الباحث القرآني

﴿وَقالُوا﴾: بَيانٌ لِفَنٍّ آخَرَ مِن قَبائِحِهِمْ؛ عَلى طَرِيقِ الِالتِفاتِ إلى الغَيْبَةِ؛ إشْعارًا بِإبْعادِهِمْ عَنْ رُتْبَةِ الخِطابِ؛ لِما فُصِّلَ مِن مَخازِيهِمُ المُوجِبَةِ لِلْإعْراضِ عَنْهُمْ؛ وحِكايَةِ نَظائِرِها لِكُلِّ مَن يَفْهَمُ بُطْلانَها وقَباحَتَها مِن أهْلِ الحَقِّ؛ والقائِلُونَ هُمُ المَوْجُودُونَ في عَصْرِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلاةَ والسَّلامُ -؛ ﴿قُلُوبُنا غُلْفٌ﴾: جَمْعُ "أغْلَفُ"؛ مُسْتَعارٌ مِن "الأغْلَفُ"؛ الَّذِي لَمْ يُخْتَنْ؛ أيْ: مُغَشّاةٌ بِأغْشِيَةٍ جِبِلِّيَّةٍ؛ لا يَكادُ يَصِلُ إلَيْها ما جاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ؛ ولا تَفْقَهُهُ؛ كَقَوْلِهِمْ: ﴿قُلُوبُنا في أكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إلَيْهِ﴾؛ وقِيلَ: هو تَخْفِيفُ "غُلُفٌ"؛ جَمْعُ "غِلافٌ"؛ ويُؤَيِّدُهُ ما رُوِيَ عَنْ أبِي عَمْرٍو مِنَ القِراءَةِ بِضَمَّتَيْنِ؛ يَعْنُونَ: إنَّ قُلُوبَنا أوْعِيَةٌ لِلْعُلُومِ؛ فَنَحْنُ مُسْتَغْنُونَ بِما عِنْدَنا عَنْ (p-128) غَيْرِهِ؛ قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ؛ وعَطاءٌ؛ وقالَ الكَلْبِيُّ: يَعْنُونَ: إنَّ قُلُوبَنا لا يَصِلُ إلَيْها حَدِيثٌ إلّا وعَتْهُ؛ ولَوْ كانَ في حَدِيثِكَ خَيْرٌ لَوْعَتْهُ أيْضًا؛ ﴿بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ﴾: رَدٌّ لِما قالُوهُ؛ وتَكْذِيبٌ لَهم في ذَلِكَ؛ والمَعْنى عَلى الأوَّلِ: بَلْ أبْعَدَهُمُ اللَّهُ - سُبْحانَهُ - عَنْ رَحْمَتِهِ؛ بِأنْ خَذَلَهُمْ؛ وخَلّاهم وشَأْنَهُمْ؛ بِسَبَبِ كُفْرِهِمُ العارِضِ؛ وإبْطالِهِمْ لِاسْتِعْدادِهِمْ بِسُوءِ اخْتِيارِهِمْ بِالمَرَّةِ؛ وكَوْنِهِمْ بِحَيْثُ لا يَنْفَعُهُمُ الإلْطافُ أصْلًا؛ بَعْدَ أنْ خَلَقَهم عَلى الفِطْرَةِ؛ والتَّمَكُّنِ مِن قَبُولِ الحَقِّ؛ وعَلى الثّانِي: بَلْ أبْعَدَهم مِن رَحْمَتِهِ؛ فَأنّى لَهُمُ ادِّعاءُ العِلْمِ الَّذِي هو أجَلُّ آثارِها؟ وعَلى الثّالِثِ: بَلْ أبْعَدَهم مِن رَحْمَتِهِ؛ فَلِذَلِكَ لا يَقْبَلُونَ الحَقَّ المُؤَدِّيَ إلَيْها؛ ﴿فَقَلِيلا ما يُؤْمِنُونَ﴾: "ما" مَزِيدَةٌ لِلْمُبالَغَةِ؛ أيْ: فَإيمانًا قَلِيلًا يُؤْمِنُونَ؛ وهو إيمانُهم بِبَعْضِ الكِتابِ؛ وقِيلَ: فَزَمانًا قَلِيلًا يُؤْمِنُونَ؛ وهو ما قالُوا: ﴿آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلى الَّذِينَ آمِنُوا وجْهَ النَّهارِ واكْفُرُوا آخِرَهُ﴾؛ وكِلاهُما لَيْسَ بِإيمانٍ حَقِيقَةً؛ وقِيلَ: أُرِيدَ بِالقِلَّةِ العَدَمُ؛ والفاءُ لِسَبَبِيَّةِ اللَّعْنِ لِعَدَمِ الإيمانِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب