الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿ثُمَ قَسَت قُلُوبُكُم﴾ معنى القسوة في اللغة: الشدة والصلابة واليبس، ويقال: حجر قاسٍ: صلب، وأرض قاسية: لا تنبت شيئا، وعامٌ قَسِيٌّ: ذو قحط، قال شمر: هو الشديد [[قوله: (هو الشديد) ساقط من (ب).]] لا مطر فيه [["تهذيب اللغة" (قسا) 3/ 2955، وانظر: "اللسان" (قسا) 6/ 3622.]]. ويقال: قَسا قلبُه يَقْسُو قَسْوَةً وقَسَاوةً وقُسُوًّا [[(قُسُوًّا): كذا ضبط في: (أ)، ومثله في "الوسيط" 1/ 132، وفي "تفسير الطبري" 361 (قَسْوا) وكذا في "القاموس" 20/ 78.]]. وقال بعضهم: قسا قلبه قِسِيًّا، والعرب تقلب الفعول في المصدر إلى الياء فيقول: طغا طِغِيّاً وعتا عِتِيّاً. قال أبو إسحاق: وتأويل القسوة ذهاب اللين والرحمة والخشوع [[انظر: "معاني القرآن" 1/ 128، "تهذيب اللغة" (قسا) 3/ 2955، والنص من "تفسير الثعلبي" 1/ 85 ب.]]. وقوله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾: أي من بعد إحياء الميت لكم بعضوٍ من أعضاء البقرة، وهذه آية عظيمة كان يجب على من شاهدها أن يلين قلبه [[في (ج): (عليه).]] ويخضع [[ذكره الزجاج في "معاني القرآن" 1/ 128، وله قول آخر يأتي ذكره قريبًا. وانظر "تفسير الطبري" 1/ 361 - 362.]]. قال الكلبي: قالوا بعد ذلك: لم نقتله نحن، فلم يكونوا قط أعمى قلباً ولا أشد تكذيباً لنبيهم منهم عند ذلك [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 85 ب، والبغوي في "تفسيره" 1/ 185.]]. قال أبو إسحاق: ويحتمل أن يكون (من بعد ذلك)، أي: من بعد إحياء الميت والآيات التي تقدمت، نحو: مسخ القردة والخنازير، ورفع الجبل فوقهم، وانبجاس الماء من حجر. وإنما جاز (ذلك) للجماعة، ولم يقل: (ذلكم)، لأن الجماعة يؤدي عن لفظها الجميع والفريق، والخطاب في لفظ واحد، والمعنى جماعة [[في "معاني القرآن" للزجاج 1/ 128.]]. وقوله تعالى: ﴿فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ﴾ قال أبو إسحاق: لا يجوز عندي إسكان الواو والياء من (هو وهي) لأن كل مضمر فحركته إذا انفرد الفتح نحو (أنا) فكما لا يسكن نون أنا فلا تسكن [[في (أ): (يسكن) وأثبت ما في: (ب، ج)، ومثله ورد في "معاني القرآن" للزجاج 1/ 130.]] هذه الواو. قال أبو علي فيما استدرك عليه [["الإغفال" ص 211.]]: إسكان الواو من (هو) والياء من (هي) غير ممتنع. ولو قال قائل: الجيد الإسكان [[أي: الإسكان في (الياء) من (هي)، و (الواو) من (هو). انظر: "الإغفال" ص 211.]] لسكون النون في أنت [[قوله: (في أنت) ساقط من: (ب).]]، كما قال [[أي: الزجاج، وفي "الإغفال": (كما قال أبو إسحاق) ص 211.]] هو: لا يجوز الإسكان فيها لتحرك النون في (أنا)، لما كان بينهما فصل. فإن قلت: فقولهم: (نحن) من المضمر المنفصل، وآخره متحرك فذلك لا يشبه هو وهي وأنا وأنت، لأن آخر (نحن) إنما حرك لالتقاء الساكنين، ولوكان آخره متحرّكًا من الجهة التي ذكرت [[ما الجهة التي ذكر؟ قال في "الإغفال" (فتبين مما ذكرنا أن (نحن) لم يحرك آخره من حيث كان مضمرا منفردًا) ص 212.]] لا لالتقاء الساكنين لما جاز إسكان الآخر من (هم) ومن (أنت) لأنهما أيضا مضمران منفردان. فإن قلت: إن آخر (أنت) متحرك، وليس بساكن، كما أن آخر (أنا) متحرك. فليس هذا بسؤال، لأن آخر الاسم في أنت إنما هو النون، والتاء للخطاب وليست من نفس الكلمة، كما أن الألف من (أنا) إذا وقعت لتبيين الحركة في الوقف، لا من نفس الحرف فإن اعتد بـ (التاء) مع أنها زائدة في الكلمة، فليعتد بـ (الألف) أيضًا في (أنا) مع كونها زائدة، وإذا اعتد بها سقط الاحتجاج، لأنها حينئذٍ ساكنة الأخير، وإنما اختير الحركة في هو وهي لأنها أكثر، وفي اللغات أشهر، لا لما ذكره [[انظر: "الإغفال" ص 211، 212.]]. ويدل على جواز [[(جواز): ساقط من (ج).]] هذا الإسكان [[في "الإغفال": (ويدل على جواز هذا الإسكان إذا جاءت به رواية ثقة غير ممتنع ما أخبرنا ..) ص 213.]] ما أخبرني محمد بن [[هو أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد.]] الحسن عن أبي حاتم عن أبي زيد: كأَطُومٍ فَقَدَتْ بُرْغُزَهَا ... أعْقَبَتْهُ الغُبْسُ منه عَدَمَا غَفَلَتْ ثم أَتَتْ تَرْقُبُهُ ... فإِذا هي بِعظامٍ ودَمَا [[لم أعثر على قائل البيتين. قوله: (أَطُوم): يريد البقرة الوحشية، (بُرْغُزَها): ولدها، (الغُبْسُ): الذئاب أو الكلاب. ورد البيتان في "الإغفال" ص 213، "مجالس العلماء" للزجاجي ص 326، "المنصف" 2/ 148، "اللسان" (برغز) 1/ 315، و (اطم) 1/ 170، "الخزانة" 7/ 491، وورد الشطر الثاني من البيت الثاني في "التكملة" ص 30، "المخصص" 6/ 93، والبيت الثاني في "شرح المفصل" 5/ 84، "الهمع" 1/ 13. وبهذين البيتين انتهى ما نقله الواحدي عن أبي علي الفارسي من كتاب "الإغفال" ص 211 - 213.]] وقوله تعالى: ﴿كَالْحِجَارَةِ﴾ قال الليث: الحجارة جمع الحجر [[في (ج): (حجر).]]، وليس بقياس، لأن الحجر يجمع على أحجار، ولكن يجوز الاستحسان في العربية مثل الاستحسان في الفقه، وترك [[في (ب): (وترى)، وفي "تهذيب اللغة" (ترك القياس له ..) 1/ 746.]] القياس. قال [[(قال): ساقط من (ج).]]: ومثله: المِهَارة والبِكَارة، لجمع: المُهْر والبَكْر [["تهذيب اللغة" (حجر) 1/ 746، وانظر: "اللسان" (حجر) 2/ 781.]]. وأقرأني العروضي عن الأزهري، قال: أخبرني المنذري عن أبي الهيثم قال: العرب تدخل الهاء في كل جمع على فِعَال أو فُعُول، فتقول: عظام وعِظَامةٌ وفِحَالةٌ وجمالةٌ [[في "تهذيب اللغة": (حبالة)، وفي الحاشية (د): (جمالة).]] وذِكَارةٌ وذُكورَة وفُحُولَة وعُمُومة وحُمُولَة، قال: وإنما زادوا هذه الهاء لأنه إذا سكت عليه اجتمع فيه عند السكت ساكنان [[في "تهذيب اللغة": أخبرني المنذري عن أبي الهيثم. ثم ذكره مع بعض الاختلاف في العبارة (حجر) 1/ 747، وانظر: "اللسان" (حجر) 2/ 781.]]. قال الأزهري: وهذه العلة [[في (ب): (اللغة).]] أحسن من علة الاستحسان الذي شَبَّهه بالاستحسان في الفقه [["تهذيب اللغة" (حجر) 1/ 746، وفيه: (قلت: وهذا هو العلة التي عللها النحويون فأما الاستحسان الذي شَبَّهه بالاستحسان في الفقه فإنه باطل، ومثله في "اللسان" (حجر) 2/ 78.]]. قال المفسرون: إنما شبه قلوبهم بالحجارة في الغلظة والشدة، ولم يقل [[(يقل): ساقط من (ج).]]: (كالحديد)، وإن كان الحديد أصلب من الحجارة، لأن الحديد يلين بالنار، وقد لان لداود بإذن الله حتى صار كالعجين، ولا تلين الحجارة بمعالجة أبداً، ولأن في الحديد منافع، تلك المنافع لا توجد في الحجارة، فشبه الله قلوبهم بالحجارة لقسوتها ولعدم المنفعة منها [[انظر: "تفسير البغوي" 1/ 85، "تفسير ابن كثير" 1/ 121.]]. وقوله: ﴿أَو أَشَدُّ﴾ (أو) دخلت لغير معنى شك، ولكنها للإباحة [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 129، وانظر: "تفسير الطبري" 1/ 362 - 363، و"تفسير أبي الليث" 1/ 395، "الماوردي" 1/ 372، "ابن عطية" 1/ 354.]] كما ذكرها في قوله: ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ﴾، وقيل: (أو) هاهنا بمعنى بل [[انظر: "تفسير الطبري" 1/ 363، "تفسير أبي الليث" 1/ 395، "تفسير الثعلبي" 1/ 85 أ، "تفسير الماوردي" 1/ 372، "تفسير ابن عطية" 1/ 354.]] كقوله تعالى: ﴿أَوْ يَزِيدُونَ﴾ [الصافات: 147]. وقيل: أراد إبهام علم ذلك على المخاطبين، كالعادة في مثل هذا في المخاطبة أن يقال: فلان كالبدر أو أحسن، وكالبحر أو [[في (ب): (بل أجود).]] أجود، فأما الله تعالى فهو عالم أي ذلك كان [[ذكره الطبري في "تفسيره" ورجحه 1/ 362 - 363، "تفسير الماوردي" 1/ 371، "تفسير ابن عطية" 1/ 354 - 355، وذكر الأخفش: أنها بمعنى (الواو) "معاني القرآن" 1/ 284، وقد رده الزجاج وقال: (أو) لا تصلح بمعنى (الواو) و"المعاني" 1/ 129، وهذا على قول البصريين، انظر: "الإنصاف" ص 383، وانظر ما سبق عند تفسير قوله تعالى: ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ﴾.]]. وارتفع (أشدُ) بإضمار (هي) كأنه قال: أو هي أشدُّ [[انظر: "معاني القرآن" للأخفش 1/ 284، وللزجاج 1/ 129، "الطبري" 1/ 363.]]. ويجوز أن يرتفع بالعطف على موضع الكاف، كأنه قيل: فهي مثل الحجارة [[في (ب): (كالحجارة).]] أو أشد [[انظر: "تفسير الطبري" 1/ 363، "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 188، "الكشاف" 1/ 290، "البحر المحيط" 1/ 263.]]. قال ابن عباس في هذه الآية: إنما قال: ﴿أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ لأن الحجارة ليس لها ثواب ولا عليها عقاب، وهي تخاف الله تعالى [[لم أجده بهذا النص عن ابن عباس والله أعلم، وأخرج الطبري في "تفسيره" نحوه عن ابن عباس وقتادة 1/ 364، وانظر: "تفسير ابن أبي حاتم" 1/ 433، "تفسير ابن كثير" 120، 122، "الدر المنثور" 1/ 156.]]، وقد مر عيسى ابن مريم عليه السلام بجبل فسمع منه أنيناً فقال: يا رب ائذن لهذا [[في (ب): (لهذا الجبل).]] الذي يئنّ حتى يكلّمني، فأذِن اللهُ للجبل فقال: إني سمعت الله يقول: ﴿نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ [التحريم: 6] فخفتُ أن أكون من تلك الحجارة [[ذكره السيوطي في "الدر" وعزاه إلى ابن المنذر عن عبد العزيز بن أبي رواد، "الدر" 6/ 375.]]. وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ﴾ [[في (ج): (وإن من الحجارة لما يشقق فيخرج منه الماء).]] الكناية عائدة على (ما)، و (ما) من المبهمات يجوز تذكيره وتأنيثه، تقول العرب: من النعال ما يعجبني بالياء والتاء حملاً على التأويل [[انظر: "تفسير الطبري" 1/ 363 - 364، "إعراب القرآن" للنحاس 188، "تفسير ابن عطية" 1/ 356، "تفسير القرطبي" 1/ 394، "البحر المحيط" 1/ 265.]]. وقيل: إن (من) واقعة على بعض الحجارة، وبعض مذكر، والعرب تقول: بعض النساء قام، وبعضهن قمن، فمن ذكر فللفظ (بعض) ومن أنث فلتأويله [[ذكره الفراء في "معاني القرآن" 1/ 49.]]. والأنهار جمع نهْر ونَهَر، وأصله من السعة، يقال: أنهرت الفتق، أي: وسعته [[انظر: "تهذيب اللغة" (نهر) 4/ 3674، "الصحاح" (نهر) 2/ 840.]]، ومنه قوله [[البيت لقيس بن الخطيم.]]: فأنهرت فتقها [[تمام البيت: مَلَكْتُ بها كَفِّي فَأَنْهَرْتُ فَتْقَهَا ... يَرَى قَائِمٌ مِن دُونها ما وَراءَها سبق البيت وتخريجه.]] والنهر: اتساع الضياء، والنهر: أوسع من الجدول، والانتهار: إظهار الزجر، لا يكنى عنه، والنهار: ولد الكروان [[قال الليث: فرخ القطاة، وقال الأصمعي: فرخ الحبارى. انظر: "تهذيب اللغة" (نهر) 4/ 3674، "الصحاح" (نهر) 2/ 840، وفي "القاموس": فرخ القطا أو ذكر البوم، أو ولد الكروان أو ذكر الحبارى (نهر) ص 489.]]، لأنه مشبه بالنهار لبيضه. وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ قيل: أراد به جبل موسى، لما تجلّى ربه للجبل جعله دكّاً [[انظر: "تفسير الطبري" 1/ 364، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 135، "تفسير الماوردي" 1/ 373، "تفسير ابن عطية" 1/ 357 - 358.]]. وقال ابن الأنباري: يجوز أن يجعل الله تعالى للحجر عقلاً فيخشاه، كما جعل بحراء [[في (ب): (لحراء).]] عقلاً حتى عرف خطاب النبي ﷺ [[لعله بهذا يشير إلى الحديث الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله ﷺ كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فتحركت الصخرة، فقال رسول الله ﷺ: "اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد" مسلم (2414). كتاب فضائل الصحابة، فضائل طلحة والزبير، وأخرج أبو داود نحوه وفيه. "أثبت حراء .. " "سنن أبي داود" (4648)، كتاب: السنة، باب: الخلفاء، وأخرجه ابن ماجه في المقدمة (فضائل العشرة).]]، وكذلك ما صحت الأخبار به من تسبيح الحصا في يد رسول الله ﷺ [[أخرجه البيهقي بسنده عن أبي ذر - رضي الله عنه -، وفيه: (.. وبين يدي رسول الله ﷺ سبع حصيات، أو قال: تسع حصيات فأخذهن فوضعهن في كفه فسبحن، حتى سمعت لهن حنينًا كحنين النحل .. الحديث) وفي بعض رجاله ضعف. انظر: "دلائل النبوة" 6/ 64، 65، وذكر الحديث ابن حجر في "الفتح" وعزاه للبزار، والطبراني في "الأوسط"، والبيهقي في "الدلائل"، وقال: (.. وأما تسبيح الحصى فليست له إلا هذه الطريق الواحدة مع ضعفها ..) "فتح الباري" 6/ 592.]]. وكذلك قوله تعالى: في قصة داود ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ﴾ [سبأ: 10]، وروي عنه ﷺ أنه قال: "إني لأعرف [[في (ب): (لا أعرف).]] حجراً بمكة كان يسلّم عليّ كلّما مررتُ به" [[أخرج مسلم نحوه عن جابر بن سمرة ولفظه: "إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن" مسلم (2276). كتاب الفضائل، فضل نسب النبي ﷺ وتسليم الحجر عليه)، وأخرجه الترمذي (3624) أبواب المناقب، باب (في إثبات نبوة النبي ﷺ وما خصه الله به). معه "عارضة الأحوذي "، والدارمي في "سننه " باب ما أكرم الله به نبيه من إيمان الشجر والبهائم والجن 1/ 12، وأحمد في "مسند" 5/ 89، 95، 105.]]. وروي أنه قال: "كان موسى عليه السلام يخرج من الرَّوحاء يؤمُّ هذا البيت يُلبّي، ومقامُ الروحاء يُجاوبه" [[لم أجده بهذا اللفظ، وأخرج أحمد بسنده عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ مر بوادي الأزرق، فقال: "أي واد هذا؟ "، قالوا: هذا وادي الأزرق، فقال: "كأني انظر إلى موسى عليه السلام وهو هابط من الثنية وله جؤار إلى الله عز وجل بالتلبية" .. "المسند" 1/ 215، 216. وأخرج عن ابن عباس وفيه: "وأما موسى عليه السلام. فرجل آدم جعد على جمل أحمر مخطوم بخلبة، كأني أنظر إليه إذا انحدر من الوادي يلبي" "المسند" 1/ 277، وانظر "البداية والنهاية" 1/ 316.]]. وكذلك قوله: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ [الحشر: 21] يدل على عقل يُركَّب في الجبل لو أنزل القرآن عليه، لأنّ في القرآن أمراً ونهياً، ولا يؤمر ولا ينهى [[في (ج): (وينهى).]] من لا يعقل [[ذكر نحوه الطبري في "تفسيره" 1/ 365، "تفسير الماوردي" 1/ 374، "تفسير ابن عطية" 1/ 357 - 358.]]. وقيل: إن الخشية في اللفظ للحجر، وفي المعنى للناظر إلى الحجر، وذلك [[في (ب): (وقيل أنه تعالى).]] أنه تعالى يهبط الحجارة [دلالة للناظر على قدرة الله، فيحمله ذلك على الخشية، فنسب الخشية إلى الحجر] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] لما كان منه بسبب مجازاً [[في (ب): (مجاز).]]، كما تقول العرب: لفلان ناقة تاجرة، أي: تامة سمينة تُنفِّق نفسها وتدعو إلى [[في (ب): (إلى الله سرابها).]] شرائها والتجارة فيها، كذلك قال: الحجارة خاشية من الله، أي: داعية إلى الخشية [[ذكر الطبري في "تفسيره" نحوه 1/ 365، "تفسير الماوردي" 1/ 374، "تفسير ابن عطية" 1/ 357 - 358، قال الزجاج: (وقال قوم إنها أثر الصنعة التي تدل على أنها مخلوقة، وهذا خطأ، لأن ليس منها شيء ليس أثر الصنعة بينًا في جميعها، وإنما الهابط منها مجعول فيه التميز ..) "معاني القرآن" 1/ 130، وانظر: "تفسير القرطبي" 1/ 395، "تفسير ابن كثير" 1/ 121 - 222.]]، ومعنى الآية: وإن منها ما يهبط فيدعو الناظرَ إليها إلى [[(إلى): ساقط من (ب).]] خشية الله. وقال مجاهد: كلُّ حجر تفجّر منه الماءُ أوتشقّق عن ماء أو تردّى من رأس جبل فهو من خشية الله [نزل به القرآن [[ذكره الطبري في "تفسيره" 1/ 364، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 433، "تفسير الماوردي" 1/ 374، انظر: "تفسير ابن عطية" 1/ 356 - 357، "تفسير ابن كثير" 1/ 121 - 122.]]. وقال بعض المتأولين: من قال: المراد بالحجارة في قوله: ﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] أنه يركَّب فيها التمييز والعقل، فقد أخطأ [[نسب الرازي هذا القول للمعتزلة 3/ 131.]]، إذ كان لا يُستنكر ذلك ممن جُعِل فيه التمييز، ولكن هذا على جهة [[في (ب): (على وجه).]] المثل، كأنه يهبط من خشية الله لما فيه من الانقياد لأمر الله الذي لو كان من حيّ قادر لدلَّ على أنه خاشٍ لله كقوله: ﴿جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ﴾ [الكهف: 77]، أي: كأنه مريد. وكقول جرير: لمَّا أَتَى خَبَرُ الزُّبَيْرِ تَوَاضَعَتْ ... سُورُ المدينةِ والجِبَالُ الخُشَّعُ [[من قصيدة قالها جرير في هجاء الفرزدق، يقول: لما وافى خبر قتل الزبير إلى المدينة تواضعت هي وجبالها وخشعت حزنا له، لأن قاتل الزبير من رهط الفرزدق. ورد البيت في مواضع كثيرة منها،"الكتاب" 1/ 52، "مجاز القرآن" 1/ 197، "الكامل" 2/ 141، "المقتضب" 2/ 197،"المذكر والمؤنث" لابن الأنباري ص 595، "جمهرة أمثال العرب" 2/ 3339، "الأضداد" لابن الأنباري ص 296، "معاني القرآن" للفراء 2/ 37، والطبري في "تفسيره" 1/ 261، 365، "الخزانة" 4/ 218، "الخصائص" 2/ 418، "المخصص" 17/ 77، "تفسير القرطبي" 1/ 395، "البحر المحيط" 1/ 266، "رصف المباني" ص 244، "ديوان جرير" ص 270.]] أي: كأنها خاشعة للتذلل الذي ظهر [[في (ب): (للتذل ظهر الذي فيها).]] فيها كما يظهر تذلل الخاشع، هذا كلام أهل المعاني في معنى خشية الحجارة [[انظر: "تفسير الطبري" 1/ 365، وقد قال بعد أن ذكر هذه الأقوال: (وهذه الأقوال وإن كانت غير بعيدات المعنى مما تحتمله الآية من التأويل، فإن تأويل أهل التأويل من علماء سلف الأمة بخلافها، فلذلك لم نستجز صرف تأويل الآية إلى معنى منها)، 2/ 243، وإلى نحو هذا مال القرطبي في "تفسيره" وقال: إنه لا يمتنع أن يعطي الله الجمادات المعرفة والعقل ولا ندرك نحن كيفيته، 1/ 465، وانظر: "تفسير ابن كثير" 1/ 121، وبهذا أخذ الواحدي كما يأتي قوله.]]، والصحيح: أنها تخشى الله حقيقة كما قال مجاهد، ولكنا لا نقف على كيفية ذلك كسجود الجمادات لله تعالى، ذهب كثير من المفسرين إلى أنها تسجد لله تعالى على الحقيقة ولا نقف عليه نحن. وقوله تعالى: ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ اختلف القراء في مثل هذا، فقرأوا بالياء والتاء [[قرأ ابن كثير بالياء، وبقية السبعة بالتاء في هذه الآية، انظر: "السبعة" ص 160، "التيسير" ص 74، "حجة القراءات" لابن زنجلة ص 101.]]. والقول في جملة ذلك [[نقله عن "الحجة" لأبي علي بتصرف 2/ 113.]] أن ما كان قبله خطاب جعل بالتاء ليكون الخطاب معطوفاً على خطاب مثله، كقوله: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ ثم قال: ﴿عَمَّا تَعْمَلُون﴾ فالتاء هاهنا حسن، لأن المتقدم خطاب. ومن [[في (ب): (فمن).]] قرأ بالياء [[في (ج): (الياء) بسقوط الباء.]] فمعناه: ما الله بغافل عما يعمل هؤلاء الذين أقتصصنا عليكم قصّتَهم [[في (ب): (قصته).]] أيها المخاطبون، وأما إذا كان قَلَبه غيبةً حَسُنَ أن يجعل على لفظ الغيبة ليعطف بالغيبة على مثله، كما عطفت الخطاب على مثله، ويجوز فيما كان قبله لفظ [[في (ب): (فيما كان لفظه غيبة).]] غيبة: الخطاب، ووجه ذلك: أن يجمع بين الغيبة والخطاب، فتغلب [[في (ب): (فيغلب).]] الخطاب على الغيبة، لأن الغيبة يغلب عليها الخطاب، فيصير [[في (ب): (فتصير).]] كتغليب المذكر على المؤنث. ألا ترى أنهم قدموا الخطاب على الغيبة في باب الضمير، فقالوا [[في (ب): (فقال).]]: أعطاكهو [[كذا في جميع النسخ، وفي "الحجة" (اعطاكه) 2/ 113، وهو الصواب.]] ولم يقولوا: أعطاهوك، فعلمت أن الخطاب [أقدم في الرتبة كما أن المذكر مع المؤنث كذلك، ويجوز في الخطاب] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] بعد الغيبة وجه آخر، وهو: أن يراد به: وقل لهم أيها النبي: وما الله بغافل عما تعملون. ومعناه [[قوله: (ومعناه) ساقط من (ب).]]: وعيد لهم وتهديد [[انتهى من "الحجة" لأبي علي 2/ 113 - 114، وانظر: "حجة القراءات" لابن زنجلة ص101، "الحجة" لابن خالويه ص 82، "الكشف" 1/ 448.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب