الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى:
﴿إنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عنهُ نُكَفِّرْ عنكم سَيِّئاتِكم ونُدْخِلْكم مُدْخَلا كَرِيمًا﴾
(p-٥٣٢)"تَجْتَنِبُوا" مَعْناهُ: تَدَعُونَ جانِبًا، وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ، وابْنُ جُبَيْرٍ "إنْ تَجْتَنِبُوا كَبِيرَ"، وقَرَأ المُفَضَّلُ عن عاصِمٍ "يُكَفِّرْ"، و"وَيُدْخِلْكُمْ" عَلى عَلامَةِ الغائِبِ، وقَرَأ الباقُونَ بِالنُونِ، والقِراءَتانِ حَسَنَتانِ، وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ: "عنكم مِن سَيِّئاتِكُمْ" بِزِيادَةِ "مِن"، وقَرَأ السَبْعَةُ سِوى نافِعٍ: "مُدْخَلًا" بِضَمِّ المِيمِ، وقَرَأ نافِعٌ: "مَدْخَلًا" بِالفَتْحِ، وقَدْ رَواهُ أيْضًا أبُو بَكْرٍ عن عاصِمٍ هاهُنا، وفي الحَجِّ، ولَمْ يُخْتَلَفْ في سُورَةِ بَنِي إسْرائِيلَ في "مُدْخَلَ"، "مُخْرَجَ صِدْقٍ" أنَّهُما بِضَمِّ المِيمِ.
قالَ أبُو عَلِيٍّ: "مَدْخَلًا" بِالفَتْحِ، يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مَصْدَرًا، والعامِلُ فِيهِ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ الظاهِرُ، التَقْدِيرُ: ويُدْخِلُكم فَتَدْخُلُونَ مَدْخَلًا، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مَكانًا فَيَعْمَلُ فِيهِ الفِعْلُ الظاهِرُ، وكَذَلِكَ يَحْتَمِلُ "مُدْخَلًا" بِضَمِّ المِيمِ لِلْوَجْهَيْنِ، وإذا لَمْ يَعْمَلِ الفِعْلُ الظاهِرُ فَمَعْمُولُهُ الثانِيَ مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: ويُدْخِلْكُمُ الجَنَّةَ.
واخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ في "الكَبائِرِ"، فَقالَ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ: "هِيَ سَبْعٌ: الإشْراكُ بِاللهِ، وقَتْلُ النَفْسِ، وقَذْفُ المُحْصَناتِ، وأكْلُ مالِ اليَتِيمِ، وأكْلُ الرِبا، والفِرارُ يَوْمَ الزَحْفِ، والتَعَرُّبُ بَعْدَ الهِجْرَةِ". وقالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: "الكَبائِرُ سَبْعٌ في كُلِّ واحِدَةٍ مِنها آيَةٌ في كِتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ".
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وذَكَرَ كَقَوْلِ عَلِيٍّ، وجَعَلَ الآيَةَ في التَعَرُّبِ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أدْبارِهِمْ مِن بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدى﴾ [محمد: ٢٥] الآيَةَ. ووَقَعَ في البُخارِيِّ، في كِتابِ الحُدُودِ، في بابِ رَمْيِ المُحْصَناتِ: « "اتَّقُوا السَبْعَ المُوبِقاتِ، الإشْراكَ بِاللهِ، والسِحْرَ، وقَتْلَ النَفْسِ، وأكْلَ الرِبا، وأكْلَ مالِ اليَتِيمِ، والتَوَلِّي يَوْمَ الزَحْفِ، وقَذْفَ المُحْصَناتِ (p-٥٣٣)الغافِلاتِ المُؤْمِناتِ".» وقالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: "هِيَ تِسْعٌ: الإشْراكُ بِاللهِ، والقَتْلُ، والفِرارُ، والقَذْفُ، وأكْلُ الرِبا، وأكْلُ مالِ اليَتِيمِ، وإلْحادٌ في المَسْجِدِ الحَرامِ، والَّذِي يَسْتَسْحِرُ، وبُكاءُ الوالِدَيْنِ مِنَ العُقُوقِ". قالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وإبْراهِيمُ النَخْعِيُّ: هي في جَمِيعِ ما نُهِيَ عنهُ مِن أوَّلِ سُورَةِ النِساءِ إلى ثَلاثِينَ آيَةً مِنها، وهِيَ: "إنْ تَجْتَنِبُوا". وقالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ: "هِيَ أرْبَعٌ أيْضًا: الإشْراكُ بِاللهِ، والقُنُوطُ مِن رَحْمَةِ اللهِ، واليَأْسُ مِن رَوْحِ اللهِ، والأمْنُ مِن مَكْرِ اللهِ". ورُوِيَ أيْضًا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "هِيَ ثَلاثٌ: القُنُوطُ، واليَأْسُ، والأمْنُ المُتَقَدِّمَةُ". وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ أيْضًا وغَيْرُهُ: "الكَبائِرُ: كُلُّ ما ورَدَ عَلَيْهِ وعِيدٌ بِنارٍ أو عَذابٍ أو لَعْنَةٍ أو ما أشْبَهَ ذَلِكَ". وقالَتْ فِرْقَةٌ مِنَ الأُصُولِيِّينَ: هي في هَذا المَوْضِعِ أنْواعُ الشِرْكِ الَّتِي لا تَصْلُحُ مَعَها الأعْمالُ. وقالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبّاسٍ: أخْبِرْنِي عَنِ الكَبائِرِ السَبْعِ، فَقالَ: "هِيَ إلى السَبْعِينَ أقْرَبُ". وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: "كُلُّ ما نَهى اللهُ عنهُ فَهو كَبِيرٌ"، فَهُنا يَدْخُلُ الزِنى، وشُرْبُ الخَمْرِ، والزُورُ، والغَيْبَةُ، وغَيْرُ ذَلِكَ مِمّا قَدْ نُصَّ عَلَيْهِ في أحادِيثَ لَمْ يُقْصَدِ الحَصْرُ لِلْكَبائِرِ بِها، بَلْ ذُكِرَ بَعْضُها مِثالًا، وعَلى هَذا القَوْلِ أئِمَّةُ الكَلامِ: القاضِي، وأبُو المَعالِي، وغَيْرُهُما، قالُوا: وإنَّما قِيلَ: صَغِيرَةٌ، بِالإضافَةِ إلى أكْبَرَ مِنها، وهي في نَفْسِها كَبِيرَةٌ مِن حَيْثُ المَعْصِيُّ بِالجَمِيعِ واحِدٌ.
وهَذِهِ الآيَةُ يَتَعاضَدُ مَعَها حَدِيثُ رَسُولِ اللهِ ﷺ في كِتابِ الوُضُوءِ مِن مُسْلِمٍ "عن عُثْمانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «ما مِنِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلاةٌ مَكْتُوبَةٌ، فَيُحْسِنُ وُضُوءَها وخُشُوعَها ورُكُوعَها إلّا كانَتْ كَفّارَةً لِما قَبْلَها مِنَ الذُنُوبِ ما لَمْ يَأْتِ كَبِيرَةً، وذَلِكَ الدَهْرَ كُلَّهُ.".»
(p-٥٣٤)واخْتَلَفَ العُلَماءُ في هَذِهِ المَسْألَةِ، فَجَماعَةٌ مِنَ الفُقَهاءِ وأهْلِ الحَدِيثِ يَرَوْنَ أنَّ الرَجُلَ إذا اجْتَنَبَ الكَبائِرَ، وامْتَثَلَ الفَرائِضَ، كُفِّرَتْ صَغائِرُهُ كالنَظَرِ وشَبَهِهِ قَطْعًا بِظاهِرِ هَذِهِ الآيَةِ، وظاهِرِ الحَدِيثِ. وأمّا الأُصُولِيُّونَ فَقالُوا: لا يَجِبُ عَلى القَطْعِ تَكْفِيرُ الصَغائِرِ بِاجْتِنابِ الكَبائِرِ، وإنَّما يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلى غَلَبَةِ الظَنِّ وقُوَّةِ الرَجاءِ، والمَشِيئَةُ ثابِتَةٌ، ودَلَّ عَلى ذَلِكَ أنَّهُ لَوْ قَطَعْنا لِمُجْتَنِبِ الكَبائِرِ ومُمْتَثِلِ الفَرائِضِ بِتَكْفِيرِ صَغائِرِهِ قَطْعًا لَكانَتْ لَهُ في حُكْمِ المُباحِ الَّذِي يَقْطَعُ بِأنَّهُ لا تِباعَةَ فِيهِ، وذَلِكَ نَقْضٌ لِعُرى الشَرِيعَةِ. ومَحْمَلُ الكَبائِرِ عِنْدَ الأُصُولِيِّينَ في هَذِهِ الآيَةِ أجْناسُ الكُفْرِ، والآيَةُ الَّتِي قَيَّدَتِ الحُكْمَ فَتُرَدُّ إلَيْها هَذِهِ المُطْلَقاتُ كُلُّها: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشاءُ﴾ [النساء: ٤٨] "كَرِيمًا" يَقْتَضِي كَرَمَ الفَضِيلَةِ ونَفْيَ العُيُوبِ، كَما تَقُولُ: ثَوْبٌ كَرِيمٌ، وكَرِيمُ المَحْتِدِ. وهَذِهِ آيَةُ رَجاءٍ. رُوِيَ عن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ أنَّهُ قالَ: خَمْسُ آياتٍ مِن سُورَةِ النِساءِ هي أحَبُّ إلَيَّ مِنَ الدُنْيا جَمِيعًا، قَوْلُهُ: ﴿ "إنْ تَجْتَنِبُوا"﴾ الآيَةُ، وقَوْلُهُ: ﴿إنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾ [النساء: ٤٨] الآيَةُ، وقَوْلُهُ: ﴿وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أو يَظْلِمْ﴾ [النساء: ١١٠] وقَوْلُهُ: أيْضًا: ﴿يُضاعِفْها"،﴾ [النساء: ٤٠] وقَوْلُهُ: ﴿والَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ ورُسُلِهِ﴾ [النساء: ١٥٢] الآيَةُ.
{"ayah":"إِن تَجۡتَنِبُوا۟ كَبَاۤىِٕرَ مَا تُنۡهَوۡنَ عَنۡهُ نُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَیِّـَٔاتِكُمۡ وَنُدۡخِلۡكُم مُّدۡخَلࣰا كَرِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق