وَقَوْلُهُ: ﴿وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أسْباطًا﴾، ويَجُوزُ: ”عَشِرَةَ“، بِكَسْرِ الشِّينِ، المَعْنى: قَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فِرْقَةً أسْباطًا، (p-٣٨٣)مِن نَعْتِ ”فِرْقَةً“، كَأنَّهُ قالَ: ”جَعَلْناهم أسْباطًا، وفَرَّقْناهم أسْباطًا“، فَيَكُونُ ”أسْباطًا“، بَدَلًا مِن ”اثْنَتَيْ عَشْرَةَ“، وهو الوَجْهُ.
وَقَوْلُهُ: ”أُمَمًا“، مِن نَعْتِ ”أسْباطًا“، قالَ بَعْضُهم: ”اَلسِّبْطُ“: اَلْقَرْنُ الَّذِي يَجِيءُ بَعْدَ قَرْنٍ ”، والصَّحِيحُ أنَّ الأسْباطَ في ولَدِ إسْحاقَ بِمَنزِلَةِ القَبائِلِ في ولَدِ إسْماعِيلَ، فَوَلَدُ كُلِّ مَن وُلِدَ مِن أوْلادِ يَعْقُوبَ سِبْطٌ، ووَلَدُ كُلِّ مَن وُلِدَ مِن ولَدِ إسْماعِيلَ قَبِيلَةٌ، وإنَّما سُمِّيَ هَؤُلاءِ بِالأسْباطِ، وهَؤُلاءِ بِالقَبائِلِ، لِيُفْصَلَ بَيْنَ ولَدِ إسْماعِيلَ ووَلَدِ إسْحاقَ، ومَعْنى“ اَلْقَبِيلَةُ ”، مِن ولَدِ إسْماعِيلَ، مَعْنى“ اَلْجَماعَةُ ”، يُقالُ لِكُلِّ جَماعَةٍ مِن ولَدٍ:“ قَبِيلَةٌ ”، وكَذَلِكَ يُقالُ لِكُلِّ جَمْعٍ عَلى شَيْءٍ واحِدٍ:“ قَبِيلٌ ”، قالَ اللَّهُ - جَلَّ وعَزَّ -: ﴿إنَّهُ يَراكم هو وقَبِيلُهُ مِن حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ﴾ [الأعراف: ٢٧]، فَأمّا الأسْباطُ فَهو مُشْتَقٌّ مِن“ اَلسَّبَطُ ”، و“ اَلسُّبَطُ ”: ضَرْبٌ مِنَ الشَّجَرِ تُعْلَفُهُ الإبِلُ، ويُقالُ لِلشَّجَرَةِ:“ لَها قَبائِلُ ”، فَكَذَلِكَ الأسْباطُ مِن“ اَلسَّبَطُ ”، كَأنَّهُ جَعَلَ إسْحاقَ بِمَنزِلَةِ شَجَرَةٍ، وجَعَلَ إسْماعِيلَ بِمَنزِلَةِ شَجَرَةٍ، وكَذَلِكَ يَفْعَلُ النَّسّابُونَ في النَّسَبِ، يَجْعَلُونَ الوالِدَ بِمَنزِلَةِ الشَّجَرَةِ، ويَجْعَلُونَ الأوْلادَ بِمَنزِلَةِ أغْصانِها، ويُقالُ:“ طُوبى لِطَرْحِ فُلانٍ ”، و“ فُلانٌ مِن شَجَرَةٍ صالِحَةٍ ”، فَهَذا - واللَّهُ أعْلَمُ - مَعْنى“ اَلْأسْباطُ ”، و“ اَلسِّبْطُ " .
{"ayah":"وَقَطَّعۡنَـٰهُمُ ٱثۡنَتَیۡ عَشۡرَةَ أَسۡبَاطًا أُمَمࣰاۚ وَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَىٰ مُوسَىٰۤ إِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰهُ قَوۡمُهُۥۤ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنۢبَجَسَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَیۡنࣰاۖ قَدۡ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسࣲ مَّشۡرَبَهُمۡۚ وَظَلَّلۡنَا عَلَیۡهِمُ ٱلۡغَمَـٰمَ وَأَنزَلۡنَا عَلَیۡهِمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ كُلُوا۟ مِن طَیِّبَـٰتِ مَا رَزَقۡنَـٰكُمۡۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ یَظۡلِمُونَ"}