الباحث القرآني
﴿أفَمَن كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّهِ﴾ أيْ: بُرْهانٍ نَيِّرٍ عَظِيمِ الشَّأْنِ يَدُلُّ عَلى حَقِّيَّةٍ ما رُغِّبَ في الثَّباتِ عَلَيْهِ مِنَ الإسْلامِ وهو القرآن، وبِاعْتِبارِهِ - أوْ بِتَأْوِيلِ البُرْهانِ - ذُكِّرَ الضَّمِيرُ الرّاجِعُ إلَيْها في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَيَتْلُوهُ﴾ أيْ: يَتْبَعُهُ ﴿شاهِدٌ﴾ يَشْهَدُ بِكَوْنِهِ مِن عِنْدِ اللَّهِ تَعالى، وهو الإعْجازُ في (p-195)نَظْمِهِ المُطَّرِدِ في كُلِّ مِقْدارِ سُورَةٍ مِنهُ، أوْ ما وقَعَ في بَعْضِ آياتِهِ مِنَ الإخْبارِ بِالغَيْبِ، وكَلاهُما وصْفٌ تابِعٌ لَهُ شاهِدٌ بِكَوْنِهِ مِن عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، غَيْرَ أنَّهُ عَلى التَّقْدِيرِ الأوَّلِ يَكُونُ في الكَلامِ إشارَةٌ إلى حالِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ والمُؤْمِنِينَ في تَمَسُّكِهِمْ بِالقرآن عِنْدَ تَبَيُّنِ كَوْنِهِ مُنَزَّلًا بِعِلْمِ اللَّهِ بِشَهادَةِ الإعْجازِ ﴿مِنهُ﴾ أيْ: مِنَ القرآن غَيْرَ خارِجٍ عَنْهُ، أوْ مِن جِهَةِ اللَّهِ تَعالى، فَإنَّ كُلًّا مِنهُما وارِدٌ مِن جِهَتِهِ تَعالى لِلشَّهادَةِ، ويَجُوزُ عَلى هَذا التَّقْدِيرِ أنْ يُرادَ بِالشّاهِدِ المُعْجِزاتُ الظّاهِرَةُ عَلى يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَإنَّ ذَلِكَ أيْضًا مِنَ الشَّواهِدِ التّابِعَةِ لِلْقُرْآنِ الوارِدَةِ مِن جِهَتِهِ تَعالى، فالمُرادُ: بِـ"مَن" في قَوْلِهِ تَعالى: (أفَمَن) كُلُّ مَنِ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ الحَمِيدَةِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ المُخاطَبُونَ بِقَوْلِهِ تَعالى: (فاعْلَمُوا) (فَهَلْ أنْتُمْ) دُخُولًا أوَّلِيًّا، وقِيلَ: هو النَّبِيُّ ﷺ وقِيلَ: مُؤْمِنُو أهْلِ الكِتابِ، كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ وأضْرابِهِ، وقِيلَ: المُرادُ بِالبَيِّنَةِ دَلِيلُ العَقْلِ، وبِالشّاهِدِ القرآن، فالضَّمِيرُ في (مِنهُ) لِلَّهِ تَعالى، أوِ البَيِّنَةُ القرآن، ويَتْلُوهُ مِنَ التِّلاوَةِ، والشّاهِدُ جِبْرِيلُ، أوْ لِسانُ النَّبِيِّ ﷺ عَلى أنَّ الضَّمِيرَ لَهُ أوْ مِنَ التُّلُوِّ، والشّاهِدُ مَلَكٌ يَحْفَظُ، والأوْلى هو الأوَّلُ.
وَلَمّا كانَ المُرادُ بِتُلُوِّ الشّاهِدِ لِلْبُرْهانِ إقامَةَ الشَّهادَةِ بِصِحَّتِهِ، وكَوْنُهُ مِن عِنْدِ اللَّهِ تابِعًا لَهُ بِحَيْثُ لا يُفارِقُهُ في مَشْهَدٍ مِنَ المَشاهِدِ - فَإنَّ القرآن بَيِّنَةٌ باقِيَةٌ عَلى وجْهِ الدَّهْرِ مَعَ شاهِدِها الَّذِي يَشْهَدُ بِأمْرِها إلى يَوْمِ القِيامَةِ عِنْدَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وجاحِدٍ - عُطِفَ كِتابُ مُوسى في قَوْلِهِ عَزَّ قائِلًا: ﴿وَمِن قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى﴾ عَلى فاعِلِهِ مَعَ كَوْنِهِ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ في النُّزُولِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: أفَمَن كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّهِ ويَشْهَدُ بِهِ شاهِدٌ مِنهُ وشاهِدٌ آخَرُ مِن قَبْلِهِ هو كِتابُ مُوسى، وإنَّما قُدِّمَ في الذِّكْرِ المُؤَخَّرُ في النُّزُولِ لِكَوْنِهِ وصْفًا لازِمًا لَهُ غَيْرَ مُفارِقٍ عَنْهُ، ولِعَراقَتِهِ في وصْفِ التُّلُوِّ، والتَّنْكِيرُ في (بَيِّنَةٍ) و(شاهِدٌ) لِلتَّفْخِيمِ.
﴿إمامًا﴾ أيْ: مُؤْتَمًّا بِهِ في الدِّينِ ومُقْتَدًى، وفي التَّعَرُّضِ لِهَذا الوَصْفِ بِصَدَدِ بَيانِ تُلُوِّ الكِتابِ ما لا يَخْفي مِن تَفْخِيمِ شَأْنِ المَتْلُوِّ ﴿وَرَحْمَةً﴾ أيْ: نِعْمَةً عَظِيمَةً عَلى مَن أُنْزِلَ إلَيْهِمْ ومَن بَعْدَهم إلى يَوْمِ القِيامَةِ بِاعْتِبارِ أحْكامِهِ الباقِيَةِ المُؤَيَّدَةِ بِالقرآن العَظِيمِ، وهُما حالانِ مِنَ الكِتابِ.
﴿أُولَئِكَ﴾ المَوْصُوفُونَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ الحَمِيدَةِ، وهو الكَوْنُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنَ اللَّهِ، ولِما أنَّ ذَلِكَ عِبارَةٌ عَنْ مُطْلَقِ التَّمَسُّكِ بِها - وقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بِطَرِيقِ التَّقْلِيدِ لِمَن سَلَفَ مِن عُظَماءِ الدِّينِ مِن غَيْرِ عُثُورٍ عَلى دَقائِقِ الحَقائِقِ - وصَفَهم بِأنَّهم ﴿يُؤْمِنُونَ﴾ أيْ: يُصَدِّقُونَهُ حَقَّ التَّصْدِيقِ حَسْبَما تَشْهَدُ بِهِ الشَّواهِدُ الحَقَّةُ المُعْرِبَةُ عَنْ حَقِّيَّتِهِ ﴿وَمَن يَكْفُرْ بِهِ﴾ أيْ: بِالقرآن، ولَمْ يُصَدِّقْ بِتِلْكَ الشَّواهِدِ الحَقَّةِ ﴿مِنَ الأحْزابِ﴾ مِن أهْلِ مَكَّةَ ومَن تَحَزَّبَ مَعَهم عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ﴿فالنّارُ مَوْعِدُهُ﴾ يَرِدُها لا مَحالَةَ حَسْبَما نَطَقَ بِهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَيْسَ لَهم في الآخِرَةِ إلا النّارُ﴾ وفي جَعْلِها مَوْعِدًا إشْعارٌ بِأنَّ لَهُ فِيها ما لا يُوصَفُ مِن أفانِينِ العَذابِ.
﴿فَلا تَكُ في مِرْيَةٍ مِنهُ﴾ أيْ: في شَكٍّ مِن أمْرِ القرآن، وكَوْنِهِ مِن عِنْدِ اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ - حَسْبَما شَهِدَتْ بِهِ الشَّواهِدُ المَذْكُورَةُ، وظَهَرَ فَضْلُ مَن تَمَسَّكَ بِهِ ﴿أنَّهُ الحَقُّ مِن رَبِّكَ﴾ الَّذِي لا يُرَبِّيكَ في دِينِكَ ودُنْياكَ ﴿وَلَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يُؤْمِنُونَ﴾ بِذَلِكَ إمّا لِقُصُورِ أنْظارِهِمْ واخْتِلالِ أفْكارِهِمْ، وإمّا لِعِنادِهِمْ واسْتِكْبارِهِمْ.
فَـ(مَن) في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أفَمَن كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّهِ﴾ مُبْتَدَأٌ حُذِفَ خَبَرُهُ لِإغْناءِ الحالِ عَنْ ذِكْرِهِ، وتَقْدِيرُهُ: أفَمَن كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّهِ كَأُولَئِكَ الَّذِينَ ذُكِرَتْ أعْمالُهم وبُيِّنَ مَصِيرُهم ومَآلُهُمْ، يَعْنِي أنَّ بَيْنَهُما تَفاوُتًا عَظِيمًا بِحَيْثُ لا يَكادُ يَتَراءى ناراهُما، وإيرادُ الفاءِ بَعْدَ الهَمْزَةِ لِإنْكارِ تَرَتُّبِ تَوَهُّمِ المُماثَلَةِ عَلى ما ذُكِرَ مِن صِفاتِهِمْ وعُدِّدَ مِن هَناتِهِمْ، كَأنَّهُ قِيلَ: أبَعْدَ ظُهُورِ حالِهِمْ في الدُّنْيا والآخِرَةِ - كَما وُصِفَ - يُتَوَهَّمُ المُماثَلَةُ بَيْنَهم وبَيْنَ مَن كانَ عَلى أحْسَنِ ما يَكُونُ (p-196)فِي العاجِلِ والآجِلِ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أفاتَّخَذْتُمْ مِن دُونِهِ أوْلِياءَ﴾ أيْ: أبَعْدَ أنْ عَلِمْتُمُوهُ رَبَّ السَّماواتِ والأرْضِ اتَّخَذْتُمْ مِن دُونِهِ أوْلِياءَ، وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أفَمَن يَعْلَمُ أنَّما أُنْزِلَ إلَيْكَ مِن رَبِّكَ الحَقُّ كَمَن هو أعْمى﴾ ؟!
{"ayah":"أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَیِّنَةࣲ مِّن رَّبِّهِۦ وَیَتۡلُوهُ شَاهِدࣱ مِّنۡهُ وَمِن قَبۡلِهِۦ كِتَـٰبُ مُوسَىٰۤ إِمَامࣰا وَرَحۡمَةًۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ یُؤۡمِنُونَ بِهِۦۚ وَمَن یَكۡفُرۡ بِهِۦ مِنَ ٱلۡأَحۡزَابِ فَٱلنَّارُ مَوۡعِدُهُۥۚ فَلَا تَكُ فِی مِرۡیَةࣲ مِّنۡهُۚ إِنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یُؤۡمِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق