَقْتُلَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ في حالِ الغَضَبِ والضَّجَرِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوانًا وظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نارًا﴾ فِيما تَوَجَّهَ إلَيْهِ هَذا الوَعِيدُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ﴾ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّهُ أكْلُ المالِ بِالباطِلِ، وقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ. والثّانِي: أنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إلى كُلِّ ما نَهى عَنْهُ مِن أوَّلِ سُورَةِ النِّساءِ. والثّالِثُ: أنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا يَحِلُّ لَكم أنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهًا﴾ [النِّساءِ: ١٩ ]. ﴿عُدْوانًا وظُلْمًا﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: يَعْنِي تَعَدِّيًا واسْتِحْلالًا. والثّانِي: أنَّهُما لَفْظَتانِ مُتَقارِبَتا المَعْنى فَحَسُنَ الجَمْعُ بَيْنَهُما مَعَ اخْتِلافِ اللَّفْظِ تَأْكِيدًا. (p-٤٧٦) ﴿إنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكم سَيِّئاتِكُمْ﴾ في الكَبائِرِ سَبْعَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّها كُلُّ ما نَهى اللَّهُ عَنْهُ مِن أوَّلِ سُورَةِ النِّساءِ إلى رَأْسِ الثَّلاثِينَ مِنها، وهَذا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ في رِوايَةِ مَسْرُوقٍ، وعَلْقَمَةَ، وإبْراهِيمَ. والثّانِي: أنَّ الكَبائِرَ سَبْعٌ: الإشْراكُ بِاللَّهِ، وقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، وقَذْفُ المُحْصَنَةِ، وأكْلُ مالِ اليَتِيمِ، وأكْلُ الرِّبا، والفِرارُ مِنَ الزَّحْفِ، والتَّعَرُّبُ بَعْدَ الهِجْرَةِ، وهَذا قَوْلُ عَلِيٍّ، وعَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ. والثّالِثُ: أنَّها تِسْعٌ: الإشْراكُ بِاللَّهِ، وقَذْفُ المُحْصَنَةِ، وقَتْلُ النَّفْسِ المُؤْمِنَةِ، والفِرارُ مِنَ الزَّحْفِ، والسِّحْرُ، وأكْلُ مالِ اليَتِيمِ، وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ المُسْلِمَيْنِ، وأكْلُ الرِّبا، وإلْحادٌ بِالبَيْتِ الحَرامِ، وهَذا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ. والرّابِعُ: أنَّها أرْبَعٌ: الإشْراكُ بِاللَّهِ، والقُنُوطُ مِن رَحْمَةِ اللَّهِ، واليَأْسُ مِن رَوْحِ اللَّهِ، والأمْنُ مِن مَكْرِ اللَّهِ، وهَذا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ في رِوايَةِ أبِي الطُّفَيْلِ عَنْهُ. والخامِسُ: أنَّها كُلُّ ما أوْعَدَ اللَّهُ عَلَيْهِ النّارَ، وهَذا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، والحَسَنِ، ومُجاهِدٍ، والضَّحّاكِ. والسّادِسُ: السَّبْعَةُ المَذْكُورَةُ في المَقالَةِ الثّانِيَةِ وزادُوا عَلَيْها الزِّنى، والعُقُوقَ، والسَّرِقَةَ، وسَبَّ أبِي بَكْرٍ وعُمَرَ. والسّابِعُ: أنَّها كُلُّ ما لا تَصِحُّ مَعَهُ الأعْمالُ، وهَذا قَوْلُ زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ. ﴿نُكَفِّرْ عَنْكم سَيِّئاتِكُمْ﴾ يَعْنِي مِنَ الصَّغائِرِ إذا اجْتَنَبْتُمُ الكَبائِرَ، فَأمّا مَعَ ارْتِكابِ الكَبائِرِ، فَإنَّهُ يُعاقَبُ عَلى الكَبائِرِ والصَّغائِرِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب