الباحث القرآني
وقوله تعالى: ﴿حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النور ٣٣]؛ لأنه إذا أغناهم الله من فضله تزوَّجوا إذ لم يمنعهم من الزواج إلا ذلك.
وقوله: ﴿لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا﴾ المؤلف فسّره بقوله: (ما ينكحون به)، والصواب أن الآية أعم من ذلك، ولهذا قال: ﴿لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا﴾ فيشمل ما ذكره المؤلف، ويشمل ما إذا لم يجد امرأة يتزوجها، قد يكون الإنسان غنيًّا، وعنده مهر، وعنده نفقة، ولكن يخطب ولا يُقبل، فهل نقول: هذا وجد نكاحًا أم لا؟
لم يجد نكاحًا، فتخصيص عدم النكاح بما ذكره المؤلف فيه نظر، فالآية أعم: ﴿لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا﴾ أي: لا يجدون نفقة له، ولا يجدون امرأة يتزوجونها أيضًا؛ لأنه داخل في عموم الآية.
وقوله: ﴿حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ هكذا أرشد الله سبحانه وتعالى إلى العفة لمن لا يجد النكاح، فهل هذا يعارض قول الرسول ﷺ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٩٠٥)، ومسلم (١٤٠٠ / ١) من حديث عبد الله بن مسعود.]]؟ هل بين الآية والحديث تعارض؟ لا، كيف ذلك؟
* طالب: بين فيها الطريق إلى العفة (...).
* الشيخ: إي نعم، أحسنت، الآية أمر الله فيها بالعفة، والنبي عليه الصلاة والسلام بيَّن الطريق إلى العفة؛ بأن الإنسان يصوم؛ فإن ذلك يقطع شهوة النكاح، وإذا انقطعت شهوة النكاح، فهذا من أكبر أسباب العفة، إذ إن الإنسان لا يحدوه إلى عدم العفة إلا الشهوة، فإذا انقطعت زالت أسباب وجود عدم العفة، وبهذا نعرف أن الحديث لا ينافي الآية؛ لأن الله أمر بالاستعفاف والنبي عليه الصلاة والسلام بيَّن لنا طريقًا من طرق الاستعفاف، ثم إن الذي لا يجد نكاحًا قد يكون ذا شهوة قوية ربما تغريه بانتهاك المحرم، فدواء ذلك بالصوم، أما الإنسان الذي شهوته عادية وبعيد أن تغريه، فهذا وإن لم يصم؛ لأن قول النبي صلى الله عليه الصلاة والسلام: «مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ» لو أخذناه بظاهره لقلنا: كل إنسان فقير لا يجد نكاحًا وله شهوة فإنه يصوم، ولكن الأمر ليس كذلك، لكن إذا لم يجد الإنسان طريقًا إلى العفة سوى الصوم فليصُم، أما إذا كان الإنسان معتدلًا طبيعيًّا، ولا يخشى على نفسه المحظور؛ فإنه لا حاجة إلى الصوم، ولهذا قال: «فَعَلَيْهِ» و(على) هذه للإغراق دل ذلك على أنه في حالة يحتاج إلى ما يدله على كبح جماح الشهوة؛ وذلك بالصوم. وفي هذا أيضًا إشارة؛ قوله: ﴿حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ إشارة إلى أن العفة سبب للغنى، كما أن الزواج
أيضًا سبب للغنى، فكذلك العفة إذا صبر الإنسان، وأعفَّ نفسه، وأبعد عما حرم الله عليه كان ذلك سببًا للغنى، وقد قال الله تعالى في القرآن: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق ٢، ٣].
وقوله: ﴿حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ﴾ هل المراد غنى المال أو غنى النكاح؟
* طالب: الأمران، غنى النكاح وغنى المال.
* الشيخ: لا، ما هو بالأمرين، غنى النكاح؛ لأنه قال: ﴿لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا﴾. فنقول: غنى النكاح، ليش؟ لأنه -مثل ما أشرنا إليه- قد يكون الإنسان غني المال، لكن ما يجد النكاح، ما يُزوَّج، فنقول: لا يجدون حتى يُغنيهم، لا يجدون نكاحًا حتى يغنيهم الله بالنكاح، ما هو بالمال؛ بالنكاح الذي كانوا لا يجدونه، فيشمل ذلك الغنى بالمال، والغنى بالزوجة.
وكم من إنسان -كما تعرفون- كثير المال ولا يجد زوجة، إذن هو مثل الفقير؛ فالأولى أن نقول في قوله تعالى: ﴿حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ﴾ بأي شيء بالمال ولَّا بالنكاح؟ بالنكاح، لأجل أن يشمل الأمرين إن كان عدم وجود النكاح له من أجل الفقر فبالمال، إن كان من أجل المنع فبالطاعة، إنما ييسر له من يطيعه ويُزوِّجه.
ولما ذكر الله جل وعلا أحكام النكاح وما يتعلق بها انتقل إلى أمر آخر مهم، وهو ما يتعلق بالإماء، بل بالمماليك عمومًا بأن قال: ﴿وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ﴾ فأشار إلى المماليك.
انتقل إلى مسألة مهمة جدًّا؛ وهو قوله تعالى: (﴿وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ﴾ بمعنى المكاتبة ﴿مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ من العبيد والإماء، ﴿فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ أي: أمانة وقدرة على الكسب لأداء مال الكتابة وصيغتها مثلًا كذا).
﴿الَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ﴾ بمعنى (يطلبون)، و﴿الْكِتَابَ﴾ بمعنى (المكاتَبة)، والمكاتَبة: هي بيع السيد عبده على نفسه؛ أن يبيع السيد عبده على نفسه، هذه المكاتَبة، وسُمّيت مكاتبة؛ لأنها في الغالب تجري بكتاب يكتب السيد بينه وبين عبده كتابًا بهذا العقد، فإذا طلب العبد من سيده أن يُكاتِبه فقد قال الله: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ﴾ إذن نقول: ﴿يَبْتَغُونَ﴾ بمعنى (يطلبون).
﴿الْكِتَابَ﴾ المكاتبة؛ وهي بيع السيد نفس العبد على العبد.
وقوله: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ﴾ ليش أضاف الفاء؟
* طالب: جواب الأمر.
* الشيخ: في جواب الأمر؟
* طالب: لو..
* الشيخ: لو؟! عندنا (لو)؟!
* طالب: الفاء هنا رابطة.
* الشيخ: إي، الفاء رابطة للخبر بالمبتدأ، هل ربط الخبر بالمبتدأ هل هو محتاج إليه ولَّا لا؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ما يحتاج إليه، تقول: زيد قائم، الكتاب جميل، السماء رفيعة، لكن إذا كان المبتدأ يُشبه الشرط في العموم فإنه أيش؟ يُربط خبره بالفاء، وذكرنا لكم سابقًا أن النحويين يمثِّلون بقولهم: الذي يأتيني فله دِرهم، وأن هذا في القرآن كثير منه هذه الآية: ﴿الَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ﴾.
وقوله تعالى: ﴿مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ هذه (من) بيان للموصول ﴿الَّذِينَ﴾ ﴿الَّذِينَ يَبْتَغُونَ﴾ لأن الموصول حتى وإن وُجِدت صلته فهو مُبهم في الواقع، فـ(مِن) بيانية لبيان المبهم في الموصول.
وقوله: ﴿مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ في هذا إثبات الْمُلك للبشر.
فإذا قال قائل: أليس الله يقول: ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [آل عمران ١٨٩] فحصر الملك لنفسه، فكيف يتفق هذا مع إثبات الملك للبشر؟
فالجواب: أن الْمُلك الْمُطلق لله، وأن ملك البشر لما يملك ليس مطلقًا؛ ولذلك هو مقيد؛ مقيد بنوع الملك، ومقيد بنوع التصرف، ومقيد بكل شيء، عندما يكون لي مال، هل أنا مطلق التصرف فيه؟ لا، أتصرف فيه بنوع معين، وعلى حدود معينة؛ لذلك ليس ملكي تامًّا من كل وجه؛ فلهذا نقول: الملك المطلق لله وحده، وملكي أنا يضاف إليَّ، لكنه مُلك مُقيَّد محدد، فإن ملكت العين والمنفعة سميت مالكًا، وإن ملكت المنفعة دون العين سُميت مستأجرًا، وهكذا كل نوع من الملك له اسم خاص.
وقوله: ﴿مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ الأَيْمان جمع (يمين)، وهي مقابل الشمال. هل معنى ذلك أن الإنسان يملك عبده بيده اليمنى فقط واليسرى ما ملكت؟
لا، هذا تغليبًا مثل: ﴿بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [الشورى ٣٠] فلما كان الغالب على الإنسان في الأخذ والإعطاء والبيع والشراء ويش الغالب؟
العمل باليد اليمنى، قال: ﴿مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ وإلا فالحقيقة أنا مالكه أنا كله، ما هو بس يميني فقط، لكن لما كان هذا هو الغالب في مسألة البيع والشراء والأخذ والإعطاء أضاف الله سبحانه وتعالى الملك إلى اليمين.
﴿فَكَاتِبُوهُمْ﴾ قلنا: (الفاء) رابطة للخبر بالمبتدأ، وأنها ربطت الخبر بالمبتدأ؛ لأن المبتدأ اسم موصول يشبه الشرط في العموم.
وقوله: ﴿كَاتِبُوهُمْ﴾ هذا أمر، وهل الأمر هنا للوجوب أو للاستحباب؟
اختلف فيه أهل العلم؛ فالجمهور على أن الأمر للاستحباب، وحُجّتهم في ذلك: أن العبد مملوك لك، ولا يجب عليك إخراج ملكك إلا برضا منك، فكما أن الإنسان لا يُجبر على بيع بيته وعلى بيع دابته، لا يُجبر كذلك على بيع عبده، فإذا طلب مني المكاتبة فأنا حُرّ؛ لأنه مالي، ولهذا سماه الله تعالى: ملكًا.
إذن الجمهور يرون أن الأمر للاستحباب، حُجّتهم في ذلك أن العبد ملك لك، والإنسان لا يُجبر على إخراج ملكه من ملكه، «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ»[[أخرجه أحمد (٢١٠٨٢) من حديث عمرو بن يثربي. ]]، وإذا كان كذلك فإن الأمر هنا للاستحباب، وذهب بعض أهل العلم -ومنهم أهل الظاهر- إلى أن الأمر للوجوب، وأن العبد إذا طلب المكاتَبة فإنه يجب على السيد إجابته، وذلك لأن الأصل في الأمر الوجوب، وقولهم: إن المالك لا يُجبر على إخراج ملكه من ملكه، هذا ليس على إطلاقه، فإن المالِك يُجبر على إخراج ملكه من ملكه في الأمور التي أوجب الله، أليس يجب على الإنسان أن يُخرج الزكاة وهو إخراج شيء من ملكه؟ أليس يجب عليه الكفّارة؟ أليس يجب عليه الإنفاق على غيره من أقارب وزوجات وغيرهم؟
فإذن العبارة (لا يجب على الإنسان أن يخرج ملكه من ملكه) ليست على إطلاقها، وما أكثر المسائل التي يُجبر فيها الإنسان على إخراج ملكه من ملكه، أليس الإنسان إذا تعلَّق بماله حق -حق الغرماء- وصار دينه أكثر من ماله يحجر عليه ولَّا لا؟
يُحجر عليه ويُجبر على أن يبيع ماله، ويُصرف إلى الغرماء، فعلى كل حال نقول: هذه المسألة ليست على إطلاقها، وكم من مسائل صارت واجبة وهي متضمّنة لإخراج الإنسان ملكه من ملكه.
ثم إنه يقوِّي أن الأمر للوجوب؛ يعني هذه في الحقيقة دفع لما احتج به الجمهور، أما تقوية الأمر للوجوب فقالوا: إن الشارع متطلِّع للعتق، والرق وارد في الحقيقة، الرق وارد على البشر، وليس أصيلًَا فيهم أو لا؟
فإذا أراد البشر أن يتخلّص من هذا الرق، ويعيد نفسه إلى الأصل فإن الشارع يتطلع لذلك؛ ولهذا تجدون أن الشارع رغّب في العتق كثيرًا حتى إنه أخبر: «أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا أَعْتَقَ اللَّهُ مِنْهُ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ جُزْءًا مِنَ النَّارِ حَتَّى الْفَرْجَ بِالْفَرْجِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٧١٥)، ومسلم (١٥٠٩ / ٢٢) من حديث أبي هريرة.]]، هذا ترغيب عظيم.
كذلك أيضًا أوجب الله سبحانه وتعالى في كفارات متعددة أوجب فيها أيش؟ عتق الرقبة مثل: كفارة الظهار، وكفارة اليمين، وكفارة القتل، كل هذا دليل على أن الشارع له تشوُّف لتحرير العبيد، فكيف لا نجعل هذا الأمر للوجوب لا سيما مع طلب العبد، العبد هو اللي طالب الآن، وعارف من نفسه أنه سيستغني عن سيده، ويريد أن يخلص نفسه فكيف نمنعه؟!
فإذا قال السيد: هذا عبدي، ولا أقدر أتخلص عنه، قلنا له: أنت إذا اتقيت الله سبحانه وتعالى جعل لك من أمرك يسرًا، ربما إنه تحرره، وإذا حررته فاستأجره إذا كنت محتاجًا إليه وعارفًا به، أو ييسر الله لك سواه، على كل حال ما دام أن الله أمر به فالأصل في أوامر الله ورسوله الأصل فيها الوجوب.
يقول: ﴿إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ هذا شرط في الأمر، ﴿كَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ فجعل الله سبحانه وتعالى ذلك مشروطًا بعلم الخير فيهم، ما هو الخير؟
يقول المؤلف: (أي: أمانة وقدرة على الكسب لأداء مال الكتابة).
نعم، فسّره بعض السلف بقوله: صلاحًا في دينهم وكسبًا، ويمكن أن يكون قوله: (أمانة) يشير إلى ذلك، لكن إذا قلنا: صلاحًا في دينهم، صار أعم من كلمة (أمانة)؛ لأن الأمانة هي الصلاح في الدين ولّا من الصلاح؟ من الصلاح؛ ولهذا نقول: المراد بالخير الصلاح في الدين والكسب؛ الصلاح في الدين بأن نعرف أنه مقيم للصلاة، مقيم للصوم، تارك للمحرمات، مستقيم، ومن الصلاح في الدين الأمانة أيضًا، نعرف أنه ما أريد أن أعتق من يدور يسرق من الناس، أنه أمين، والكسب هذا صلاح الدنيا؛ أن نعرف أن هذا العبد إذا أعتق صار قادرًا على الكسب، وليس كلًّا على غيره؛ لأن إذا صار غير قادر على الكسب وأعتقه سيده منين بيأكل؟! يصير كَلًّا على الناس، وربما يصير عنده قوة فيسرق وينهب؛ لهذا لا بد من هذا الشرط: الصلاح والكسب.
وأما قول المؤلف: (لأداء مال الكتابة) فهذا فيه نظر، فلا يكفي أن يكون عنده كسب لأداء مال الكتابة، بل لأداء مال الكتابة وللإنفاق على نفسه في المستقبل، إذن الأمر مشروط بأن نعلم فيهم الخير، طيب إذا لم أعلم فيه خيرًا، هل يجب علي مكاتبته إذا طلب؟
* طالب: لا يجب.
* الشيخ: لا يجب، طيب هل يجوز؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لكن كيف يجوز وأنا أعرف أنه ما فيه خير، أعرف أني إذا أعتقته يبغي يفسد؛ إما يلحق بالكفار إذا كان أصله كافرًا، وإلا يفسد في الأرض بالمعاصي، هو عندي محفوظ، لكن إذا صار حرًّا مين اللي يكلمه؟ ما عنده حد، فالصحيح أن نقول: إذا لم نعلم فيه خيرًا لم نؤمر بمكاتبته، هذه واحدة، هذا مفهوم الآية، ثم إذا لم نؤمر هل يجوز لنا أن نكاتب؟
إن علمنا فيه شرًّا ومفسدة في إجابته صارت إجابته حرامًا، وإن لم نعلم فيه شرًّا ومفسدة فإجابته جائزة، فصار المفهوم فيه تفصيل.
بقي علينا الجواب عن السؤال الذي سأله الأخ، إذا قال السيد: أنا لا أعلم فيه خيرًا فلا يجب عليَّ كتابته، ماذا نقول؟
نقول: أنت وأمانتك، الله سبحانه وتعالى هو الذي سيحاسبك، وقد وَكَل الأمر إليك، فإذا قلت: أنا لا أعلم فيه خيرًا، بالنسبة لنا نوافقك، ولا نُجبرك على الكتابة، لكن بالنسبة لله ينفعك إذا كنت تعلم أن فيه خيرًا، وادَّعيت أنك لا تعلم فيه خيرًا ما ينفعك، بالنسبة لله لا ينفعه، فعلى كل حال الأمر موكول إلى السيد في علم الخير وعدمه.
بالنسبة لنا أحكام الدنيا على الظاهر، إذا قال: أنا ما أعلم بهذا العبد خيرًا، وأنا أعرف أني لو خلّيته بيروح يَفسد ويُفسد، نقول: بالنسبة لنا ما نجبرك الآن، ولا نقول: يجب عليك، لكن إذا كان الله يعلم أنك تعلم أن فيه خيرًا فإن دعواك هذه مردودة، ولا تقبل.
وفي هذه الآية دليل؟
* طالب: الأمر للوجوب؟
* الشيخ: إي نعم، الأمر للوجوب، الصحيح أن الأمر للوجوب.
* طالب: (...).
* الشيخ: ما هو بلازم، إذا لم يعلم فيه خيرًا ما وجب.
* الطالب: (...).
* الشيخ: ما هو بلازم؛ لأن الله ما أوجبها إلا إذا علمنا الخير، وضد ذلك أن نعلم فيه شرًّا، أو ألا نعلم خيرًا ولا شرًّا ضده، لكن إن علمنا فيه شرًّا حرمت الكتابة، وإن لم نعلم ولا نعلم لا هذا ولا هذا، فهي محل جواز، نعم؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، هذا موكول إليك، إلا إذا علمنا أن الواقع يُكذّبه، إذا علمنا من هذا العبد أنه صالح دائمًا يصلي، وأمين بين الناس، ويعرف الكسب يكتسب، فهذا طبعًا ما نقبل دعواه.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، وإلا الأصل موكول إلى أمانته.
* طالب: (...).
* الشيخ: عند مَن؟
* الطالب: عند العبد.
* الشيخ: ماله لسيده، وكذلك الأمة.
* الطالب: إذا طلبت الكتابة (...)؟
* الشيخ: إذا طلبت الكتابة؛ وهي ما لها كسب لا تكاتبها، ما يجب عليك تكاتبها.
* الطالب: ما المانع إذا أعتقها؟
* الشيخ: لا، إذا أعتقها إن كان لها أقارب فهم أولياؤها، وإن لم يكن لها أقارب فهو وليها.
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، حتى (...)، وأن يزوجها مثلًا لو أرادت تتزوج، فإن لم يكن أهلًا لذلك فوليها القاضي.
في هذا دليل على تشوف الشارع للعتق، وأن من أسباب العتق المكاتَبة التي تجري بين السيد وعبده، يقول: (صيغتها) يعني الكتابة (وصيغتها مثلًا كاتبتك على ألفين في شهرين كل شهر ألف، فإذا أديتهما فأنت حر، فيقول: قبلتُ ذلك).
المؤلف يقول: (صيغتها مثلًا)؛ يعني ليس هذه هي الصيغة الوحيدة، بل ما دل على ذلك أجزأ، لكن لاحظوا قوله: (على ألفين في شهرين)، هل المراد الألفان يحلون بنجم واحد في الشهرين، أو كل ألف في شهر؟
* طلبة: كل ألف في شهر.
* الشيخ: يقول العلماء: إنه من باب التيسير على العبد أن يكون مُنجَّمًا، المال الذي يُكاتَب عليه مُنجَّمًا بأجلين فأكثر؛ يعني ما يقول: كاتبتك مثلًا على عشرة آلاف يحلّون بعد سنة لا؛ لأن هذا فيه صعوبة على العبد، بل يجعله منجمًا بأجلين فأكثر، مثلًا: عشرة آلاف؛ إما أن يقول: كل شهرين ألف ريال، وإلا كل شهر ألف ريال، وإلا في ستة أشهر خمسة آلاف، وفي ستة أشهر خمسة آلاف، المهم لا بد أن يكون منجمًا في أجلين فأكثر، ويش مراعاة له؟ مراعاة لحال العبد ورفقًا به.
وظاهر كلام أهل العلم في هذه المسألة حتى لو فُرِض أن العبد عنده قدرة على أن يُسلِّمها في أجل واحد؛ فإنه لا بد من الأجلين؛ يعني لو فرضنا العبد جايله إنسان وقال له: تعالَ اشرِ نفسك من سيدك، وأنا بانقد لك دراهم حالًا، فإنه لا يصح، ولكن في هذه المسألة نظر، وقضية عائشة مع بريرة حيث كاتبت أهلها على تسع أواقٍ، فقالت عائشة: «إن أحبَّ أهلُك أن أعدَّها لهم ويكون ولاؤُكِ لي فعلتُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢١٦٨)، ومسلم (١٥٠٤ / ٨).]]. ويش يدل عليه؟ يدل على الجواز، وإن كانت عائشة تبغي تشتريها شراء، لكن يدل على أنه إذا أراد أحد أن يعجِّل ما كاتب عليه العبد لسيده، واتفقا على ذلك فإنه يصح، لكن في هذه الحال يلزم أن العبد يحتاط لنفسه؛ لأنه قد يأتيه هذا الرجل ويقول له ذلك، ثم يتراجع مع أنه لو تراجع ما يضر العبد شيء، ويش آخر أمره؟ أنه إذا عجز عاد إلى سيده رقيقًا، وهذا في الحقيقة ما يضر.
* طالب: المال يا شيخ؟
* الشيخ: المال الذي كسبه لسيده.
* طالب: إذا طلب منه المال؟
* الشيخ: إذا طلب، من الآن يبدأ.
* الطالب: ما عرفه؟
* الشيخ: ما يصير شيء.
* الطالب: ما كتب؟
* الشيخ: يعني طلب الكتابة وأبَى سيده، يصبح على حاله، يبقى عبدًا على حاله.
* الطالب: ما يملك المال؟
* الشيخ: لا، ما يملك، إذا ملك فهو لسيده على قول الذين يوجبون يُلزم بأنه يكاتبه، ثم العبد يذهب ويتكسب، وإذا كسب سلّم لسيده.
يقول الله تعالى: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ (﴿آتُوهُمْ﴾ أمر للسادة ﴿مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ ما يستعينون به في أداء ما التزموه لكم وفي معنى الإيتاء حط شيء مما التزموه).
﴿آتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ﴾ يقول المؤلف: (الأمر للسادة)، ويجوز أن يكون الأمر لغير السادة، أو للسادة وغيرهم، يجوز أن يكون الأمر للمسلمين كلهم، ﴿آتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ﴾.
إذا كان الأمر مُوجَّهًا للسادة، وفي كيفية الإتيان صورتان:
الصورة الأولى: إذا كاتبه أعطاه مالًا لأجل أن يكون أساسًا لكسبه.
والكيفية الثانية: إذا أدى ما عليه يحط عنه، ولكن هل يحط عنه في النجم الأول؟ ولَّا في النجم الأخير؟
بعض السلف اختار أن يضع عنه من النجم الأول؛ لأن ذلك أيسر له، وبعض السلف اختار أن يضع عنه من النجم الأخير، وقال: إنني إذا وضعت عنه من النجم الأول، أو أعطيته من النجم الأول، ثم عجز وعاد إليَّ صارت صدقتي عادت إليَّ، بخلاف ما إذا أعطيته من النجم الأخير؛ لأنه إذا أدى النجم الأخير ويش يحصل؟ يعتق، فإذا أعطيته من النجم الأخير ما عاد إليَّ شيء من صدقتي، وهذا هو الأرجح؛ أنه يعطيه من النجم الأخير.
إذن الأمر إذا كان موجهًا إلى السادة ففي كيفية الإتيان صورتان: الصورة الأولى: أن يعطيه من أول الأمر؛ يعطيه من ماله الخاص من أول الأمر يعطيه مالًا، لأي شيء؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، ليكون أساسًا للكسب في مال الكتابة.
والكيفية الثانية: إذا أدى ما عليه أعطاه مما أدى، ولكننا نقول: الصحيح أنه أمر للسادة بالكيفية المذكورة، وأمر لغير السادة أيضًا أن يعينوا المكاتَب في مكاتبته، ولذلك جُعل له أيش؟ سهم من الزكاة فيجوز للإنسان أن يصرف من زكاته شيئًا للمكاتَبين، وهذا هو الصحيح؛ فالصحيح أن الأمر في قوله تعالى: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ﴾ شامل للأسياد ولغيرهم، وغيرهم إذا قلنا: إن الزكاة تصرف لهم، فالزكاة مال الله.
وقوله: ﴿مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ ما قال: من مالكم. قال ﴿مِنْ مَالِ اللَّهِ﴾ إشارة إلى أنكم وإن آتيتموهم فالمنة لمن؟
المنة لله سبحانه وتعالى، المنة لله؛ لأن المال مال الله، سواء قلنا: إنه مال شرعي لله وهو الزكاة، إذا قلنا بأن الأمر موجَّه (...) أيضًا، أو إن المال اللي هو مال لله غير شرعي، مال الله قدري، مال لله قدرًا، وهو مال الإنسان الذي يتصرف فيه تصرف المالك في ملكه، فإنه في الحقيقة مال الله، وكأن في الآية إشارة إلى أنه لا فضل لكم رحمة الله سبحانه أن الله أعطاكم مال فأعطوا هؤلاء المكاتبين من مال الله الذي آتاكم.
خلاصة الكلام أن في هذه الآية مشروعية المكاتَبة، متى؟ إذا طلبها العبد والأمر فيها لأيش؟ للوجوب، على القول الصحيح، ولكنه مشروط بأي شيء؟ بعلم الخير، والخير: هو الصلاح في الدين والكسب.
وفي الآية أيضًا: دليل على وجوب إتيان المكاتَب من المال، سواء كان الخطاب موجهًا للسيد أو موجهًا لعموم الناس، أما لعموم الناس فإنهم يُعطون من الزكاة، وأما بالنسبة للسيد فيعطيه من المال الذي في يده؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي منَّ به عليه، ثم قال.
* طالب: السيد يعطيه من زكاته؟
* الشيخ: لا، ما يعطيه من زكاته؛ لأنه إذا أعطاه من زكاته في الحقيقة سيعود إليه قطعًا.
* الطالب: (...).
* الشيخ: (...) يضع عنه من رأس المال.
قال: ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ﴾. قد يقول قائل: لماذا تمنعون أن يعطي السيد من زكاته مكاتَبه مع أنكم تجيزون أن يعطي غريمه أو لا؟! يعني إذا صار الإنسان يطلب شخصًا دراهم وأعطاه من زكاته، فلا حرج؟
يقال: الأمر بيِّن الفرق، الغريم إذا أعطيته ربما يقيم وربما لا يقيم، فما يتصرف فيها كما يريد، لكن المكاتَب سيقيم مهما كان إما بيقيم، وإما بيعود رقيقًا ويعود المال إليه، هذا هو الفرق بينهما.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، هو إذا صار مكاتبًا ما يجب عليك تنفق عليه، يملك كسبه وكل شيء.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، العتق يبدأ من بداية الكتابة.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي، بدأ لكنه ما يتم إلا بأداء ما في الكتابة.
قال: (﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ﴾ أي: إماءكم ﴿عَلَى الْبِغَاءِ﴾ أي: الزنا﴿إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا﴾ [النور: ٣٣] تعففًا عنه، وهذه الإرادة محل الإكراه، فلا مفهوم للشرط).
﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ﴾ الفتيات كما قال المؤلف: (الإماء)، وليس المراد بالفتيات هنا الصغيرات من النساء؛ يعني حتى الحرائر لا؛ لأن هذا غير وارد، إنما المراد بالفتيات: (الإماء) و(البغاء): الزنا؛ سمي بغاء؛ لأنه يُطلب، يعني مطلوب، والبغاء بمعنى الطلب، والابتغاء بمعنى الطلب؛ فالزناة -والعياذ بالله- والزانيات يطلبون هذا الأمر.
وقوله: ﴿إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا﴾ ويش يعني؟ عن الزنا، أي: تعففًا عنه وامتناعًا منه، وهذه الإرادة محل الإكراه، فلا مفهوم للشرط.
الآية الكريمة إذا قرأناها ففيها: أن الله تعالى نهى أن نكره الفتيات على البغاء شرط إذا أردن التحصُّن؛ يعني فإن لم يردن التحصُّن فظاهر الآية لنا أن نكرههن، لكن المؤلف يقول: إن محل النهي هو الشرط، إنه ما يتصور الإكراه إلا إذا أردن التحصن، وعلى هذا فلا مفهوم للشرط، هذا ما ذهب إليه المؤلف، وفيه نظر ظاهر.
المؤلف يقول رحمه الله يقول: (وهذه الإرادة محل الإكراه)؛ يعني أن الإكراه ما يُتصور إلا مع وجود هذه الإرادة، فلا مفهوم للشرط إذا صار الإكراه لا يُتصور إلا بهذه الإرادة، فالشرط لا مفهوم له؛ لأنه لبيان الواقع اللي هو واقع الإكراه، هذا ما ذهب إليه المؤلف، لكن فيه نظر ظاهر؛ لأنه قد يُكرهها على البغاء، وهي لا تريد التحصن، إنما تكره الذي أكرهه عليها، مثل أن يقول مثلًا: تزنين بهذا الرجل، لكن ما تريد الرجل، تريد رجلًا آخر، فإذا أكرهها على أن تزني بهذا الرجل تحقق الإكراه ولَّا لا؟
* طالب: تحقق.
* الشيخ: مع أنها لا تريد التحصُّن، ففي الحقيقة أن الإكراه يمكن أن يرد وإن لم ترد التحصُّن، وأما قولهم: إن الإرادة هي محل النهي؛ لأن لا إكراه بدون إرادة التحصن، فيقال: لا، يمكن يكون إكراه بدون إرادة التحصن، مثل إما أن تكون هي في ذلك الوقت ما لها رغبة في الجماع، أو في مكان لا ترغب أن تُجامَع فيه، أو في زمان لا ترغب أن تُجامَع فيه، أو لا تريد من أُكرِهت عليه، أو ما أشبه ذلك، فليس الإكراه خاصًّا بالزنا حتى نقول: إن هذا الشرط لبيان الواقع فلا مفهوم له.
إذن ما هو الرأي في هذه المسألة؟ يعني ما هو القول الراجح؟
ذكر العلماء ثلاثة أوجه غير ما ذكره المؤلف؛ منها: أن هذا بناء على الأغلب، أنهم يكرهونهن وهن يردن التحصن، ومعلوم أن القيد إذا كان لبيان الغالب لا مفهوم له؛ يعني أن الله ينهاهم عن أمر قد وقعوا فيه، وهو أنهم يكرهون فتياتهم على الزنا، وهن يردن التعفف عنه، فيكون هذا بناء على الغالب فلا مفهوم له، وهذا ما ذهب إليه ابن كثير على أن القيد الشرط، هذا لبيان الغالب لا لبيان الواقع.
وقال بعض العلماء: إن الشرط هذا بمعنى (إذ)، ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إذ أردن تحصنًا؛ أي: لأنهن يردن التحصن، وهذا القول في الواقع قد يكون راجعًا إلى القول الذي قبله.
* * *
* طالب: ﴿نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣٥) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ﴾ [النور ٣٥- ٣٦].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، تقدم أن الله سبحانه وتعالى أمر بإجابة طلب العبد للكتابة، وأن العلماء اختلفوا في ذلك؛ فمنهم من يرى أنه على سبيل الوجوب، ومنهم من يرى أنه على سبيل الاستحباب، وأن الصحيح أنه على سبيل الوجوب، لكن الله -سبحانه وتعالى- اشترط أن نعلم فيهم خيرًا، والخيرية؟
* طالب: (...).
* الشيخ: الصلاح في الدين والكسب؛ فصلاح الدين يدخل فيه الأمانة، والكسب ظاهر، وتقدم أيضًا أن الله أمر بأن يؤتوا من مال الله الذي آتانا، وما المراد به؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: هذا قول، القول الثاني؟
* الطالب: من مال السيد؟
* الشيخ: من مال السيد، كيف من مال السيد؟
* الطالب: القول الثاني: من ماله.
* الشيخ: إي نعم، يعني من مال الكتابة، أن يحط عنه من مال الكتابة، وقد اختلف السلف هل يُحطّ عنه من الأول من أول قسط، أو من آخر قسط؛ والراجح أنه من آخر قسط؛ وذلك لأنه ربما يعجز فيعود ما أسقطه الإنسان عنه يعود إلى ملكه، طيب صفة المكاتبة؟
* طالب: (...).
* الشيخ: يعني معناه: يشتري نفسه منه من سيده، هذه المكاتَبة، لماذا سُمِّيت مكاتبة؟ لأن الغالب أنه يقع بينهما كتابة، كتابة على أني كاتبت عبدي فلانًا على كذا وكذا.
ثم إنه سبق أيضًا أن الله نهى أن نُكره الفتيات على الزنا على البغاء، وقيد ذلك بقوله: ﴿إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا﴾ وأحمد يُبين لنا هذا الإكراه هو للحرائر مطلقًا ولَّا بهذا القيد؟
* الطالب: للحرائر مطلقًا.
* الشيخ: للحرائر مطلقًا نعم، أقول: كيف تخرج هذا القيد: ﴿إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا﴾؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: يعني إن النهي وارد عن حالة معينة نعم، هذا رأي، والرأي الثاني؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: (...) هذا الشرط يعني إحنا الآن، الحكم أن الإكراه على البغاء حرام أردن التحصن أم لم يردن، لكن كيف نُخرِّج هذا الشرط؟
* طالب: الغالب..
* الشيخ: بناءً على الغالب؛ يعني أن الله ينهى عن حالة معينة، كان الناس يفعلونها في الجاهلية، ولهذا لا يجوز ولا تمكينها من الزنا فضلًا عن الإكراه، حتى تمكينها من الزنا لا يجوز، لكن القضية يعني النهي وارد على قضية معينة، كانوا يفعلونها في الجاهلية، هذا على رأي من يرى أن هذا القيد يتنزّل على الغالب أو على الحال التي كانوا (...)، لكن فيه رأي ثانٍ.
* طالب: (...).
* الشيخ: إذن ويش الفائدة منه؟
* طالب: (...).
* الشيخ: يعني المبالغة؟
* طالب: (...).
* الشيخ: يعني المبالغة في تبكيتهم ولومهم وتوبيخهم، كيف أن هؤلاء الفتيات وهن مماليك يردن التحصن وأنتم تريدون عكسه؟
فيكون هذا مقصودًا به المبالغة في تبكيت هؤلاء الأسياد الذين يُكرهون الفتيات على البغاء مع أن المفروض أنهن لو أردن البغاء لكنتم تريدون التحصُّن لا التعفف.
والتخريج الثالث الذي مشى عليه المؤلف: أن صورة الإكراه لا يمكن أن تكون إلا إذا أردن التحصن، وقلنا: إن هذا غير صحيح، هذا لا يصح إطلاقًا؛ السبب؛ لأن صورة الإكراه تقع في غير هذه الإرادة؛ يعني يمكن يكرهها وهي ما تريد التحصن، لكن لا تريد هذا الشخص بعينه الذي أكرهها عليه، أو لا تريد أن يقع منها هذا الأمر في هذا الوقت، أو على هذه الحال، أو ما أشبه ذلك؛ يعني ليس امتناع الفتاة من الزنا ليس هو محصورًا في إرادة التحصن؛ إذ إنه يكون له أغراض أخرى.
فعلى كل حال رأي المؤلف رحمه الله ليس بصحيح؛ حيث زعم أن صورة الإكراه لا تتأتى إلا بهذه الإرادة، فيقال له: لا، تتأتى بهذه الإرادة وبإرادة أخرى غير ذلك، افرض أنها تريد أن تراغم السيد، ولَّا هي تريد الزنا، ولا تريد العفاف، لكن تريد أن تراغم السيد ولا توافقه بس، أليس هذا ممكنًا؟
وفي قوله تعالى: ﴿لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ إشارة إلى انحطاط رتبة من أراد ذلك، من أراد عرَض الدنيا، وهذا صحيح، وأظن مثله هنا.
اللام في قوله: ﴿لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ هل هي للتعليل أو للعاقبة؟ الظاهر أنها للتعليل، وأن الذين يكرهون فتياتهم على ذلك إنما يريدون عرض الحياة الدنيا؛ أي: متاعها، وسمي متاع الدنيا عرضًا؛ لأنه يزول، وهذا أمر واقع؛ فإن متاع الدنيا كما وصفه الله عز وجل: ﴿قَلِيلٌ﴾ [النساء ٧٧] فيزول عنك أو تزول عنه، إذن فهو عرض؛ يعني أمر عارض يزول.
وفي قوله تعالى: ﴿الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ إشارة إلى أن هناك حياة أخرى، وهي حياة الآخرة، والدنيا هل هي من الدنو المعنوي، أو من الدنوّ الزمني أو منهما جميعًا؟ منهما جميعًا، فهي من الدنوّ الزمني؛ لأنها سابقة على الآخرة، ومن الدنو المعنوي؛ لأنها أقل بكثير من الآخرة، ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [الأعلى ١٦، ١٧]، وأخبر النبي ﷺ: «أَنَّ مَوْضِعَ سَوْطِ أَحَدِنَا فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»[[أخرجه البخاري (٢٨٩٢) من حديث سهل بن سعد. ]]. موضع السوط يعني حوالي متر خير من الدنيا وما فيها، أي دنيا هي؟ هل هي دنياك التي تعيشها أنت أو كل الدنيا؟
كل الدنيا من أولها إلى آخرها، مهما طاب عيشها فموضع سوط أحدنا في الجنة خير منها وما فيها؛ إذن فهي دنيّة بالنسبة للمرتبة، إذن الدنيا زمن أيش بعد؟ ومعنى، أو إن شئت فقل: مرتبة وهو المعنى؛ فهذه هي الدنيا، كيف يريد الإنسان هذا العرَض الزائل من هذه الحياة الدنيا على حساب الحياة الآخرة؟!
لا شك أن هذا نقص في العقل، أو نقص في الإيمان، أما رجل مؤمن ما يمكن يفضل الدنيا على الآخرة إطلاقًا، ولهذا خطب أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله ذات يوم ووعظ الناس، وقال: أيها الناس، إن كنتم تُقرُّون بذلك -مع المخالفة يعني- فأنتم حمقى، وإن كنتم لا تُقرّون به فأنتم هلكى[[أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (٥ / ٢٨٩) بنحوه.]].
هذا صحيح ولَّا لا؟
يعني المخالف لشريعة الله بين أمرين: إما رجل لا يؤمن بالآخرة فهو هالِك، وإما رجل يؤمن بالآخرة وخالف فهو أحمق لا يعرف التصرف ولا يُحسن التصرف، فعلى كل حال ما يليق بالإنسان أن يبتغي عرَض الدنيا على حساب الآخرة.
ثم قال الله تعالى: (﴿وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ﴾ لهن ﴿رَحِيمٌ﴾ بهن) (نزلت في عبد الله بن أبي، كان يُكره جواريَه على الكسْب بالزنا).
يمكن هذا؛ أنها نزلت في عبد الله بن أبي أو في غيره، لكن ما ذكر المؤلف له سندًا، وهي ذُكرت ذكرها المفسرون بعضهم أنها نزلت في عبد الله بن أُبيّ، ولكن ينبغي أن نعرف أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
لكن نجد أيضًا الفائدة الثانية، أشار إليها بعض العلماء: أن العبرة بعموم اللفظ على الحالة التي نزلت أو التي ورد من أجلها العموم، ما هو بعمومه في كل الأحوال، عموم اللفظ بالنسبة لتقييدها بالشخص، لكن على الحالة التي ورد من أجلها هذا النص. فاهمين الفرق؟
يعني العبرة بعموم اللفظ لا في جميع الأحوال، بل بعموم اللفظ بالنسبة لتقييده بالشخص، فلا يختص بالشخص الذي ورد من أجله، بل يعمه وغيره على الحال التي وردت، مثال ذلك قول النبي ﷺ: «لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٩٤٦)، ومسلم (١١١٥ / ٩٢) من حديث جابر بن عبد الله.]]. لو أخذنا هذا على عمومه في الأشخاص والأحوال لكان الإنسان لا يصوم في السفر مطلقًا، وليس من البر أن يصوم، ولكننا لا نأخذه على عموم الأحوال، بل على عموم الأشخاص في مثل هذه الحال التي ورد من أجلها، وقد ورد الحديث حينما رأى النبي ﷺ زحامًا ورأى رجلا قد ظُلِّل عليه في السفر، فقال: «مَا هَذَا؟». قالوا: صائم. قال: «لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ». فإذا وصلت الحال بالصائم في سفره إلى مثل هذا الرجل قلنا له: «لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ». وما عدا ذلك فلا نقول: إنه ليس من البر؛ لأن النبي ﷺ كان يصوم في السفر[[أخرجه أحمد (٣٨١٣) من حديث عبد الله بن مسعود. ]]، ولا يصنع شيئًا ليس ببر، وكان أيضًا يقر أصحابه على أن يصوموا في السفر إذا لم يصلوا إلى حال هذا الرجل[[متفق عليه؛ البخاري (١٩٤٧)، ومسلم (١١١٨ / ٩٨) من حديث أنس ولفظه: كنا نسافر مع النبي ﷺ فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم. وغير ذلك من الأحاديث في هذا الباب.]]، طيب العبرة بعموم اللفظ: ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ﴾ هنا سواء عبد الله بن أبي وغيره.
وقوله: ﴿وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ﴿مَنْ يُكْرِهْهُنَّ﴾ ﴿مَنْ﴾ هذه شرطية، والشرط للعموم ولَّا لا؟
أسماء الشرط من صيغ العموم، كما أن أسماء الموصول من صيغ العموم كذلك أسماء الشرط؛ يعني أي إنسان يُكره فتاته ﴿فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
وفي قوله: ﴿مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ﴾ إشارة إلى أنه لا بد من تحقق الإكراه ﴿مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ﴾؛ يعني بعد التحقق من الإكراه، وألا يكون في قلبها أي ميل إلى ما أكرهها عليه، فإن الله من بعد هذا الإكراه غفور لمن؟ للمكرهَة لا للمُكرِه، المكرِه عاصٍ وليس أهلًا للمغفرة، ولهذا نقول: إن الجملة -جملة الشرط هنا: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ﴾ - لم تعد إلى ما يعود إليه فعل الشرط؛ لأن فعل الشرط ويش يعود عليه؟ على المكرِه ولَّا المكرَه؟
على المكرِه، من يُكرِه، لكن جواب الشرط لم يكن على المكرِه بل على المكرَه؛ وذلك للتلازم بين المكرِه والمكرَه؛ إذ لا مكرِه إلا بمكرَه؛ فلذلك صح أن يكون جواب الشرط ليس عائدًا إلى ما يعود عليه فعل الشرط، إنما هو عائد إلى شيء ملابس له وملازم له وهو المكرَه، جواب الشرط ذكرناه، وأظنه معروف لكم أن جواب الشرط يعود على أيش؟
* طلبة: المكره.
* الشيخ: لا، ما هو في الآية هذه، القاعدة العامة: أن جواب الشرط يعود على ما يعود عليه فعل الشرط، لكن ليس ذلك بلازم، بل قد يعود على مُلابسِه وملازمِه كما في هذه الآية، ولهذا نقول: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ﴾ لهن، لا غفور لهم؛ أي المكرهين، بل: لهن -أي للمكرهات- رحيم بهن.
وفي قوله: ﴿غَفُورٌ﴾ إشارة إلى أن هذا الذنب لا عقوبة فيه.
وفي قوله: ﴿رَحِيمٌ﴾ إشارة إلى أن الله سيجعل لهن فرجًا؛ لأن الرحمة بها حصول المطلوب وزوال المرهوب؛ لذلك نقول: إن في هذه الآية إشارة إلى الفرج لمن أُكره على فعل المحرم، وأن الله تعالى سيجعل له فرَجًا، ويؤيد ذلك قول النبي ﷺ: «وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا»[[أخرجه أحمد (٢٨٠٣)، وعبد بن حميد في المنتخب (٦٣٥) من حديث عبد الله بن عباس.]].
فإذا قال قائل: كثيرًا ما نسمع أن من الناس من أُكره على أمر محرم ولم يحصل له الفرج بسرعة.
فنقول: إن هذا لا ينافي الآية؛ إذ قد يكون من جملة الفرج أن الله يُهوِّن الأمر عليه في قلبه، ويكون التخلص الحسي من هذا الإكراه بعد ذلك بسبب من الأسباب فوق ما نعلمه.
* يستفاد من هذه الآية: أن المكره على فعل الشيء لا يلحقه إثمه، كذا ولَّا لا؟
أن المكره على الفعل لا يلحقه الإثم، ويكون في هذا رد على من فرَّق من أهل العلم بين الإكراه على القول والإكراه على الفعل، فإن من العلماء من فرَّق بين الإكراه على الفعل والإكراه على القول، وقال: إن الإكراه على القول لا يترتب عليه مقتضاه، والإكراه على الفعل يترتب عليه مقتضاه، ولكن الصحيح أنه لا فرق وأن كل من أُكره على قول أو فعل فإنه لا حُكم لفعله ولا لقوله؛ يدل على ذلك قوله تعالى مع هذه الآية: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النحل ١٠٦]، الآية الكريمة هذه: ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ﴾ على الكفر بالقول أو الكفر بالفعل أو بهما جميعًا؟
* طالب: بهما جميعًا.
* الشيخ: بهما جميعًا، ولم تخصص الآية القول، كذلك أيضًا هذا الذي معنا في هذه السورة إكراه البغاء فعل ولَّا قول؟
* طلبة: فعل.
* الشيخ: فعل، البغاء فعل.
فإن قال قائل: فماذا تصنعون فيما يذكر من حديث« صاحب الذباب: الذي مرّ على صنم هو وصاحب له، وقال أصحاب الصنم لأحدهما: قرِّب، قال: ما كنت لأقرب لأحد شيئًا دون الله عز وجل، فقتلوه، وقالوا للثاني: قرِّب ولو ذبابًا، فقرَّب ذبابًا، فلم يقتلوه»[[أخرجه ابن أبي شيبة (٣٣٥٨٣)، والبيهقي في شعب الإيمان (٦٩٦٢) من حديث سلمان الفارسي موقوفًا.]].
نقول في هذا: إن هذه القصة لا صحة لها، ثم لو فُرض أنها صحيحة عن بني إسرائيل فإن ديننا -ولله الحمد- قد وضع الله فيه من الآصار والأغلال التي كانت على بني إسرائيل ما أوجب أن يكون فيه السهولة واليسر، ولهذا كان من صفات الرسول ﷺ أنه: ﴿يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ [الأعراف ١٥٧]، فكثير من الآصار والأغلال التي كانت على الأمم السابقة رُفِعت عن هذه الأمة.
فعلى كل حال الآن نقول: في هذه الآية دلالة ظاهرة على أن الإكراه على الفعل لا حكم له، وأن المكرَه لا إثم عليه، وفيه رد صريح على من يفرّقون بين الإكراه على القول وعلى الفعل؛ لأننا لو سلّمنا جدلًا أن قوله تعالى في سورة النحل: ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ﴾ أن هذا خاص بالإكراه على القول لو سلمنا جدلًا مع أنّا ما نُسلّم، فإن هذه الآية ما يمكن فيها التأويل، ولا التفصيل؛ لأن القضية في فعل.
لو أُكرهت المرأة وهي صائمة على الجماع؟ زوجها جامعها وهي صائمة غصبًا عليها، ما أمكنها أن تتخلص، فما الحكم؟ لا شيء عليها، لا تفطر، ولا كفارة، وكذلك لو أكرهها على الجماع وهي في إحرامها؛ مُحرِمة، وكذلك أيضًا ليس عليها شيء لا بالنسبة للنسك ولا بالنسبة للفدية، وهذه قاعدة عامة قاعدة في الإسلام، قاعدة مقررة في الدين الإسلامي.
لكن لاحظوا أن في ﴿مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ﴾ قلنا: إشارة إلى أي شيء؟ إلى تحقق الإكراه، وإنه لو كان في المكرَه أدنى ميل فقد يتخلّف جواب الشرط، قد تتخلف المغفرة والرحمة إذا كان بعد ما أُكره مال إلى الشيء، فهذا يحصل فيه تخلف الشرط، ومن ثم زعم الفقهاء -رحمهم الله- أن الرجل لا يمكن أن يُكره على الزنا، وقالوا: إن الرجل إذا أُكره على الزنا وَجب عليه إقامة الحد، وإذا أُكره على الوطء في رمضان وجب عليه الكفارة والقضاء، وكذلك في النسك ويش السبب؟
قالوا: الإكراه في الجماع ما يمكن؛ لأنه ما هو فاعل إلا عن ميل، ما يفعل إلا بعد أن انتشار ذكره، ولا ينتشر ذكره إلا إذا مال، وعلى هذا فلا يتحقق الإكراه، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ﴾، لكن خصوصًا في الحد: «ادرؤُوا الحدُود بالشُّبهاتِ»[[أخرجه الترمذي (١٤٢٤) من حديث عائشة، بلفظ: «ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم».]]. هذا وإن كان فيه نظر، لكن على كل حال الإنسان إذا كان شابًّا وأُكره أن يزني بامرأة جميلة شابة..
أنا لا أعلم فيه خيرًا بالنسبة لنا نوافقك ولا نجبرك على الكتابة، لكن بالنسبة لله ينفعك إذا كنت تعلم أن فيه خيرًا وادعيت أنك لا تعلم فيه خيرًا؟ ما ينفعه. بالنسبة لله لا ينفعه، فعلى كل حال الأمر موكول إلى السيد في علم الخير وعدمه.
بالنسبة لنا أحكام الدنيا على الظاهر، إذا قال: ما أعلم بهذا العبد خيرًا، وأنا أعرف أني لو خليته يروح يَفسد ويُفسد. نقول: بالنسبة لنا ما نجبرك، الآن ما نجبرك ولا نقول: يجب عليك، لكن إذا كان الله يعلم أنك تعلم أن فيه خيرًا فإن دعواك هذه مردودة، ولا تُقبَل.
* * *
إذا كان شابًّا وأُكره أن يزني بامرأة جميلة شابة نعم، ربما مثلًا يعني يُلصَق بها إلصاقًا، فهذا ربما يقع منه (...) حقيقة أن الإنسان مع الكراهة الشديدة للشيء ما يمكن (...).
{"ayah":"وَلۡیَسۡتَعۡفِفِ ٱلَّذِینَ لَا یَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ یُغۡنِیَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَٱلَّذِینَ یَبۡتَغُونَ ٱلۡكِتَـٰبَ مِمَّا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡ فَكَاتِبُوهُمۡ إِنۡ عَلِمۡتُمۡ فِیهِمۡ خَیۡرࣰاۖ وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِیۤ ءَاتَىٰكُمۡۚ وَلَا تُكۡرِهُوا۟ فَتَیَـٰتِكُمۡ عَلَى ٱلۡبِغَاۤءِ إِنۡ أَرَدۡنَ تَحَصُّنࣰا لِّتَبۡتَغُوا۟ عَرَضَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۚ وَمَن یُكۡرِههُّنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِنۢ بَعۡدِ إِكۡرَ ٰهِهِنَّ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق