الباحث القرآني

﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ القَساوَةُ عِبارَةٌ عَنِ الغِلَظِ مَعَ الصَّلابَةِ، كَما في الحَجَرِ. وقَساوَةُ القَلْبِ مَثَلٌ في نَبْوِهِ عَنِ الِاعْتِبارِ، وثَمَّ لِاسْتِبْعادِ القَسْوَةِ ﴿مِن بَعْدِ ذَلِكَ﴾ يَعْنِي إحْياءَ القَتِيلِ، أوْ جَمِيعَ ما عَدَّدَ مِنَ الآياتِ فَإنَّها مِمّا تُوجِبُ لِينَ القَلْبِ. ﴿فَهِيَ كالحِجارَةِ﴾ في قَسْوَتِها ﴿أوْ أشَدُّ قَسْوَةً﴾ مِنها، والمَعْنى أنَّها في القَساوَةِ مِثْلُ الحِجارَةِ أوْ أزْيَدُ عَلَيْها، أوْ أنَّها مِثْلُها، أوْ مِثْلُ ما هو أشَدُّ مِنها قَسْوَةً كالحَدِيدِ، فَحُذِفَ المُضافُ وأُقِيمَ المُضافُ إلَيْهِ مَقامَهُ، ويُعَضِّدُهُ قِراءَةُ الحَسَنِ بِالجَرِّ عَطْفًا عَلى الحِجارَةِ، وإنَّما لَمْ يَقُلْ أقْسى لِما في أشَدِّ مِنَ المُبالَغَةِ والدَّلالَةِ عَلى اشْتِدادِ القَسْوَتَيْنِ واشْتِمالِ المُفَضَّلِ عَلى زِيادَةٍ و (أوْ) لِلتَّخْيِيرِ، أوْ لِلتَّرْدِيدِ بِمَعْنى: أنَّ مَن عَرَفَ حالَها شَبَّهَها بِالحِجارَةِ أوْ بِما هو أقْسى مِنها. ﴿وَإنَّ مِنَ الحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنهُ الأنْهارُ وإنَّ مِنها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنهُ الماءُ وإنَّ مِنها لَما يَهْبِطُ مِن خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ تَعْلِيلٌ لِلتَّفْضِيلِ، والمَعْنى: أنَّ الحِجارَةَ تَتَأثَّرُ وتَنْفَعِلُ فَإنَّ مِنها ما يَتَشَقَّقُ فَيَنْبُعُ مِنهُ الماءُ، وتَنْفَجِرُ مِنهُ الأنْهارُ، ومِنها ما يَتَرَدّى مِن أعْلى الجَبَلِ انْقِيادًا لِما أرادَ اللَّهُ تَعالى بِهِ. وقُلُوبُ هَؤُلاءِ لا تَتَأثَّرُ ولا تَنْفَعِلُ عَنْ أمْرِهِ تَعالى. والتَّفَجُّرُ التَّفَتُّحُ بِسِعَةٍ وكَثْرَةٍ، والخَشْيَةُ مَجازٌ عَنِ الِانْقِيادِ، وقُرِئَ (إنْ) عَلى أنَّها المُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ وتَلْزَمُها اللّامُ الفارِقَةُ بَيْنَها وبَيْنَ إنِ النّافِيَةِ، ويَهْبِطُ بِالضَّمِّ. ﴿وَما اللَّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ﴾ وعِيدٌ عَلى ذَلِكَ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ ونافِعٌ ويَعْقُوبُ وخَلَفٌ وأبُو بَكْرٍ بِالياءِ ضَمًّا إلى ما بَعْدَهُ، والباقُونَ بِالتّاءِ.(p-89)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب