الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ﴾
أمّا الغُلْفُ فَفِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ:
أحَدُها: أنَّهُ جَمْعُ أغْلَفَ والأغْلَفُ هو ما في غِلافٍ أيْ قُلُوبِنا مُغَشّاةٌ (p-١٦٣)بِأغْطِيَةٍ مانِعَةٍ مِن وُصُولِ أثَرِ دَعْوَتِكَ إلَيْها.
وثانِيها: رَوى الأصَمُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أنَّ قُلُوبَهم غُلْفٌ بِالعِلْمِ ومَمْلُوءَةٌ بِالحِكْمَةِ فَلا حاجَةَ مَعَها بِهِمْ إلى شَرْعِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلامُ.
وثالِثُها: غُلْفٌ أيْ كالغِلافِ الخالِي لا شَيْءَ فِيهِ مِمّا يَدُلُّ عَلى صِحَّةِ قَوْلِكَ.
أمّا المُعْتَزِلَةُ فَإنَّهُمُ اخْتارُوا الوَجْهَ الأوَّلَ، ثُمَّ قالُوا: هَذِهِ الآيَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّهُ لَيْسَ في قُلُوبِ الكُفّارِ ما لا يُمْكِنُهم مَعَهُ الإيمانُ، لا غِلافَ ولا كِنَّ ولا سَدَّ عَلى ما يَقُولُهُ المُجْبِرَةُ؛ لِأنَّهُ لَوْ كانَ كَذَلِكَ لَكانَ هَؤُلاءِ اليَهُودُ صادِقِينَ في هَذا القَوْلِ، فَكانَ لا يُكَذِّبُهُمُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: ﴿بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ﴾ لِأنَّهُ تَعالى إنَّما يَذُمُّ الكاذِبَ المُبْطِلَ لا الصّادِقَ المُحِقَّ المَعْذُورَ، قالُوا: وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿إنّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أكِنَّةً أنْ يَفْقَهُوهُ وفي آذانِهِمْ وقْرًا﴾ [الكهف: ٥٧] وقَوْلِهِ: ﴿إنّا جَعَلْنا في أعْناقِهِمْ أغْلالًا﴾ [يس: ٨] وقَوْلِهِ: ﴿وجَعَلْنا مِن بَيْنِ أيْدِيهِمْ سَدًّا﴾ [يس: ٩] لَيْسَ المُرادُ كَوْنَهم مَمْنُوعِينَ مِنَ الإيمانِ، بَلِ المُرادُ إمّا مَنعُ الألْطافِ أوْ تَشْبِيهُ حالِهِمْ في إصْرارِهِمْ عَلى الكُفْرِ بِمَنزِلَةِ المَجْبُورِ عَلى الكُفْرِ. قالُوا: ونَظِيرُ ذَمِّ اللَّهِ تَعالى اليَهُودَ عَلى هَذِهِ المَقالَةِ ذَمُّهُ تَعالى الكافِرِينَ عَلى مِثْلِ هَذِهِ المَقالَةِ وهو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وقالُوا قُلُوبُنا في أكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إلَيْهِ وفي آذانِنا وقْرٌ ومِن بَيْنِنا وبَيْنِكَ حِجابٌ﴾ [فصلت: ٥] ولَوْ كانَ الأمْرُ عَلى ما يَقُولُهُ المُجْبِرَةُ لَكانَ هَؤُلاءِ القَوْمُ صادِقِينَ في ذَلِكَ، ولَوْ كانُوا صادِقِينَ لَما ذَمَّهم بَلْ كانَ الَّذِي حَكاهُ عَنْهم إظْهارًا لِعُذْرِهِمْ ومُسْقِطًا لِلَوْمِهِمْ.
واعْلَمْ أنّا بَيَّنّا في تَفْسِيرِ الغُلْفِ وُجُوهًا ثَلاثَةً فَلا يَجِبُ الجَزْمُ بِواحِدٍ مِنها مِن غَيْرِ دَلِيلٍ. سَلَّمْنا أنَّ المُرادَ مِنهُ ذَلِكَ الوَجْهُ لَكِنْ لِمَ قُلْتَ إنَّ الآيَةَ تَدُلُّ عَلى أنَّ ذَلِكَ القَوْلَ مَذْمُومٌ ؟
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ﴾ فَفِيهِ أجْوِبَةٌ:
أحَدُها: هَذا يَدُلُّ عَلى أنَّهُ تَعالى لَعَنَهم بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ، أمّا لِمَ قُلْتُمْ بِأنَّهُ إنَّما لَعَنَهم بِسَبَبِ هَذِهِ المَقالَةِ فَلَعَلَّهُ تَعالى حَكى عَنْهم قَوْلًا ثُمَّ بَيَّنَ أنَّ مِن حالِهِمْ أنَّهم مَلْعُونُونَ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ.
وثانِيها: المُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿وقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ﴾ أنَّهم ذَكَرُوا ذَلِكَ عَلى سَبِيلِ الِاسْتِفْهامِ بِمَعْنى الإنْكارِ يَعْنِي لَيْسَتْ قُلُوبُنا في أغْلافٍ ولا في أغْطِيَةٍ، بَلْ قَوِيَّةٌ وخَواطِرُنا مُنِيرَةٌ ثُمَّ إنّا بِهَذِهِ الخَواطِرِ والأفْهامِ تَأمَّلْنا في دَلائِلِكَ يا مُحَمَّدُ، فَلَمْ نَجِدْ مِنها شَيْئًا قَوِيًّا. فَلَمّا ذَكَرُوا هَذا التَّصَلُّفَ الكاذِبَ لا جَرَمَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ عَلى كُفْرِهِمُ الحاصِلِ بِسَبَبِ هَذا القَوْلِ، وثالِثُها؛ لَعَلَّ قُلُوبَهم ما كانَتْ في الأغْطِيَةِ بَلْ كانُوا عالِمِينَ بِصِحَّةِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ كَما قالَ تَعالى: ﴿يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أبْناءَهُمْ﴾ [البقرة: ١٤٦] إلّا أنَّهم أنْكَرُوا تِلْكَ المَعْرِفَةَ وادَّعَوْا أنَّ قُلُوبَهم غُلْفٌ وغَيْرُ واقِفَةٍ عَلى ذَلِكَ فَكانَ كُفْرُهم كُفْرُ العِنادِ فَلا جَرَمَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ عَلى ذَلِكَ الكُفْرِ.
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ﴾ فَفِيهِ مَسْألَتانِ:
المَسْألَةُ الأُولى: في تَفْسِيرِهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ:
أحَدُها: أنَّ القَلِيلَ صِفَةُ المُؤْمِنِ، أيْ لا يُؤْمِنُ مِنهم إلّا القَلِيلُ عَنْ قَتادَةَ والأصَمِّ وأبِي مُسْلِمٍ.
وثانِيها: أنَّهُ صِفَةُ الإيمانِ، أيْ لا يُؤْمِنُونَ إلّا بِقَلِيلٍ مِمّا كُلِّفُوا بِهِ لِأنَّهم كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ، إلّا أنَّهم كانُوا يَكْفُرُونَ بِالرُّسُلِ.
وثالِثُها: مَعْناهُ لا يُؤْمِنُونَ أصْلًا لا قَلِيلًا ولا كَثِيرًا كَما يُقالُ: قَلِيلًا ما يَفْعَلُ بِمَعْنى لا يَفْعَلُ البَتَّةَ. قالَ الكِسائِيُّ: تَقُولُ العَرَبُ: مَرَرْنا بِأرْضٍ قَلِيلًا ما تُنْبِتُ، يُرِيدُونَ لا تُنْبِتُ شَيْئًا. والوَجْهُ الأوَّلُ أوْلى لِأنَّهُ نَظِيرُ قَوْلِهِ: ﴿بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إلّا قَلِيلًا﴾ [النساء: ١٥٥] ولِأنَّ الجُمْلَةَ الأُولى إذا كانَ المُصَرَّحُ فِيها ذِكْرُ القَوْمِ فَيَجِبُ أنْ يَتَناوَلَ الِاسْتِثْناءُ بَعْضَ هَؤُلاءِ القَوْمِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: في انْتِصابِ ”قَلِيلًا“ وُجُوهٌ:
أحَدُها: فَإيمانًا قَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ ”وما“ مَزِيدَةٌ وهو إيمانُهم (p-١٦٤)بِبَعْضِ الكِتابِ.
وثانِيها: انْتَصَبَ بِنَزْعِ الخافِضِ أيْ بِقَلِيلٍ يُؤْمِنُونَ.
وثالِثُها: فَصارُوا قَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ.
{"ayah":"وَقَالُوا۟ قُلُوبُنَا غُلۡفُۢۚ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفۡرِهِمۡ فَقَلِیلࣰا مَّا یُؤۡمِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق