الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
﴿إنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكم سَيِّئاتِكم ونُدْخِلْكم مُدْخَلا كَرِيمًا﴾ [٣١]
﴿إنْ تَجْتَنِبُوا﴾ أيْ: تَتْرُكُوا ﴿كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ أيْ: كَبائِرَ الذُّنُوبِ الَّتِي نَهاكُمُ الشَّرْعُ عَنْها، مِمّا ذُكِرَ هَهُنا ومِمّا لَمْ يُذْكَرْ ﴿نُكَفِّرْ عَنْكم سَيِّئاتِكُمْ﴾ أيْ: صَغائِرَ ذُنُوبِكُمْ، ونَمْحُها عَنْكُمْ، ونُدْخِلْكُمُ الجَنَّةَ، كَما قالَ تَعالى: ﴿ونُدْخِلْكُمْ﴾ في الآخِرَةِ ﴿مُدْخَلا كَرِيمًا﴾ أيْ: حَسَنًا وهي الجَنَّةِ، و(مُدْخَلًا) قُرِئَ بِضَمِّ المِيمِ، اسْمُ مَكانٍ أوْ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ، أيْ: إدْخالًا مَعَ كَرامَةٍ، وبِفَتْحِ المِيمِ، وهو أيْضًا يَحْتَمِلُ المَكانَ والمَصْدَرَ، وفي الآيَةِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ الصَّغائِرَ تُكَفَّرُ بِاجْتِنابِ الكَبائِرِ، ورَدٌّ عَلى مَن قالَ: إنَّ المَعاصِيَ كُلَّها كَبائِرُ، وإنَّهُ لا صَغِيرَةَ.
قالَ الإمامُ ابْنُ القَيِّمِ في "الجَوابِ الكافِي": قَدْ دَلَّ القُرْآنُ والسُّنَّةُ وإجْماعُ الصَّحابَةِ (p-١٢٠٧)والتّابِعِينَ بَعْدَهُمْ، والأئِمَّةُ عَلى أنَّ مِنَ الذُّنُوبِ كَبائِرَ وصَغائِرَ، قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿إنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكم سَيِّئاتِكُمْ﴾ [النِّساءِ: ٣١]، وقالَ تَعالى: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإثْمِ والفَواحِشَ إلا اللَّمَمَ﴾ [النجم: ٣٢] [النَّجْمِ: مِنَ الآيَةِ ٣٢].
وفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ ﷺ أنَّهُ قالَ: «الصَّلَواتُ الخَمْسُ، والجُمُعَةُ إلى الجُمُعَةِ، ورَمَضانُ إلى رَمَضانَ: مُكَفِّراتٌ لِما بَيْنَهُنَّ إذا اجْتُنِبَتِ الكَبائِرُ» .
وهَذِهِ الأعْمالُ المُكَفِّرَةُ لَها ثَلاثُ دَرَجاتٍ:
إحْداها: أنْ تُقَصِّرَ عَنْ تَكْفِيرِ الصَّغائِرِ لِضَعْفِها وضَعْفِ الإخْلاصِ فِيها، والقِيامِ بِحُقُوقِها، بِمَنزِلَةِ الدَّواءِ الضَّعِيفِ الَّذِي يَنْقُصُ عَنْ مُقاوَمَةِ الدّاءِ كَمِّيَّةً وكَيْفِيَّةً.
الثّانِيَةُ: أنْ تُقاوِمَ الصَّغائِرَ، ولا تَرْتَقِيَ إلى تَكْفِيرِ شَيْءٍ مِنَ الكَبائِرِ.
الثّالِثَةُ: أنْ تَقْوى عَلى تَكْفِيرِ الصَّغائِرِ، وتَبْقى فِيها قُوَّةٌ تُكَفَّرُ بِها بَعْضُ الكَبائِرِ، فَتَأمَّلْ هَذا، فَإنَّهُ يُزِيلُ عَنْكَ إشْكالاتٍ كَثِيرَةً.
وفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ ﷺ أنَّهُ قالَ: «ألا أُنَبِّئُكم بِأكْبَرِ الكَبائِرِ؟ قُالوا بَلى يا رَسُولَ اللَّهِ، قالَ: الإشْراكُ بِاللَّهِ، وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ وجَلَسَ وكانَ مُتَّكِئًا فَقالَ: ألا وقَوْلُ الزُّورِ (ثَلاثًا)» .
(p-١٢٠٨)وفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ ﷺ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقاتِ.
قالُوا: وما هُنَّ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قالَ: الإشْراكُ بِاللَّهِ، والسِّحْرُ، وقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلّا بِالحَقِّ، وأكْلُ الرِّبا، وأكْلُ مالِ اليَتِيمِ، والتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وقَذْفُ المُحْصَناتِ الغافِلاتِ المُؤْمِناتِ» .
وفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رِضى اللَّهِ عَنْهُ - قالَ: «سَألْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ – أيُّ الذَّنْبِ عِنْدَ اللَّهِ أكْبَرُ؟ قالَ: أنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وهْوَ خَلَقَكَ قُلْتُ ثُمَّ أيُّ؟ قالَ: ثُمَّ أنْ تَقْتُلَ ولَدَكَ خَشْيَةَ أنْ يَطْعَمَ مَعَكَ قُلْتُ: ثُمَّ أىُّ؟ قالَ: أنْ تُزانِيَ بِحَلِيلَةِ جارِكَ» .
قالَ: ونَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِهِ ﷺ: ﴿والَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ ولا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بِالحَقِّ ولا يَزْنُونَ﴾ [الفرقان: ٦٨] [الفُرْقانِ: ٦٨] الآيَةَ، ثُمَّ ساقَ الخِلافَ في تَعْدادِها، اهـ.
وعِنْدِي أنَّ الصَّوابَ هو الوُقُوفُ في تَعْدادِها عَلى ما صَحَّتْ بِهِ الأحادِيثُ، فَإنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مُبَيِّنٌ لِكِتابِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، أمِينٌ عَلى تَأْوِيلِهِ، والمَرْجِعُ في بَيانِ كِتابِ اللَّهِ تَعالى إلى السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، كَما أنَّ المَرْجِعَ في تَعْرِيفِ الكَبِيرَةِ إلى العَدِّ دُونَ ضَبْطِها بِحَدٍّ، كَما تَكَلَّفَهُ جَماعَةٌ مِنَ الفُقَهاءِ، وطالَتِ المُناقَشَةُ بَيْنَهم في تِلْكَ الحُدُودِ، وإنَّ مِنها ما لَيْسَ جامِعًا، ومِنها ما لَيْسَ مانِعًا، فَكُلُّهُ مِمّا لا حاجَةَ إلَيْهِ بَعْدَ وُرُودِ صِحاحِ الأخْبارِ في بَيانِ ذَلِكَ.
وقَدْ ساقَ الحافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ هَهُنا جُمْلَةً وافِرَةً مِنها وُجُودُ النَّقْلِ عَنِ الصَّحابَةِ والسَّلَفِ والتّابِعِينَ، فانْظُرْهُ فَإنَّهُ نَفِيسٌ.
ثُمَّ نَهى تَعالى عَنِ التَّحاسُدِ، وعَنْ تَمَنِّي ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَ النّاسِ عَلى بَعْضٍ مِنَ المالِ ونَحْوِهِ، مِمّا يَجْرِي فِيهِ التَّنافُسُ بِقَوْلِهِ:
{"ayah":"إِن تَجۡتَنِبُوا۟ كَبَاۤىِٕرَ مَا تُنۡهَوۡنَ عَنۡهُ نُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَیِّـَٔاتِكُمۡ وَنُدۡخِلۡكُم مُّدۡخَلࣰا كَرِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق