الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ يَبِسَتْ وَجَفَّتْ، جَفَافُ الْقَلْبِ: خُرُوجُ الرَّحْمَةِ وَاللِّينُ عَنْهُ، وَقِيلَ: غَلُظَتْ، وَقِيلَ: اسْوَدَّتْ، ﴿مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ بَعْدَ ظُهُورِ الدَّلَالَاتِ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: قَالُوا بَعْدَ ذَلِكَ: نَحْنُ لَمْ نَقْتُلْهُ، فَلَمْ يَكُونُوا قَطُّ أَعْمَى قَلْبًا وَلَا أَشَدَّ تَكْذِيبًا لِنَبِيِّهِمْ مِنْهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ ﴿فَهِي﴾ أَيْ فِي الْغِلْظَةِ وَالشِّدَّةِ ﴿كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ قِيلَ: أَوْ بِمَعْنَى بَلْ وَقِيلَ: بِمَعْنَى الْوَاوِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ﴾ (١٤٧-الصَّافَّاتِ) أَيْ: بَلْ يَزِيدُونَ أَوْ وَيَزِيدُونَ، وَإِنَّمَا لَمْ يُشَبِّهْهَا بِالْحَدِيدِ مَعَ أَنَّهُ أَصْلَبُ مِنَ الْحِجَارَةِ، لِأَنَّ الْحَدِيدَ قَابِلٌ لِلِّينِ فَإِنَّهُ يَلِينُ بِالنَّارِ، وَقَدْ لَانَ لِدَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالْحِجَارَةُ لَا تَلِينَ قَطُّ، ثُمَّ فَضَّلَ الْحِجَارَةَ عَلَى الْقَلْبِ الْقَاسِي فَقَالَ: ﴿وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ﴾ قِيلَ: أَرَادَ بِهِ (جَمِيعَ) [[زيادة من (ب) .]] الْحِجَارَةِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْحَجَرَ الَّذِي كَانَ يَضْرِبُ عَلَيْهِ مُوسَى لِلْأَسْبَاطِ ﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ﴾ أَرَادَ بِهِ عُيُونًا دُونَ الْأَنْهَارِ ﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ﴾ يَنْزِلُ مِنْ أَعْلَى الْجَبَلِ إِلَى أَسْفَلِهِ ﴿مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ وَقُلُوبُكُمْ لَا تَلِينُ وَلَا تَخْشَعُ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ. فَإِنْ قِيلَ: الْحَجَرُ جَمَادٌ لَا يَفْهَمُ، فَكَيْفَ (يَخْشَى) [[في الأصل: يخشع.]] ؟ قِيلَ: اللَّهُ يُفْهِمُهُ وَيُلْهِمُهُ فَيَخْشَى بِإِلْهَامِهِ. وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى عِلْمًا فِي الْجَمَادَاتِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ سِوَى الْعَقْلِ، لَا يَقِفُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، فَلَهَا صَلَاةٌ وَتَسْبِيحٌ وَخَشْيَةٌ كَمَا قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ (٤٤-الْإِسْرَاءِ) وَقَالَ ﴿وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾ (٤١-النُّورِ) وَقَالَ: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ (١٨-الْحَجِّ) الْآيَةَ، فَيَجِبُ عَلَى (الْمُؤْمِنِ) [[في ب: المرء.]] الْإِيمَانُ بِهِ وَيَكِلُ عِلْمَهُ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَيُرْوَى أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ عَلَى ثَبِيرٍ وَالْكُفَّارُ يَطْلُبُونَهُ فَقَالَ الْجَبَلُ: انْزِلْ عَنِّي فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تُؤْخَذَ عَلَيَّ فَيُعَاقِبُنِي اللَّهُ بِذَلِكَ فَقَالَ لَهُ جَبَلُ حِرَاءٍ: إِلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ". أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي ثَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ النَّيْسَابُورِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ أَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنِّي لِأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ وَإِنِّي لِأَعْرِفُهُ الْآنَ" [[رواه مسلم: في الفضائل: باب فضل نسب النبي ﷺ وتسليم الحجر عليه قبل النبوة برقم (٢٢٧٧) ٤ / ١٧٨٢. والمصنف في شرح السنة: ١٣ / ٢٨٧، وعنه أصلحنا بعض الأغلاط في السند الذي سقط من الأصل.]] [هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي بَكْرٍ. وَصَحَّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ طَلَعَ عَلَى أُحُدٍ فَقَالَ: "هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ" [[رواه البخاري: في الجهاد - باب فضل الخدمة في الغزو ٦ / ٨٣-٨٤. وفي الأطعمة وفي الزكاة وفي الأنبياء. ومسلم: في الفضائل - باب: في معجزات النبي ﷺ برقم (١٣٩٢) ٤ / ١٧٨٥. والمصنف في شرح السنة: ١١ / ٢٥.]] وَرَوِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَقُولُ، صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الصُّبْحَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ وَقَالَ: "بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ عَيِيَ فَرَكِبَهَا فَضَرَبَهَا فَقَالَتْ: إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا، إِنَّمَا خُلِقْنَا لِحِرَاثَةِ الْأَرْضِ" فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ بَقَرَةٌ تَتَكَلَّمُ!؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ "فَإِنِّي أُومِنُ بِهِ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا ثَمَّ" وَقَالَ: "بَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمٍ لَهُ إِذْ عَدَا الذِّئْبُ عَلَى شَاةٍ مِنْهَا فَأَدْرَكَهَا صَاحِبُهَا فَاسْتَنْقَذَهَا، فَقَالَ الذِّئْبَ: فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبْعِ؟ أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي" فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ؟ فَقَالَ "أُومِنُ بِهِ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا ثَمَّ" [[رواه البخاري في الأنبياء: ٦ / ٥١٢، وفي الحرث والمزارعة، وفي فضائل أصحاب النبي، ومسلم في فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه، برقم (٢٣٨٨) ٤ / ١٨٥٧. والمصنف في شرح السنة: ١٤ / ٩٦-٩٧.]] ، وَصَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى حِرَاءٍ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ فَتَحَرَّكَتِ الصَّخْرَةُ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ "اهْدَأْ أَيِ: اسْكُنْ. فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صَدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ" [[رواه البخاري: في فضائل أصحاب النبي - باب: مناقب عثمان بن عفان: ٧ / ٥٣. ومسلم: في فضائل الصحابة - باب: من فضائل طلحة والزبير رضي الله عنهما برقم (٢٤١٧) ٤ / ١٤٨٠. والمصنف في شرح السنة: ١٤ / ١٢٧ بلفظ: فتحركت الصخرة فقال النبي ﷺ: اهدئي فما عليك إلا..........]] صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو سَعِيدٍ يَحْيَى بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الصَّانِعُ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ هِشَامٍ الرَّازِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ ضُرَيْسٍ الْبَجَلِيُّ الرَّازِّيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ أَبِي يَزِيدَ] [[زيادة من نسخة (ب) والمطبوع - ساقطة من (أ) .]] عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِمَكَّةَ فَخَرَجْنَا فِي نَوَاحِيهَا خَارِجًا مِنْ مَكَّةَ بَيْنَ الْجِبَالِ وَالشَّجَرِ، فَلَمْ يَمُرَّ بِشَجَرَةٍ وَلَا جَبَلٍ إِلَّا قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ" [[رواه الترمذي: في المناقب باب: الشجر والحجر يسلمان على النبي ١٠ / ٩٩-١٠٠ وقال: حسن غريب، والدارمي في المقدمة: ١ / ١٢. والمصنف في شرح السنة: ١٣ / ٢٨٧ وقال هذا حديث غريب وفي سنده إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي وعباد بن أبي يزيد ضعيف ومجهول التقريب، ميزان الاعتدال ٢ / ٣٧٨.]] . أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: "كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا خَطَبَ اسْتَنَدَ إِلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ فَاسْتَوَى عَلَيْهِ اضْطَرَبَتْ تِلْكَ السَّارِيَةُ وَحَنَتْ كَحَنِينِ النَّاقَةِ حَتَّى سَمِعَهَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ، حَتَّى نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَاعْتَنَقَهَا فَسَكَنَتْ" [[رواه الترمذي: ١٠ / ١٠٠-١٠١ عن أنس، وقال حديث أنس هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وابن ماجه: في إقامة الصلاة برقم (١٤١٤) . وأحمد: ١ / ٣٤٩ ومواضع أخرى، والدارمي في المقدمة - باب: ما أكرم الله النبي ﷺ بحنين المنبر: ١ / ١٦ وعند البخاري والنسائي بمعناه.]] . قَالَ مُجَاهِدٌ: لَا يَنْزِلُ حَجَرٌ مِنْ أَعْلَى إِلَى الْأَسْفَلِ إِلَّا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَيَشْهَدُ لِمَا قُلْنَا قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (٢١-الْحَشْرِ) . قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ﴾ (بِسَاهٍ) [[زيادة من (ب) .]] ﴿عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ وَعِيدٌ وَتَهْدِيدٌ، وَقِيلَ: بِتَارِكِ عُقُوبَةِ مَا تَعْمَلُونَ، بَلْ يُجَازِيكُمْ بِهِ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ يَعْمَلُونَ بِالْيَاءِ وَالْآخَرُونَ بِالتَّاءِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب