الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحًا حَتّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾
اعْلَمْ أنَّهُ سُبْحانَهُ لَمّا ذَكَرَ تَزْوِيجَ الحَرائِرِ والإماءِ، ذَكَرَ حالَ مَن يَعْجَزُ عَنْ ذَلِكَ، فَقالَ: ﴿ولْيَسْتَعْفِفِ﴾ أيْ ولْيَجْتَهِدْ في العِفَّةِ، كَأنَّ المُسْتَعْفِفَ طالِبٌ مِن نَفْسِهِ العَفافَ وحامِلُها عَلَيْهِ.
* * *
وأمّا قَوْلُهُ: ﴿لا يَجِدُونَ نِكاحًا﴾ فالمَعْنى لا يَتَمَكَّنُونَ مِنَ الوُصُولِ إلَيْهِ، يُقالُ لا يَجِدُ المَرْءُ الشَّيْءَ إذا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنهُ، قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿فَمَن لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ﴾ والمُرادُ بِهِ بِالإجْماعِ مَن لَمْ يَتَمَكَّنْ، ويُقالُ في أحَدِنا هو غَيْرُ واجِدٍ لِلْماءِ وإنْ كانَ مَوْجُودًا، إذا لَمْ يُمْكِنْهُ أنْ يَشْتَرِيَهُ، ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِالنِّكاحِ ما يُنْكَحُ بِهِ مِنَ المالِ، فَبَيَّنَ سُبْحانَهُ وتَعالى أنَّ مَن لا يَتَمَكَّنُ مِن ذَلِكَ فَلْيَطْلُبِ التَّعَفُّفَ، ولْيَنْتَظِرْ أنْ يُغْنِيَهُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ، ثُمَّ يَصِلْ إلى بُغْيَتِهِ مِنَ النِّكاحِ، فَإنْ قِيلَ أفَلَيَسَ مِلْكُ اليَمِينِ يَقُومُ مَقامَ نَفْسِ النِّكاحِ ؟ قُلْنا لَكِنَّ مَن لَمْ يَجِدِ المَهْرَ والنَّفَقَةَ، فَبِأنْ لا يَجِدَ ثَمَنَ الجارِيَةِ أوْلى واللَّهُ أعْلَمُ.
* *
الحُكْمُ التّاسِعُ: في الكِتابَةِ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والَّذِينَ يَبْتَغُونَ الكِتابَ مِمّا مَلَكَتْ أيْمانُكم فَكاتِبُوهم إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وآتُوهم مِن مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ﴾
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا بَعَثَ السَّيِّدَ عَلى تَزْوِيجِ الصّالِحِينَ مِنَ العَبِيدِ والإماءِ مَعَ الرِّقِّ، رَغَّبَهم في أنْ يُكاتِبُوهم إذا طَلَبُوا ذَلِكَ، لِيَصِيرُوا أحْرارًا فَيَتَصَرَّفُوا في أنْفُسِهِمْ كالأحْرارِ، فَقالَ: ﴿والَّذِينَ يَبْتَغُونَ الكِتابَ﴾ وهاهُنا مَسائِلُ:
المسألة الأُولى: قَوْلُهُ: ﴿والَّذِينَ يَبْتَغُونَ﴾ مَرْفُوعٌ عَلى الِابْتِداءِ، أوْ مَنصُوبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ يُفَسِّرُهُ (p-١٨٨)فَكاتِبُوهم، كَقَوْلِكَ زَيْدًا فاضْرِبْهُ، ودَخَلَتِ الفاءُ لِتَضَمُّنِ مَعْنى الشَّرْطِ.
المسألة الثّانِيَةُ: الكِتابُ والكِتابَةُ كالعِتابِ والعِتابَةِ، وفي اشْتِقاقِ لَفْظِ الكِتابَةِ وُجُوهٌ:
أحَدُها: أنَّ أصْلَ الكَلِمَةِ مِنَ الكَتْبِ وهو الضَّمُّ والجَمْعُ ومِنهُ الكَتِيبَةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأنَّها تَضُمُّ النُّجُومَ بَعْضُها إلى بَعْضٍ وتَضُمُّ مالَهُ إلى مالِهِ.
وثانِيها: يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مَأْخُوذًا مِنَ الكِتابِ ومَعْناهُ كَتَبْتُ لَكَ عَلى نَفْسِي أنْ تَعْتِقَ مِنِّي إذا وفَّيْتَ بِالمالِ، وكَتَبْتُ لِي عَلى نَفْسِكَ أنْ تَفِيَ لِي بِذَلِكَ، أوْ كَتَبْتُ لِي كِتابًا عَلَيْكَ بِالوَفاءِ بِالمالِ وكَتَبْتُ عَلى العِتْقِ، وهَذا ما ذَكَرَهُ الأزْهَرِيُّ.
وثالِثُها: إنَّما سُمِّيَ بِذَلِكَ لِما يَقَعُ فِيهِ مِنَ التَّأْجِيلِ بِالمالِ المَعْقُودِ عَلَيْهِ، لِأنَّهُ لا يَجُوزُ أنْ يَقَعَ عَلى مالٍ هو في يَدِ العَبْدِ حِينَ يُكاتَبُ، لِأنَّ ذَلِكَ مالٌ لِسَيِّدِهِ اكْتَسَبَهُ في حالِ ما كانَتْ يَدُ السَّيِّدِ غَيْرَ مَقْبُوضَةٍ عَنْ كَسْبِهِ، فَلا يَجُوزُ لِهَذا المَعْنى أنْ يَقَعَ هَذا العَقْدُ حالًا ولَكِنَّهُ يَقَعُ مُؤَجَّلًا لِيَكُونَ مُتَمَكِّنًا مِنَ الِاكْتِسابِ وغَيْرِهِ حِينَ ما انْقَبَضَتْ يَدُ السَّيِّدِ عَنْهُ، ثُمَّ مِن آدابِ الشَّرِيعَةِ أنْ يُكْتَبَ عَلى مَن عَلَيْهِ المالُ المُؤَجَّلُ كِتابٌ، فَسُمِّيَ لِهَذا المَعْنى هَذا العَقْدُ كِتابًا لِما يَقَعُ فِيهِ مِنَ الأجَلِ، قالَ تَعالى: ﴿لِكُلِّ أجَلٍ كِتابٌ﴾ [الرعد: ٣٨] .
* * *
المسألة الثّالِثَةُ: قالَ مُحْيِي السُّنَّةِ: الكِتابَةُ أنْ يَقُولَ لِمَمْلُوكِهِ كاتَبْتُكَ عَلى كَذا ويُسَمِّي مالًا مَعْلُومًا يُؤَدِّيهِ في نَجْمَيْنِ أوْ أكْثَرَ، ويُبَيِّنُ عَدَدَ النُّجُومِ وما يُؤَدِّي في كُلِّ نَجْمٍ، ويَقُولُ إذا أدَّيْتَ ذَلِكَ المالَ فَأنْتَ حُرٌّ، أوْ نَوى ذَلِكَ بِقَلْبِهِ ويَقُولُ العَبْدُ قَبِلْتُ، وفي هَذا الضَّبْطِ أبْحاثٌ.
البَحْثُ الأوَّلُ: قالَ الشّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: إنْ لَمْ يَقُلْ بِلِسانِهِ أوْ لَمْ يَنْوِ بِقَلْبِهِ إذا أدَّيْتَ ذَلِكَ المالَ فَأنْتَ حُرٌّ لَمْ يُعْتَقْ، وقالَ أبُو حَنِيفَةَ ومالِكٌ وأبُو يُوسُفَ ومُحَمَّدٌ وزُفَرُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ لا حِلاجَةَ إلى ذَلِكَ، حُجَّةُ أبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿فَكاتِبُوهُمْ﴾ خالٍ عَنْ هَذا الشَّرْطِ فَوَجَبَ أنْ تَصِحَّ الكِتابَةُ بِدُونِ هَذا الشَّرْطِ، وإذا صَحَّتِ الكِتابَةُ وجَبَ أنْ يُعْتَقَ بِالأداءِ لِلْإجْماعِ، حُجَّةُ الشّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: أنَّ الكِتابَةَ لَيْسَتْ عَقْدُ مُعاوَضَةٍ مَحْضَةٍ، لِأنَّ ما في يَدِ العَبْدِ فَهو مِلْكُ السَّيِّدِ والإنْسانُ لا يُمْكِنُهُ بَيْعُ مِلْكِهِ بِمِلْكِهِ، بَلْ قَوْلُهُ كاتَبْتُكَ كِتابَةً في العِتْقِ فَلا بُدَّ مِن لَفْظِ العِتْقِ أوْ نِيَّتِهِ.
البَحْثُ الثّانِي: لا تَجُوزُ الكِتابَةُ الحالَّةُ عِنْدَ الشّافِعِيِّ، وتَجُوزُ عِنْدَ أبِي حَنِيفَةَ، وجْهُ قَوْلِ الشّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أنَّ العَبْدَ لا يُتَصَوَّرُ لَهُ مِلْكٌ يُؤَدِّيهِ في الحالِ، وإذا عُقِدَ حالًّا تَوَجَّهَتِ المُطالَبَةُ عَلَيْهِ في الحالِ، فَإذا عَجَزَ عَنِ الأداءِ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُ العَقْدِ، كَما لَوْ أسْلَمَ في شَيْءٍ لا يُوجَدُ عِنْدَ المَحَلِّ لا يَصِحُّ بِخِلافٍ ما لَوْ أسْلَمَ إلى مُعْسِرٍ فَإنَّهُ يَجُوزُ، لِأنَّهُ حِينَ العَقْدِ يُتَصَوَّرُ أنْ يَكُونَ لَهُ مِلْكٌ في الباطِنِ، فالعَجْزُ لا يَتَحَقَّقُ عَنْ أدائِهِ، وجْهُ قَوْلِ أبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿فَكاتِبُوهُمْ﴾ مُطْلَقٌ يَتَناوَلُ الكِتابَةَ الحالَّةَ والمُؤَجَّلَةَ، وأيْضًا لَمّا كانَ مالُ الكِتابَةِ بَدَلًا عَنِ الرَّقَبَةِ كانَ بِمَنزِلَةِ أثْمانِ السِّلَعِ المَبِيعَةِ فَيَجُوزُ عاجِلًا وآجِلًا
وأيْضًا أجْمَعُوا عَلى جَوازِ العِتْقِ مُعَلَّقًا عَلى مالٍ حالٍّ فَوَجَبَ أنْ تَكُونَ الكِتابَةُ مِثْلَهُ، لِأنَّهُ بَدَلٌ عَنِ العِتْقِ في الحالَيْنِ إلّا أنَّ في أحَدِهِما العِتْقَ مُعَلَّقٌ عَلى شَرْطِ الأداءِ وفي الآخَرِ مُعَجَّلٌ، فَوَجَبَ أنْ لا يَخْتَلِفَ حُكْمُهُما.
البَحْثُ الثّالِثُ: قالَ الشّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لا تَجُوزُ الكِتابَةُ عَلى أقَلَّ مِن نَجْمَيْنِ، يُرْوى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وعُثْمانَ وابْنِ عُمَرَ، رُوِيَ أنَّ عُثْمانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ غَضِبَ عَلى عَبْدِهِ، فَقالَ: لَأُضَيِّقَنَّ الأمْرَ عَلَيْكَ، ولَأُكاتِبَنَّكَ عَلى نَجْمَيْنِ، ولَوْ جازَ عَلى أقَلَّ مِن ذَلِكَ لَكاتَبَهُ عَلى الأقَلِّ، لِأنَّ التَّضْيِيقَ فِيهِ أشَدُّ، وإنَّما شَرَطْنا التَّنْجِيمَ لِأنَّهُ عَقْدُ (p-١٨٩)إرْفاقٍ، ومِن شَرْطِ الإرْفاقِ التَّنْجِيمُ لِيَتَيَسَّرَ عَلَيْهِمُ الأداءُ. وقالَ أبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: تَجُوزُ الكِتابَةُ عَلى نَجْمٍ واحِدٍ، لِأنَّ ظاهِرَ قَوْلِهِ: ﴿فَكاتِبُوهُمْ﴾ لَيْسَ فِيهِ تَقْيِيدٌ.
المسألة الرّابِعَةُ: تَجُوزُ كِتابَةُ المَمْلُوكِ عَبْدًا كانَ أوْ أمَةً، ويُشْتَرَطُ عِنْدَ الشّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أنْ يَكُونَ عاقِلًا بالِغًا، فَإذا كانَ صَبِيًّا أوْ مَجْنُونًا لا تَصِحُّ كِتابَتُهُ، لِأنَّ اللَّهَ تَعالى قالَ: ﴿والَّذِينَ يَبْتَغُونَ الكِتابَ﴾ ولا يُتَصَوَّرُ الِابْتِغاءُ مِنَ الصَّبِيِّ والمَجْنُونِ. وعِنْدَ أبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: تَجُوزُ كِتابَةُ الصَّبِيِّ ويَقْبَلُ عَنْهُ المَوْلى.
المسألة الخامِسَةُ: يُشْتَرَطُ أنْ يَكُونَ المَوْلى مُكَلَّفًا مُطْلَقًا، فَإنْ كانَ صَبِيًّا أوْ مَجْنُونًا أوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ لا تَصِحُّ كِتابَتُهُ كَما لا يَصِحُّ بَيْعُهُ، ولِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَكاتِبُوهُمْ﴾ خِطابٌ فَلا يَتَناوَلُ غَيْرَ العاقِلِ، وعِنْدَ أبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَصِحُّ كِتابَةُ الصَّبِيِّ بِإذْنِ الوَلِيِّ.
* * *
المسألة السّادِسَةُ: اخْتَلَفَ العُلَماءُ في أنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَكاتِبُوهُمْ﴾ أمْرُ إيجابٍ أوْ أمْرُ اسْتِحْبابٍ ؟ فَقالَ قائِلُونَ هو أمْرُ إيجابٍ، فَيَجِبُ عَلى الرَّجُلِ أنْ يُكاتِبَ مَمْلُوكَهُ إذا سَألَهُ ذَلِكَ بِقِيمَتِهِ أوْ أكْثَرَ إذا عَلِمَ فِيهِ خَيْرًا، ولَوْ كانَ بِدُونِ قِيمَتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ، وهَذا قَوْلُ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ وعَطاءٍ، وإلَيْهِ ذَهَبَ داوُدُ بْنُ عَلِيٍّ ومُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ، واحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِالآيَةِ والأثَرِ. أمّا الآيَةُ فَظاهِرُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَكاتِبُوهُمْ﴾ لِأنَّهُ أمْرٌ وهو لِلْإيجابِ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ أيْضًا سَبَبُ نُزُولِ الآيَةِ، فَإنَّها نَزَلَتْ في غُلامٍ لِحُوَيْطِبِ بْنِ عَبْدِ العُزّى يُقالُ لَهُ صُبَيْحٌ، سَألَ مَوْلاهُ أنْ يُكاتِبَهُ فَأبى عَلَيْهِ، فَنَزَلَتِ الآيَةُ، فَكاتَبَهُ عَلى مِائَةِ دِينارٍ، ووَهَبَ لَهُ مِنها عِشْرِينَ دِينارًا.
وأمّا الأثَرُ فَما رُوِيَ أنَّ عُمَرَ أمَرَ أنَسًا أنْ يُكاتِبَ سِيرِينَ أبا مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فَأبى، فَرَفَعَ عَلَيْهِ الدُّرَّةَ وضَرَبَهُ وقالَ: ﴿فَكاتِبُوهم إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ وحَلَفَ عَلَيْهِ لَيُكاتِبَنَّهُ، ولَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ واجِبًا لَكانَ ضَرْبُهُ بِالدُّرَّةِ ظُلْمًا، وما أنْكَرَ عَلى عُمَرَ أحَدٌ مِنَ الصَّحابَةِ فَجَرى ذَلِكَ مَجْرى الإجْماعِ، وقالَ أكْثَرُ الفُقَهاءِ إنَّهُ أمْرُ اسْتِحْبابٍ وهو ظاهِرُ قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ والحَسَنِ والشَّعْبِيِّ وإلَيْهِ ذَهَبَ مالِكٌ وأبُو حَنِيفَةَ والشّافِعِيُّ والثَّوْرِيُّ، واحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ”«لا يَحِلُّ مالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلّا بِطِيبٍ مِن نَفْسِهِ» “ وأنَّهُ لا فَرْقَ أنْ يَطْلُبَ الكِتابَةَ أوْ يَطْلُبَ بَيْعَهُ مِمَّنْ يُعْتِقُهُ في الكَفّارَةِ، فَكَما لا يَجِبُ ذَلِكَ فَكَذا الكِتابَةُ وهَذِهِ طَرِيقَةُ المُعاوَضاتِ أجْمَعَ وهاهُنا سُؤالانِ:
السُّؤالُ الأوَّلُ: كَيْفَ يَصِحُّ أنْ يَبِيعَ مالَهُ بِمالِهِ ؟ قُلْنا إذا ورَدَ الشَّرْعُ بِهِ فَيَجِبُ أنْ يَجُوزَ كَما إذا عَتَقَهُ عَلى مالٍ يَكْتَسِبُهُ فَيُؤَدِّيهِ أوْ يُؤَدِّي عَنْهُ صارَ سَبَبًا لِعِتْقِهِ.
السُّؤالُ الثّانِي: هَلْ يَسْتَفِيدُ العَبْدُ بِعَقْدِ الكِتابَةِ ما لا يَمْلِكُهُ لَوْلا الكِتابَةُ ؟ قُلْنا نَعَمْ لِأنَّهُ لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الزَّكاةَ، ولَمْ يُكاتِبْ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أنْ يَأْخُذَها، وإذا صارَ مُكاتَبًا حَلَّ لَهُ، وإذا دَفَعَ إلى مَوْلاهُ حَلَّ لَهُ، سَواءٌ أدّى فَعَتَقَ أوْ عَجَزَ فَعادَ إلى الرِّقِّ، ويَسْتَفِيدُ أيْضًا أنَّ الكِتابَةَ تَبْعَثُهُ عَلى الجِدِّ والِاجْتِهادِ في الكَسْبِ، فَلَوْلاها لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَلَ ذَلِكَ، ويَسْتَفِيدُ المَوْلى الثَّوابَ لِأنَّهُ إذا باعَهُ فَلا ثَوابَ، وإذا كاتَبَهُ فَفِيهِ ثَوابٌ، ويَسْتَفِيدُ أيْضًا الوَلاءُ لِأنَّهُ لَوْ عُتِقَ مِن قِبَلِ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ولاءٌ وإذا عُتِقَ بِالكِتابَةِ فالوَلاءُ لَهُ، فَوَرَدَ الشَّرْعُ بِجَوازِ الكِتابَةِ لِما ذَكَرْناهُ مِنَ الفَوائِدِ.
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ فَذَكَرُوا في الخَيْرِ وُجُوهًا:
أحَدُها: ما رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ ”«إنْ عَلِمْتُمْ لَهم حِرْفَةً، فَلا تَدَعُوهم كَلًّا عَلى النّاسِ» “ .
وثانِيها: قالَ عَطاءٌ الخَيْرُ المالُ وتَلا ﴿كُتِبَ عَلَيْكم إذا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا﴾ [البقرة: ١٨٠] أيْ تَرَكَ مالًا، قالَ وبَلَغَنِي ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
وثالِثُها: عَنِ ابْنِ سِيرِينَ (p-١٩٠)قالَ إذا صَلّى، وقالَ النَّخَعِيُّ وفاءً وصِدْقًا، وقالَ الحَسَنُ صَلاحًا في الدِّينِ.
ورابِعُها: قالَ الشّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: المُرادُ بِالخَيْرِ الأمانَةُ والقُوَّةُ عَلى الكَسْبِ، لِأنَّ مَقْصُودَ الكِتابَةِ قَلَّما يَحْصُلُ إلّا بِهِما فَإنَّهُ يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ كَسُوبًا يُحَصِّلُ المالَ ويَكُونُ أمِينًا يَصْرِفُهُ في نُجُومِهِ ولا يُضَيِّعُهُ، فَإذا فُقِدَ الشَّرْطانِ أوْ أحَدُهُما لا يُسْتَحَبُّ أنْ يُكاتِبَهُ، والأقْرَبُ أنَّهُ لا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلى المالِ لِوَجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: أنَّ المَفْهُومَ مِن كَلامِ النّاسِ إذا قالُوا فُلانٌ فِيهِ خَيْرٌ إنَّما يُرِيدُونَ بِهِ الصَّلاحَ في الدِّينِ ولَوْ أرادَ المالَ لَقالَ: إنْ عَلِمْتُمْ لَهم خَيْرًا، لِأنَّهُ إنَّما يُقالُ: لِفُلانٍ مالٌ ولا يُقالُ فِيهِ مالٌ.
الثّانِي: أنَّ العَبْدَ لا مالَ لَهُ بَلِ المالُ لِسَيِّدِهِ، فالأوْلى أنْ يُحْمَلَ عَلى ما يَعُودُ عَلى كِتابَتِهِ بِالتَّمامِ، وهو الَّذِي ذَكَرَهُ الشّافِعِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- وهو أنْ يَتَمَكَّنَ مِنَ الكَسْبِ ويُوثَقَ بِهِ بِحِفْظِ ذَلِكَ لِأنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِمّا يَعُودُ عَلى كِتابَتِهِ بِالتَّمامِ، ودَخَلَ فِيهِ تَفْسِيرُ النَّبِيِّ ﷺ الخَيْرَ لِأنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فَسَّرَهُ بِالكَسْبِ وهو داخِلٌ في تَفْسِيرِ الشّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ.
* * *
أمّا قَوْلُهُ: ﴿وآتُوهم مِن مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ﴾ فَفِيهِ مَسْألَتانِ:
المسألة الأُولى: اخْتَلَفُوا في المُخاطَبِ بِقَوْلِهِ: ﴿وآتُوهُمْ﴾ عَلى وُجُوهٍ:
أحَدُها: أنَّهُ هو المَوْلى يَحُطُّ عَنْهُ جُزْءًا مِن مالِ الكِتابَةِ أوْ يَدْفَعُ إلَيْهِ جُزْءًا مِمّا أُخِذَ مِنهُ، وهَؤُلاءِ اخْتَلَفُوا في قَدْرِهِ، فَمِنهم مَن جَعَلَ الخِيارَ لَهُ وقالَ: يَجِبُ أنْ يَحُطَّ قَدْرًا يَقَعُ بِهِ الِاسْتِغْناءُ، وذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِكَثْرَةِ المالِ وقِلَّتِهِ ومِنهم مَن قالَ يَحُطُّ رُبْعَ المالِ، رَوى عَطاءُ بْنُ السّائِبِ عَنْ أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أنَّهُ كاتَبَ غُلامًا لَهُ فَتَرَكَ لَهُ رُبْعَ مُكاتَبَتِهِ، وقالَ إنَّ عَلِيًّا كانَ يَأْمُرُنا بِذَلِكَ ويَقُولُ وهو قَوْلُ اللَّهِ تَعالى: ﴿وآتُوهم مِن مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ﴾ فَإنْ لَمْ يَفْعَلْ فالسُّبُعُ، لِما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أنَّهُ كاتَبَ عَبْدًا لَهُ بِخَمْسٍ وثَلاثِينَ ألْفًا ووَضَعَ عَنْهُ خَمْسَةَ آلافٍ.
ويُرْوى أنَّ عُمَرَ كاتَبَ عَبْدًا لَهُ فَجاءَ بِنَجْمِهِ فَقالَ لَهُ: اذْهَبْ فاسْتَعِنْ بِهِ عَلى أداءِ مالِ الكِتابَةِ، فَقالَ المُكاتَبُ لَوْ تَرَكْتُهُ إلى آخِرِ نَجْمٍ ؟ فَقالَ إنِّي أخافُ أنْ لا أُدْرِكَ ذَلِكَ ثُمَّ سَهْمَهُمُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لَهم مِنَ الصَّدَقاتِ في قَوْلِهِ: ﴿وفِي الرِّقابِ﴾ [البقرة: ١٧٧] وعَلى هَذا فالخِطابُ لِغَيْرِ السّادَةِ وهو قَوْلُ الحَسَنِ والنَّخَعِيِّ، ورِوايَةُ عَطاءٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وأجْمَعُوا عَلى أنَّهُ لا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أنْ يَدْفَعَ صَدَقَتَهُ المَفْرُوضَةَ إلى مُكاتَبِ نَفْسِهِ.
وثالِثُها: أنَّ هَذا أمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى لِلسّادَةِ والنّاسِ أنْ يُعِينُوا المُكاتَبَ عَلى كِتابَتِهِ بِما يُمْكِنُهم، وهَذا قَوْلُ الكَلْبِيِّ وعِكْرِمَةَ والمُقاتِلِينَ والنَّخَعِيُّ، وقالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ”«مَن أعانَ مُكاتَبًا عَلى فَكِّ رَقَبَتِهِ أظَلَّهُ اللَّهُ تَعالى في ظِلِّ عَرْشِهِ» “، ورُوِيَ «أنَّ رَجُلًا قالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: عَلِّمْنِي عَمَلًا يُدْخِلُنِي الجَنَّةَ قالَ: ”لَئِنْ كُنْتَ أقْصَرْتَ الخُطْبَةَ لَقَدْ أعْظَمْتَ المسألة، أعْتَقِ النَّسَمَةَ وفُكَّ الرَّقَبَةَ، فَقالَ ألَيْسا واحِدًا ؟ فَقالَ لا، عِتْقُ النَّسَمَةِ أنْ تَنْفَرِدَ بِعِتْقِها، وفَكُّ الرَّقَبَةِ أنْ تُعِينَ في ثَمَنِها“» .
قالُوا ويُؤَكِّدُ هَذا القَوْلَ وُجُوهٌ:
أحَدُها: أنَّهُ أمْرٌ بِإعْطائِهِ مِن مالِ اللَّهِ تَعالى، وما أُطْلِقَ عَلَيْهِ هَذِهِ الإضافَةُ فَهو ما كانَ سَبِيلُهُ الصَّدَقَةَ وصَرْفُهُ في وُجُوهِ القُرْبِ.
وثانِيها: أنَّ قَوْلَهُ: ﴿مِن مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ﴾ هو الَّذِي قَدْ صَحَّ مِلْكُهُ لِلْمالِكِ وأُمِرَ بِإخْراجِ بَعْضِهِ، ومالُ الكِتابَةِ لَيْسَ بِدَيْنٍ صَحِيحٍ؛ لِأنَّهُ عَلى عَبْدِهِ والمَوْلى لا يَثْبُتُ لَهُ عَلى عَبْدِهِ دَيْنٌ صَحِيحٌ.
وثالِثُها: أنَّ ما آتاهُ اللَّهُ فَهو الَّذِي يَحْصُلُ في يَدِهِ ويُمْكِنُهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ، وما سَقَطَ عَقِيبَ العَقْدِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ عَلَيْهِ يَدُ مِلْكٍ، فَلا يَسْتَحِقُّ الصِّفَةَ بِأنَّهُ مِن مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاهُ، فَإنْ قِيلَ هاهُنا وجْهانِ يَقْدَحانِ في صِحَّةِ هَذا التَّأْوِيلِ:
أحَدُهُما: أنَّهُ كَيْفَ يَحِلُّ لِمَوْلاهُ إذا كانَ غَنِيًّا أنْ يَأْخُذَ مِن مالِ الصَّدَقَةِ.
والثّانِي: أنَّ قَوْلَهُ: ﴿وآتُوهُمْ﴾ مَعْطُوفٌ عَلى قَوْلِهِ: ﴿فَكاتِبُوهُمْ﴾ فَيَجِبُ أنْ يَكُونَ المُخاطَبُ في المَوْضِعَيْنِ واحِدًا، وعَلى هَذا التَّأْوِيلِ يَكُونُ المُخاطَبُ (p-١٩١)فِي الآيَةِ الأُولى السّاداتِ، وفي الثّانِي سائِرَ المُسْلِمِينَ. قُلْنا: أمّا الأوَّلُ فَجَوابُهُ أنَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ تَحِلُّ لِمَوْلاهُ، وكَذَلِكَ إذا لَمْ تَقِفِ الصَّدَقَةُ بِجَمِيعِ النُّجُومِ وعَجَزَ عَنْ أداءِ الباقِي، كانَ لِلْمَوْلى ما أخَذَهُ؛ لِأنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهُ بِسَبَبِ الصَّدَقَةِ، ولَكِنْ بِسَبَبِ عَقْدِ الكِتابَةِ كَمَنِ اشْتَرى الصَّدَقَةَ مِنَ الفَقِيرِ أوْ ورِثَها مِنهُ.
يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في حَدِيثِ بَرِيرَةَ ”«هُوَ لَها صَدَقَةٌ ولَنا هَدِيَّةٌ» “ . والجَوابُ: عَنِ الثّانِي أنَّهُ قَدْ يَصِحُّ الخِطابُ لِقَوْمٍ، ثُمَّ يَعْطِفُ عَلَيْهِ بِمِثْلِ لَفْظِهِ خِطابًا لِغَيْرِهِمْ، كَقَوْلِهِ تَعالى: (﴿إذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ﴾ [الطلاق: ١] فالخِطابُ لِلْأزْواجِ ثُمَّ خاطَبَ الأوْلِياءَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَلا تَعْضُلُوهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٣٢] وقَوْلِهِ: ﴿مُبَرَّءُونَ مِمّا يَقُولُونَ﴾ [النور: ٢٦] والقائِلُونَ غَيْرُ المُبَرَّئِينَ فَكَذا هاهُنا قالَ لِلسّادَةِ ﴿فَكاتِبُوهُمْ﴾ وقالَ لِغَيْرِهِمْ ﴿وآتُوهُمْ﴾ أوْ قالَ لَهم ولِغَيْرِهِمْ.
* * *
المسألة الثّانِيَةُ: قالَ الشّافِعِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- يَجِبُ عَلى المَوْلى إيتاءُ المُكاتَبِ وهو أنْ يَحُطَّ عَنْهُ جُزْءًا مِن مالِ الكِتابَةِ، أوْ يَدْفَعَ إلَيْهِ جُزْءًا مِمّا أُخِذَ مِنهُ، وقالَ مالِكٌ وأبُو حَنِيفَةَ وأصْحابُهُ: إنَّهُ مَندُوبٌ إلَيْهِ لَكِنَّهُ غَيْرُ واجِبٍ، حُجَّةُ الشّافِعِيِّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- ظاهِرُ قَوْلِهِ: ﴿وآتُوهم مِن مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ﴾ والأمْرُ لِلْوُجُوبِ فَقِيلَ عَلَيْهِ إنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَكاتِبُوهُمْ﴾ وقَوْلَهُ: ﴿وآتُوهُمْ﴾ أمْرانِ ورَدا في صُورَةٍ واحِدَةٍ، فَلِمَ جُعِلَتِ الأُولى نَدْبًا والثّانِيَ إيجابًا ؟ .
وأيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ أنَّ قَوْلَهُ ﴿وآتُوهُمْ﴾ لَيْسَ خِطابًا مَعَ المَوالِي بَلْ مَعَ عامَّةِ المُسْلِمِينَ. حُجَّةُ أبِي حَنِيفَةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ- مِن حَيْثُ السُّنَّةِ والقِياسِ، أمّا السُّنَّةُ فَما رَوى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ قالَ: ”«أيُّما عَبْدٍ كاتَبَ عَلى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ فَأدّاها إلّا عَشْرَ أواقٍ فَهو عَبْدٌ» “ فَلَوْ كانَ الحَطُّ واجِبًا لَسَقَطَ عَنْهُ بِقَدْرِهِ، وعَنْ عُرْوَةَ «عَنْ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالَتْ: ”جاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقالَتْ: يا عائِشَةُ إنِّي قَدْ كاتَبْتُ أهْلِي عَلى تِسْعِ أواقٍ في كُلِّ عامٍ أُوقِيَّةٌ فَأعْيَتْنِي، ولَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِن كِتابَتِها شَيْئًا، فَقالَتْ عائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها ارْجِعِي إلى أهْلِكِ فَإنْ أحَبُّوا أنْ أُعْطِيَهم ذَلِكَ جَمِيعًا ويَكُونُ ولاؤُكِ لِي فَعَلْتُ، فَأبَوْا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَقالَ: لا يَمْنَعُكِ ذَلِكَ مِنها، ابْتاعِي وأعْتِقِي، فَإنَّما الوَلاءُ لِمَن أعْتَقَ“» .
وجْهُ الِاسْتِدْلالِ أنَّها ما قَضَتْ مِن كِتابَتِها شَيْئًا وأرادَتْ عائِشَةُ أنْ تُؤَدِّيَ عَنْها كِتابَتَها بِالكُلِّيَّةِ وذَكَرَتْهُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وتَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ النُّكْرَ عَلَيْها، ولَمْ يَقُلْ إنَّها تَسْتَحِقُّ أنْ يُحَطَّ عَنْها بَعْضُ كِتابَتِها فَثَبَتَ قَوْلُنا. وأمّا القِياسُ فَمِن وجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: لَوْ كانَ الإيتاءُ واجِبًا لَكانَ وُجُوبُهُ مُتَعَلِّقًا بِالعَقْدِ فَيَكُونُ العَقْدُ مُوجِبًا لَهُ ومُسْقِطًا لَهُ، وذَلِكَ مُحالٌ لِتَنافِي الإسْقاطِ والإيجابِ.
الثّانِي: لَوْ كانَ الحَطُّ واجِبًا لَما احْتاجَ إلى أنْ يُضَعَ عَنْهُ بَلْ كانَ يَسْقُطُ القَدْرُ المُسْتَحَقُّ كَمَن لَهُ عَلى إنْسانٍ دَيْنٌ ثُمَّ حَصَلَ لِذَلِكَ الآخَرِ عَلى الأوَّلِ مِثْلُهُ فَإنَّهُ يَصِيرُ قِصاصًا.
ولَوْ كانَ كَذَلِكَ لَكانَ قَدْرُ الإيتاءِ إمّا أنْ يَكُونَ مَعْلُومًا أوْ مَجْهُولًا، فَإنْ كانَ مَعْلُومًا وجَبَ أنْ تَكُونَ الكِتابَةُ بِألْفَيْنِ فَيُعْتَقُ إذا أدّى ثَلاثَةَ آلافٍ. والكِتابَةُ أرْبَعَةُ آلافٍ، وذَلِكَ باطِلٌ لِأنَّ أداءَ جَمِيعِها مَشْرُوطٌ، فَلا يُعْتَقُ بِأداءِ بَعْضِها، ولِأنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ قالَ: ”«المُكاتَبُ عَبْدٌ ما بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» “ وإنْ كانَ مَجْهُولًا صارَتِ الكِتابَةُ مَجْهُولَةً لِأنَّ الباقِيَ بَعْدَ الحَطِّ مَجْهُولٌ فَيَصِيرُ بِمَنزِلَةِ مَن كاتَبَ عَبْدَهُ عَلى ألْفِ دِرْهَمٍ إلّا شَيْئًا وذَلِكَ غَيْرُ جائِزٍ واللَّهُ أعْلَمُ.
* *
الحُكْمُ العاشِرُ: الإكْراهُ عَلى الزِّنا، قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولا تُكْرِهُوا فَتَياتِكم عَلى البِغاءِ إنْ أرَدْنَ تَحَصُّنًا﴾ (p-١٩٢)﴿لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الحَياةِ الدُّنْيا ومَن يُكْرِهُّنَّ فَإنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ .
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ ما يَلْزَمُ مِن تَزْوِيجِ العَبِيدِ والإماءِ وكِتابَتِهِمْ، أتْبَعَ ذَلِكَ بِالمَنعِ مِن إكْراهِ الإماءِ عَلى الفُجُورِ، وهاهُنا مَسائِلُ:
المسألة الأُولى: اخْتَلَفُوا في سَبَبِ نُزُولِها عَلى وُجُوهٍ:
الأوَّلُ: كانَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ المُنافِقِ سِتُّ جَوارٍ، مُعاذَةُ ومُسَيْكَةُ وأُمَيْمَةُ وعَمْرَةُ وأرْوى وقُتَيْلَةُ يُكْرِهُهُنَّ عَلى البِغاءِ، وضَرَبَ عَلَيْهِنَّ ضَرائِبَ فَشَكَتِ [ ا ] ثَنَتانِ مِنهُنَّ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَنَزَلَتِ الآيَةُ.
وثانِيها: أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ أسَرَ رَجُلًا فَراوَدَ الأسِيرُ جارِيَةَ عَبْدِ اللَّهِ، وكانَتِ الجارِيَةُ مُسْلِمَةً فامْتَنَعَتِ الجارِيَةُ لِإسْلامِها وأكْرَهَها ابْنُ أُبَيٍّ عَلى ذَلِكَ رَجاءَ أنْ تَحْمِلَ مِنَ الأسِيرِ فَيَطْلُبَ فِداءَ ولَدِهِ فَنَزَلَتْ.
وثالِثُها: رَوى أبُو صالِحِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قالَ: ”«جاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ومَعَهُ جارِيَةٌ مِن أجْمَلِ النِّساءِ تُسَمّى مُعاذَةُ، فَقالَ يا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ لِأيْتامِ فُلانٍ، أفَلا نَأْمُرُها بِالزِّنا فَيُصِيبُونَ مِن مَنافِعِها ؟ فَقالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لا، فَأعادَ الكَلامَ“ فَنَزَلَتِ الآيَةُ» .
وقالَ جابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ”جاءَتْ جارِيَةٌ لِبَعْضِ النّاسِ فَقالَتْ: إنَّ سَيِّدِي يُكْرِهُنِي عَلى البِغاءِ“ فَنَزَلَتِ الآيَةُ.
* * *
المسألة الثّانِيَةُ: الإكْراهُ إنَّما يَحْصُلُ مَتى حَصَلَ التَّخْوِيفُ بِما يَقْتَضِي تَلَفَ النَّفْسِ، فَأمّا بِاليَسِيرِ مِنَ الخَوْفِ فَلا تَصِيرُ مُكْرَهَةً، فَحالُ الإكْراهِ عَلى الزِّنا كَحالِ الإكْراهِ عَلى كَلِمَةِ الكُفْرِ والنَّصُّ وإنْ كانَ مُخْتَصًّا بِالإماءِ إلّا أنَّ حالَ الحَرائِرِ كَذَلِكَ.
المسألة الثّالِثَةُ: العَرَبُ تَقُولُ لِلْمَمْلُوكِ فَتًى ولِلْمَمْلُوكَةِ فَتاةٌ، قالَ تَعالى: ﴿فَلَمّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ﴾ [الكهف: ٦٢] وقالَ: ﴿تُراوِدُ فَتاها﴾ [يوسف: ٣٠] وقالَ: ﴿فَمِن ما مَلَكَتْ أيْمانُكم مِن فَتَياتِكُمُ المُؤْمِناتِ﴾ [النساء: ٢٥] وفي الحَدِيثِ ”«لِيَقُلْ أحَدُكم فَتايَ وفَتاتِي ولا يَقُلْ عَبْدِي وأمَتِي» “ .
المسألة الرّابِعَةُ: البِغاءُ الزِّنا يُقالُ بَغَتْ تَبْغِي بِغاءً فَهي بَغِيٌّ.
المسألة الخامِسَةُ: الَّذِي نَقُولُ بِهِ أنَّ المُعَلَّقَ بِكَلِمَةِ ”إنْ“ عَلى الشَّيْءِ عَدَمٌ عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، والدَّلِيلُ عَلَيْهِ اتِّفاقُ أهْلِ اللُّغَةِ عَلى أنَّ كَلِمَةَ ”إنْ“ لِلشَّرْطِ، واتِّفاقُهم عَلى أنَّ الشَّرْطَ ما يَنْتَفِي الحُكْمُ عِنْدَ انْتِفائِهِ، ومَجْمُوعُ هاتَيْنِ المُقَدِّمَتَيْنِ النَّقْلِيَّتَيْنِ، يُوجِبُ الحُكْمَ بِأنَّ المُعَلَّقَ بِكَلِمَةِ ”إنْ“ عَلى الشَّيْءِ عَدَمٌ عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، واحْتَجَّ المُخالِفُ بِهَذِهِ الآيَةِ فَقالَ: إنَّهُ سُبْحانَهُ عَلَّقَ المَنعَ مِنَ الإكْراهِ عَلى البِغاءِ عَلى إرادَةِ التَّحَصُّنِ بِكَلِمَةِ ”إنْ“، فَلَوْ كانَ الأمْرُ كَما ذَكَرْتُمُوهُ لَزِمَ أنْ لا يَنْتَفِيَ المَنعُ مِنَ الإكْراهِ عَلى الزِّنا إذا لَمْ تُوجَدْ إرادَةُ التَّحَصُّنِ، وذَلِكَ باطِلٌ، فَإنَّهُ سَواءٌ وُجِدَتْ إرادَةُ التَّحَصُّنِ أوْ لَمْ تُوجَدْ فَإنَّ المَنعَ مِنَ الإكْراهِ عَلى الزِّنا حاصِلٌ.
والجَوابُ: لا نِزاعَ أنَّ ظاهِرَ الآيَةِ يَقْتَضِي جَوازَ الإكْراهِ عَلى الزِّنا عِنْدَ عَدَمِ إرادَةِ التَّحَصُّنِ، ولَكِنَّهُ فَسَدَ ذَلِكَ لِامْتِناعِهِ في نَفْسِهِ، لِأنَّهُ مَتى لَمْ تُوجَدُ إرادَةُ التَّحَصُّنِ في حَقِّها لَمْ تَكُنْ كارِهَةً لِلزِّنا، وحالُ كَوْنِها غَيْرَ كارِهَةٍ لِلزِّنا يَمْتَنِعُ إكْراهُها عَلى الزِّنا، فامْتَنَعَ ذَلِكَ لِامْتِناعِهِ في نَفْسِهِ وذاتِهِ، ومِنَ النّاسِ مِن ذَكَرَ فِيهِ جَوابًا آخَرَ وهو أنَّ غالِبَ الحالِ أنَّ الإكْراهَ لا يَحْصُلُ إلّا عِنْدَ إرادَةِ التَّحَصُّنِ.
والكَلامُ الوارِدُ عَلى سَبِيلِ الغالِبِ لا يَكُونُ لَهُ مَفْهُومُ الخِطابِ، كَما أنَّ الخُلْعَ يَجُوزُ في غَيْرِ حالَةِ الشِّقاقِ ولَكِنْ لَمّا كانَ الغالِبُ وُقُوعَ الخُلْعِ في حالَةِ الشِّقاقِ لا جَرَمَ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَإنْ خِفْتُمْ ألّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيما افْتَدَتْ بِهِ﴾ [البقرة: ٢٢٩] مَفْهُومٌ ومِن هَذا القَبِيلِ قَوْلُهُ: ﴿وإذا ضَرَبْتُمْ في الأرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكم جُناحٌ أنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إنْ خِفْتُمْ أنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ﴾ (p-١٩٣)﴿كَفَرُوا﴾ [النِّساءِ: ١٠١] والقَصْرُ لا يَخْتَصُّ بِحالِ الخَوْفِ ولَكِنَّهُ سُبْحانَهُ أجْراهُ عَلى سَبِيلِ الغالِبِ، فَكَذا هَهُنا.
والجَوابُ الثّالِثُ: مَعْناهُ إذا أرَدْنَ تَحَصُّنًا لِأنَّ القِصَّةَ الَّتِي ورَدَتِ الآيَةُ فِيها كانَتْ كَذَلِكَ عَلى ما رَوَيْنا أنَّ جارِيَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ أسْلَمَتْ وامْتَنَعَتْ عَلَيْهِ طَلَبًا لِلْعَفافِ، فَأكْرَهَها فَنَزَلَتِ الآيَةُ مُوافِقَةً لِذَلِكَ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإنْ كُنْتُمْ في رَيْبٍ مِمّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا﴾ [البَقَرَةِ: ٢٣] أيْ وإذا كُنْتُمْ في رَيْبٍ.
المسألة السّادِسَةُ: أنَّهُ تَعالى لَمّا مَنَعَ مِن إكْراهِهِنَّ عَلى الزِّنا فَفِيهِ ما يَدُلُّ عَلى أنَّ لَهم إكْراهَهُنَّ عَلى النِّكاحِ، فَلَيْسَ لَها أنْ تَمْتَنِعَ عَلى السَّيِّدِ إذا زَوَّجَها، بَلْ لَهُ أنْ يُكْرِهَها عَلى ذَلِكَ، وهَذِهِ الدَّلالَةُ دَلالَةُ دَلِيلِ الخِطابِ.
أمّا قَوْلُهُ ﴿إنْ أرَدْنَ تَحَصُّنًا﴾ أيْ تَعَفُّفًا ﴿لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الحَياةِ الدُّنْيا﴾ يَعْنِي كَسْبَهُنَّ وأوْلادَهُنَّ.
أمّا قَوْلُهُ: ﴿ومَن يُكْرِهُّنَّ فَإنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ فاعْلَمْ أنَّهُ لَيْسَ في الآيَةِ [بَيانٌ] أنَّهُ تَعالى غَفُورٌ رَحِيمٌ لِلْمُكْرِهِ أوْ لِلْمُكْرَهَةِ لا جَرَمَ ذَكَرُوا فِيهِ وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: فَإنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ بِهِنَّ، لِأنَّ الإكْراهَ أزالَ الإثْمَ والعُقُوبَةَ، لِأنَّ الإكْراهَ عُذْرٌ لِلْمُكْرَهَةِ، أمّا المُكْرِهُ فَلا عُذْرَ لَهُ فِيما فَعَلَ.
الثّانِي: المُرادُ فَإنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ بِالمُكْرِهِ بِشَرْطِ التَّوْبَةِ، وهَذا ضَعِيفٌ لِأنَّ عَلى التَّفْسِيرِ الأوَّلِ لا حاجَةَ إلى هَذا الإضْمارِ، وعَلى التَّفْسِيرِ الثّانِي يُحْتاجُ إلَيْهِ.
{"ayah":"وَلۡیَسۡتَعۡفِفِ ٱلَّذِینَ لَا یَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ یُغۡنِیَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَٱلَّذِینَ یَبۡتَغُونَ ٱلۡكِتَـٰبَ مِمَّا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡ فَكَاتِبُوهُمۡ إِنۡ عَلِمۡتُمۡ فِیهِمۡ خَیۡرࣰاۖ وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِیۤ ءَاتَىٰكُمۡۚ وَلَا تُكۡرِهُوا۟ فَتَیَـٰتِكُمۡ عَلَى ٱلۡبِغَاۤءِ إِنۡ أَرَدۡنَ تَحَصُّنࣰا لِّتَبۡتَغُوا۟ عَرَضَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۚ وَمَن یُكۡرِههُّنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِنۢ بَعۡدِ إِكۡرَ ٰهِهِنَّ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق