الباحث القرآني

﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا﴾ أَعْطَيْنَا ﴿مُوسَى الْكِتَابَ﴾ التَّوْرَاةَ، جُمْلَةً وَاحِدَةً ﴿وَقَفَّيْنَا﴾ وَأَتْبَعْنَا ﴿مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ﴾ رَسُولًا بَعْدَ رَسُولٍ ﴿وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ﴾ الدَّلَالَاتِ الْوَاضِحَاتِ وَهِيَ مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ وَالْمَائِدَةِ وَقِيلَ: أَرَادَ الْإِنْجِيلَ ﴿وَأَيَّدْنَاهُ﴾ قَوَّيْنَاهُ ﴿بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ الْقُدْسِ بِسُكُونِ الدَّالِ وَالْآخَرُونَ بِضَمِّهَا وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْلَ الرُّعُبِ وَالرُّعْبِ، وَاخْتَلَفُوا فِي رُوحِ الْقُدُسِ، قَالَ الرَّبِيعُ وَغَيْرُهُ: أَرَادَ بِالرُّوحِ الَّذِي نُفِخَ فِيهِ، وَالْقُدُسُ هُوَ اللَّهُ أَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ تَكْرِيمًا وَتَخْصِيصًا نَحْوَ بَيْتِ اللَّهِ، وَنَاقَةِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ: ﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا﴾ (١٢-التَّحْرِيمِ) [وَرُوحٌ مِنْهُ] [[زيادة من ب.]] (١٧١-النِّسَاءِ) وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْقُدُسِ الطِّهَارَةَ، يَعْنِي الرُّوحَ الطَّاهِرَةَ سَمَّى رُوحَهُ قُدُسًا، لِأَنَّهُ لَمْ تَتَضَمَّنْهُ أَصْلَابُ الْفُحُولَةِ وَلَمْ تَشْتَمِلْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الطَّوَامِثِ، إِنَّمَا كَانَ أَمْرًا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَالضَّحَّاكُ: رُوحُ الْقُدُسِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قِيلَ: وُصِفَ جِبْرِيلُ بِالْقُدُسِ أَيْ بِالطَّهَارَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتَرِفْ ذَنْبًا، وَقَالَ الْحَسَنُ: الْقُدُسُ هُوَ اللَّهُ وَرُوحُهُ جِبْرِيلُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ﴾ (١٠٢-النَّحْلِ) وَتَأْيِيدُ عِيسَى بِجِبْرِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ أَنَّهُ أُمِرَ أَنْ يَسِيرَ مَعَهُ حَيْثُ سَارَ حَتَّى صَعِدَ بِهِ اللَّهُ ﴿إِلَى السَّمَاءِ﴾ [[في الأصل: إلى موسى وفي (ب) إلى السماء.]] وَقِيلَ: سُمِّيَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رُوحًا لِلَطَافَتِهِ وَلِمَكَانَتِهِ مِنَ الْوَحْيِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ حَيَاةِ الْقُلُوبِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: رُوحُ الْقُدُسِ هُوَ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى الْأَعْظَمُ بِهِ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَيُرِي النَّاسَ بِهِ الْعَجَائِبَ، وَقِيلَ: هُوَ الْإِنْجِيلُ جَعَلَ لَهُ رُوحًا كَمَا ﴿جَعْلَ الْقُرْآنَ رُوحًا لِمُحَمَّدٍ ﷺ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِحَيَاةِ الْقُلُوبِ﴾ [[في الأصل: كما جعل له القرآن روحا مع نقص الآية: (وكذلك.......) .]] قَالَ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا﴾ (٥٢-الشُّورَى) فَلَمَّا سَمِعَ الْيَهُودُ ذِكْرَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ لَا مِثْلَ عِيسَى -كَمَا تَزْعُمُ-عَمِلْتَ، وَلَا كَمَا تَقُصُّ عَلَيْنَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَعَلْتَ، فَأْتِنَا بِمَا أَتَى بِهِ عِيسَى إِنْ كُنْتَ صَادِقًا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ﴾ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ ﴿رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ﴾ تَكَبَّرْتُمْ وَتَعَظَّمْتُمْ عَنِ الْإِيمَانِ ﴿فَفَرِيقًا﴾ طَائِفَةً ﴿كَذَّبْتُمْ﴾ مِثْلَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ ﷺ ﴿وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾ أَيْ قَتَلْتُمْ مِثْلَ زكريا ويحيى وشعيبا وَسَائِرِ مَنْ قَتَلُوهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ﴿وَقَالُوا﴾ يَعْنِي الْيَهُودَ ﴿قُلُوبُنَا غُلْفٌ﴾ جَمْعُ الْأَغْلُفِ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ غِشَاءٌ، مَعْنَاهُ عَلَيْهَا غِشَاوَةٌ فَلَا تَعِي وَلَا تَفْقَهُ مَا تَقُولُ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ﴾ (٥-فُصِّلَتْ) وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ غُلُفٌ بِضَمِّ اللَّامِ وَهِيَ قِرَاءَةُ الْأَعْرَجِ وَهُوَ جَمْعُ غِلَافٍ أَيْ قُلُوبُنَا أَوْعِيَةٌ لِكُلِّ عِلْمٍ فَلَا تَحْتَاجُ إِلَى عِلْمِكَ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: مَعْنَاهُ أَوْعِيَةٌ لِكُلِّ عِلْمٍ فَلَا تَسْمَعُ حَدِيثًا إِلَّا تَعِيهِ إِلَّا حَدِيثَكَ لَا تَعْقِلُهُ وَلَا تَعِيهِ وَلَوْ كَانَ فِيهِ ﴿خَيْرٌ﴾ [[ساقط من الأصل.]] لَوَعَتْهُ وَفَهِمَتْهُ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ﴾ طَرَدَهُمُ اللَّهُ وَأَبْعَدَهُمْ عَنْ كُلِّ خَيْرٍ ﴿بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ﴾ قَالَ قَتَادَةُ: مَعْنَاهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ لِأَنَّ مَنْ آمَنَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَكْثَرُ مِمَّنْ آمَنَ مِنَ الْيَهُودِ، أَيْ فَقَلِيلًا يُؤْمِنُونَ، وَنَصْبُ قَلِيلًا [عَلَى الْحَالِ وَقَالَ مَعْمَرٌ: لَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا بِقَلِيلٍ مِمَّا فِي أَيْدِيهِمْ وَيَكْفُرُونَ بِأَكْثَرِهِ، أَيْ فَقَلِيلٌ يُؤْمِنُونَ وَنَصْبُ قَلِيلًا] [[ساقط من الأصل أ.]] بِنَزْعِ الْخَافِضِ، وَ (مَا) صِلَةٌ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: مَعْنَاهُ لَا يُؤْمِنُونَ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِلْآخَرِ: مَا أَقَلَّ مَا تَفْعَلُ كَذَا أَيْ لَا تَفْعَلُهُ أَصْلًا ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ يَعْنِي الْقُرْآنَ ﴿مُصَدِّقٌ﴾ مُوَافِقٌ ﴿لِمَا مَعَهُمْ﴾ يَعْنِي التَّوْرَاةَ ﴿وَكَانُوا﴾ يَعْنِي الْيَهُودَ ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ قَبْلَ مَبْعَثِ مُحَمَّدٍ ﷺ ﴿يَسْتَفْتِحُونَ﴾ يَسْتَنْصِرُونَ ﴿عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ إِذَا حَزَبَهُمْ أَمْرٌ وَدَهَمَهُمْ عَدُوٌّ: اللَّهُمَّ انْصُرْنَا عَلَيْهِمْ بِالنَّبِيِّ الْمَبْعُوثِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، الَّذِي نَجِدُ صِفَتَهُ فِي التَّوْرَاةِ، فَكَانُوا يُنْصَرُونَ، وَكَانُوا يَقُولُونَ لِأَعْدَائِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ أَظَلَّ زَمَانُ نَبِيٍّ يَخْرُجُ بِتَصْدِيقِ مَا قُلْنَا فَنَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَثَمُودَ وَإِرَمَ ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا﴾ يَعْنِي مُحَمَّدًا ﷺ مِنْ غَيْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَعَرَفُوا نَعْتَهُ وَصِفَتَهُ ﴿كَفَرُوا بِهِ﴾ بَغْيًا وَحَسَدًا. ﴿فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ ﴿بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ﴾ بِئْسَ وَنِعْمَ: فِعْلَانِ مَاضِيَانِ وُضِعَا لِلْمَدْحِ وَالذَّمِّ، لَا يَتَصَرَّفَانِ تَصَرُّفَ الْأَفْعَالِ، مَعْنَاهُ: بِئْسَ الَّذِي اخْتَارُوا لِأَنْفُسِهِمْ حِينَ اسْتَبْدَلُوا الْبَاطِلَ بِالْحَقِّ. وَقِيلَ: الِاشْتِرَاءُ هَاهُنَا بِمَعْنَى الْبَيْعِ وَالْمَعْنَى بِئْسَ مَا بَاعُوا بِهِ حَظَّ أَنْفُسِهِمْ أَيْ حِينَ اخْتَارُوا الْكفْرَ ﴿وَبَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ لِلنَّارِ﴾ [[في الأصل بذله.]] ﴿أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ يَعْنِي الْقُرْآنَ ﴿بَغْيًا﴾ أَيْ حَسَدًا وَأَصْلُ الْبَغْيِ: الْفَسَادُ وَيُقَالُ بَغَى الْجُرْحُ إِذَا فَسَدَ وَالْبَغْيُ: الظُّلْمُ، وَأَصْلُهُ الطَّلَبُ، وَالْبَاغِي طَالِبُ الظُّلْمِ، وَالْحَاسِدُ يَظْلِمُ الْمَحْسُودَ جَهْدَهُ، طَلَبًا لِإِزَالَةِ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُ ﴿أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ أَيِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ﴿عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ مُحَمَّدٍ ﷺ، قَرَأَ أَهْلُ مَكَّةَ وَالْبَصْرَةِ يُنْزِلَ بِالتَّخْفِيفِ إِلَّا ﴿فِي سُبْحَانَ الَّذِي﴾ فِي مَوْضِعَيْنِ ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ﴾ (٨٢-الْإِسْرَاءِ) وَ﴿حَتَّى تُنَزِّلَ﴾ (٩٣-الْإِسْرَاءِ) فَإِنَّ ابْنَ كَثِيرٍ يُشَدِّدُهُمَا، وَشَدَّدَ الْبَصْرِيُّونَ فِي الْأَنْعَامِ ﴿عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً﴾ (٣٧-الْأَنْعَامِ) زَادَ يَعْقُوبُ تَشْدِيدَ ﴿بِمَا يُنَزِّلُ﴾ فِي النَّحْلِ وَوَافَقَ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيَّ فِي تَخْفِيفِ ﴿وَيُنْزِلُ الْغَيْثَ﴾ فِي سُورَةِ لُقْمَانَ وَحم عسق، وَالْآخَرُونَ يُشَدِّدُونَ الْكُلَّ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي تَشْدِيدِ "وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ" فِي الْحِجْرِ (٢١) ﴿فَبَاءُوا بِغَضَبٍ﴾ أَيْ رَجَعُوا بِغَضَبٍ ﴿عَلَى غَضَبٍ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: الْغَضَبُ الْأَوَّلُ بِتَضْيِيعِهِمُ التَّوْرَاةَ وَتَبْدِيلِهِمْ، وَالثَّانِي بِكُفْرِهِمْ بِمُحَمَّدٍ ﷺ وَالْقُرْآنِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: الْأَوَّلُ بِكُفْرِهِمْ بِعِيسَى الإنجيل، وَالثَّانِي بِكُفْرِهِمْ بِمُحَمَّدٍ ﷺ وَالْقُرْآنِ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْأَوَّلُ بِعِبَادَةِ الْعِجْلِ وَالثَّانِي بِالْكُفْرِ بِمُحَمَّدٍ ﷺ ﴿وَلِلْكَافِرِينَ﴾ الْجَاحِدِينَ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ ﴿عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ مُخْزٍ يُهَانُونَ فِيهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب