الباحث القرآني
ولَمّا أمَرَ سُبْحانَهُ بِما يَعْصِمُ مِنَ الفِتْنَةِ مِن غَضِّ البَصَرِ ثُمَّ بِما يُحَصِّنُ مِنَ النِّكاحِ، وجَرَّأ عَلَيْهِ بِالوَعْدِ بِالإغْناءِ، وكانَ هَذا الوَعْدُ فِيما بَعْدَ النِّكاحِ، وقَدَّمَ الكَلامَ فِيهِ تَرْغِيبًا لِلْإنْسانِ في التَّوَكُّلِ والإحْصانِ، وكانَ قَبْلَهُ ما قَدْ يَتَعَذَّرُ لِأجْلِهِ إمّا بِعَدَمِ وِجْدانِ المَهْرِ وما يُطْلَبُ مِنهُ تَقْدِيمُهُ، أوْ بِعَدَمِ رِضى العَبْدِ وغَيْرِهِ بِكَوْنِ ولَدِهِ رَقِيقًا أوْ غَيْرَ ذَلِكَ، أتْبَعَهُ قَوْلَهُ حاثًّا عَلى قَمْعِ النَّفْسِ الأمّارَةِ عِنْدَ العَجْزِ: ﴿ولْيَسْتَعْفِفِ﴾ أيْ يُبالِغْ في طَلَبِ العِفَّةِ وإيجادِها عَنِ الحَرامِ ﴿الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحًا﴾ أيْ قُدْرَةً عَلَيْهِ وباعِثًا إلَيْهِ ﴿حَتّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ الإحاطَةُ بِجَمِيعِ صِفاتِ الكَمالِ ﴿مِن فَضْلِهِ﴾ في ذَلِكَ الَّذِي (p-٢٦٨)تَعَذَّرَ عَلَيْهِمُ النِّكاحَ بِسَبَبِهِ.
ولَمّا كانَ مِن جُمْلَةِ المَوانِعِ كَما تَقَدَّمَ خَوْفُ الرِّقِّ عَلى الوَلَدِ لِمَن لَهُ مِنَ الرَّقِيقِ هِمَّةٌ عَلِيَّةٌ، ونَفْسٌ أبِيَّةٌ، أتْبَعَهُ قَوْلَهُ: ﴿والَّذِينَ يَبْتَغُونَ﴾ أيْ يَطْلُبُونَ طَلَبًا عازِمًا ﴿الكِتابَ﴾ أيِ المُكاتَبَةَ ﴿مِمّا مَلَكَتْ أيْمانُكُمْ﴾ ذَكَرًا كانَ أوْ أُنْثى؛ وعَبَّرَ بِ ”ما“ إشارَةً إلى ما في الرَّقِيقِ مِنَ النَّقْصِ ﴿فَكاتِبُوهُمْ﴾ أيْ نَدَبًا لِأنَّهُ مُعاوَضَةٌ تَتَضَمَّنُ الإرْفاقَ عَلى ما يُؤَدُّونَهُ إلَيْكم مُنَجَّمًا، فَإذا أدَّوْهُ عُتِقُوا ﴿إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ أيْ تَصَرُّفًا صالِحًا في دِينِهِمْ ودُنْياهم لِئَلّا يَفْسُدَ حالُهم بَعْدَ الِاسْتِقْلالِ بِأنْفُسِهِمْ؛ قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: ورَوى أبُو داوُدَ في كِتابِ المَراسِيلِ عَنْ يَحْيى ابْنِ أبِي كَثِيرٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ حِرْفَةً ولا تُرْسِلُوهم كَلًّا عَلى النّاسِ» انْتَهى.
ولَعَلَّهُ عَبَّرَ بِالعِلْمِ في مَوْضِعِ الظَّنِّ لِذَلِكَ ﴿وآتُوهُمْ﴾ وُجُوبًا إذا أدَّوْا إلَيْكم ﴿مِن مالِ اللَّهِ﴾ أيِ الَّذِي عَمَّ كَلَّ شَيْءٍ بِنِعْمَتِهِ، لِأنَّهُ المَلِكُ العَظِيمُ ﴿الَّذِي آتاكُمْ﴾ ولَوْ بِحَطِّ شَيْءٍ مِن مالِ الكِتابَةِ.
ولَمّا أمَرَ سُبْحانَهُ بِالجُودِ في أمْرِ الرَّقِيقِ تارَةً بِالنَّفْسِ، وتارَةً (p-٢٦٩)بِالمالِ، نَهاهم عَمّا يُنافِيهِ فَقالَ: ﴿ولا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ﴾ أيْ إماءَكُمْ، ولَعَلَّهُ عَبَّرَ بِلَفْظِ الفُتُوَّةِ هَزًّا لَهم إلى مَعالِي الأخْلاقِ، وتَخْجِيلًا مِن طَلَبِ الفُتُوَّةِ مِن أمَةٍ ﴿عَلى البِغاءِ﴾ أيِ الزِّنى لِتَأْخُذُوا مِنهُنَّ مِمّا يَأْخُذْنَهُ مِن ذَلِكَ.
ولَمّا كانَ الإكْراهُ عَلى الزِّنى لا يَصِحُّ إلّا عِنْدَ العِفَّةِ، وكانَ ذَلِكَ نادِرًا مِن أمَةٍ، قالَ: ﴿إنْ﴾ بِأداةِ الشَّكِّ ﴿أرَدْنَ تَحَصُّنًا﴾ وفي ذَلِكَ زِيادَةُ تَقْبِيحٍ لِلْإكْراهِ عَلى هَذا الفِعْلِ حَيْثُ كانَتِ النِّساءُ مُطْلَقًا يَتَعَفَّفْنَ عَنْهُ مَعَ أنَّهُنَّ مَجْبُولاتٌ عَلى حُبِّهِ، فَكَيْفَ إذا لَمْ يَمْنَعْهُنَّ مانِعُ خَوْفٍ أوْ حَياءٍ كالإماءِ، فَكَيْفَ إذا أُذِنَ لَهُنَّ فِيهِ. فَكَيْفَ إذا أُلْجِئْنَ إلَيْهِ، وأشارَ بِصِيغَةِ التَّفَعُّلِ وذَكَرَ الإرادَةَ إلى أنَّ ذَلِكَ لا يَكُونُ إلّا عَنْ عِفَّةٍ بالِغَةٍ، وزادَ في تَصْوِيرِ التَّقْبِيحِ بِذِكْرِ عِلَّةِ التِزامِ هَذا العارِ في قَوْلِهِ: ﴿لِتَبْتَغُوا﴾ أيْ تَطْلُبُوا طَلَبًا حَثِيثًا فِيهِ رَغْبَةٌ قَوِيَّةٌ بِإكْراهِهِنَّ عَلى الفِعْلِ الفاحِشِ ﴿عَرَضَ الحَياةِ الدُّنْيا﴾ فَإنَّ العَرَضَ مُتَحَقِّقٌ فِيهِ الزَّوالُ، والدُّنْيا مُشْتَقَّةٌ مِنَ الدَّناءَةِ.
ولَمّا نَهى سُبْحانَهُ عَنِ الإكْراهِ، رَغَّبَ المَوالِيَ في التَّوْبَةِ عِنْدَ المُخالَفَةِ (p-٢٧٠)فِيهِ فَقالَ: ﴿ومَن يُكْرِهُّنَّ﴾ دُونَ أنْ يَقُولَ: وإنْ أُكْرِهْنَ، وعَبَّرَ بِالمُضارِعِ إعْلامًا بِأنَّهُ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ مِمَّنْ خالَفَ بَعْدَ نُزُولِ الآيَةِ، وعَبَّرَ بِالِاسْمِ العَلَمِ في قَوْلِهِ: ﴿فَإنَّ اللَّهَ﴾ إعْلامًا بِأنَّ الجَلالَ غَيْرُ مُؤَيَّسٍ مِنَ الرَّحْمَةِ، ولَعَلَّهُ عَبَّرَ بِلَفْظِ ”بَعْدَ“ إشارَةً إلى العَفْوِ عَنِ المَيْلِ إلى ذَلِكَ الفِعْلِ عِنْدَ مُواقَعَتِهِ إنْ رَجَعَتْ إلى الكَراهَةِ بَعْدَهُ، فَإنَّ النَّفْسَ لا تَمْلِكُ بُغْضَهُ حِينَئِذٍ، فَقالَ: ﴿مِن بَعْدِ إكْراهِهِنَّ غَفُورٌ﴾ أيْ لَهُنَّ ولِلْمَوالِي، يَسْتُرُ ذَلِكَ الذَّنْبَ إنْ تابُوا ﴿رَحِيمٌ﴾ بِالتَّوْفِيقِ لِلصِّنْفَيْنِ إلى ما يُرْضِيهِ.
{"ayah":"وَلۡیَسۡتَعۡفِفِ ٱلَّذِینَ لَا یَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ یُغۡنِیَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَٱلَّذِینَ یَبۡتَغُونَ ٱلۡكِتَـٰبَ مِمَّا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡ فَكَاتِبُوهُمۡ إِنۡ عَلِمۡتُمۡ فِیهِمۡ خَیۡرࣰاۖ وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِیۤ ءَاتَىٰكُمۡۚ وَلَا تُكۡرِهُوا۟ فَتَیَـٰتِكُمۡ عَلَى ٱلۡبِغَاۤءِ إِنۡ أَرَدۡنَ تَحَصُّنࣰا لِّتَبۡتَغُوا۟ عَرَضَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۚ وَمَن یُكۡرِههُّنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِنۢ بَعۡدِ إِكۡرَ ٰهِهِنَّ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق