الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحًا حَتّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾ الآيَةَ.
أمَرَهم بِالتَّعَفُّفِ- عِنْدَ تَعَذُّرِ النِّكاحِ- عَمّا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعالى، وذَلِكَ عَلى الوُجُوبِ.
(p-٣١٤)وفِيهِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ إباحَةَ الِاسْتِمْتاعِ مَوْقُوفَةٌ عَلى النِّكاحِ. ولِذَلِكَ يَحْرُمُ ما عَداهُ، ولا يُفْهَمُ مِنهُ التَّحْرِيمُ بِمِلْكِ اليَمِينِ، لِأنَّ مَن لا يَقْدِرُ عَلى النِّكاحِ لِعَدَمِ المالِ لا يَقْدِرُ عَلى شِراءِ الحارِيَةِ غالِبًا.
وفِيهِ دَلِيلٌ عَلى بُطْلانِ نِكاحِ المُتْعَةِ، ودَلِيلٌ عَلى تَحْرِيمِ الِاسْتِمْناءِ.
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَكاتِبُوهم إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾: رُوِيَ عَنْ عَطاءٍ أنَّهُ قالَ: ما أراهُ إلّا واجِبًا، وهو قَوْلُ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ.
واعْلَمْ أنَّ إيجابَ ذَلِكَ لا مَحْمَلَ لَهُ إلّا التَّوْقِيفُ، وإلّا فَإجْبارُ المالِكِ عَلى إزالَةِ مِلْكِهِ لا وجْهَ لَهُ، ولا يَقْتَضِيهِ أصْلُ الشَّرْعِ وقِياسُهُ، لِأنَّ الكِتابَةَ بَعِيدَةٌ عَنْ قِياسِ الأُصُولِ، وتَقْتَضِي الأُصُولُ بُطْلانَها، فَيُشْبِهُ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ﴿فَكاتِبُوهم إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾، رُخْصَةً في الكِتابَةِ رَفْعًا لِلْحَرَجِ المُتَوَهَّمِ، مِثْلَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإذا حَلَلْتُمْ فاصْطادُوا﴾ [المائدة: ٢] .
ومِثْلَ قَوْلِهِ: ﴿فَإذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فانْتَشِرُوا في الأرْضِ وابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ﴾ [الجمعة: ١٠] .
وكُلُّ ذَلِكَ رَفْعٌ لِلْحَرَجِ.
وكَذَلِكَ، إذا قُلْنا الأصْلُ امْتِناعُ الكِتابَةِ، إلّا أنَّ الشَّرْعَ أرْخَصُ فِيها وجَوَّزَها بِطَرِيقِ الرُّخْصَةِ، فَمُطْلَقُ الأمْرِ فِيهِ لا يَظْهَرُ مِنهُ الوُجُوبُ.
(p-٣١٥)ولِأنَّ تَعْلِيقَها بِابْتِغاءِ العَبْدِ مِمّا يَدُلُّ عَلى أنَّها غَيْرُ واجِبَةٍ، ولَوْ وجَبَتْ لَوَجَبَتْ حَقًّا لِلشَّرْعِ، غَيْرَ مُتَعَلِّقَةٍ بِابْتِغاءِ العَبْدِ.
والَّذِي يُخالِفُ في ذَلِكَ ويَنْصُرُ مَذْهَبَ عَطاءٍ يَقُولُ: إنَّما احْتَمَلَ الشَّرْعُ مُخالَفَةَ قِياسِ القَواعِدِ ابْتِغاءَ تَحْصِيلِ العِتْقِ الَّذِي هو حَقُّ اللَّهِ تَعالى، والمَقْصُودُ بِهِ تَفْرِيغُ العَبْدِ بَحْرِيَّتِهِ لِطاعَةِ اللَّهِ تَعالى، بَعْدَ أنْ كانَ كَثِيرًا مِن أوْقاتِهِ لِغَيْرِ حَقِّ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ.
وإذا ثَبَتَ أنَّ الأمْرَ كَذَلِكَ، فَقَدْ وضَعَ اللَّهُ تَعالى ذَرِيعَةً لِتَحْصِيلِ هَذِهِ المَكْرُمَةِ شَرْعًا بِلَفْظِ الوُجُوبِ.
فَمُخالَفَةُ قِياسِ الأُصُولِ كانَتْ لِتَعْظِيمِ أمْرِ الحُرِّيَّةِ، فَمِن أيْنَ مَبْعَثُ الوُجُوبِ؟
نَعَمْ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإذا حَلَلْتُمْ فاصْطادُوا﴾ [المائدة: ٢]، و﴿فَإذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فانْتَشِرُوا﴾ [الجمعة: ١٠] . كُلُّ ذَلِكَ لِغَرَضٍ غَيْرِ غَرَضِ الشَّهادَةِ وغَيْرِ مَقْصُودِ الشَّرْعِ، وهاهُنا هَذا فِيهِ تَحْصِيلُ الحُرِّيَّةِ، فاحْتَمَلَ فِيهِ ما احْتَمَلَ مِن مُخالَفَةِ قِياسِ الأُصُولِ لِهَذا المَعْنى، حَتّى جُعِلَ لَهُ في الزَّكاةِ قِسْطٌ، ولَمْ يُجْعَلْ ذَلِكَ إلّا لِيُتَوَصَّلَ بِهِ إلى الحُرِّيَّةِ، وأوْجَبَ كَثِيرٌ مِنَ العُلَماءِ فِيهِ التَّأْجِيلَ إرْفاقًا بِالعَبْدِ، فَكانَ هَذا الإرْفاقُ مَقْصُودَ الشَّرْعِ بِلَفْظِ الأمْرِ الدّالِّ عَلى الوُجُوبِ، فَما الَّذِي مَنَعَ مِن وُجُوبِهِ؟
يَبْقى أنْ يُقالَ: ولَوْ كانَ واجِبًا لَما تَوَقَّفَ عَلى ابْتِغاءِ العَبْدِ.
قالُوا: إذا لَمْ يَتَمَكَّنِ العَبْدُ، فَإجْبارُهُ عَلى الإضْرارِ بِنَفْسِهِ لا وجْهَ لَهُ، وإنْ كانَ العَبْدُ قادِرًا عَلى الِاكْتِسابِ فَلا شَكَّ في أنَّهُ لا يُقَصِّرُ في حَقِّ نَفْسِهِ في سَعْيِ الكِتابَةِ، فَبَنى الشَّرْعُ عَلى الغالِبِ ونَظِيرُهُ أنَّ الشَّرْعَ أوْجَبَ الطَّهارَةَ (p-٣١٦)لِدُخُولِها في مَحاسِنِ الأخْلاقِ، وتَحْقِيقًا لِمَقْصُودِ النَّظافَةِ والوَضاءَةِ وإحْياءً لِمَراسِمِ العِبادَةِ، وعَلِمَ الشَّرْعُ أنَّ إيجابَها عِنْدَ تَغْيِيرِ الأكْوانِ يَجُرُّ حَرَجًا، فَوَضَعَ مَراسِمَ تَفِي بِالمَقْصُودِكَذَلِكَ هاهُنا.
وهَذا الَّذِي ذَكَرُوهُ لا وجْهَ لَهُ، فَإنَّ التَّرْغِيبَ فِيهِ لِيُزِيلَ عَنِ القُلُوبِ ما فِيها مِن مُنافاةِ قِياسِ الأُصُولِ، ولَوْ وجَبَتِ الكِتابَةُ لَوَجَبَتْ لِمَقْصُودِها، وهو العِتْقُ، كالطِّهارَةِ لَمّا وجَبَتْ وجَبَتْ لِلصَّلاةِ، والعِتْقُ لا يَجِبُ بِالإجْماعِ، ولا يَتَحَتَّمُ بِالِاتِّفاقِ.
وقَوْلُهم إنَّها أوْجَبَتْ ذَرِيعَةً فَضَرْبٌ مِنَ الهَذَيانِ. فَإنَّ السَّيِّدَ قادِرٌ عَلى اسْتِكْسابِ العَبْدِ دُونَ الكِتابَةِ، فَلَيْسَ يَتَجَدَّدُ لَهُ بِالكِتابَةِ حَقٌّ.
وفِيهِ إزالَةُ مِلْكِهِ مِن غَيْرِ أنْ يَحْصُلَ عَلى مُقابِلٍ لَهُ، فَهَذا تَمامُ ما يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلى نَفْسِ الوُجُوبِ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وآتُوهم مِن مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ﴾ الآيَةَ.
قالَ الشّافِعِيُّ: ثُمَّ أُمِرَ مَن يُكاتِبُ بِالإيتاءِ، ولا يُتَصَوَّرُ هَذا الإيتاءُ إلّا مِن جِهَةِ حَطِّ شَيْءٍ، ولا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلى الزَّكاةِ فَإنَّ السَّيِّدَ لا يَجِبُ عَلَيْهِ أنْ يُفَرِّقَ الزَّكاةَ إلى عَبْدِهِ إجْماعًا.
ولا شَكَّ أنَّ ظاهِرَ اللَّفْظِ لا يَقْتَضِي الحَطَّ، لِأنَّهُ لَيْسَ بِإيتاءٍ لِلْمالِ، وإنَّما يَدُلُّ عَلَيْهِ مِن حَيْثُ المَعْنى، لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿مِن مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ﴾، لا بُدَّ أنْ يُحْمَلَ عَلى مِلْكٍ تَجَدَّدَ بَعْدَ الكِتابَةِ، وصارَ مالًا مُسْتَحَقًّا لِلسَّيِّدِ، فَمِن هَذا الوَجْهِ حَسُنَ إطْلاقُ هَذا اللَّفْظِ عَلَيْهِ.
(p-٣١٧)وقالَ إسْماعِيلُ بْنُ إسْحاقَ في الرَّدِّ عَلى الشّافِعِيِّ: كَيْفَ تَكُونُ الكِتابَةُ نَدْبًا والإيتاءُ واجِبًا؟ وإذا تَبَرَّعَ بِهِ لَزِمَهُ أحْكامُهُ وتَوابِعُهُ والقَضايا المُتَعَلِّقَةُ بِهِ؟ ومَعْلُومٌ أنَّ النِّكاحَ غَيْرُ واجِبٍ، وإذا نَكَحَ وجَبَ فِيهِ أحْكامٌ لَها، وإذا طَلَّقَ فَلَها المُتْعَةُ واجِبَةً عَلى الزَّوْجِ.
ومِمّا ذُكِرَ أنَّ إطْلاقَ مالِ اللَّهِ تَعالى لا يَقْتَضِي إلّا الزَّكاةَ، ومالُ اللَّهِ تَعالى في عُرْفِ الشَّرْعِ لا يُفْهَمُ مِنهُ إلّا الزَّكاةُ، وما عَداهُ لا يُضافُ إلى اللَّهِ تَعالى بِحُكْمِ الإطْلاقِ، وقَدْ قَسَّمَ اللَّهُ تَعالى الحُقُوقَ إلى ما يُضافُ إلى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، وإلى ما يُضافُ إلى الآدَمِيِّ، وإنْ كانَ الكُلُّ حَقًّا لِلَّهِ تَعالى.
والجَوابُ أنَّ هَذا لَمّا وجَبَ بِحَقِّ اللَّهِ تَعالى، ولِغَرَضِ الحُرِّيَّةِ، حَسُنَ أنْ يُقالَ: مالُ اللَّهِ تَعالى، لِأنَّهُ قُصِدَ بِهِ وجْهُ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ وتَحْصِيلُ ثَوابِهِ.
ورُبَّما قالُوا: إنَّ السَّيِّدَ لا يَسْتَحِقُّ عَلى المُكاتَبِ مالًا، حَتّى يَصِحَّ أنْ يُقالَ في الحَطِّ، إنَّهُ مالٌ آتاهُ السَّيِّدُ، إنَّما كانَ مُسْتَحِقًّا لَهُ، فَأمّا ما لَيْسَ مُسْتَحِقًّا لَهُ فَلا يُقالُ فِيهِ تَوَهَّمَ ما يَمْلِكُهُ ويَسْتَحِقُّهُ، فَإذا لَمْ يَكُنْ دَيْنُ المُكاتَبِ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ، فَمِن أيِّ وجْهٍ يُوصَفُ السَّيِّدُ بِأنَّهُ آتاهُ مالًا، وما آتاهُ شَيْئًا مَلَكَهُ، ولا شَيْئًا اسْتَحَقَّهُ.
ويُجابُ عَنْهُ بِأنَّهُ يَجُوزُ أنْ يُطْلَقَ ذَلِكَ، إذا كانَ المالُ يَنْساقُ إلَيْهِ، فَكَأنَّهُ آتاهُ مالَهُ مِن حَيْثُ إنَّهُ يَنْساقُ إلَيْهِ.
وبِالجُمْلَةِ، قَوْلُهُ: ﴿وآتُوهم مِن مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ﴾، مَجازٌ في الحَطِّ مِن وُجُوهٍ بَيِّنَةٍ وحَقِيقَةٍ في الزَّكاةِ، وقَوْلُهُ: ﴿فَكاتِبُوهم إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وآتُوهُمْ﴾، حَقِيقَةُ أنَّهُ خِطابٌ لِلسّادَةِ الَّذِينَ يُكاتِبُونَ، مَعَ أنَّهُ يَجُوزُ أنْ يُحْمَلَ عَلى وجْهٍ آخَرَ بِطَرِيقِ المَجازِ، فَلَمْ يُسَلَّمْ كُلُّ واحِدٍ مِنَ المَحْمِلَيْنِ عَلى مَجازٍ، فَإنْ كانَ كَذَلِكَ، فَلا يَظْهَرُ مَذْهَبُ الشّافِعِيِّ مِن حَيْثُ التَّعَلُّقُ بِالظّاهِرِ، ويَتَّجِهُ لِلشّافِعِيِّ أنْ يَقُولَ: إيتاءُ المُكاتَبِ (p-٣١٨)الصَّدَقاتِ فُهِمَ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وفِي الرِّقابِ﴾ [التوبة: ٦٠]، فَهَذا لا بُدَّ أنْ يَكُونَ لَهُ فائِدَةٌ زائِدَةٌ، تَشْهَدُ لَهُ أنَّ ما آتاهُ الواحِدُ مِنّا، يَجِبُ أنْ يَكُونَ عَلى وجْهٍ إذا حَصَلَ عِنْدَ المُعْطى يَتَصَرَّفُ فِيهِ، ولَمْ يَحْصُلْ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ بَدَلًا يَسْتَحِقُّ الصِّفَةَ بِأنَّهُ مِن مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاهُ إيّاهُ، ولَوْ كانَ الإيتاءُ واجِبًا، لَكانَ وُجُوبُهُ مُتَعَلِّقًا بِالعَبْدِ، ويَكُونُ العَبْدُ هو المُوجِبَ وهو المُسْقِطَ وذَلِكَ مُسْتَحِيلٌ، لِأنَّهُ إذا كانَ العَبْدُ يُوجِبُهُ وهو بِعَيْنِهِ يُسْقِطُهُ، اسْتَحالَ وُجُوبُهُ، لِتَنافِي الإيجابِ والإسْقاطِ.
وبِالجُمْلَةِ، ما صارَ مُسْتَحِقَّ الإسْقاطِ فَحُكْمُهُ أنْ يَسْقُطَ، ولا نَعْرِفُ في مَسائِلِ الشَّرْعِ مَسْألَةً أعْوَصَ عَلى أصْحابِ الشّافِعِيِّ مِن مَسْألَةِ الإيتاءِ، ولا مُعْتَمَدَ لَهم فِيها إلّا آثارُ الصَّحابَةِ، وهي مُعْتَمَدَةٌ قَوِيَّةٌ ذَكَرْناها في كِتابِ المُصَنَّفِ في الرِّواياتِ.
واعْلَمْ أنَّ الكِتابَةَ مِنَ الأسْماءِ الشَّرْعِيَّةِ، فَإنَّها عَلى الوَجْهِ الَّذِي ثَبَتَ في الشَّرِيعَةِ لَمْ تَكُنْ مَعْلُومَةً، فَحَلَّ ذَلِكَ مَحَلَّ الصَّلاةِ والصِّيامِ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ، فَمِنهم مَن قالَ: يُعْقَلُ مِن ظاهِرِها التَّأْجِيلُ: إذا لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِيها لَمْ تَكُنْ كِتابَةً.
وقالَ بَعْضُهم: بَلْ لا يُعْقَلُ ذَلِكَ مِنَ الظّاهِرِ، وهَذا أظْهَرُ، فَإنَّ الشَّيْءَ قَدْ يُكْتَبُ ولا تَأْجِيلَ فِيهِ، كَما قَدْ يُكْتَبُ وهُناكَ تَأْجِيلٌ، فالظّاهِرُ لا يَدُلُّ عَلى ذَلِكَ، وقَوْلُ مَن يَقُولُ إنَّها تَجُوزُ حالَّةً، وقَوْلُ مَن يَقُولُ لا تَجُوزُ إلّا مُؤَجَّلَةً أوْ مُنَجَّمَةً مَوْقُوفٌ عَلى الدَّلِيلِ، لِأنَّ الظّاهِرَ لا يَشْهَدُ بِأحَدِ هَذِهِ الوُجُوهِ.
(p-٣١٩)واخْتَلَفُوا في صُورَةِ الكِتابَةِ، فَقالَ بَعْضُهم: يَكْفِي أنْ يُكاتِبَهُ عَلى دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ فَيُعْتَقُ بِالأداءِ في وقْتِهِ.
وقالَ بَعْضُهم: بَلْ لا بُدَّ أنْ يَقُولَ: فَإذا أدَّيْتَهُ إلَيَّ فَأنْتَ حُرٌّ، لِيَجْمَعَ بَيْنَ العَقْدِ وبَيْنَ تَعْلِيقِ الحُرِّيَّةِ بِالصِّفَةِ، لِأنَّ عِنْدَهُ أنَّ العَقْدَ بَيْنَهُ وبَيْنَ السَّيِّدِ لا يَصِحُّ، فَتَحْرِيرُهُ لَهُ تَعَلَّقَ بِصِفَةٍ تَصِحُّ، فَلا بُدَّ مِن ضَمِّ ذَلِكَ إلَيْهِ.
ولَمْ يَخْتَلِفُوا في أنَّ ذَلِكَ رُخْصَةٌ، لِأنّا لَوْ خَلَّيْنا العَقْلَ، لَكانَ يَبْطُلُ، لِأنَّهُ أزالَ مِلْكَهُ بِمَلْكِهِ، إذِ الَّذِي تَحَصَّلَ في يَدِهِ مِلْكٌ لِلْمَوْلى، لَكِنَّهُ بِعَقْدِ الكِتابَةِ جُعِلَ لِما يَحْتَوِي عَلَيْهِ حُكْمٌ مَخْصُوصٌ، لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ المِلْكِ، ولا وقَفَ عَلى الحَدِّ الَّذِي كانَ وهو رَقِيقٌ خالِصٌ.
وأحْكامُ الكِتابَةِ مُبَيَّنَةٌ في مَسائِلِ الفِقْهِ.
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولا تُكْرِهُوا فَتَياتِكم عَلى البِغاءِ إنْ أرَدْنَ تَحَصُّنًا﴾ الآيَةَ.
رُوِيَ عَنْ جابِرٍ في سَبَبِ نُزُولِ الآيَةِ، أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ كانَتْ لَهُ جارِيَةٌ يُكْرِهُها عَلى الزِّنا.
والعِبْرَةُ بِمُطْلَقِ اللَّفْظِ، فَتَدُلُّ الآيَةُ بِمُطْلَقِها عَلى تَحْرِيمِ الإكْراهِ عَلى الزِّنا، وعَلى تَحْرِيمِ أخْذِ البَدَلِ، وهو المُرادُ بِنَهْيِهِ ﷺ عَنْ مَهْرِ البَغِيِّ، وتَدُلُّ عَلى أنَّ الإكْراهَ يَصِحُّ في الزِّنا فِيما يُحْصِنُها، لِأنَّهُ مَفْعُولٌ فِيها، فَعَلى كُلِّ الأقاوِيلِ يَجُوزُ أنْ تُكْرَهَ عَلَيْهِ، ويَدُلُّ عَلى أنَّها إذا أُكْرِهَتْ فَلا إثْمَ عَلَيْها، فَإنَّ اللَّهَ تَعالى قالَ: ﴿فَإنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ الآيَةَ.
(p-٣٢٠)فَإنْ قِيلَ: فَإذا لَمْ يَكُنْ عَلَيْها إثْمٌ لِمَكانِ الإكْراهِ، فَما الَّذِي يُغْفَرُ؟ فَجَوابُها أنْ يَقُولَ: لَمّا كانَ لَوْلا الإكْراهُ لَكانَ عَلَيْها إثْمٌ في ذَلِكَ، زالَ الإثْمُ لِمَكانِ الإكْراهِ، وبَيَّنَ أنَّ دُخُولَ الإكْراهِ فِيهِ هو الَّذِي أزالَ عِقابَهُ، ولِذَلِكَ ألْحَقَهُ بِبابِ ما يُغْفَرُ، وهَذا كَما قالَ اللَّهُ سُبْحانَهُ في تَناوُلِ المَيْتَةِ بِلا إثْمٍ لِلْمُضْطَرِّ: ﴿فَإنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأنعام: ١٤٥] .
﴿إنْ أرَدْنَ تَحَصُّنًا﴾: إنَّما ذَكَرَ تَصْوِيرَ الإكْراهِ، لِأنَّ الإكْراهَ لا يُتَصَوَّرُ إلّا مَعَ بَذْلِها نَفْسَها، فَذِكْرُ إرادَةِ التَّحَصُّنِ تَصْوِيرُ الإكْراهِ.
{"ayah":"وَلۡیَسۡتَعۡفِفِ ٱلَّذِینَ لَا یَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ یُغۡنِیَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَٱلَّذِینَ یَبۡتَغُونَ ٱلۡكِتَـٰبَ مِمَّا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡ فَكَاتِبُوهُمۡ إِنۡ عَلِمۡتُمۡ فِیهِمۡ خَیۡرࣰاۖ وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِیۤ ءَاتَىٰكُمۡۚ وَلَا تُكۡرِهُوا۟ فَتَیَـٰتِكُمۡ عَلَى ٱلۡبِغَاۤءِ إِنۡ أَرَدۡنَ تَحَصُّنࣰا لِّتَبۡتَغُوا۟ عَرَضَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۚ وَمَن یُكۡرِههُّنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِنۢ بَعۡدِ إِكۡرَ ٰهِهِنَّ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











