الباحث القرآني
﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا﴾ أي: وليطلب العفّة عن الزنا والحرام من لا يجد ما [[في (ظ): (مالاً).]] ينكح به من صداق ونفقة.
والمعنى: الذين لا يجدون طول [[في (ع): (طولًا).]] نكاح وقدرة نكاح فحذف المضاف.
وقال صاحب النظم: النكاح هاهنا: الشيء الذي ينكح به من مهر ونفقة وما لا بد للرجل والمرأة منه إذا تناكحا، وهو مثل قولهم لما يلتحف به: لحاف، ولما يرتدي به: رداء، ولما يلبس: لباس، فكذلك [[في (ظ): (وكذلك).]] النكاح: هو ما ينكح به مما لا بدّ للمنكوحة به مما لا بدّ للمنكوحة منه [[ذكر القرطبي 12/ 243 هذا القول ونسبه لجماعة من المفسرين ولم يذكرهم، ثم قال: وحملهم على هذا قوله تعالى: ﴿حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ فظنّوا أنَّ المأمور بالاستعفاف إنَّما هو من عدم المال الذي يتزوج به. وفي هذا القول تخصيص المأمورين بالاستعفاف، وذلك ضعيف، بل الأمر بالاستعفاف متوجه لكل من تعذر عليه النكاح بأي وجه تعذّر.]].
وعلى هذا إن صحّ فلا حذف في الآية.
وقوله ﴿حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ أي يوسّع عليهم من رزقه.
وقال ابن عباس: يريد بالحلال عن الحرام.
وجملة القول في هذا أنّ من استغنى عن النكاح بعزوف نفسه عن التوقان إليه فالأولى به التفرد والتخلي لعبادة [[في (أ)، (ع): (بعبادة).]] الله [[في (ظ): (ربّه).]] ليكون ممن يغبط بخفّة الحاذ [[في (أ)، (ظ): (الحاء) مهملة. والحاذ: الحال. "لسان العرب" 3/ 487 (حوذ).]] [[يشير بذلك إلى الحديث الذي رواه الترمذي في "جامعه" كتاب: الزهد- باب: ما جاء في الكفاف والصبر عليه 7/ 12، وابن ماجه في "سننه" (أبواب: الزهد- باب: من لا يؤبه له 2/ 410، من حديث أبي أمامة -رضي الله عنه-، عن النبي -ﷺ- قال: "إنَّ أغبط أوليائي عندي لمؤمن خفيف الحاذّ .. " الحديث.
وليس فيه تفسير خفيف الحاذّ.
وهذا الحديث قال عنه الحاكم بعد إخراجه: هذا إسناد للشاميين صحيح عندهم ولم يخرجاه، فتعقَّب الذهبيُّ الحاكم بقوله: قلت: لا، بل إلى الضعف هو.]]؛ فإن النبي -ﷺ- فسر خفيف الحاذّ بالذي لا أهل له ولا ولد [[روى ابن عدي في "الكامل في الضعفاء" 3/ 1037، والخطيب البغدادي في == "تاريخ بغداد" 6/ 198، 11/ 225 كلهم من طريق رواد بن الجراح، عن سفيان، عن منصور، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة قال: قال رسول الله -ﷺ-: "خيركم في المائتين كل خفيف الحاذ".
قالوا: يا رسول الله وما الخفيف الحاذ؟ قال: "الذي لا أهل له ولا ولد".
قال الحافظ العراقي في كتابه "المغني عن حمل الأسفار" 2/ 24: حديث: خيركم في المائتين .. أخرجه أبو يعلى من حديث حذيفة، ورواه الخطابي في العزلة من حديثه وحديث أبي أمامة، وكلاهما ضعيف.]].
ومن تاقت نفسه إلى النكاح ووجد الطول فالمستحب له والمندوب إليه أن يتزوّج لقوله تعالى ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾ الآية.
وإن لم يجد الطول فعليه بالصيام والاستعفاف ما أمكن.
وقوله ﴿وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ﴾ أي يطلبون المكاتبة [[ابن أبي حاتم 7/ 40 أعن سعيد بن جبير.]] ﴿مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ أي من عبيدكم ومماليككم.
و (ما) هاهنا بمعنى: من، والكتاب مصدر كالمكاتبة يقال: كاتب الرجل عبده أو أمته مكاتبةً وكتابًا فهو مكاتب. والعبد مكاتب، وهو أن يقول الرجل: كاتبتك على أن تعطيني كذا وكذا في نجوم [[نجوم: جمع نجم: وهو الوقت المضروب. ونجوم الكتابة: هو أن يُقدر العطاء في أوقات معلومة. وأصله أن العرب كانت تجعل مطالع منازل القمر ومساقطها مواقيت حلول دينها وغيرها، فتقول إذا طلع النجم: حلّ عليك مالي أي الثريا وكذلك باقي المنازل.
انظر: "لسان العرب" 1/ 700 (نجم)، "القاموس المحيط" 4/ 179.]] معلومة، فإذا أدّى ذلك فالعبد حرّ [[انظر: (كتب) في "تهذيب اللغة" للأزهري 10/ 150، "الصحاح" للجوهري 1/ 209، "لسان العرب" 1/ 700.]].
قال الأزهري: وسُمّي مكاتبة لما يكتب للعبد [[في (ظ): (العبد).]] على السيد من العتق إذا أدّى ما تراضيا عليه من المال، وما يكتب [[في "تهذيب اللغة": ولما يكتب.]] للسيد [[في (ظ): (السيّد).]] على العبد من النجوم التي [[في (أ)، (ع): (الذي)، والمثبت من (ظ) و"تهذيب اللغة".]] يؤديها.
وقال صاحب النظم: قد [["تهذيب اللغة" للأزهري 10/ 150 (كتب).]] وضع الناس موضع الكتاب من المكاتبة: الكتابة. والكتابة إنّما هي مصدر من كتبت [[في (ع): (من).]] الكتاب، ولا يقال من المكاتبة إلَّا الكتاب كما في الآية، والمكاتبة مأخوذة من كتبت [[في (أ) (كتب) في الموضعين.]] الشيء إلي الشيء إذا ضممته إليه ليجتمع، وإنَّما قيل كاتب الرجل عبده، لأنَّ معناه فعل منهما جميعًا، فالعبد يجمع نجومه إلى مولاه يضم بعضها إلى بعض إلى أن يجتمع ما هو شرط [[(شرط): ساقطة من (ظ).]] عتقه، والمولى يضم ما يؤديه إليه عبده ليجتمع كمال الشرط لعتق العبد [[انظر: "جمهرة اللغة" لابن دريد 1/ 196 - 197، "لسان العرب" 1/ 700 (كتب).]].
وهذه الآية دليل على أصل عقد الكتابة وهو عقد من عقود الإسلام، وشرطه أن يقول السيد كاتبتك على كذا وكذا على أنك إذا أدّيت هذا المال فأنت حر، أو ينوي الحرية بقلبه إن لم يذكرها بلسانه [[هذا قول الشافعي. == وقال أبو حنيفة -وهو أحد الوجهين عند الحنابلة-: إذا كاتب عبده على أنجم معلومة، صحَّت الكتابة وعتق بأدائها، سواء نوى بالكتابة الحرّية أو لم ينو، وسواء قال: فإذا أدَّيت إلىّ فأنت حر، أو لم يقل، لأن الكتابة عقد وضع للعتق فلم يحتج إلى لفظ العتق ولا نيته كالتدبير.
انظر: "أحكام القرآن" للجصَّاص 3/ 325، "المغني" 14/ 451 - 452، "روضة الطالبين" 12/ 29، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 12/ 253.]]. ولا بدّ من التنجيم، وأقلّه نجمان فصاعدًا، ولا تصح حالّه لأنها حينئذ تخلوا من التنجيم [[انظر: "الحاوي" 18/ 146 - 149، "المغني" 14/ 449 - 450، "روضة الطالبين" 2/ 212.]].
وقال أبو حنيفة: تصح حالّه، ولم يشترط التنجيم [[انظر: "أحكام القرآن" للجصَّاص 3/ 324 - 325، "بدائع الصنائع" 4/ 140، "تبيين الحقائق" 5/ 150، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 12/ 247.]]. والآية دليل
قال صاحب النظم: ذكرنا أن أصل الكتاب من الكتب بمعنى الجمع والضم، وأقلّ ما يقع عليه الضمّ والجمع نجمان فصاعدًا، ولا يقع على نجم واحد لأنه لا يقال فيه جمعته، ويقال في النجمين جمعت نجمًا إلى نجم، فإذا لم يكن في شرط المكاتبة ما أقله نجماه لم يقع عليه معنى الكتابة، إذ ليس فيه معنى جمع ولا ضم. وإلى هذا ذهب الشافعي رحمه الله عليه فلم يجز الكتاب على أقل من نجمين. انتهى كلامه.
ودلت الآية أيضًا على أنَّه إنما يصح كتابة العبد البالغ العاقل، ولا تصح كتابة المجنون والصبي [[انظر: "الحاوي" 18/ 143، "المغني" 14/ 444، "روضة الطالبين" 12/ 226.]].
وعند أبي حنيفة تصح كتابة العبد إذا كان مراهقًا مميزًا [[انظر: "بدائع الصنائع" 4/ 137، "تبيين الحقائق" 5/ 150.]].
قال الشافعي: والابتغاء لا يكون من الأطفال والمجانين [[انظر: "الأم" 7/ 363، 367، "الحاوي" 18/ 143.]].
يعني أن الله تعالى قال في ﴿وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ﴾ وهذان ليسا من أهل الابتغاء.
وقوله: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ﴾ أمر ندب واستحباب في قول الجمهور [[انظر: الثعلبي 3/ 81 أ، الطبري 18/ 127، الرازي 23/ 217.]].
وقال قوم: إنّه أمر إيجاب فإذا سأل العبد الذي علم منه خيرًا أن يكاتبه على ما هو قيمته أو أكثر لزمه ذلك. وهو قول عمرو [[في (أ): (عمر)، وهو خطأ.]] بن دينار وعطاء، ورواية العوفي عن ابن عباس، وإليه [[في (أ): (وأهل)، وهو خطأ.]] ذهب أهل الظاهر [[ذكره عن هؤلاء جميعا: الثعلبي 3/ 81 أإلا أنه قال: وإليه ذهب داود بن علي. وهو داود الظاهري.
وقد رواه عن عمرو بن دينار وعطاء: عبد الرزاق في "مصنفه" 8/ 370، والطبري 14/ 126، والبيهقي في "السنن الكبرى" 10/ 319.
ورواية العوفي عن ابن عباس عند الطبري 18/ 128.
وانظر: "المغني" 14/ 442، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 12/ 245.]].
وقوله: ﴿إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد قوة على الكسب وأداء للمال [[في (أ): (المال).]] [[روى البيهقي في "سننه" 10/ 317 عن يزيد بن أبي حبيب أن عبد الله بن عباس كان يقول "فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرًا" إن علمت أن مكاتبك يقضيك. وروى أيضًا == 10/ 317 من طريق الضحاك عن ابن عباس في قوله "فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرًا" قال: أمانة ووفاء.
وروى الطبري 18/ 127، وابن أبي حاتم 7/ 40 أ، والبيهقي 10/ 317 من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: إن علمتم لهم حيلة ولا تلقون مؤونتهم على المسلمين.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 191 وزاد نسبته لابن المنذر.]].
وهذا اختيار الشافعي -رضي الله عنه- فإنه قال: أظهر معاني الخير هذه الآية الاكتساب مع الأمانة [[قوله في "الأم" 7/ 363، و"السنن الكبرى" للبيهقي 10/ 318، و"الحاوي الكبير" للماوردي 18/ 144.]].
وكثير من المفسرين ذهب إلى أن المراد بالخير هاهنا المال.
وهو قول مجاهد [[رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 7/ 201 - 202، وعبد الرزاق في "مصنفه" 8/ 370، والطبري 18/ 128. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 190 ونسبه أيضًا لعبد بن حميد.]]، وعطاء [[رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 7/ 202، وعبد الرزاق في "مصنفه" 8/ 370، والطبري 18/ 129، والبيهقي في "السنن الكبرى" 10/ 318.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 190 ونسبه أيضًا لعبد بن حميد وابن المنذر.]]، والضحاك [[رواه سعيد بن منصور 159 ب عنه من رواية جويبر.]]، وطاووس [[في (أ): (الطاووس).
وقول طاووس رواه عنه سعيد بن منصور (ل 159 ب)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" 7/ 201، والطبري 18/ 128، وابن أبي حاتم 7/ 40 ب، والبيهقي في "السنن الكبرى" 10/ 318.]]، والمُقاتلين [[قول مقاتل بن حيان ذكره عنه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 7/ 40 ب. وقول مقاتل بن سليمان في "تفسيره" 2/ 38 أ.]].
وهو رواية العوفي عن ابن عباس [[ذكره الثعلبي 3/ 81 أعنه من رواية العوفي. وقد رواها من هذا الوجه الطبري 18/ 128.]].
وروى ابن جريج [[في (ع): (ابن أبي نجيح)، وهو خطأ.]]، عن عطاء، عن ابن عباس في هذه الآية قال الخير: المال [[رواه ابن أبي حاتم 7/ 40 ب، والبيهقي في "السنن الكبرى" 10/ 318 كلاهما من رواية ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، به.]].
روى [[في (ظ)، (ع): (لما روى).]] هشيم، عن يونس قال: كنّا عند الحسن، وأخوه سعيد [[هو: سعيد بن أبي الحسن يسار، البصري، أخو الحسن البصري. تابعي ثقة.
روى عن أمه، وأبي هريرة، وعنه أخوه وسليمان التيمي. وكان يسمى راهبًا لدينه. وهو أصغر من الحسن وتوفي قبله سنة 100 هـ؛ ولما توفي حزن عليه الحسن حزنًا شديدًا وبكى.
"طبقات ابن سعد" 7/ 178، "سير أعلام النبلاء" 4/ 588، "تهذيب التهذيب" 4/ 16، "تقريب التهذيب" 1/ 293.]] عنده فتذاكرنا هذه الآية، فقال سعيد: إن كان عنده مال فكاتبه، وإن لم يكن عنده مال فلا تعلقه صحيفة يغدو بها على الناس ويروح، فيسألهم فيحرجهم ويؤثمهم [[رواه سعيد بن منصور في "تفسيره" (ل 159 ب) عن هشيم، عن يونس، به.]].
وروي أن عبدًا لسلمان قال له: كاتبني. قال له [[(له): ساقطة من (ظ)، (ع).]]: لك مال؟ قال: لا قال: تطعمني أوساخ الناس. فأبى عليه [[رواه عبد الرزاق في "مصنفه" 8/ 374، والبيهقي في "السنن الكبرى" 10/ 319، == والثعلبي في "الكشف والبيان" 3/ 81 أكلهم من طريق أبي ليلى الكندي قال: أتى سلمان غلام له .. فذكره. وسند عبد الرزاق صحيح.]].
والأظهر هو القول الأول؛ لأنَّه لو كان المراد بالخير المال لقيل: إن علمتم لهم [[(لهم): ساقطة من (ظ).]] خيرًا وهذا الاعتراض يحكى عن الخليل [[حكاه عنه الثعلبي 3/ 81 أ.]] فلما قيل ﴿فِيهِمْ خَيْرًا﴾ كان الأظهر الاكتساب والوفاء والأداء والأمانة.
وهذا أيضًا قول ابن عمر وابن زيد ومالك بن أنس [[ذكره عنهم جميعًا الثعلبي 3/ 81 أ.
ورواه عن ابن عمر بمعناه الطبري 18/ 127، والبيهقي في "السنن الكبرى" 10/ 318 وقول ابن زيد ومالك رواه عنهما الطبري 18/ 127.]]، واختيار الفراء وأبي إسحاق.
قال الفراء: يقول وإن رجوتم [[في (ظ): (دعوتم)، وهو خطأ.]] عندهم وفاء وتأدية للكتابة [["معاني القرآن" للفراء 2/ 215.]].
وقال أبو إسحاق: إن علمتم أنّهم يكسبون [[في المطبوع من المعاني: (يكتبون)، وهو خطأ.]] ما يؤدونه [["معاني القرآن" للزَّجاج 4/ 40.]].
وقول من فسر الخير بالمال الوجه أن يحمل ذلك على الكسب والمكتسب كذي المال من حيث أنه يقدر على المال [إذا شاء] [[ساقط من (أ).]].
وقال الحسن وأبو صالح في قوله (خَيْرًا) [[في (ظ)، (ع): زيادة "قال" بعد قوله (خيرا).]]: أداء وأمانة [[رواه عن الحسن: عبد الرزاق في "مصنفه" 8/ 371، وسعيد بن منصور في == "تفسيره" ل 159 ب، والطبري 18/ 208، والبيهقي في "السنن الكبرى" 10/ 318. وعن أبي صالح: رواه الطبري 18/ 128، وابن أبي حاتم 7/ 40 ب، والبيهقي 10/ 318.]].
وقال عبيدة: وفاء وصدقا [[ذكره عنه الثعلبي 3/ 81 ب.
وروى عبد الرزاق في "مصنفه" 8/ 370، وابن أبي حاتم 7/ 40 أعنه قال: إن علمتم عندهم أمانة.]]. وروى ابن سيرين، عنه قال: إذا أقاموا الصلاة [[رواه عبد الرزاق في "مصنفه" 8/ 371، وسعيد بن منصور في "سننه" ل 159 ب، وابن أبي حاتم 7/ 40 أ، والثعلبي 3/ 81 ب كلهم من طريق ابن سيرين، عن عبيدة.]]. وروى يونس، عن الحسن قال: الخير: الإسلام والقرآن [[رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 7/ 202 - 203 من رواية يونس، عن الحسن.]].
وقال إبراهيم: صدقًا ووفاء [[إبراهيم هو: النخعي.
ورواه عنه عبد الرزاق في "مصنفه" 8/ 371، وسعيد بن منصور في "سننه" ل 159 ب، وابن أبي شيبة في "مصنفه" 7/ 202، والطبري 18/ 128، والبيهقي في " السنن الكبرى" 10/ 318.]].
وقال سعيد بن جبير: إن علمتم أنهم يريدون [[في (أ): (يريد من).]] بذاك [[في (ظ): (بذلك).]] الخير [[ذكره عنه النحَّاس في "معاني القرآن" 4/ 529، وابن الجوزي 6/ 37.]].
وقال معمر [[هو: معمر بن راشد.]]: وكان قتادة يكره إذا كاتب العبد ليست له حرفة ولا وجه في شيء [أن يكاتبه الرجل] [[زيادة من تفسير عبد الرزاق بها يستقيم المعنى.]] لا يكاتبه إلا ليسأل الناس [[رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 58 عن معمر، به.]].
وهذا يقوي أنّ المراد بالخير الاكتساب.
قوله تعالى: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنَّ هذا خطاب للموالي، أُمروا أن يحطوا عنهم من نجوم الكتابة شيئًا، وهو قول علي [[سيأتي ذكر ذلك عنه -رضي الله عنه-.]] -رضي الله عنه- ومجاهد [[رواه عن مجاهد عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 59، وابن أبي شيبة في "مصنفه" 6/ 372، والبيهقي في "السنن الكبرى" 10/ 330.]]، والثوري [[ذكره عنه الثعلبي 3/ 81 أورواه الطبري 18/ 131 عنه قال: أحب أن يعطيه الربع، أو أقل منه شيئًا، وليس بواجب، وأن يفعل ذلك حسن.]]، وكثير من الصحابة [[انظر: "مصنف ابن أبي شيبة" 6/ 370 - 371، الطبري 18/ 129 - 130، "السنن الكبرى" للبيهقي 10/ 329 - 330، والثعلبي 3/ 81 ب - 82 أ.]].
ثم اختلفوا في ذلك القدر:
فقال علي -رضي الله عنه-: هو ربع المال [[رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 58، وسعيد بن منصور ل 159 ب، وابن أبي شيبة في "مصنفه" 6/ 369، والطبري 18/ 129، وابن أبي حاتم 7/ 41 ب والبيهقي في "السنن الكبرى" 10/ 329، والضياء في "المختارة" 2/ 194.]]. وهو قول مجاهد [[رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 6/ 370.]].
وقال الآخرون: لا يتقدر بشيء يحط عنه ما أحبّ.
وكان عمر -رضي الله عنه- يحط من أول النجوم.
وروى عكرمة، عن ابن عباس: أن عمر -رضي الله عنه- كاتب عبدًا له يُكنى أبا أميّة [[هو: أبو أميّة بن كنانة، القرشي، العدوي مولى عمر بن الخطاب ومكاتبه. اسمه عبد الرحمن، وهو جد المبارك بن فضالة المحدِّث. روى عنه ابنه فضالة.
"طبقات ابن سعد" 7/ 117، "الكنى" للإمام مسلم ص 95، "الثقات" لابن حبّان 5/ 566، "الاستغناء في معرفة المشهورين من حملة العلم بالكنى" 2/ 1031.]] فجاءه بنجمه حين حلّ [[في (ظ): (هلّ).]]، فقال: يا أبا أمية استعن به في مكاتبتك. فقال: يا أمير المؤمنين لو تركته حتى يكون في آخر نجم. قال: إنِّي أخاف أن لا أدرك ذاك [[في (ظ): (ذلك).]] ثم قرأ: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ [[رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 6/ 371، وابن أبي حاتم 7/ 41 ب، والبيهقي في "السنن الكبرى" 10/ 329 - 330 من طريق عكرمة، عن ابن عباس.
وروى ابن سعد في "طبقاته" 7/ 118 عن عكرمة نحوه.]].
وروى عبد الملك بن أبي بشير [[هو: عبد الملك بن أبي بشير، البصري، نزيل المدائن. روى عن عكرمة وحفصة بنت سيرين وآخرين. وعنه سفيان الثوري وغيره. وهو ثقة.
"الكاشف" 2/ 207، "تهذيب التهذيب" 6/ 386، "تقريب التهذيب" 1/ 517.]] قال: حدثني فَضالة بن أبي أميّة [[هو: فضالة بن أبي أميّة، البصري. أبوه أبو أمية مولى عمر بن الخطاب المتقدم ذكره. وهو والد المبارك بن فضالة المحدّث. روى عنه عبد الملك بن أبي بشير. ذكره البخاري في "تاريخه الكبير" 7/ 125، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 7/ 77، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً. وذكره ابن حبان في "الثقات" 5/ 297.]]، عن أبيه وكان غلامًا لعمر قال: كاتبني عمر على أواق [[أواق: جمع أوقية -بضم الهمزة وتشديد الباء-: وهي زنة سبعة مثاقيل، أو أربعين درهمًا. "لسان العرب" 10/ 12 (أوق).]] قد سمّاها، ونجمها عليّ نجومًا، فلما فرغ من الكتاب أرسل إلى حفصة [[هي: أم المؤمنين، وبنت أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.]] فاستقرض منها مائتي درهم، فأعطانيها وقالك استعن بها في نجومك؛ فقلت: ألا تجعلها في آخر مكاتبتي! قال: إنّي لا أدرى أدرك أم لا. قال سفيان: بلغني أنَّه كاتبه على مائة أوقية [[رواه عبد الرزاق في "مصنفه" 8/ 376، وابن سعد في "طبقاته" 7/ 118، == والطبري 18/ 130، والبيهقي في "الكبرى" 10/ 330 من رواية عبد الملك، عن فضالة، عن أبيه، بنحوه. وليس في رواية عبد الرزاق وابن سعد والبيهقي قول سفيان.]].
وعلى هذا قوله: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ هو أن يؤتيه مما في يده شيئًا يستعين به على الكتابة لا أن يحطَّ عنه شيئًا.
وهو رواية ليث، عن مجاهد قال: مما في يديك، ليس مما على رقبته [[رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 6/ 372، والطبري 18/ 130 من رواية ليث، عن مجاهد، دون قوله: ليس مما على رقبته.]].
وروى جوبير، عن الضحاك في هذه الآية قال [[(قال): ساقطة من (أ).]]: أن تعطيه [مما في يديك] [[ساقط من (ظ)، (ع).]] من مالك أو تضع [[في (ظ)، (ع): (تدع).]] له بعض الذي كاتبه عليه [[عليه: ساقطة من (أ).]] [[لم أجد من ذكره عنه.]].
وروى عبد الملك [[هو: عبد الملك بن أبي سليمان، كما في رواية الطبري وابن أبي حاتم. وهو: عبد الملك بن أبي سليمان ميسرة، العرزمي، الكوفي كان من أحفظ أهل الكوفة، روى عن سعيد بن جبير وعطاء. قال الذهبي: قال أحمد: ثقة يخطئ.
وقال ابن حجر: صدوق له أوهام. توفي سنة 145 هـ.
"الكاشف" 2/ 209، "تقريب التهذيب" 1/ 519.]] وحجاج عن عطاء في قوله ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ هو ما أخرج الله [لك] [[(لك): ساقطة من (أ).]] من مكاتبته تعطيه، ما طابت به نفسك وليس فيه شيء مؤقت [[رواه ابن أبي شيبة 6/ 371 - 372 من رواية عبد الملك وحجاج، عن عطاء.
ورواه الطبري 18/ 130، وابن أبي حاتم 7 - 42 أمن طريق عبد الملك، عن عطاء إلى قوله: مكاتبته.]].
وقال سعيد بن جبير: كان ابن عمر إذا كاتب مكاتبه لم يضع عنه شيئًا من أول نجومه مخافة أن يعجز فترجع [[في (أ): (وترجع).]] إليه صدقته، ولكنّه [[في (أ): (ولكن).]] إذا كان في آخر مكاتبته وضع عنه ما أحبّ [[رواه الطبري 18/ 130 عن سعيد، به.
ورواه عبد الرزاق في "مصنفه" 8/ 377، وابن أبي شيبة 6/ 370 عن سعيد بنحوه مختصرًا.]].
وعلي ما ذكرنا معنى الإيتاء: أن يحطّ من مكاتبته [[في (ظ)، (ع): (كتابته).]] شيئًا أو يردّ عليه شيئًا، أو يعطيه مما في يده شيئًا. وهو واجب عند الشافعي -رضي الله عنه- [[انظر: "الأم" 7/ 364، "الحاوي الكبير" 18/ 186، "روضة الطالبين" 12/ 248.]].
القول الثاني: أنَّ [[أنَّ: ساقطة من (أ).]] المعنى: وآتوهم سهمهم الذي جعله الله لهم من الصدقات المفروضات.
وهو قول ابن عباس في رواية عطاء قال: يريد سهم الرقاب يعطى منه المكاتبون [[ذكره عنه من رواية عطاء ابن الجوزي 6/ 37، والرازي 23/ 218، والنيسابوري في "غرائب القرآن" 18/ 100.]]. ونحوه قال زيد [[هو: زيد بن أسلم.]] وابنه [[ذكره عنهما الثعلبي 3/ 82 أ. == وعن زيد رواه الطبري 18/ 131، وابن أبي حاتم 7/ 42 أ.
وعن ابنه -عبد الرحمن- رواه ابن أبي حاتم 7/ 42 أ.]].
القول الثالث: أنَّ هذا حث للناس على إعطاء المكاتب وإعانته بما يمكنهم في [[في (أ): (من).]] ثمن رقبته.
وهو قول عكرمة [[ذكره عنه الرازي 23/ 218، وأبو حيان 6/ 452.]]، وإبراهيم [[ذكره عنه الثعلبي 3/ 82 أ، ورواه عنه عبد الرزاق في "مصنفه" 8/ 376 - 377 وسعيد بن منصور في "سننه" ل 159 ب، والطبري 18/ 131.]]، والكلبي [[رواه عنه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 59.]]، والمقاتلين [[قول مقاتل بن حيان رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 7/ 42 أ. وقول مقاتل بن سليمان في "تفسيره" 2/ 37 أ.]]. قالوا: حضّ الناس [[في (أ): (للناس).]] جميعًا الموالي وغيرهم على أن يعطوا المكاتب، وأمر المؤمنين أن يعينوا في الرقاب.
وقال الحسن: حث عليه المسلمين مولاه وغيره [[رواه سعيد بن منصور في "سننه" ل 159 ب، والطبري 18/ 131.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 191 عنه، وعزاه لعبد بن حميد.]].
وعلى هذا القول هو أمر نَدْب.
واختار [[في (أ): (واختيار).]] صاحب النظم القول الثاني، وقال: قوله ﴿فَكَاتِبُوهُمْ﴾ خطاب للموالي، وقوله ﴿وَآتُوهُمْ﴾ خطاب لغيرهم من أصحاب الزكوات؛ لأنه لا يجوز للمكاتب أن يدفع فرض صدقته إلى مكاتب نفسه، فجاء الخطاب بنظم واحد وهما مختلفان كقوله {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} [البقرة: 232] الآية، فقد جاء الخطاب في التطليق والعضل بنظم واحد وهما مختلفان؛ لأن العضل من الأولياء، والتطليق من الأزواج، وكذلك قوله ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ﴾ أومئ به إلى غير المكاتبين الذين هم الموالي [[ذكر الرازي 23/ 219 بعضه من غير نسبة.]].
وقال غيره [[انظر: "الطبري" 18/ 132.]]: يجوز أن يكون الموالي داخلين في هذا الخطاب على معنى: أن يؤتي بعضهم لمكاتب بعض لا لمكاتب نفسه.
قال صاحب النظم: ولو كان المراد بالإيتاء الحطّ عنه لوجب أن يكون في عادة العربية: ضَعُوا عنهم أو قاصّوهم منه [[يقال: تقاصّ القوم، إذا قاصّ كل منهم صاحبه في حساب أو غيره، وأصل التَّقاص: التناصف في القصاص. انظر: "لسان العرب" 7/ 76 (قصص)، "تاج العروس" للزبيدي 18/ 107 (قصص).]]، فلما قال ﴿وَآتُوهُمْ﴾ دلّ على أنَّه أراد من الزكاة إذ هو مناولة وإعطاء [[ذكر أبو حيان 6/ 452 هذا القول عن صاحب النَّظم.]].
وهذا الاعتراض لا يصح على قول من يجعل إيتاء المكاتب من مال نفسه، كما روينا عن عمر -رضي الله عنه-.
فأما سبب نزول هذه [[هذه: زيادة من (ظ).]] الآية:
فقال ابن عباس في رواية عطاء: نزلت في صُبيح [[في (أ)، (ع): (الصبيح).
وقد ذكر صبيحًا هذا البخاري في "تاريخه الكبير" 4/ 318 دون نسبة إلى القبط، وساق رواية -سيأتى ذكرها- فيها أنه كان مملوكًا لحويطب بن عبد العزّى، وأن == صبحيًّا هو جد محمد بن إسحاق صاحب السير والمغازي.
وذكره ابن حبان في "الثقات" 3/ 196 دون نسبة وقال: أبو عبد الله، جد محمد بن إسحاق بن يسار. يقال: إنَّ له صحبة.
وذكره ابن حجر في "الإصابة" 2/ 169 دون نسبة وقال: مولى حويطب بن عبد العزّى. قال ابن السكن وابن حبان: يقال له صحبه. ثم نقل ابن حجر رواية البخاري في "تاريخه" ثم قال: قال ابن السكن: لم أر له ذكرًا إلا في هذا الحديث. اهـ.]] القبطي، كان مملوكًا لحاطب بن أبي بَلْتَعة [[لم أجد من ذكره عن ابن عباس. وقد نقل القرطبي 12/ 244 عن مكي بن أبي طالب قوله: هو صبيح القبطي غلام حاطب بن أبي بلتعة.]].
وقال مقاتل بن سليمان وغيره: نزلت في حويطب [[هو: حُويطب بن عبد العزّى بن أبي قيس، القرشي، العامري، أبو محمد. أسلم عام الفتح، وشهد حنينا وكان من المؤلفة، وكان حميد الإسلام. وسار إلى الشام مجاهدًا. وهو أحد الذين أمرهم عمر بتجديد أنصاب الحرم.
توفي سنة 54 هـ، وقيل: 52 هـ وعاش مائة وعشرين سنة.
"طبقات ابن سعد" 5/ 454، "الاستيعاب" 1/ 399، "أسد الغابة" 2/ 67، "سير أعلام النبلاء" 2/ 540، "الإصابة" 2/ 363.]] بن عبد العزى وفي غلامه صبيح [[في (ظ): (صبح)، والمثبت من باقي النسخ و"تفسير مقاتل".]] القبطي وقيل: صُبْح [[في (ظ)، (ع): (صبيح).]] طلب إليه أن يكاتبه فأبي، فأنزل الله هذه الآية، فكاتبه على مائة دينار، ثم وضع عنه عشرين دينارًا، فأداها وعتق [["تفسير مقاتل" 2/ 38 أ، والثعلبي 3/ 81 أ.
وقد روى البخاري في "التاريخ الكبير" 4/ 318 - 319، وابن السكن والبارودي كما في "الإصابة" لابن حجر 2/ 170 من طريق محمد بن إسحاق، عن خاله عبد الله بن صبح وفي المطبوع من "الإصابة": عن خالد عن عبد الله. وهو خطأ -عن أبيه- وكان جدّ ابن إسحاق أبا أمِّه -قال. كنت مملوكًا لحويطب بن عبد العزى، == فسألته الكتابة، ففي نزلت ﴿وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ﴾ الآية.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 189 من رواية عبد الله بن صبيح، به. وعزاه لابن السكن في "معرفة الصحابة".]].
قوله تعالى: ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ﴾ يعني إماءكم وولائدكم على الزنا.
قال جماعة من المفسرين [[انظر: "تفسير مقاتل" 2/ 38 أ، ب، والطبري 18/ 132 - 133، ابن أبي حاتم 7/ 42 ب، 43 أ، الثعلبي 3/ 82 أ، ب، "تفسير ابن كثير" 3/ 288 - 289، "الدر المنثور" للسيوطي 6/ 192 - 194.
وقد روى مسلم في "صحيحه" كتاب: التفسير- باب: في قوله تعالى: ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ﴾ 4/ 2320 عن جابر -رضي الله عنه-: أن جارية لعبد الله بن أبيّ بن سلول يقال لها: مُسيكة، وأخرى يقال لها: أميمة، فكان يكرههما على الزنى، فشكتا ذلك إلى النبي -ﷺ- فأنزل الله: ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ﴾ إلى قوله ﴿غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.]]: نزلت في عبد الله بن أبيّ كان يكره جواري له على الكسب بالزنا، فشكون ذلك إلى رسول الله -ﷺ- فنزلت هذه الآية.
قال ابن عباس في رواية عطاء: وذلك أن عبد الله بن أبيّ! كانت له جاريتان يقال لإحداهما: مُعاذة، والأخرى: زينب، كانتا مؤمنتين فأكرههما على الزنا وهما لا يريدان [[لم أجد من ذكره من رواية عطاء.
وقد روى وابن أبي حاتم 3/ 42 ب، والطبراني في "الكبير" 11/ 284 من طريق عكرمة، عن ابن عباس: أنَّ جارية لعبد الله بن أبي كانت تزني في الجاهلية فولدت أولادًا من الزّنا، فقال لها: مالك لا تزنين. قالت: والله لا أزني. فضربها، فأنزل الله -عز وجل- ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ﴾.
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 7/ 83: ورجال الطبراني رجال الصحيح.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 193 ونسبه أيضًا للبزار وابن مردويه، وقال: بسند صحيح.]].
وروى الزهري، عن عمر [[في (ظ)، (ع): (عمرو)، وهو خطأ.
وهو عمر بن ثابت بن الحارث -ويقال: ابن الحجاج- الأنصاري الخزرجي المدني. تابعي ثقة، روى عن بعض الصحابة، وعنه الزهري وغيره.
"الكاشف" 2/ 306، "تهذيب التهذيب" 7/ 430، "تقريب التهذيب" 2/ 52.]] بن ثابت الخزرجي قال: كانت معاذة جارية لعبد الله بن أبيّ وكانت مسلمة وكان يستكرهها على البغاء، فأنزل الله هذه الآية [[رواه "المصنف" في كتابه "أسباب النزول" ص 270 من طريق ابن إسحاق: حدثني الزهري، عن عمر بن ثابت، فذكره.
ورواه أيضًا من طريق مالك، عن ابن شهاب، عن عمر بن ثابت، بنحوه. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 193 من طريق مالك، عن ابن شهاب، عن عمر، بنحوه مطولًا، وعزاه للخطيب في رواة مالك.
ورواه أبو موسى المديني في كتابه الصحابة كما في "الإصابة" لابن حجر 4/ 395 من طريق الليث بن سعد، عن عقيل بن خالد، عن ابن شهاب الزهري، به، بنحوه. وهو مرسل؛ لأن عمر بن ثابت تابعي.]].
وقال مجاهد: كانوا يأمرون ولائدهم أن يُباغين، فكن يفعلن ذلك، فيُصبن، فيأتينهم بكسبهن، وكانت لعبد الله بن أُبي جارية فكانت تُباغي، وكرهت ذلك وحلفت لا تفعله، فأكرهها أهلها، فانطلقت فباغت ببرد [[البُرْد -بالضم-: ثوب مخطط. "القاموس المحيط" 1/ 276.]] أخضر فأتتهم به، فأنزل الله هذه الآية [[رواه الطبري 18/ 134، ورواه ابن أبي حاتم 7/ 42 ب بنحوه، مختصرًا. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 194، ونسبه أيضًا لابن أبي شيبة وابن المنذر.]].
قوله تعالى: ﴿إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا﴾ قال ابن عباس: تعفّفا وتزويجًا [[لم أجده عن ابن عباس. وقد روى ابن أبي حاتم 7/ 43 أ، ب عن قتادة ومقاتل. مثل شطره الأول. == وذكر الطبري 18/ 132، والثعلبي 3/ 82 ب، والماوردي 4/ 101 من غير نسبة لأحد. ولم أجد من ذكر: تزويجًا.]].
وليس هذا بشرط في النهي عن الإكراه، وإنّما هو على موافقة حال النزول، وذلك أن تلك [[(تلك): ساقطة من (أ).]] الجواري التي كان ابن أُبيّ يكرههن على الزنا كن مسلمات يردن التحصّن، وهو كقوله ﴿فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ﴾ [النساء: 11] وليس من شرط استحقاق الثلثين أن يكن فوق اثنتين ولكن نزلت الآية [[الآية: ساقطة من (ظ).]] في ثلاث بنات [[القول بأن الآية المستشهد بها نزلت في ثلاث بنات ذكره الواحدي في "أسباب النزول" ص 120 من غير سند وعزاه للمفسرين، وذكره البغوي 2/ 169 من غير سند.
وفي "الإصابة" لابن حجر 4/ 464 في ترجمة أمِّ كجَّة الأنصارية: ذكر الواقدي عن الكلبي في "تفسيره" عن أبي صالح، عن ابن عباس: أن أوس بن ثابت الأنصاري توفي وترك ثلاث بنات وامرأة يقال له أم كجّة، .. فنزلت آية المواريث.
وهذا القول لا يصح في نزول هذه الآية. والصحيح في هذا ما رواه الإمام أحمد في "مسنده"، وأبو داود في "سننه" كتاب: الفرائض- باب: ما جاء في ميراث الصلب 8/ 99 - 100، والترمذي في "جامعه" كتاب: الفرائض - باب: ما جاء في ميراث البنات من حديث جابر -رضي الله عنه- قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها من سعد إلى رسول الله -ﷺ- فقالت: يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قُتل أبوهما معك يوم أحد شهيدًا، وإنَّ عمَّهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالاً، ولا تنكحان إلا ولهما مال. قال: "يقضي الله في ذلك". فنزلت آية الميراث، فبعث رسول الله -ﷺ- إلى عمَّهما فقال: "أعط ابنتي سعد الثلثين وأعط أمّهما الثمن وما بقي فهو لك". وحسَّن هذا الحديث الألباني كما في "صحيح الترمذي" 2/ 211.]]
وقال أبو إسحاق: لا تكرهوهن على البغاء البتَّه، وليس المعنى: لا تكرهوهن إن أردن تحصنًا؛ لأنَّهن إن لم يردن فليس لنا أن نكرهن [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 40.]].
وقوله ﴿إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا﴾ هذا الشرط متعلق بقوله ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ﴾ [النور: 32] إن أردن تحصنا. فهذا على التقديم والتأخير، وهذا القول اختيار الحسين [[في (ع): (الحسن)، وهو خطأ.]] بن الفضل [[ذكره عنه الثعلبي 3/ 82 ب، والبغوي 6/ 44 وتصحف الاسم في المطبوع إلى: الحسن. والقرطبي 12/ 255.
وهذا الوجه ضعَّفه القرطبي. وقال أبو حيان 6/ 452: وهذا فيه بعدٌ وفصل كثير.]].
ويجوز أن يقال: إنما شرط [[في (أ): (شرطه).]] إرادة التحصّن؛ لأنَّ الإكراه لا يتصور إلا عند إرادة المكره التحصّن [[في (ظ): (للتحصّن).]]، فإن [[في (أ): (وان).]] لم يرد التحصّن لا يتصور الإكراه؛ لأنَّه يأتي ذلك بالطبع، فلما ذكر النهي عن الإكراه شرط إرادة التحصّن؛ ليتبين [[في (أ): (لتبين).]] معنى الإكراه؛ لأنَّه شرطٌ صحيح في المعنى [[ذكر البغوي 6/ 44 هذا القول وصدّره بقوله: قيل. وذكره ابن الجوزي 6/ 39 ولم ينسبه لأحد. وأشار إليه ابن العربي في أحكام القرآن. 3/ 1386 ولم ينسبه لأحد. وذكره الماوردي 4/ 101 ولم ينسبه لأحد.]].
وقوله تعالى ﴿لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ يعني الغلَّة [[الغلَّة: هي الدَّخل الذي يحصل من الإجارة والنتاج ونحو ذلك. "لسان العرب" 11/ 504 (غل).]] والضرائب التي كانت عليهن.
وقال ابن عباس: يريد أن يولد له منهن ولد ليسترقَّ [[في (ظ): (يسترق).]] الولدَ ويتبعه.
وقال الكلبي: ﴿عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ من كسبهن وأولادهن [[روى ابن أبي حاتم 7/ 43 ب عن سعيد بن جبير مثله. وهو قول مقاتل في "تفسيره" 2/ 38 ب.]].
وروى معمرٌ، عن الزُّهري: أنَّ رجلاً من قريش أُسر يوم بدر، فكان عند عبد الله بن أبي أسيرًا، وكان لعبد الله جارية يقال لها معاذة، وكان القرشي الأسير يريدها على نفسه، وكانت مسلمة فكانت تمتنع منه لإسلامها، وكان عبد الله يكرهها على ذلك ويضربها رجاء أن تحمل للقرشي فيطلب فداء ولده، فأنزل الله هذه الآية [[رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 59، والطبري 18/ 133، وابن أبي حاتم 7/ 42 ب، 43 أ، كلهم من طريق، معمر عن الزهري، به وهو مرسل.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 193 وزاد نسبته لابن المنذر.]].
وقوله تعالى ﴿فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ قال ابن عباس [[رواه الطبري 18/ 133، وابن أبي حاتم 7/ 43 ب) عنه بنحوه.]]، والمفسرون [[انظر: "الطبري" 18/ 133 - 134، ابن أبي حاتم 7/ 43 ب، 44 أ.]]: أي لهن غفور رحيم يعني للمكروهات [[في (أ): (للمكروهات).]].
وكان جابر يقرأ: ﴿فإن الله من بعد إكراههن لهن غفور رحيم﴾ [[روى مسلم في "صحيحه" كتاب: التفسير- باب: في قوله تعالى: ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ﴾ 4/ 2320 عن جابر قال: كان عبد الله بن أبي بن سلول يقول لجارية له: اذهبي فأبغينا شيئًا، فأنزل الله -عز وجل-: ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ (لهنّ) غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾= ورواه ابن أبي حاتم 7/ 43 ب عن جابر بنحوه، وفيه زيادة: هكذا كان يقرؤها يعني (لهن). قال النووي في "شرح صحيح مسلم" 18/ 164: هذا تفسير، ولم يرد أنَّ "لهن" منزَّلة.]].
وقال الحسن في هذه الآية: لهن والله، لهن والله [[ذكره عنه الثعلبي 3/ 82 ب، والبغوي 6/ 44]].
وقال مجاهد: ﴿غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ للمكروهات على الزنا [[رواه الطبري 14/ 133، وابن أبي حاتم 7/ 43 ب، 44 أ. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 195 ونسبه أيضًا لابن أبي شيبة وابن المنذر.]].
وفي حرف عبد الله [[روى ابن أبي حاتم في "تفسيره" 7/ 43 ب عن سعيد بن جبير قال: في قراءة ابن مسعود "لهن غفور رحيم".
وذكرها السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 194 ونسبها أيضًا لعبد بن حميد.]] وقرأه جماعة من القراء [[رويت هذه القراءة عن ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير. انظر: "المحتسب" لابن جني 2/ 108، القرطبي 12/ 255.]] ﴿فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
{"ayah":"وَلۡیَسۡتَعۡفِفِ ٱلَّذِینَ لَا یَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ یُغۡنِیَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَٱلَّذِینَ یَبۡتَغُونَ ٱلۡكِتَـٰبَ مِمَّا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡ فَكَاتِبُوهُمۡ إِنۡ عَلِمۡتُمۡ فِیهِمۡ خَیۡرࣰاۖ وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِیۤ ءَاتَىٰكُمۡۚ وَلَا تُكۡرِهُوا۟ فَتَیَـٰتِكُمۡ عَلَى ٱلۡبِغَاۤءِ إِنۡ أَرَدۡنَ تَحَصُّنࣰا لِّتَبۡتَغُوا۟ عَرَضَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۚ وَمَن یُكۡرِههُّنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِنۢ بَعۡدِ إِكۡرَ ٰهِهِنَّ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق