الباحث القرآني

﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا﴾ أَيْ: لِيَطْلُبِ الْعِفَّةَ عَنِ الْحَرَامِ وَالزِّنَا الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا لَا يَنْكِحُونَ بِهِ لِلصَّدَاقِ وَالنَّفَقَةِ، ﴿حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ أَيْ: يُوَسِّعَ عَلَيْهِمْ مِنْ رِزْقِهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ﴾ أَيْ: يَطْلُبُونَ الْمُكَاتَبَةَ، ﴿مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ﴾ سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ مَا رُوِيَ أَنَّ غُلَامًا لِحُوَيْطِبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى سَأَلَ مَوْلَاهُ أَنْ يُكَاتِبَهُ فَأَبَى عَلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ فَكَاتَبَهُ حُوَيْطِبٌ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ، وَوَهَبَ لَهُ مِنْهَا عِشْرِينَ دِينَارًا فَأَدَّاهَا، وَقُتِلَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فِي الْحَرْبِ [[انظر: أسباب النزول للواحدي ص (٣٧٥) ، الدر المنثور: ٦ / ١٨٩، تفسير القرطبي: ١٢ / ١٨٤.]] وَالْكِتَابَةُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِمَمْلُوكِهِ: كَاتَبْتُكَ عَلَى كَذَا مِنَ الْمَالِ، وَيُسَمِّيَ مَالًا مَعْلُومًا، يُؤَدَّى ذَلِكَ فِي نَجْمَيْنِ أَوْ نُجُومٍ مَعْلُومَةٍ فِي كُلِّ نَجْمٍ كَذَا، فَإِذَا أَدَّيْتَ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَالْعَبْدُ يَقْبَلُ ذَلِكَ، فَإِذَا أَدَّى الْمَالَ عَتَقَ، ويصير العبد ٤٠/أأَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ، وَإِذَا أُعْتِقَ بَعْدَ أَدَاءِ الْمَالِ فَمَا فَضَلَ فِي يَدِهِ مِنَ الْمَالِ، يَكُونُ لَهُ، وَيَتْبَعُهُ أَوْلَادُهُ الَّذِينَ حَصَلُوا فِي حَالِ الْكِتَابَةِ فِي الْعِتْقِ، وَإِذَا عَجْزَ عَنْ أَدَاءِ الْمَالِ كَانَ لِمَوْلَاهُ أَنْ يَفْسِخَ كِتَابَتَهُ وَيَرُدَّهُ إِلَى الرِّقِّ، وَمَا فِي يَدِهِ مِنَ الْمَالِ يَكُونُ لِمَوْلَاهُ، لِمَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: "الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ [شَيْءٌ" [[أخرجه مالك في الموطأ موقوفا على ابن عمر، كتاب المكاتب، باب القضاء في المكاتب: ٢ / ٧٨٧، والمصنف في شرح السنة: ٩ / ٣٧٣.]] . وَرَوَاهُ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: "الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ] [[ما بين القوسين ساقط من "ب".]] دِرْهَمٌ" [[أخرجه أبو داود في العتاق، باب في المكاتب يؤدي بعض كتابته..: ٥ / ٣٨٣. قال المنذري: وفيه إسماعيل بن عياش وهو ضعيف، وأخرجه المصنف في شرح السنة: ٩ / ٣٧٢-٣٧٣.]] . وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ﴾ أَمْرُ إِيجَابٍ، يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ الَّذِي عَلِمَ فِيهِ خَيْرًا إِذَا سَأَلَ الْعَبْدُ ذَلِكَ، عَلَى قِيمَتِهِ أَوْ أَكْثَرَ، وَإِنْ سَأَلَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ فَلَا يَجِبُ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ سِيرِينَ سَأَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَنْ يُكَاتِبَهُ فَتَلَكَّأَ عَنْهُ فَشَكَا إِلَى عُمَرَ، فَعَلَاهُ بِالدِّرَّةِ وَأَمَرَهُ بِالْكِتَابَةِ فَكَاتَبَهُ [[أخرجه الطبري: ١٨ / ١٢٦، وعبد الرزاق في "المصنف": ٨ / ٣٧٢، وبمعناه عن قتادة عند البيهقي: ١٠ / ٣١٩، وعلقه البخاري: ٥ / ١٨٤. وانظر: فتح الباري: ٥ / ١٨٦-١٨٧.]] . وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ أَمْرُ نَدْبٍ وَاسْتِحْبَابٍ. وَلَا تَجُوزُ الْكِتَابَةُ عَلَى أَقَلِّ مِنْ نَجْمَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ جُوِّزَ إِرْفَاقًا بِالْعَبْدِ، وَمِنْ تَتِمَّةِ الْإِرْفَاقِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَالُ عَلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ عَلَى مَهَلٍ، فَيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ، كَالدِّيَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ، وَجَبَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ فَكَانَتْ عَلَيْهِمْ مُؤَجَّلَةً مُنَجَّمَةً، وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ الْكِتَابَةَ عَلَى نَجْمٍ وَاحِدٍ وَحَالَّةً [[في "أ": فعلله.]] . قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْخَيْرِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: قُوَّةً عَلَى الْكَسْبِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ: مَالًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنْ ترك خيرا﴾ [لبقرة: ١٨٠] أَيْ: مَالًا وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدًا لِسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ لَهُ كَاتِبْنِي، قَالَ: أَلَكَ مَالٌ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: تُرِيدُ أَنْ تُطْعِمَنِي مِنْ أَوْسَاخِ النَّاسِ، وَلَمْ يُكَاتِبْهُ [[أخرجه عبد الرزاق في "المصنف": ٨ / ٣٧٤، والبيهقي: ١٠ / ٣٢٠.]] . قَالَ الزَّجَّاجُ: لَوْ أَرَادَ بِهِ الْمَالَ لَقَالَ: إِنْ عَلِمْتُمْ لَهُمْ خَيْرًا. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ وَابْنُ زَيْدٍ وَعُبَيْدَةُ: صِدْقًا وَأَمَانَةً [[أخرجه عبد الرزاق: ٨ / ٣٧٠، ٣٧١، والبيهقي: ١٠ / ٣١٨.]] وَقَالَ طَاوُسٌ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: مَالًا وَأَمَانَةً [[انظر: مصنف عبد الرزاق: ٨ / ٣٧٠، والبيهقي: ١٠ / ٣١٨.]] وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَظْهَرُ مَعَانِي الْخَيْرِ فِي الْعَبْدِ: الِاكْتِسَابُ مَعَ الْأَمَانَةِ، فَأُحِبُّ أَنْ لَا يُمْنَعَ مِنْ كِتَابَتِهِ إِذَا كَانَ هَكَذَا. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَرِيكٍ الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْجُورَبَذِيُّ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ: الْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ يُرِيدُ الْعَفَافَ، وَالْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" [[أخرجه الترمذي في فضائل الجهاد، باب ما جاء في المجاهد والمكاتب والناكح..: ٥ / ٢٩٦، وقال: "هذا حديث حسن"، والنسائي في النكاح، باب معونة الله الناكح الذي يريد العفاف: ٦ / ٦١، وابن ماجه في العتق، باب المكاتب: ٢ / ٨٤١-٨٤٢، وصححه الحاكم: ٢ / ١٦٠، وأخرجه المصنف في شرح السنة: ٩ / ٧.]] . وَحَكَى مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَةَ: "إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا" أَيْ: أَقَامُوا الصَّلَاةَ [[أخرجه عنه عبد الرزاق في المصنف: ٨ / ٣٧١.]] . وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ بَالِغًا عَاقِلًا فَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَلَا تَصْحُ كِتَابَتُهُمَا لِأَنَّ الِابْتِغَاءَ مِنْهُمَا لَا يَصِحُّ. وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ كِتَابَةَ الصَّبِيِّ الْمُرَاهِقِ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا خِطَابٌ لِلْمَوَالِي، يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى أَنْ يَحُطَّ عَنْ مُكَاتَبِهِ مِنْ مَالِ كِتَابَتِهِ شَيْئًا، وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَالزُّبَيْرِ وَجَمَاعَةٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي قَدْرِهِ، فَقَالَ قَوْمٌ: يَحُطُّ عَنْهُ رُبُعَ مَالِ الْكِتَابَةِ، وَهُوَ قَوْلُ عَلَيٍّ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عَلَيٍّ مَرْفُوعًا [[أخرجه عبد الرزاق عن علي مرفوعا: ٧ / ٣٧٥، والبيهقي: ١٠ / ٣٢٩، وأخرجه البيهقي من طريق آخر موقوفا وقال: هذا هو الصحيح موقوف، وكذلك عبد الرزاق: ٧ / ٣٧٦، والطبري: ١٨ / ١٣١.]] ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا يَحُطُّ عَنْهُ الثُّلُثَ. وَقَالَ الْآخَرُونَ: لَيْسَ لَهُ حَدٌّ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَحُطَّ عَنْهُ مَا شَاءَ [[انظر: الطبري: ١٨ / ١٣١، المصنف لعبد الرزاق: ٨ / ٣٧٧.]] وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. قَالَ نَافِعٌ: كَاتَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ غُلَامًا لَهُ عَلَى خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَوَضَعَ عَنْهُ مِنْ آخِرِ كِتَابَتِهِ خَمْسَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ [[أخرجه الطبري: ١٨ / ١٣١.]] . وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا كَاتَبَ مُكَاتَبَهُ لَمْ يَضَعْ عَنْهُ شَيْئًا مِنْ أَوَّلِ نُجُومِهِ مَخَافَةَ أَنْ يَعْجِزَ فَتَرْجِعَ إِلَيْهِ صَدَقَتُهُ، وَوَضَعَ مِنْ آخِرِ كِتَابَتِهِ مَا أَحَبَّ [[أخرجه الطبري: ١٨ / ١٣١، وعبد الرزاق: ٨ / ٣٧٧، والبيهقي: ٣ / ٣٣٠.]] . وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ. وَالْوُجُوبُ أَظْهَرُ. وَقَالَ قَوْمٌ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ: "وَآتَوْهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ" أَيْ سَهْمَهُمُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الصَّدَقَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَفِي الرِّقَابِ﴾ [التوبة: ٦٠] وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ [[أخرجه الطبري: ١٨ / ١٣١-١٣٢ ورجح الطبري هذا القول وهو قول من قال: عني به إيتاءهم سهمهم من الصدقة المفروضة. انظر بالتفصيل: ١٨ / ١٣٢.]] . وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: هُوَ حَثٌّ لِجَمِيعِ النَّاسِ عَلَى مَعُونَتِهِمْ [[أخرجه عبد الرزاق عن إبراهيم: ٨ / ٣٧٦-٣٧٧.]] وَلَوْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ أَدَاءِ النُّجُومِ، اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ: فَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَمُوتُ رَقِيقًا، وَتَرْتَفِعُ الْكِتَابَةُ سَوَاءٌ تَرَكَ مَالًا أَوْ لَمْ يَتْرُكْ، كَمَا لَوْ تَلِفَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ يَرْتَفِعُ الْبَيْعُ. وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ. وَقَالَ قَوْمٌ: إِنْ تَرَكَ وَفَاءً بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْكِتَابَةِ كَانَ حُرًّا وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ، فَالزِّيَادَةُ لِأَوْلَادِهِ الْأَحْرَارِ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالْحَسَنِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَلَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ كِتَابَةً فَاسِدَةً يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْمَالِ لِأَنَّ عِتْقَهُ مُعَلَّقٌ بِالْأَدَاءِ، وَقَدْ وُجِدَ وَتَبِعَهُ الْأَوْلَادُ وَالِاكْتِسَابُ كَمَا فِي الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ، وَيَفْتَرِقَانِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ: وَهِيَ أَنَّ الْكِتَابَةَ الصَّحِيحَةَ لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى فَسْخَهَا مَا لَمْ يَعْجِزِ الْمُكَاتَبُ عَنْ أَدَاءِ النُّجُومِ، [وَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى، وَيَعْتِقُ بِالْإِبْرَاءِ عَنِ النُّجُومِ] [[ما بين القوسين ساقط من "أ".]] وَالْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ يَمْلِكُ الْمَوْلَى فَسْخَهَا قَبْلَ أَدَاءِ الْمَالِ، [حَتَّى لَوْ أَدَّى الْمَالَ] [[ما بين القوسين ساقط من "أ".]] بَعْدَ الْفَسْخِ لَا يَعْتِقُ وَيَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى، وَلَا يَعْتِقُ بِالْإِبْرَاءِ عَنِ النُّجُومِ، وَإِذَا عَتَقَ الْمُكَاتَبُ بِأَدَاءِ الْمَالِ لَا يَثْبُتُ التَّرَاجُعُ فِي الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ، وَيَثْبُتُ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ، فَيَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِقِيمَةِ رَقَبَتِهِ، وَهُوَ يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْلَى بِمَا دَفَعَ إِلَيْهِ إِنْ كَانَ مَالًا. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا﴾ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ بن سَلُولَ الْمُنَافِقِ، كَانَتْ لَهُ جَارِيَتَانِ: مُعَاذَةُ وَمُسَيْكَةُ، وَكَانَ يُكْرِهُهُمَا عَلَى الزِّنَا بِالضَّرِيبَةِ يَأْخُذُهَا مِنْهُمَا، وَكَذَلِكَ كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، يُؤَجِّرُونَ إِمَاءَهُمْ، فَلَمَّا جاء الإسلام ٤٠/ب قَالَتْ مُعَاذَةُ لِمُسَيْكَةَ: إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ لَا يَخْلُو مِنْ وَجْهَيْنِ، فَإِنْ يَكُ خَيْرًا فَقَدِ اسْتَكْثَرْنَا مِنْهُ، وَإِنْ يَكُ شَرًّا فَقَدْ آنَ لَنَا أَنْ نَدَعَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ [[عزاه الواحدي في أسباب النزول ص (٣٧٧) للمفسرين، وساق روايات أن الآية نزلت في عبد الله بن أبي كان يقول لجارية له: اذهبي فابغينا شيئا.. وهو في صحيح مسلم.]] . وَرُوِيَ أَنَّهُ جَاءَتْ إِحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ يَوْمًا بِبُرْدٍ وَجَاءَتِ الْأُخْرَى بِدِينَارٍ، فَقَالَ لَهُمَا: ارْجِعَا فَازْنِيَا، قَالَتَا: وَاللَّهِ لَا نَفْعَلُ، قَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَحَرَّمَ الزِّنَا، فَأَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَشَكَتَا إِلَيْهِ، فَأَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ [[قاله مقاتل: انظر: أسباب النزول للواحدي ص ٣٧٧-٣٧٨.]] ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ﴾ إِمَاءَكُمْ ﴿عَلَى الْبِغَاءِ﴾ أَيْ: الزِّنَا ﴿إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا﴾ أَيْ: إِذَا أَرَدْنَ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ الشَّرْطُ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِكْرَاهُهُنَّ عَلَى الزِّنَا وَإِنْ لَمْ يُرِدْنَ تَحَصُّنًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٩] ، [أَيْ: إِذَا كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ] [[ما بين القوسين ساقط من "ب".]] وَقِيلَ: شَرَطَ إِرَادَةَ التَّحَصُّنِ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ إِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ إِرَادَةِ التَّحَصُّنِ، فَإِذَا لَمْ تُرِدِ التَّحَصُّنَ بَغَتْ طَوْعًا، وَالتَّحَصُّنُ: التَّعَفُّفُ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ الْفَضْلِ: فِي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ تَقْدِيرُهَا: وَأَنْكَحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ. ﴿لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ أَيْ: لِتَطْلُبُوا مِنْ أَمْوَالِ الدُّنْيَا، يُرِيدُ مِنْ كَسْبِهِنَّ وَبَيْعِ أَوْلَادِهِنَّ، ﴿وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ يَعْنِي لِلْمُكْرَهَاتِ، وَالْوِزْرُ عَلَى الْمُكْرِهِ. وَكَانَ الْحَسَنُ إِذَا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ قَالَ: لَهُنَّ وَاللَّهِ لَهُنَّ وَاللَّهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب