الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أسْباطًا أُمَمًا وأوْحَيْنا إلى مُوسى إذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الحَجَرَ فانْبَجَسَتْ مِنهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهم وظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الغَمامَ وأنْزَلْنا عَلَيْهِمُ المَنَّ والسَّلْوى كُلُوا مِن طَيِّباتِ ما رَزَقْناكم وما ظَلَمُونا ولَكِنْ كانُوا أنْفُسَهم يَظْلِمُونَ﴾
واعْلَمْ أنَّ المَقْصُودَ مِن هَذِهِ الآيَةِ، شَرْحُ نَوْعَيْنِ مِن أحْوالِ بَنِي إسْرائِيلَ:
أحَدُهُما: أنَّهُ تَعالى جَعَلَهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ سِبْطًا، وقَدْ تَقَدَّمَ هَذا في سُورَةِ البَقَرَةِ، والمُرادُ أنَّهُ تَعالى فَرَقَ بَنِي إسْرائِيلَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فِرْقَةٌ؛ لِأنَّهم كانُوا مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِن أوْلادِ يَعْقُوبَ، فَمَيَّزَهم وفَعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ لِئَلّا يَتَحاسَدُوا فَيَقَعَ فِيهِمُ الهَرْجُ والمَرْجُ. وقَوْلُهُ: ﴿وقَطَّعْناهُمُ﴾ أيْ صَيَّرْناهم قِطَعًا أيْ فِرَقًا ومَيَّزْنا بَعْضَهم مِن بَعْضٍ، وقُرِئَ ”وقَطَعْناهم“ بِالتَّخْفِيفِ وهَهُنا سُؤالانِ:
السُّؤالُ الأوَّلُ: مُمَيَّزُ ما عَدا العَشَرَةَ مُفْرَدٌ، فَما وجْهُ مَجِيئِهِ مَجْمُوعًا، وهَلّا قِيلَ: اثْنَيْ عَشَرَ سِبْطًا ؟
والجَوابُ: المُرادُ وقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ قَبِيلَةً، وكُلُّ قَبِيلَةٍ أسْباطٌ، فَوَضَعَ أسْباطًا مَوْضِعَ قَبِيلَةٍ.
السُّؤالُ الثّانِي: قالَ: ﴿اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أسْباطًا﴾ مَعَ أنَّ السِّبْطَ مُذَكَّرٌ لا مُؤَنَّثٌ.
الجَوابُ قالَ الفَرّاءُ: إنَّما قالَ ذَلِكَ، لِأنَّهُ تَعالى ذَكَرَ بَعْدَهُ﴿أُمَمًا﴾ فَذَهَبَ التَّأْنِيثُ إلى الأُمَمِ.
ثُمَّ قالَ: ولَوْ قالَ: اثْنَيْ عَشَرَ لِأجْلِ أنَّ السِّبْطَ مُذَكَّرٌ كانَ جائِزًا. وقالَ الزَّجّاجُ: المَعْنى﴿وقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ﴾ فِرْقَةً ”أسْباطًا“ فَقَوْلُهُ: ﴿أسْباطًا﴾ نَعْتٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ، وهو الفِرْقَةُ. وقالَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ: لَيْسَ قَوْلُهُ: ﴿أسْباطًا﴾ تَمْيِيزًا، ولَكِنَّهُ بَدَلٌ مِن قَوْلِهِ: ﴿اثْنَتَيْ عَشْرَةَ﴾ .
وأمّا قَوْلُهُ: ﴿أُمَمًا﴾ قالَ صاحِبُ الكَشّافِ: هو بَدَلٌ مِن﴿اثْنَتَيْ عَشْرَةَ﴾ بِمَعْنى: وقَطَّعْناهم أُمَمًا لِأنَّ كُلَّ سِبْطٍ كانَتْ أُمَّةً عَظِيمَةً وجَماعَةً كَثِيفَةَ العَدَدِ، وكُلَّ واحِدَةٍ كانَتْ تَؤُمُّ خِلافَ ما تَؤُمُّهُ الأُخْرى، ولا تَكادُ تَأْتَلِفُ. وقُرِئَ ”اثْنَتَيْ عَشِرَةَ“ بِكَسْرِ الشِّينِ.
النَّوْعُ الثّانِي مِن شَرْحِ أحْوالِ بَنِي إسْرائِيلَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأوْحَيْنا إلى مُوسى إذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الحَجَرَ﴾ وهَذِهِ القِصَّةُ أيْضًا قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُها في سُورَةِ البَقَرَةِ. قالَ الحَسَنُ: ما كانَ إلّا حَجَرًا اعْتَرَضَهُ وإلّا عَصًا أخَذَها.
واعْلَمْ أنَّهم كانُوا رُبَّما احْتاجُوا في التِّيهِ إلى ماءٍ يَشْرَبُونَهُ، فَأمَرَ اللَّهُ تَعالى مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - أنْ يَضْرِبَ (p-٢٩)بِعَصاهُ الحَجَرَ، وكانُوا يُرِيدُونَهُ مَعَ أنْفُسِهِمْ فَيَأْخُذُوا مِنهُ قَدْرَ الحاجَةِ، وقَوْلُهُ: ﴿فانْبَجَسَتْ﴾ قالَ الواحِدِيُّ: فانْبَجَسَ الماءُ وانْبِجاسُهُ انْفِجارُهُ. يُقالُ: بَجَسَ الماءُ يَبْجُسُ، وانْبَجَسَ وتَبَجَّسَ إذا تَفَجَّرَ، هَذا قَوْلُ أهْلِ اللُّغَةِ، ثُمَّ قالَ: والِانْبِجاسُ والِانْفِجارُ سَواءٌ، وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ فَلا تَناقُضَ بَيْنَ الِانْبِجاسِ المَذْكُورِ هَهُنا وبَيْنَ الِانْفِجارِ المَذْكُورِ في سُورَةِ البَقَرَةِ، وقالَ آخَرُونَ: الِانْبِجاسُ خُرُوجُ الماءِ بِقِلَّةٍ، والِانْفِجارُ خُرُوجُهُ بِكَثْرَةٍ، وطَرِيقُ الجَمْعِ: أنَّ الماءَ ابْتَدَأ بِالخُرُوجِ قَلِيلًا، ثُمَّ صارَ كَثِيرًا، وهَذا الفَرْقُ مَرْوِيٌّ عَنْ أبِي عَمْرِو بْنِ العَلاءِ، ولَمّا ذَكَرَ تَعالى أنَّهُ كَيْفَ كانَ يَسْقِيهِمْ، ذَكَرَ ثانِيًا أنَّهُ ظَلَّلَ الغَمامَ عَلَيْهِمْ، وثالِثًا: أنَّهُ أنْزَلَ عَلَيْهِمُ المَنَّ والسَّلْوى، ولا شَكَّ أنَّ مَجْمُوعَ هَذِهِ الأحْوالِ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى؛ لِأنَّهُ تَعالى سَهَّلَ عَلَيْهِمُ الطَّعامَ والشَّرابَ عَلى أحْسَنِ الوُجُوهِ ودَفَعَ عَنْهم مَضارَّ الشَّمْسِ.
ثُمَّ قالَ: ﴿كُلُوا مِن طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ﴾ والمُرادُ قَصْرُ أنْفُسِهِمْ عَلى ذَلِكَ المَطْعُومِ وتَرْكُ غَيْرِهِ.
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وما ظَلَمُونا﴾ وفِيهِ حَذْفٌ، وذَلِكَ لِأنَّ هَذا الكَلامَ إنَّما يَحْسُنُ ذِكْرُهُ لَوْ أنَّهم تَعَدَّوْا ما أمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ، وذَلِكَ إمّا بِأنْ تَقُولَ إنَّهُمُ ادَّخَرُوا مَعَ أنَّ اللَّهَ مَنَعَهم مِنهُ، أوْ أقْدَمُوا عَلى الأكْلِ في وقْتٍ مَنَعَهُمُ اللَّهُ عَنْهُ، أوْ لِأنَّهم سَألُوا غَيْرَ ذَلِكَ مَعَ أنَّ اللَّهَ مَنَعَهم مِنهُ، ومَعْلُومٌ أنَّ المُكَلَّفَ إذا ارْتَكَبَ المَحْظُورَ فَهو ظالِمٌ لِنَفْسِهِ، فَلِذَلِكَ وصَفَهُمُ اللَّهُ تَعالى بِهِ ونَبَّهَ بِقَوْلِهِ: ﴿وما ظَلَمُونا ولَكِنْ كانُوا أنْفُسَهم يَظْلِمُونَ﴾ وذَلِكَ أنَّ المُكَلَّفَ إذا أقْدَمَ عَلى المَعْصِيَةِ فَهو ما أضَرَّ إلّا نَفْسَهُ حَيْثُ سَعى في صَيْرُورَةِ نَفْسِهِ مُسْتَحِقَّةً لِلْعِقابِ العَظِيمِ.
{"ayah":"وَقَطَّعۡنَـٰهُمُ ٱثۡنَتَیۡ عَشۡرَةَ أَسۡبَاطًا أُمَمࣰاۚ وَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَىٰ مُوسَىٰۤ إِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰهُ قَوۡمُهُۥۤ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنۢبَجَسَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَیۡنࣰاۖ قَدۡ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسࣲ مَّشۡرَبَهُمۡۚ وَظَلَّلۡنَا عَلَیۡهِمُ ٱلۡغَمَـٰمَ وَأَنزَلۡنَا عَلَیۡهِمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ كُلُوا۟ مِن طَیِّبَـٰتِ مَا رَزَقۡنَـٰكُمۡۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ یَظۡلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق