الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ﴾، يعني بهذا النبي ﷺ في قول عامة المفسرين [[الثعلبي 7/ 36 أ، الطبري 12/ 14 - 15، "الدر المنثور" 3/ 586، "المحرر الوجيز" 7/ 257، "زاد المسير" 4/ 85.]]، وأما البينة فقال ابن عباس [[انظر: "تفسير كتاب الله العزيز" 2/ 218، "البحر" 5/ 201.]] في قوله ﴿عَلَى بَيِّنَةٍ﴾: يريد على يقين، وقال الكلبي [["زاد المسير" 4/ 85.]]: البينة هاهنا الدين، وقال مقاتل ابن سليمان [["زاد المسير" 4/ 85، "تفسير مقاتل" 144 ب.]]: البينة البيان، وقيل [[ذكره ابن أبي حاتم 6/ 2013 عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.]]: يعني بها القرآن. وقوله تعالى: ﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾، أي ويتبعه، [والهاء تعود على (من)، (شاهد منه)؛ اختلفوا في هذا الشاهد] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ي).]]؛ فقال ابن عباس [[الثعلبي 7/ 36 ب، والطبري 12/ 16، وابن أبي حاتم 6/ 2014، وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه كما في "الدر المنثور" 3/ 587.]] في رواية الضحاك: الشا هد جبريل عليه السلام، ونحو ذلك روى عكرمة [[الثعلبي 7/ 36 ب، الطبري 12/ 16، ابن أبي حاتم 6/ 2014.]] عنه، وهذا قول علقمة [[الثعلبي 7/ 36 ب.]] وإبراهيم [[الثعلبي 7/ 36 ب، الطبري 15/ 273.]]، ومجاهد [[الثعلبي 7/ 36 ب، الطبري 12/ 16.]]، وأبي صالح [[الثعلبى 7/ 36 ب، الطبري 12/ 16.]] وأبي العالية [[الثعلبي 7/ 36 ب، الطبري 12/ 16.]]، واختيار الفراء [["معاني القرآن" 2/ 6.]]، والزجاج [["معاني القرآن" 3/ 43.]]، وابن قتيبة [["مشكل القرآن وغريبه" 1/ 209.]]. قال ابن قتيبة: والشاهد من الله للنبي ﷺ جبريل؛ يريد أنه يتبعه ويؤيده ويسدده ويشهده. وقال ابن عباس [["تفسير عطاء" / 106، وانظر: "الدر المصون" 6/ 300.]] في رواية عطاء ﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ يريد: لسان النبي ﷺ، وهو قول الحسن [[الطبري 12/ 14، الثعلبي 2/ 377، "زاد المسير" 4/ 85، "تفسير كتاب الله العزيز" 2/ 218.]]، وقتادة [[الطبري 12/ 15، الثعلبي 7/ 36، ابن أبي حاتم 6/ 2014، البغوي 4/ 167، "زاد المسير" 4/ 85.]]، ورواية محمد بن الحنفية [[الطبري 12/ 14، والثعلبي 7/ 36 ب، وابن المنذر وابن أبي حاتم 6/ 2014، والطبراني في "الأوسط" 7/ 224 برقم (6824). قال الهيثمي: وفيه خليد بن دعيج وهو متروك "المجمع" 7/ 37، وأبوالشيخ كما في "الدر" 3/ 586، "زاد المسير" 4/ 85.]] عن علي رضي الله عنه قال: قلت لأبي أنت التالي، قال: وما تعني بالتالي؟ قلت: قوله: ﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾، قال: وددت أني هو، ولكن لسان الرسول ﷺ، وعلى هذا المعنى قال الزجاج [["معاني القرآن" 3/ 43.]]: ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ وكان معه من الفضل ما يبين تلك البينة، وعلى هذا الكناية في ﴿مَنْ﴾، تعود على ﴿مِّن﴾ وقيل: الشاهد هو: النبي ﷺ، وهو قول الحسين [[الطبري 12/ 15، الثعلبي 7/ 36 ب، "زاد المسير" 4/ 86، ابن أبي حاتم 6/ 2014. وقد خطأ أحمد شاكر في تعليقه على الطبري 15/ 271 النسبة إلى الحسين؛ لأن في "التاريخ الكبير" للبخاري 2/ 2/ 31، "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم 2/ 1/153 عند ترجمة سليمان العلاف الراوي هنا عن الحسين قالا: (إنه بلغه عن الحسن) والله أعلم.]] بن علي رضي الله عنهما، وابن زيد [[الطبري 12/ 15، القرطبي 9/ 17، ذكره الثعلبي 7/ 36 ب، ولم يعزه.]]، وعلى هذا أراد أن صورة النبي ﷺ ووجهه ومخائله كل ذلك يشهد له؛ لأن من نظر إليه بعقله علم أنه ليس بمجنون ولا كذاب ولا ساحر ولا كاهن، والكناية في ﴿مِنْهُ﴾ تعود على ﴿مَنْ﴾ ويراد به: النبي ﷺ. وحكى ابن الأنباري أن بعض أهل العلم ذهب إلى أن الشاهد ما يشهد بإعجاز القرآن العالمين وإفحامِه أهلَ البلاغة، فالشاهد ما يشهد بأن القرآن غير مقدور على مثله وهو معنى تحت ألفاظ القرآن، وهذا قول الحسين بن الفضل [[الثعلبي 7/ 36 ب، "زاد المسير" 4/ 86، البغوي 4/ 167، القرطبي 9/ 17.]]، قال: هو نظم القرآن وإعجازه، وعلى هذا الكناية في (منه) تعود إلى معنى البينة، ومعناها البيان والبرهان، أي ويتلوه شاهد من ذلك البيان وهو نظمه وإعجازه، قال ابن قتيبة [["مشكل القرآن وغريبه" 1/ 209.]]: وهذا أعجب إليّ؛ لأنه يقول: ﴿وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى﴾ يعني التوراة قبل القرآن تشهد له بما قدم الله فيها من ذكره، قال أبو بكر: وذهب آخرون إلى أن الشاهد الإنجيل، ومعنى ﴿وَيَتْلُوهُ﴾ على هذا القول أي: ويتلو البينة التي معناها القرآن [في التصديق] [[ساقط من (ب).]]، شاهد من الله وهو الإنجيل، قال الفراء [["معاني القرآن" 2/ 6.]]: ﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ يعني الإنجيل يتلو القرآن، وإن كان قد [[ساقط من (ي).]] أنزل قبله، يذهب إلى أن يتلوه بالتصديق، فعلى هذا جعله الإنجيل تاليا للقرآن في تصديق محمد ﷺ. وقال ابن الأنباري [["زاد المسير" 4/ 86.]]: معنى يتلوه على هذا القول هو: أن الله تعالى ذكر محمدًا في الإنجيل وأمر بالإيمان به، فهو تال لمحمد ﷺ لهذا المعنى، وإن كان نزوله قبل مولده وزمانه. وقوله تعالى: ﴿وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً﴾، أي ومن قبل القرآن، أو من قبل محمد ﷺ، أو من قبل الإنجيل، وارتفع ﴿كِتَابُ مُوسَى﴾ بمضمر بعده، تأويله: ومن قبله كتاب موسى كذلك، أي تلاه في التصديق على ما ذكرنا في الإنجيل، قاله ابن الأنباري [["زاد المسير" 4/ 87]]، قال: ويجوز أن يكون رفعًا على أنه فاعل، أي ويتلوه كتاب موسى في التصديق. وذكر أبو إسحاق [["معاني القرآن وإعرابه" للزجاج 3/ 44.]] أيضًا هذا الوجه فقال: ويكون ﴿كِتَابُ مُوسَى﴾ عطفًا على قوله ﴿شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ أي: وكان يتلوه ﴿كِتَابُ مُوسَى﴾؛ لأن النبي ﷺ بشر به موسى وعيسى في التوراة والإنجيل. قال: ويجوز أن يكون المعنى: وكان من قبل هذا كتاب موسى دليلًا على أمر النبي ﷺ، قال: ونصب ﴿إِمَامًا﴾ على الحال لأن كتاب موسى معرفة. وقوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ وما اتصل به إلى قوله: ﴿إِمَامًا وَرَحْمَةً﴾ يقتضي جوابًا بحرف التشبيه وضد معناه، كما قال في موضع آخر: ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا﴾ [السجدة: 18] وهاهنا ترك الجواب. قال أبو إسحاق [["معاني القرآن" 3/ 43 بنحوه.]]: والتقدير أفمن هذه حاله كان هو وغيره ممن ليس على [[ساقط من (ب).]] بينة سواء، فترك ذكر المضاد له؛ لأن فيما بعده دليلًا عليه وهو قوله: ﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ﴾ [هود: 24] الآية، ونحو هذا قال الفراء [["معاني القرآن" 2/ 6.]] فقال: ربما تركت العرب [[ساقط من (ب).]] جواب الشيء المعروف معناه، كما قال الشاعر [[هو امرؤ القيس يريد: لو شيء أتانا رسوله سواك دفعناه بدليل قوله: "ولكن لم نجد لك مدفعًا". وفي الديوان 242 (أجدك لو شيء ..). "الخزانة" 4/ 227، الطبري 12/ 18، "تهذيب اللغة" 3/ 3845 (وحد)، "معاني القرآن" 2/ 7، "شرح المفصل" 9/ 7، 94، كتاب "الصناعتين" / 182، "اللسان" (وحد) 8/ 4783.]]: فأقسم لو شيء أتانا رسوله ... سواك ولكن لم نجد لك مدفعًا ومثل هذا من التنزيل قوله: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ﴾ [الزمر: 9] الآية. ولم يؤت له بجواب، اكتفاء بما بعده من قوله: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾؛ فالقانتون آناء الليل والنهار الذين يعلمون، [وأضدادهم الذين لا يعملون] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]]، فاكتفى من الجواب بما تأخر من القول إذ كان فيه دليل عليه. وقال ابن قتيبة [["مشكل القرآن وغريبه" 1/ 208، وفيه اختلاف يسير.]]: هذا كلام مردود على ما قبله، محذوف منه الجواب للاختصار، وذلك أن الله تعالى ذكر قبل هذا الكلام قومًا ركنوا إلى الدنيا، ورضوا بها عوضًا من الآخرة فقال [[ساقط من (جـ).]]: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ [هود: 15] الآية. ثم قايس بين هؤلاء وبين النبي ﷺ، وصحابته فقال: ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ [هود: 17] كهذا الذي يريد الحياة الدنيا وزينتها، فاكتفى من الجواب بما تقدم، إذ كان فيه دليل عليه، وفي ذكر النبي ﷺ ذكر لأصحابه ولمن آمن واتبعه، ألا ترى أنه قال ﴿أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾، قال ابن عباس [["تنوير المقباس" /139، الثعلبي 7/ 37 ب.]] في رواية عطاء: يريد الذين صدقوا النبي ﷺ من أهل الكتاب، فمن قال بهذا القول قال: يعني أصحاب موسى وعيسى من كان منهم على الطريقة المثلى، واستقام على المنهاج، آمن بمحمد ﷺ. وقال عبد الله بن مسلم [[هو ابن قتيبة، ذكره في "مشكل القرآن وغريبه" 1/ 209.]]: يعني أصحاب محمد ﷺ. قال ابن الأنباري [["زاد المسير" 4/ 88.]] قوله: ﴿أُولَئِكَ﴾ هو إشارة إلى أهل الحق والمتمسكين بالصواب من أمم موسى وعيسى ومحمد عليهم السلام، وذلك أنه عز وعلا لما وصف محمدًا بما فضله به؛ من تمسكه بالهدى، وشهادة التوراة والإنجيل بصدقه، أشار إلى المؤمنين به، المتمسكين بما يوجد في التوراة والإنجيل والقرآن من صدقه ووضوح أمره، فكانت الإشارة إلى القوم الذين دلَّ ما تقدم على ذكرهم، والكناية في ﴿بِهِ﴾ تعود إلى محمد ﷺ. وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ﴾، قال ابن عباس [[روي من طرق عن سعيد بن جبير. انظر: "تفسير عبد الرزاق" 2/ 303، الطبري 12/ 19.]]: يريد الذين كذبوا الأنبياء. والأحزاب: الفرق الذين كذبوا الأنبياء، سموا أحزابًا لأنهم تحزبوا على مخالفة أنبيائهم أي اجتمعوا. وقال الفراء [["معاني القرآن" 2/ 8.]]: من الأحزاب أي من أصناف الكفار، فيدخل فيهم اليهود، والنصارى، والمجوس. وقال قتادة [[الطبري 12/ 20، و"زاد المسير" 4/ 88، وأخرجه أبو الشيخ كما في "الدر المنثور" 3/ 587، وابن أبي حاتم 6/ 2016.]]: هم اليهود والنصارى؛ يدلّ على صحة هذا ما روى سعيد بن جبير عن أبي موسى أن النبي ﷺ قال: "لا يسمع بي يهودي ولا نصراني فلا يؤمن بي، إلا كان من أهل النار" [[أخرجه أحمد 4/ 396، وأخرجه الهيثمي في "مجمع الزوائد" 8/ 261، 262، وقال: رواه الطبراني واللفظ له، وأحمد بنحوه، ورجال أحمد رجال الصحيح، والبزار أيضًا باختصار. وأخرجه النسائي في "التفسير" 1/ 585. وأخرجه الحاكم 2/ 342 من حديث ابن عباس مرفوعًا وصححه ووافقه الذهبي. وأخرجه مسلم (153) كتاب: الإيمان، باب: وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد ﷺ إلى جميع الناس ونسخ الملل بملته من حديث أبي هريرة، والطبري 12/ 19 من طرق.]]، قال أبو موسى: فقلت في نفسي: إن النبي ﷺ لا يقول مثل هذا إلا عن [[في (ب): (علي).]] القرآن، فوجدت الله يقول: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾. قال صاحب النظم: لما قال: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾ دل ذلك على أن من يؤمن به فهو في الجنة؛ لأنه إذا أوجد الشيء بصفة وجب أن يوجد بضد تلك الصفة ضد ذلك الشيء. وقوله تعالى: ﴿فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾، قال مقاتل بن سليمان [["تفسير مقاتل" 144 ب، "زاد المسير" 4/ 89.]]: الهاءان تعودان على القرآن، والمعنى فلا تك في مرية من القرآن إنه من الله، إن القرآن هو الحق من ربك [لا كما يقول المشركون من أنك تأتي به من قبل نفسك، قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس [["زاد المسير" 4/ 89، "تنوير المقباس" 139.]]: فلا تك في مرية من أن موعد الكافر النار، إن ذلك هو الحق من ربك] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ي).]]. قال أبو بكر: فمن بني على هذا التأويل أعاد الهاءين على التعذيب؛ لأن قوله ﴿فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾ معناه: فهو معذب، فرجعت الهاء على معنى الكلام، وكان تلخيصها (فلا تك في مرية من تعذيبه؛ إن تعذيبه الحق من ربك)، ولا يستنكر رجوع الهاء على حرف غير مذكور إذا كان المذكور يدلّ عليه. وقال ابن قتيبة [["تأويل مشكل القرآن" 396.]]: الخطاب في قوله: ﴿فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ﴾ للنبي ﷺ والمراد به غيره. وقوله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ يعني أهل مكة [["زاد المسير" 4/ 89.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب