الباحث القرآني
وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكم مِن بَعْدِ ذَلِكَ﴾، تَأْوِيلُ ”قَسَتْ“، في اللُّغَةِ: غَلُظَتْ، ويَبِسَتْ، وصَلُبَتْ، فَتَأْوِيلُ القَسْوِ في القَلْبِ: ذَهابُ اللِّينِ، والرَّحْمَةِ، والخُضُوعِ، والخُشُوعِ مِنهُ.
وَمَعْنى ”مِن بَعْدِ ذَلِكَ“: أيْ: مِن بَعْدِ إحْياءِ المَيِّتِ لَكُمْ، بِعُضْوٍ مِن أعْضاءِ البَقَرَةِ، وهَذِهِ آيَةٌ عَظِيمَةٌ، كانَ يَجِبُ عَلى مَن يُشاهِدُها - فَشاهَدَ بِمُشاهَدَتِها مِن قُدْرَتِهِ - عَزَّ وجَلَّ - ما يُزِيلُ كُلَّ شَكٍّ - أنْ يَلِينَ قَلْبُهُ، ويَخْضَعَ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ ”مِن بَعْدِ ذَلِكَ“: مِن بَعْدِ إحْياءِ المَيِّتِ، والآياتِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ ذَلِكَ، نَحْوَ مَسْخِ القِرَدَةِ، والخَنازِيرِ، ونَحْوَ رَفْعِ الجَبَلِ فَوْقَهُمْ، ونَحْوَ انْبِجاسِ الماءِ مِن حَجَرٍ يَحْمِلُونَهُ مَعَهُمْ، وإنَّما جازَ ذَلِكَ وهَؤُلاءِ (p-١٥٦)الجَماعَةُ مُخاطَبُونَ، ولَمْ يَقُلْ ”ذَلِكم“، - ولَوْ قالَ: ”ذَلِكم“، كانَ جَيِّدًا - وإنَّما جازَ أنْ تَقُولَ لِلْجَماعَةِ: ”بَعْدَ ذَلِكَ“، و”بَعْدَ ذَلِكم“، لِأنَّ الجَماعَةَ تُؤَدِّي عَنْ لَفْظِها، ”اَلْجَمِيعُ“، و”اَلْفَرِيقُ“، فالخِطابُ في لَفْظٍ واحِدٍ، ومَعْنى ”جَماعَةٌ“ .
وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿فَهِيَ كالحِجارَةِ أوْ أشَدُّ قَسْوَةً﴾، وقَدْ رُوِيَ: ”أوْ أشَدَّ قَسْوَةً“، ومَعْنى تَشْبِيهِ القَسْوَةِ بِالحِجارَةِ قَدْ بَيَّناهُ، ودُخُولُ ”أوْ“، هَهُنا لِغَيْرِ مَعْنى الشَّكِّ، ولَكِنَّها ”أوْ“، اَلَّتِي تَأْتِي لِلْإباحَةِ، تَقُولُ: ”اَلَّذِينَ يَنْبَغِي أنْ يُؤْخَذَ عَنْهُمُ العِلْمُ، الحَسَنُ، أوِ ابْنُ سِيرِينَ“، فَلَسْتَ بِشاكٍّ، وإنَّما المَعْنى هَهُنا: هَذانِ أهْلٌ أنْ يُؤْخَذَ عَنْهُما العِلْمُ، فَإنْ أخَذْتَهُ عَنِ الحَسَنِ فَأنْتَ مُصِيبٌ، وإنْ أخَذْتَهُ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ فَأنْتَ مُصِيبٌ، وإنْ أخَذْتَهُ عَنْهُما جَمِيعًا فَأنْتَ مُصِيبٌ، فالتَّأْوِيلُ: ”اِعْلَمُوا أنَّ قُلُوبَ هَؤُلاءِ إنْ شَبَّهْتُمْ قَسْوَتَها بِالحِجارَةِ فَأنْتُمْ مُصِيبُونَ، أوْ بِما هو أشَدُّ فَأنْتُمْ مُصِيبُونَ“، ولا يَصْلُحُ أنْ تَكُونَ ”أوْ“، هَهُنا، بِمَعْنى الواوِ، وكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ”مَثَلُهم كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نارًا... أوْ كَصَيِّبٍ“، أيْ: ”إنْ مَثَّلْتَهم بِالمُسْتَوْقِدِ فَذَلِكَ مَثَلُهُمْ، وإنْ مَثَّلْتَهم بِالصَّيِّبِ فَهو لَهم مَثَلٌ“، وقَدْ شَرَحْناهُ في مَكانِهِ شَرْحًا شافِيًا كافِيًا - إنْ شاءَ اللَّهُ -، فَمَن قَرَأ: ”أشَدُّ قَسْوَةً“، رَفَعَ ”أشَدُّ“، بِإضْمارِ ”هي“، كَأنَّهُ قالَ: ”أوْ هي أشَدُّ قَسْوَةً“، ومَن نَصَبَ: ”أوْ أشَدَّ قَسْوَةً“، فَهو عَلى خَفْضٍ في الأصْلِ، بِمَعْنى الكافِ، ولَكِنَّ ”أشَدَّ“: ”أفْعَلَ“، لا يَنْصَرِفُ، لِأنَّهُ عَلى لَفْظِ الفِعْلِ، وهو نَعْتٌ، فَفُتِحَ، وهو في (p-١٥٧)مَوْضِعِ جَرٍّ، ويَجُوزُ في قَوْلِهِ تَعالى: ”فَهي كالحِجارَةِ“: ”فَهْيَ كالحِجارَةِ“، بِإسْكانِ الهاءِ، لِأنَّ الفاءَ مَعَ ”هي“، قَدْ جَعَلَتِ الكَلِمَةَ بِمَنزِلَةِ ”فَخِذٌ“، فَتُحْذَفُ الكَسْرَةُ اسْتِثْقالًا، وقَدْ رَوى بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ أنَّهُ يَجُوزُ في ”هي“، اَلْإسْكانُ في الياءِ مِن ”هي“، ولا أعْلَمُ أحَدًا قَرَأ بِها، وهي عِنْدِي لا يَجُوزُ إسْكانُها، ولا إسْكانُ الواوِ في ”هو“، لا يَجُوزُ ”هُوْ رَبُّكم“، وقَدْ رَوى الإسْكانَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ، وهو رَدِيءٌ، لِأنَّ كُلَّ مُضْمَرٍ فَحَرَكَتُهُ - إذا انْفَرَدَ - الفَتْحُ، نَحْوَ: ”أنا رَبُّكم“، فَكَما لا تُسَكَّنُ نُونُ ”أنا“، لا تُسَكَّنُ هَذِهِ الواوُ.
وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَإنَّ مِنَ الحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنهُ الأنْهارُ﴾، بَيَّنَ - عَزَّ وجَلَّ - كَيْفَ كانَتْ قُلُوبُهُمْ، أنَّها أشَدُّ قَسْوَةً وأصْلَبُ مِنَ الحِجارَةِ، وأعْلَمَ أنَّ الحِجارَةَ تَتَفَجَّرُ مِنها الأنْهارُ، ومِنها ما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنهُ الماءُ، يَعْنِي العُيُونَ الَّتِي تَخْرُجُ مِنَ الحِجارَةِ، ولا تَكُونُ أنْهارًا، ومِنها ما يَهْبِطُ مِن خَشْيَةِ اللَّهِ، فَقالُوا: إنَّ الَّذِي يَهْبِطُ مِن خَشْيَةِ اللَّهِ نَحْوُ الجَبَلِ الَّذِي تَجَلّى اللَّهُ لَهُ حِينَ كَلَّمَ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ -، وقالَ قَوْمٌ: إنَّها أثَرُ الصَّنْعَةِ الَّتِي تَدُلُّ عَلى أنَّها مَخْلُوقَةٌ، وهَذا خَطَأٌ، لِأنَّ لَيْسَ مِنها شَيْءٌ لَيْسَ أثَرُ الصَّنْعَةِ بَيِّنًا في جَمِيعِها، وإنَّما الهابِطُ مِنها مَجْعُولٌ فِيهِ التَّمْيِيزُ، كَما قالَ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿لَوْ أنْـزَلْنا هَذا القُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأيْتَهُ خاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِن خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ [الحشر: ٢١]، وكَما قالَ: ﴿ألَمْ تَرَ أنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن في السَّماواتِ﴾ [الحج: ١٨]، ثُمَّ قالَ: ﴿والنُّجُومُ والجِبالُ﴾ [الحج: ١٨]، فَأعْلَمَ أنَّ ذَلِكَ (p-١٥٨)تَمْيِيزٌ أرادَ اللَّهُ مِنها، ولَوْ كانَ يُرادُ بِذَلِكَ الصَّنْعَةُ لَمْ يَقُلْ: ﴿وَكَثِيرٌ مِنَ النّاسِ وكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ العَذابُ﴾ [الحج: ١٨]، لِأنَّ أثَرَ الصَّنْعَةِ شامِلٌ لِلْمُؤْمِنِ وغَيْرِهِ.
{"ayah":"ثُمَّ قَسَتۡ قُلُوبُكُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَ ٰلِكَ فَهِیَ كَٱلۡحِجَارَةِ أَوۡ أَشَدُّ قَسۡوَةࣰۚ وَإِنَّ مِنَ ٱلۡحِجَارَةِ لَمَا یَتَفَجَّرُ مِنۡهُ ٱلۡأَنۡهَـٰرُۚ وَإِنَّ مِنۡهَا لَمَا یَشَّقَّقُ فَیَخۡرُجُ مِنۡهُ ٱلۡمَاۤءُۚ وَإِنَّ مِنۡهَا لَمَا یَهۡبِطُ مِنۡ خَشۡیَةِ ٱللَّهِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق