الباحث القرآني

﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا﴾ [أَيْ: فِي الدُّنْيَا] [[زيادة من "ب".]] ﴿وَبَاطِلٌ﴾ ﴿مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ . اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ [[في "ب": (المعنى بهذه الآية) .]] قَالَ مُجَاهِدٌ: هُمْ أَهْلُ الرِّيَاءِ. وَرُوِّينَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: "إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ؟ قَالَ: "الرِّيَاءُ" [[أخرجه الإمام أحمد في المسند: ٥ / ٤٢٨-٤٢٩، والمصنف في شرح السنة: ١٤ / ٣٢٤. قال الهيثمي في المجمع: ١ / ١٠٢: "رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح" وقال المنذري في الترغيب والترهيب: ١ / ٦٩: "رواه أحمد بإسناد جيد، وابن أبي الدنيا والبيقي في الزهد وغيره" ثم قال: "وقد رواه الطبراني بإسناد جيد عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج. وقيل: إن حديث محمود هو الصواب دون ذكر رافع بن خديج فيه. والله أعلم". وانظر: النهج السديد في تخريج أحاديث تيسير العزيز الحميد ص (٤٦) .]] . قِيلَ: هَذَا فِي الْكُفَّارِ [[انظر: الطبري: ١٥ / ٢٦٥.]] ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ: فَيُرِيدُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ، وَإِرَادَتُهُ الْآخِرَةَ غَالِبَةٌ فَيُجَازَى بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا، وَيُثَابُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ. وَرُوِّينَا عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَظْلِمُ الْمُؤْمِنَ حَسَنَةً، يُثَابُ عَلَيْهَا الرِّزْقَ فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الْآخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الْآخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُعْطَى بِهَا خَيْرًا" [[أخرجه مسلم في صفات المنافقين، باب جزاء المؤمن بحسناته في الدنيا والآخرة برقم (٢٨٠٨) : ٤ / ٢١٦١، والمصنف في شرح السنة: ١٤ / ٣١٠.]] . قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ﴾ بَيَانٍ، ﴿مِنْ رَبِّهِ﴾ قِيلَ: فِي الْآيَةِ حَذَفٌ، وَمَعْنَاهُ: أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا، أَوْ مَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ هُوَ فِي الضَّلَالَةِ وَالْجَهَالَةِ، وَالْمُرَادُ بِالَّذِي هُوَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ: النَّبِيُّ ﷺ. ﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ أَيْ: يَتْبَعُهُ مَنْ يَشْهَدُ بِهِ بِصِدْقِهِ. وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الشَّاهِدِ [[انظر هذه الأقوال الآتية في: الطبري: ١٥ / ٢٧٠-٢٧٦.]] فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَلْقَمَةُ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ: إِنَّهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: هُوَ لِسَانُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: هُوَ مَلَكٌ يَحْفَظُهُ وَيُسَدِّدُهُ. وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: هُوَ الْقُرْآنُ وَنَظْمُهُ وَإِعْجَازُهُ. وَقِيلَ: هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ عَلِيٌّ: مَا مِنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَّا وَقَدْ نَزَلَتْ فِيهِ آيَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَأَنْتَ أَيُّ شَيْءٍ نَزَلَ فِيكَ؟ قَالَ: ﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ [[أخرجه الطبري بسند فيه جابر الجعفي، وهو ضعيف، وكان رافضيا من أتباع عبد الله بن سبأ، وكذلك ضعّف هذا القول ابن كثير في التفسير: ٢ / ٤٤١ وقال: "هو ضعيف لا يثبت له قائل".]] . وَقِيلَ: شَاهِدٌ مِنْهُ هُوَ الْإِنْجِيلُ [[ورجح الطبري رحمه الله أن أولى الأقوال في تأويل قوله تعالى: "ويتلوه شاهد منه" هو قول من قال: "هو جبريل" لدلالة قوله: "ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة" على صحة ذلك. التفسير: ١٥ / ٢٧٦. وقال ابن كثير رحمه الله: " هو ما أوحاه الله إلى الأنبياء من الشرائع المطهرة المكملة المعظمة المختتمة بشريعة محمد صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين، ولهذا قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وأبو العالية والضحاك وإبراهيم النخعي والسدي وغير واحد في قوله تعالى: "ويتلوه شاهد منه": إنه جبريل عليه السلام وعن علي رضي الله عنه والحسن وقتادة هو محمد ﷺ. وكلاهما قريب في المعنى لأن كلا من جبريل ومحمد صلوات الله عليهما بلَّغ رسالة الله تعالى، فجبريل إلى محمد، ومحمد إلى الأمة" التفسير: ٢ / ٤٤١.]] . ﴿وَمِنْ قَبْلِهِ﴾ أَيْ: وَمِنْ قَبْلِ مَجِيءِ مُحَمَّدٍ ﷺ. وَقِيلَ: مِنْ قَبْلِ نُزُولِ الْقُرْآنِ. ﴿كِتَابُ مُوسَى﴾ أَيْ: كَانَ كِتَابُ مُوسَى، ﴿إِمَامًا وَرَحْمَةً﴾ لِمَنِ اتَّبَعَهَا، يَعْنِي: التَّوْرَاةَ، وَهِيَ مُصَدِّقَةٌ لِلْقُرْآنِ، شَاهِدَةٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ، ﴿أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ يَعْنِي: أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ ﷺ. وَقِيلَ: أَرَادَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ﴾ أَيْ: بِمُحَمَّدٍ ﷺ. وَقِيلَ: بِالْقُرْآنِ، ﴿مِنَ الْأَحْزَابِ﴾ مِنَ الْكُفَّارِ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ كُلِّهَا، ﴿فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾ . أَخْبَرَنَا حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَلَا يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ" [[أخرجه مسلم من وجه آخر عن أبي هريرة، بلفظ " ... من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ... " كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد ﷺ، برقم (١٥٣) : ١ / ١٣٤، والمصنف باللفظ أعلاه، شرح السنة: ١ / ١٠٤ وهو كذلك عند أبي عوانة: ١ / ١٠٤ والإمام أحمد في المسند برقم (٨١٨٨) طبعة الحلبي، وهمام بن منبه في الصحيفة برقم (٩١) ص (٤٠٩) . والمراد بالأمة في هذا الحديث: كل من أُرسل إليه محمد ﷺ ولزمته حجته، سواء صدقه أو لم يصدقه. وعلى هذا يتناول اللفظ جميع أمة الدعوة، من هو موجود في زمنه ﷺ، ومن يتجدد وجوده بعده إلى يوم القيامة، فكلهم يجب عليه الدخول في طاعته ﷺ. وقوله: ولا يهودي ولا نصراني: من عطف الخاص على العام، وإنما ذكر تنبيها على من سواهما ... وقال القرطبي: إذا كانت الرواية من غير عطف "يهودي" و"نصراني" فهما بدل من الأمة. أما بالعطف -كما في رواية البغوي هنا- فلا يدخل اليهودي ولا النصراني في الأمة المذكورة. وقال العراقي: ويحتمل أن يراد بهذه الأمة: العرب الذين هم عبدة الأوثان، وحينئذ فعطف اليهودي والنصراني على بابه، لعدم دخولهما فيما تقدم، وقوله في روايتنا: "ولا يهودي ولا نصراني" يوافق ذلك. انظر: صحيفة همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه، بتحقيق وشرح الدكتور رفعت فوزي عبد المطلب ص (٤٠٩-٤١٠) والمراجع مشار إليها.]] . قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ﴾ أَيْ: فِي شَكٍّ مِنْهُ، ﴿إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب