الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ: ﴿والَّذِينَ يَبْتَغُونَ الكِتابَ مِمّا مَلَكَتْ أيْمانُكم فَكاتِبُوهم إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾، مَعْنى ”﴿إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾، قِيلَ:“ إنْ عَلِمْتُمْ أداءَ ما يُفارَقُ عَلَيْهِ ”، أيْ:“ عَلِمْتُمْ أنَّهم يَكْتِبُونَ ما يُؤَدُّونَهُ ”، ومَعْنى المُكاتَبَةِ أنْ يُكاتِبَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ، أوْ أمَتَهُ، (p-٤١)عَلى أنْ يُفارِقَهُ، أنَّهُ إذا أدّى إلَيْهِ كَذا وكَذا مِنَ المالِ، في كَذا وكَذا مِنَ النُّجُومِ، فالعَبْدُ حُرٌّ، إذا أدّى جَمِيعَ ما عَلَيْهِ، ووَلاؤُهُ لِمَوْلاهُ الَّذِي كاتَبَهُ، لِأنَّ مَوْلاهُ جادَ عَلَيْهِ بِالكَسْبِ الَّذِي هو في الأصْلِ لِمَوْلاهُ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَآتُوهم مِن مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ﴾، هَذا - عِنْدَ أكْثَرِ الفُقَهاءِ - عَلى النَّدْبِ، لِلْمَوْلى أنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا مِمّا يُفارِقُهُ عَلَيْهِ، أوْ مِن مالِهِ، ما يَسْتَعِينُ بِهِ عَلى قَضاءِ نُجُومِهِ، ولَهُ ألّا يَفْعَلَ، وكَذَلِكَ لَهُ أنْ يُكاتِبَهُ إذا طَلَبَ المُكاتَبَةَ، ولَهُ ألّا يُكاتِبَهُ، ومُخْرَجُ هَذا الأمْرِ مُخْرَجُ الإباحَةِ، كَما قالَ: ﴿وَإذا حَلَلْتُمْ فاصْطادُوا﴾ [المائدة: ٢]، لِأنَّهُ حَرَّمَ عَلَيْهِمُ الصَّيْدَ ما دامُوا حُرُمًا، وكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَإذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فانْتَشِرُوا في الأرْضِ وابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ﴾ [الجمعة: ١٠]، هَذا بَعْدَ أنْ حَظَرَ عَلَيْهِمُ البَيْعَ في وقْتِ النِّداءِ إلى الصَّلاةِ، فَهَذا أباحَهُ فِيهِ لِأنَّ العَبْدَ المَمْلُوكَ لا مالَ لَهُ، ولا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ، فَأباحَ اللَّهُ لَهم أنْ يُقْدِرُوهُ، ويُرْوى عَنْ عُمَرَ أنَّهُ كاتَبَ عَبْدًا لَهُ يُكْنى“ أبا أُمَيَّةَ ”، وهو أوَّلُ عَبْدٍ كُوتِبَ في الإسْلامِ، فَأتاهُ بِأوَّلِ نَجْمٍ، فَدَفَعَهُ إلَيْهِ عُمَرُ، وقالَ لَهُ:“ اِسْتَعِنْ بِهِ عَلى مُكاتَبَتِكَ ”، فَقالَ:“ لَوْ أخَّرْتَهُ إلى آخِرِ نَجْمٍ ”، فَقالَ:“ أخافُ ألّا أُدْرِكَ ذَلِكَ " . وَقَوْلُهُ: ﴿أوْ نِسائِهِنَّ﴾ [النور: ٣١]، وذَلِكَ أنَّهُ لا يَحِلُّ أنْ تَرى المُشْرِكاتُ ما يَحِلُّ أنْ تَراهُ المُؤْمِناتُ مِنَ (p-٤٢)المُومِناتِ، يُعْنى بِنِسائِهِنَّ نِساءُ المُؤْمِناتِ، والمُؤْمِنُونَ والمُؤْمِناتُ بَعْضُهم أوْلِياءُ بَعْضٍ. وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أوْ ما مَلَكَتْ أيْمانُهُنَّ أوِ التّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ﴾ [النور: ٣١]، ”غَيْرِ“، صِفَةٌ لِـ ”اَلتّابِعِينَ“، دَلِيلٌ عَلى قَوْلِهِ: ﴿أوْ ما مَلَكَتْ أيْمانُهُنَّ﴾ [النور: ٣١]، مَعْناهُ أيْضًا: ”غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ“، والمَعْنى: ”لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ لِمَمالِيكِهِنَّ، ولا لِتُبّاعِهِنَّ، إلّا أنْ يَكُونُوا غَيْرَ أُولِي إرْبَةٍ“، و”اَلْإرْبَةُ“: اَلْحاجَةُ، ومَعْناهُ هَهُنا: غَيْرُ ذَوِي الحاجاتِ إلى النِّساءِ، فَأمّا خَفْضُ ”غَيْرِ“، فَصِفَةٌ لِـ ”اَلتّابِعِينَ“، وإنْ كانَتْ ”غَيْرُ“، تُوصَفُ بِها النَّكِرَةُ، فَإنَّ التّابِعِينَ هَهُنا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ إلى قَوْمٍ بِأعْيانِهِمْ، إنَّما مَعْناهُ: لِكُلِّ تابِعٍ غَيْرِ أُولِي إرْبَةٍ، ويَجُوزُ ”غَيْرَ“، بِنَصْبِ ”غَيْرَ“، عَلى ضَرْبَيْنِ، أحَدُهُما الِاسْتِثْناءُ، المَعْنى: ”لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلّا لِلتّابِعِينَ إلّا أُولِي الإرْبَةِ، فَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ لَهم“، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَنصُوبًا عَلى الحالِ، فَيَكُونَ المَعْنى: ”والتّابِعِينَ لا مُرِيدِينَ النِّساءَ“، أيْ: في هَذِهِ الحالِ. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿أوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ﴾ [النور: ٣١]، ويُقْرَأُ: ”عَوَراتِ“، بِفَتْحِ الواوِ، لِأنَّ ”فَعْلَةٌ“، يُجْمَعُ عَلى ”فَعَلاتٌ“، بِفَتْحِ العَيْنِ، نَحْوَ قَوْلِكَ: ”جَفْنَةٌ“، و”جَفَناتٌ“، و”صَحْفَةٌ“، و”صَحَفاتٌ“، فَإذا كانَ نَحْوَ قَوْلِكَ: ”لَوْزَةٌ“، و”جَوْزَةٌ“، و”عَوْرَةٌ“، فالأكْثَرُ أنْ تُسَكَّنَ، وكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ”بَيْضاتٌ“، لِثِقَلِ الحَرَكَةِ مَعَ الواوِ والياءِ، ومِنَ العَرَبِ مَن يَلْزَمُ الأصْلَ والقِياسَ في هَذا، فَيَقُولُ: ”جَوَزاتٌ“، و”بَيَضاتٌ“، وعَلى هَذا قُرِئَ: ”عَوَراتِ“، ومَعْنى ”لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ“، لَمْ يَبْلُغُوا أنْ يُطِيقُوا النِّساءَ، كَما تَقُولُ: ”قَدْ ظَهَرَ فُلانٌ عَلى فُلانٍ“، إذا قَوِيَ عَلَيْهِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ”لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ“: ”لَمْ يَدْرُوا ما قَباحَةُ عَوْراتِ النِّساءِ مِن غَيْرِها“ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب