الباحث القرآني

القول في تأويل قوله: ﴿وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فرقناهم= يعني قوم موسى من بني إسرائيل، فرقهم الله فجعلهم قبائل شتى، اثنتي عشرة قبيلة. * * * وقد بينا معنى "الأسباط"، فيما مضى، ومن هم. [[[[(٣) في المخطوطة: ((يستحكى هذا التأويل)) ، وفي المطبوعة: ((يستحكى على هذا التأويل)) ، زاد ((على)) ، لأن وجد الكلام لا معنى له. والصواب عندي ما أثبت ((يستخل)) من ((الخلل)) وهو الوهن والفساد، وقالوا: ((أمر مختل)) أي فاسد واهن. فاستخرج أبو جعفر أو غيره قياساً من ((الخلل)) ((استخل الشيء)) ، أي استوهنه واستضعفه، ووجد فيه خللاً. وهو قياس جيد في العربية. وهو صواب المعنى فيه إن شاء الله.]] انظر تفسير ((الأسباط)) فيما سلف ٢: ١٢١، الخبر رقم ١٠٤٧ / ٣: ١٠٩ - ١١٣، ١٢٢ / ٦: ٥٦٩.]] * * * واختلف أهل العربية في وجه تأنيث "الاثنتي عشرة"، و"الأسباط" جمع مذكر. فقال بعض نحويي البصرة: أراد اثنتي عشرة فرقة، ثم أخبر أن الفرق "أسباط"، ولم يجعل العدد على "أسباط". * * * وكان بعضهم يستخِلُّ هذا التأويل ويقول (٢) لا يخرج العدد على غير التالي، [[(١) في المخطوطة: ((على غير الثاني)) ، وغيرها في المطبوعة إلى: ((على عين الثاني)) ، وكلتاهما فاسدة المعنى، والصواب ما أثبت. يعنى: ما يتلو العدد، وهو ((أسباط)) ، وهو الظاهر في الكلام، وتقديره: ((اثنى عشرة فرقة أسباطاً)) ثم حذف ((فرقة)) وإضمارها، يوجب أن يجرى العدد على ما يتلوه، فصح بهذا ما أثبت من قراءة النص.]] ولكن "الفرق" قبل "الاثنتي عشرة"، حتى تكون "الاثنتا عشرة" مؤنثة على ما قبلها، ويكون الكلام: وقطعناهم فرقًا اثنتي عشرة أسباطًا= فيصحّ التأنيث لما تقدَّم. * * * وقال بعض نحويي الكوفة: إنما قال "الاثنتي عشرة" بالتأنيث، و"السبط" مذكر، لأن الكلام ذهب إلى "الأمم"، فغُلّب التأنيث، وإن كان "السبط" ذكرًا، وهو مثل قول الشاعر: [[(٢) النواح الكلابي، رجل من بنى كلاب.]] وَإِنَّ كِلابًا هَذِهِ عَشْرُ أَبْطُنٍ وَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ قَبَائِلِهَا الْعَشْرِ [[(٣) سيبويه ٢: ١٧٤، معاني القرآن للفراء ١: ١٢٦، الإنصاف: ٣٢٣، العينى (هامش الخزانة) ٤: ٤٨٤، واللسان (بطن) ، وغيرها. ولم أجد تتمة الشعر.]] ذهب ب"البطن" إلى القبيلة والفصيلة، فلذلك جمع "البطن" بالتأنيث. * * * وكان آخرون من نحويي الكوفة يقولون: إنما أنّثت "الاثنتا عشرة"، و "السبط" ذكر، لذكر "الأمم". [[(٤) هو الفراء في معاني القرآن ١: ٣٩٧.]] * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أنّ "الاثنتي عشرة" أنثت لتأنيث "القطعة"، ومعنى الكلام: وقطعناهم قِطَعًا اثنتي عشرة ثم ترجم عن "القِطَع" ب"الأسباط"، وغير جائز أن تكون "الأسباط" مفسرة عن "الاثنتي عشرة" وهي جمع، لأن التفسير فيما فوق "العشر" إلى "العشرين" بالتوحيد لا بالجمع، [[(١) ((التفسير)) ، هو ((التمييز)) ، فقوله: ((مفسرة)) أي تمييزاً في الإعراب.]] و"الأسباط" جمع لا واحد، وذلك كقولهم: "عندي اثنتا عشرة امرأة". ولا يقال: "عندي اثنتا عشرة نسوة"، فبيَّن ذلك أن "الأسباط" ليست بتفسير للاثنتي عشرة، [[(٢) في المطبوعة والمخطوطة: ((ففي ذلك أن الأسباط)) ، وهو تركيب واه ضعيف، ورجحت أن ما أثبت أشبه بالصواب.]] وأن القول في ذلك على ما قلنا. * * * وأما "الأمم"، فالجماعات= و"السبط" في بني إسرائيل نحو "القَرْن". [[(٣) انظر تفسير ((الأمة) فيما سلف ص: ١٧٢، تعليق: ١ والمراجع هناك وتفسير السبط فيما سلف ص ١٧٤ تعليق ٢ والمراجع هناك.]] * * * وقيل: إنما فرّقوا أسباطًا لاختلافهم في دينهم. * * * القول في تأويل قوله: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١٦٠) ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: "وأوحينا إلى موسى"، إذ فرّقنا بني إسرائيل قومه اثنتي عشرة فرقة، وتيَّهناهم في التيه، فاستسقوا موسى من العَطش وغَوْر الماء= "أن اضرب بعصَاك الحجر". * * * وقد بينا السبب الذي كان قومه استسقوه وبينا معنى الوحي بشواهده. [[(١) انظر ما سلف ٢: ١١٩ - ١٢٢. = وتفسير ((الوحي)) فيما سلف من فهارس اللغة (وحي) .]] * * * = "فانبجست"، فانصّبت وانفجرت من الحجر اثنتَا عشرة عينًا من الماء، "قد علم كل أناس"، يعني: كل أناس من الأسباط الاثنتي عشرة "مشربهم"، لا يدخل سبط على غيره في شربه= "وظللنا عليهم الغمام"، يكنُّهم من حرّ الشمس وأذاها. * * * وقد بينا معنى "الغمام" فيما مضى قبل، وكذلك: "المن والسلوى". [[(٢) انظر تفسير ((تظليل الغمام)) فيما سلف ٢: ٩٠، ٩١. = وتفسير ((المن)) و ((والسلوى)) فيما سلف ٢: ٩١ - ١٠١. = وتفسير سائر الآية، وهي نظيرتها فيما سلف ٢: ١٠١، ١٠٢.]] * * * = "وأنزلنا عليهم المن والسلوى"، طعامًا لهم= "كلوا من طيبات ما رزقناكم"، يقول: وقلنا لهم: كلوا من حَلال ما رَزقْناكم، أيها الناس، وطيّبناه لكم= "وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون"، وفي الكلام محذوف، ترك ذكره استغناءً بما ظهَر عما ترك، وهو: "فأجِمُوا ذلك، [[(٣) في المطبوعة: ((فأجمعوا ذلك)) ، ظن ما في المخطوطة خطأ، فأصلحه، يعنى فأفسده! ! يقال: ((أجم الطعام يأجمه أجما)) ، إذا كرهه ومله من طول المداومة عليه.]] وقالوا: لن نصبر على طعام واحد، فاستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير"= "وما ظلمونا"، يقول: وما أدخلوا علينا نقصًا في ملكنا وسلطاننا بمسألتهم ما سألوا، وفعلهم ما فعلوا= "ولكن كانوا أنفسهم يظلمون"، أي: ينقصونها حظوظَها باستبدالهم الأدنى بالخير، والأرذل بالأفضل.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب