الباحث القرآني
﴿وقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ﴾ عَطْفٌ عَلى ﴿اسْتَكْبَرْتُمْ﴾ أوْ عَلى ﴿كَذَّبْتُمْ﴾ فَتَكُونُ تَفْسِيرًا لِلِاسْتِكْبارِ، وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ فِيهِ التِفاتٌ مِنَ الخِطابِ إلى الغَيْبَةِ إعْراضًا عَنْ مُخاطَبَتِهِمْ، وإبْعادًا لَهم عَنْ عِزِّ الحُضُورُ، والقائِلُونَ هُمُ المَوْجُودُونَ في عَصْرِ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، والغُلْفُ جَمْعُ أغْلَفَ كَأحْمَرَ، وحُمْرٍ، وهو الَّذِي لا يَفْقَهُ، قِيلَ: وأصْلُهُ ذُو الغُلْفَةِ الَّذِي لَمْ يُخْتَنْ، أوْ جَمْعُ غُلافٍ، ويُجْمَعُ عَلى غُلُفٍ بِضَمَّتَيْنِ أيْضًا، وبِهِ قَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ وغَيْرُهُ، وأرادُوا عَلى الأوَّلِ قُلُوبُنا مُغَشّاةٌ بِأغْشِيَةٍ خَلْقِيَّةٍ مانِعَةٍ عَنْ نُفُوذِ ما جِئْتَ بِهِ فِيها، وهَذا كَقَوْلِهِمْ: ﴿قُلُوبُنا في أكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إلَيْهِ﴾ (p-319)قَصَدُوا بِهِ إقْناطَ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَنِ الإجابَةِ، وقَطْعَ طَمَعِهِ عَنْهم بِالكُلِّيَّةِ، وقِيلَ: مُغَشّاةٌ بِعُلُومٍ مِنَ التَّوْراةِ تَحْفَظُها أنْ يَصِلَ إلَيْها ما تَأْتِي بِهِ، أوْ بِسَلامَةٍ مِنَ الفِطْرَةِ كَذَلِكَ، وعَلى الثّانِي أنَّها أوْعِيَةُ العِلْمِ، فَلَوْ كانَ ما تَقُولُهُ حَقًّا وصِدْقًا لَوَعَتْهُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وقَتادَةُ، والسُّدِّيُّ، أوْ مَمْلُوءَةٌ عِلْمًا، فَلا تَسَعُ بَعْدُ شَيْئًا، فَنَحْنُ مُسْتَغْنُونَ بِما عِنْدَنا عَنْ غَيْرِهِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا، وقِيلَ: أرادُوا أنَّها أوْعِيَةُ العِلْمِ، فَكَيْفَ يَحِلُّ لَنا اتِّباعُ الأُمِّيِّ، ولا يَخْفى بُعْدُهُ.
﴿بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ﴾ رَدٌّ لِما قالُوهُ، وتَكْذِيبٌ لَهم فِيما زَعَمُوهُ، والمَعْنى أنَّها خُلِقَتْ عَلى فِطْرَةِ التَّمَكُّنِ مِنَ النَّظَرِ الصَّحِيحِ المُوصِلِ إلى الحَقِّ، لَكِنَّ اللَّهَ تَعالى أبْعَدَهُمْ، وأبْطَلَ اسْتِعْدادَهُمُ الخَلْقِيَّ لِلنَّظَرِ الصَّحِيحِ بِسَبَبِ اعْتِقاداتِهِمُ الفاسِدَةِ وجَهالاتِهِمُ الباطِلَةِ الرّاسِخَةِ في قُلُوبِهِمْ، أوْ أنَّها لَمْ تَأْبَ قَبُولَ ما تَقُولُهُ لِعَدَمِ كَوْنِهِ حَقًّا وصِدْقًا، بَلْ لِأنَّهُ سُبْحانَهُ طَرَدَهم وخَذَلَهم بِكُفْرِهِمْ، فَأصَمَّهم وأعْمى أبْصارَهُمْ، أوْ أنَّ اللَّهَ تَعالى أقْصاهم عَنْ رَحْمَتِهِ، فَأنّى لَهُمُ ادِّعاءُ العِلْمِ الَّذِي هو أجَلُّ آثارِها، ويُعْلَمُ مِن هَذِهِ الوُجُوهِ كَيْفِيَّةُ الرَّدُّ عَلى ما قِيلَ قَبْلُ مِنَ الوُجُوهِ، ﴿فَقَلِيلا ما يُؤْمِنُونَ﴾ الفاءُ لِسَبَبِيَّةِ اللَّعْنِ، لِعَدَمِ الإيمانِ، وقَلِيلًا نُصِبَ عَلى أنَّهُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أيْ إيمانًا قَلِيلًا، وهو إيمانُهم بِبَعْضِ الكِتابِ، (وما) مَزِيدَةٌ لِتَأْكِيدِ مَعْنى القِلَّةِ لا نافِيَةٌ، لِأنَّ ما في حَيِّزِها لا يَتَقَدَّمُها، ولِأنَّهُ وإنْ كانَ بِمَعْنى لا يُؤْمِنُونَ قَلِيلًا فَضْلًا عَنِ الكَثِيرِ، لَكِنْ رُبَّما يُتَوَهَّمُ لا سِيَّما مَعَ التَّقْدِيمِ أنَّهم لا يُؤْمِنُونَ قَلِيلًا، بَلْ كَثِيرًا، ولا مَصْدَرِيَّةَ لِاقْتِضائِها رَفْعَ القَلِيلِ بِأنْ يَكُونَ خَبَرًا، والمَصْدَرُ المُعَرَّفُ بِالإضافَةِ مُبْتَدَأٌ، والتَّقْدِيرُ فَإيمانُهم قَلِيلٌ، وجَوَّزَ بَعْضُهم كَوْنَها نافِيَةً بِناءً عَلى مَذْهَبِ الكُوفِيِّينَ مِن جَوازِ تَقَدُّمِ ما في حَيِّزِها عَلَيْها، ولَمْ يُبالِ بِالتَّوَهُّمِ، وآخَرُونَ كَوْنَها مَصْدَرِيَّةً، والمَصْدَرُ فاعِلُ (قَلِيلًا)، وكانُوا مُقَدَّرَةٌ في نَظْمِ الكَلامِ، فَتَكُونُ عَلى طِرازِ ﴿كانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ﴾ ولا يَخْفى ما فِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ، وجُوِّزَ انْتِصابُ (قَلِيلًا) عَلى الحالِ، إمّا مِن ضَمِيرِ الإيمانِ، أوْ مِن فاعِلِ (يُؤْمِنُونَ)، والتَّقْدِيرُ: فَيُؤْمِنُونَهُ أيِ الإيمانَ في حالِ قِلَّتِهِ، وهو المَرْوِيُّ عَنْ سِيبَوَيْهِ، أوْ فَيُؤْمِنُونَ حالَ كَوْنِهِمْ جَمْعًا قَلِيلًا، أيِ المُؤْمِنُ مِنهم قَلِيلٌ، وهو المَرْوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وطَلْحَةَ، وقَتادَةَ، ولِذا جُوِّزَ كَوْنُهُ نَعْتًا لِلزَّمانِ، أيْ زَمانًا قَلِيلًا، وهو زَمانُ الِاسْتِفْتاحِ، أوْ بُلُوغِ الرُّوحِ التَّراقِيَ، أوْ ما قالُوا ﴿آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلى الَّذِينَ آمِنُوا وجْهَ النَّهارِ واكْفُرُوا آخِرَهُ﴾ وأوْلى الوُجُوهِ أوَّلُها، والظّاهِرُ أنَّ المُرادَ بِالإيمانِ المَعْنى اللُّغَوِيُّ، والقِلَّةُ مُقابِلُ الكَثْرَةِ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يَجُوزُ أنْ تَكُونَ بِمَعْنى العَدَمِ، وكَأنَّهُ أخَذَهُ مِن كَلامِ الواقِدِيِّ لا قَلِيلًا ولا كَثِيرًا، واعْتَرَضَهُ في البَحْرِ بِأنَّ القِلَّةَ بِمَعْنى النَّفْيِ، وإنْ صَحَّتْ، لَكِنْ في غَيْرِ هَذا التَّرْكِيبِ، لِأنَّ قَلِيلًا انْتَصَبَ بِالفِعْلِ المُثْبَتِ، فَصارَ نَظِيرَ قُمْتُ قَلِيلًا، أيْ قِيامًا قَلِيلًا، ولا يَذْهَبُ ذاهِبٌ إلى أنَّكَ إذا أتَيْتَ بِفِعْلٍ مُثْبَتٍ وجَعَلْتَ قَلِيلًا صِفَةً لِمَصْدَرِهِ، يَكُونُ المَعْنى في المُثْبَتِ الواقِعِ عَلى صِفَةٍ أوْ هَيْئَةٍ انْتِفاءَ ذَلِكَ المُثْبَتِ رَأْسًا، وعَدَمَ وُقُوعِهِ بِالكُلِّيَّةِ، وإنَّما الَّذِي نَقَلَ النَّحْوِيُّونَ أنَّهُ قَدْ يُرادُ بِالقِلَّةِ النَّفْيُ المَحْضُ في قَوْلِهِمْ: أقَلُّ رَجُلٍ يَقُولُ ذَلِكَ، وقَلَّما يَقُومُ زَيْدٌ، فَحَمْلُها هُنا عَلى ذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، ولَيْتَ شِعْرِي أيُّ مَعْنًى لِقَوْلِنا يُؤْمِنُونَ إيمانًا مَعْدُومًا، وما نَقَلَ الكِسائِيُّ عَنِ العَرَبِ أنَّهم يَقُولُونَ: مَرَرْنا بِأرْضٍ قَلِيلًا ما تُنْبِتُ، ويُرِيدُونَ لا تُنْبِتُ شَيْئًا، فَإنَّما ذَلِكَ لِأنَّ قَلِيلًا حالٌ مِنَ الأرْضِ، وإنْ كانَ نَكِرَةً، وما مَصْدَرِيَّةٌ، والتَّقْدِيرُ: قَلِيلًا إنْباتُها، فَلا مانِعَ فِيهِ مِن حَمْلِ القِلَّةِ عَلى العَدَمِ، وأيْنَ ما نَحْنُ فِيهِ مِن ذاكَ، اللَّهُمَّ إلّا عَلى بَعْضِ الوُجُوهِ المَرْجُوحَةِ، لَكِنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ غَيْرُ قائِلٍ بِهِ، ويُمْكِنُ أنْ يُقالَ: إنَّ ذَلِكَ عَلى طَرِيقِ الكِنايَةِ، فَإنَّ قِلَّةَ الشَّيْءِ تَسْتَتْبِعُ عَدَمَهُ في أكْثَرِ الأوْقاتِ، لا عَلى أنَّ لَفْظَ القِلَّةِ مُسْتَعْمَلٌ بِمَعْنى العَدَمِ، فَإنَّهُ هُنا قَوْلٌ بارِدٌ جِدًّا، ولَوْ أوْقَدَ عَلَيْهِ الواقِدِيُّ ألْفَ سَنَةٍ
{"ayah":"وَقَالُوا۟ قُلُوبُنَا غُلۡفُۢۚ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفۡرِهِمۡ فَقَلِیلࣰا مَّا یُؤۡمِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











