الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أكانَ لِلنّاسِ عَجَبًا أنْ أوْحَيْنا إلى رَجُلٍ مِنهم أنْ أنْذِرِ النّاسَ وبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أنَّ لَهم قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الكافِرُونَ إنَّ هَذا لَساحِرٌ مُبِينٌ﴾
فِي الآيَةِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: أنَّ كُفّارَ قُرَيْشٍ تَعَجَّبُوا مِن تَخْصِيصِ اللَّهِ تَعالى مُحَمَّدًا بِالرِّسالَةِ والوَحْيِ، فَأنْكَرَ اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِمْ ذَلِكَ التَّعَجُّبَ. أمّا بَيانُ كَوْنِ الكُفّارِ تَعَجَّبُوا مِن هَذا التَّخْصِيصِ فَمِن وُجُوهٍ:
الأوَّلُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أجَعَلَ الآلِهَةَ إلَهًا واحِدًا إنَّ هَذا لَشَيْءٌ عُجابٌ﴾ ﴿وانْطَلَقَ المَلَأُ مِنهم أنِ امْشُوا واصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكم إنَّ هَذا لَشَيْءٌ يُرادُ﴾ [ ص: ٥ و٦ ] وإذا بَلَغُوا في الجَهالَةِ إلى أنْ تَعَجَّبُوا مِن كَوْنِ الإلَهِ تَعالى واحِدًا، لَمْ يَبْعُدْ أيْضًا أنْ يَتَعَجَّبُوا مِن تَخْصِيصِ اللَّهِ تَعالى مُحَمَّدًا بِالوَحْيِ والرِّسالَةِ.
والثّانِي: أنَّ أهْلَ مَكَّةَ كانُوا يَقُولُونَ: إنَّ اللَّهَ تَعالى ما وجَدَ رَسُولًا إلى خَلْقِهِ إلّا يَتِيمَ أبِي طالِبٍ.
والثّالِثُ: أنَّهم قالُوا: ﴿لَوْلا نُزِّلَ هَذا القُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف: ٣١] وبِالجُمْلَةِ فَهَذا التَّعَجُّبُ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: أنْ يَتَعَجَّبُوا مِن أنْ يَجْعَلَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا، كَما حَكى عَنِ الكُفّارِ أنَّهم قالُوا: ﴿أبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا﴾ [الإسراء: ٩٤] .
والثّانِي: أنْ لا يَتَعَجَّبُوا مِن ذَلِكَ بَلْ يَتَعَجَّبُوا مِن تَخْصِيصِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِالوَحْيِ والنُّبُوَّةُ مَعَ كَوْنِهِ فَقِيرًا يَتِيمًا، فَهَذا بَيانُ أنَّ الكُفّارَ تَعَجَّبُوا مِن ذَلِكَ. وأمّا بَيانُ أنَّ اللَّهَ تَعالى أنْكَرَ عَلَيْهِمْ هَذا التَّعَجُّبَ فَهو قَوْلُهُ في هَذِهِ الآيَةِ: ﴿أكانَ لِلنّاسِ عَجَبًا أنْ أوْحَيْنا إلى رَجُلٍ مِنهُمْ﴾ فَإنَّ قَوْلَهُ: ﴿أكانَ لِلنّاسِ عَجَبًا﴾ لَفْظُهُ لَفْظُ الِاسْتِفْهامِ، ومَعْناهُ الإنْكارُ لِأنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَجَبًا.
وإنَّما وجَبَ إنْكارُ هَذا التَّعَجُّبِ لِوُجُوهٍ:
الأوَّلُ: أنَّهُ تَعالى مالِكُ الخَلْقِ ومَلِكٌ لَهم، والمالِكُ والمَلِكُ هو الَّذِي لَهُ الأمْرُ والنَّهْيُ والإذْنُ والمَنعُ. ولا بُدَّ مِن إيصالِ تِلْكَ التَّكالِيفِ إلى أُولَئِكَ المُكَلَّفِينَ بِواسِطَةِ بَعْضِ العِبادِ. وإذا كانَ الأمْرُ كَذَلِكَ كانَ إرْسالُ الرَّسُولِ أمْرًا غَيْرَ مُمْتَنِعٍ، بَلْ كانَ مُجَوَّزًا في العُقُولِ.
الثّانِي: أنَّهُ تَعالى خَلَقَ الخَلْقَ لِلِاشْتِغالِ بِالعُبُودِيَّةِ كَما قالَ: ﴿وما خَلَقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦] وقالَ: ﴿إنّا خَلَقْنا الإنْسانَ مِن نُطْفَةٍ أمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ﴾ [الإنسان: ٢] وقالَ: ﴿قَدْ أفْلَحَ مَن تَزَكّى﴾ ﴿وذَكَرَ﴾ (p-٦)﴿اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى﴾ [الأعلى: ١٤، ١٥] ثُمَّ إنَّهُ تَعالى أكْمَلَ عُقُولَهم ومَكَّنَهم مِنَ الخَيْرِ والشَّرِّ، ثُمَّ عَلِمَ تَعالى أنَّ عِبادَهُ لا يَشْتَغِلُونَ بِما كُلِّفُوا بِهِ، إلّا إذا أرْسَلَ إلَيْهِمْ رَسُولًا ومُنَبِّهًا. فَعِنْدَ هَذا يَجِبُ وُجُوبَ الفَضْلِ والكَرَمِ والرَّحْمَةِ أنْ يُرْسِلَ إلَيْهِمْ ذَلِكَ الرَّسُولَ، وإذا كانَ ذَلِكَ واجِبًا فَكَيْفَ يُتَعَجَّبُ مِنهُ.
الثّالِثُ: أنَّ إرْسالَ الرُّسُلِ أمْرٌ ما أخْلى اللَّهُ تَعالى شَيْئًا مِن أزْمِنَةِ وُجُودِ المُكَلَّفِينَ مِنهُ، كَما قالَ: ﴿وما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ إلّا رِجالًا نُوحِي إلَيْهِمْ﴾ [يوسف: ١٠٩] فَكَيْفَ يُتَعَجَّبُ مِنهُ مَعَ أنَّهُ قَدْ سَبَقَهُ النَّظِيرُ، ويُؤَكِّدُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَقَدْ أرْسَلْنا نُوحًا إلى قَوْمِهِ﴾ [الأعراف: ٥٩] وسائِرُ قَصَصِ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ.
الرّابِعُ: أنَّهُ تَعالى إنَّما أرْسَلَ إلَيْهِمْ رَجُلًا عَرَفُوا نَسَبَهُ، وعَرَفُوا كَوْنَهُ أمِينًا بَعِيدًا عَنْ أنْواعِ التُّهَمِ والأكاذِيبِ، مُلازِمًا لِلصِّدْقِ والعَفافِ. ثُمَّ إنَّهُ كانَ أُمِّيًّا لَمْ يُخالِطْ أهْلَ الأدْيانِ، وما قَرَأ كِتابًا أصْلًا البَتَّةَ، ثُمَّ إنَّهُ مَعَ ذَلِكَ يَتْلُو عَلَيْهِمْ أقاصِيصَهم ويُخْبِرُهم عَنْ وقائِعِهِمْ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى كَوْنِهِ صادِقًا مُصَدَّقًا مِن عِنْدِ اللَّهِ، ويُزِيلُ التَّعَجُّبَ، وهو مِن قَوْلِهِ: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ في الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنهُمْ﴾ [الجمعة: ٢] وقالَ: ﴿وما كُنْتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتابٍ ولا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ﴾ [العنكبوت: ٤٨] .
الخامِسُ: أنَّ مِثْلَ هَذا التَّعَجُّبِ كانَ مَوْجُودًا عِنْدَ بِعْثَةِ كُلِّ رَسُولٍ، كَما في قَوْلِهِ: ﴿وإلى عادٍ أخاهم هُودًا﴾ [الأعراف: ٦٥] ﴿وإلى ثَمُودَ أخاهم صالِحًا﴾ [الأعراف: ٧٣] إلى قَوْلِهِ: ﴿أوَعَجِبْتُمْ أنْ جاءَكم ذِكْرٌ مِن رَبِّكم عَلى رَجُلٍ مِنكُمْ﴾ [الأعراف: ٦٣] .
السّادِسُ: أنَّ هَذا التَّعَجُّبَ إمّا أنْ يَكُونَ مِن إرْسالِ اللَّهِ تَعالى رَسُولًا مِنَ البَشَرِ، أوْ سَلَّمُوا أنَّهُ لا تَعَجُّبَ في ذَلِكَ، وإنَّما تَعَجَّبُوا مِن تَخْصِيصِ اللَّهِ تَعالى مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِالوَحْيِ والرِّسالَةِ.
أمّا الأوَّلُ فَبَعِيدٌ؛ لِأنَّ العَقْلَ شاهِدٌ بِأنَّ مَعَ حُصُولِ التَّكْلِيفِ لا بُدَّ مِن مُنَبِّهٍ ورَسُولٍ يُعَرِّفُهم تَمامَ ما يَحْتاجُونَ إلَيْهِ في أدْيانِهِمْ كالعِباداتِ وغَيْرِها.
وإذا ثَبَتَ هَذا فَنَقُولُ: الأوْلى أنْ يُبْعَثَ إلَيْهِمْ مَن كانَ مِن جِنْسِهِمْ لِيَكُونَ سُكُونُهم إلَيْهِ أكْمَلَ وإلْفُهم بِهِ أقْوى، كَما قالَ تَعالى: ﴿ولَوْ جَعَلْناهُ مَلَكًا لَجَعَلْناهُ رَجُلًا﴾ [الأنعام: ٩] وقالَ: ﴿قُلْ لَوْ كانَ في الأرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكًا رَسُولًا﴾ [الإسراء: ٩٥] .
وأمّا الثّانِي فَبَعِيدٌ؛ لِأنَّ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ كانَ مَوْصُوفًا بِصِفاتِ الخَيْرِ والتَّقْوى والأمانَةِ، وما كانُوا يَعِيبُونَهُ إلّا بِكَوْنِهِ يَتِيمًا فَقِيرًا، وهَذا في غايَةِ البُعْدِ؛ لِأنَّهُ تَعالى غَنِيٌّ عَنِ العالَمِينَ فَلا يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ الفَقْرُ سَبَبًا لِنُقْصانِ الحالِ عِنْدَهُ، ولا أنْ يَكُونَ الغِنى سَبَبًا لِكَمالِ الحالِ عِنْدَهُ. كَما قالَ تَعالى: ﴿وما أمْوالُكم ولا أوْلادُكم بِالَّتِي تُقَرِّبُكم عِنْدَنا زُلْفى﴾ [سبأ: ٣٧] فَثَبَتَ أنَّ تَعَجُّبَ الكُفّارِ مِن تَخْصِيصِ اللَّهِ تَعالى مُحَمَّدًا بِالوَحْيِ والرِّسالَةِ كَلامٌ فاسِدٌ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: الهَمْزَةُ في قَوْلِهِ: ﴿أكانَ﴾ لِإنْكارِ التَّعَجُّبِ ولِأجْلِ التَّعْجِيبِ مِن هَذا التَّعَجُّبِ و﴿أنْ أوْحَيْنا﴾ اسْمُ كانَ، و﴿عَجَبًا﴾ خَبَرُهُ، وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ: (عَجَبٌ) فَجَعَلَهُ اسْمًا وهو نَكِرَةٌ، و﴿أنْ أوْحَيْنا﴾ خَبَرَهُ، وهو مَعْرِفَةٌ، كَقَوْلِهِ: يَكُونُ مِزاجُها عَسَلٌ وماءٌ. والأجْوَدُ أنْ تَكُونَ ”كانَ“ تامَّةً، و﴿أنْ أوْحَيْنا﴾ بَدَلًا مِن ﴿عَجَبًا﴾ .
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: أنَّهُ تَعالى قالَ: ﴿أكانَ لِلنّاسِ عَجَبًا﴾ ولَمْ يَقُلْ: أكانَ عِنْدَ النّاسِ عَجَبًا، والفَرْقُ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿أكانَ لِلنّاسِ عَجَبًا﴾ مَعْناهُ أنَّهم جَعَلُوهُ لِأنْفُسِهِمْ أُعْجُوبَةً يَتَعَجَّبُونَ مِنها، ونَصَّبُوهُ وعَيَّنُوهُ لِتَوْجِيهِ الطِّيَرَةِ والِاسْتِهْزاءِ والتَّعَجُّبِ إلَيْهِ، ولَيْسَ في قَوْلِهِ: أكانَ عِنْدَ النّاسِ عَجَبًا، هَذا المَعْنى.
* * *
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: (أنْ) مَعَ الفِعْلِ في قَوْلِنا: ﴿أنْ أوْحَيْنا﴾ في تَقْدِيرِ المَصْدَرِ وهو اسْمُ كانَ، وخَبَرُهُ هو (p-٧)قَوْلُهُ: ﴿عَجَبًا﴾ وإنَّما تَقَدَّمَ الخَبَرُ عَلى المُبْتَدَأِ هاهُنا؛ لِأنَّهم يُقَدِّمُونَ الأهَمَّ، والمَقْصُودُ بِالإنْكارِ في هَذِهِ الآيَةِ إنَّما هو تَعَجُّبُهم، وأمّا (أنْ) في قَوْلِهِ: ﴿أنْ أنْذِرِ النّاسَ﴾ فَمُفَسِّرَةٌ؛ لِأنَّ الإيحاءَ فِيهِ مَعْنى القَوْلِ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ مُخَفَّفَةً مِنَ الثَّقِيلَةِ، وأصْلُهُ: أنَّهُ أنْذَرَ النّاسَ، عَلى مَعْنى أنَّ الشَّأْنَ قَوْلُنا أنْذِرِ النّاسَ.
المَسْألَةُ الخامِسَةُ: أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ أنَّهُ أوْحى إلى رَسُولِهِ، بَيَّنَ بَعْدَهُ تَفْصِيلَ ما أوْحى إلَيْهِ وهو الإنْذارُ والتَّبْشِيرُ. أمّا الإنْذارُ فَلِلْكُفّارِ والفُسّاقِ لِيَرْتَدِعُوا بِسَبَبِ ذَلِكَ الإنْذارِ عَنْ فِعْلِ ما لا يَنْبَغِي، وأمّا التَّبْشِيرُ فَلِأهْلِ الطّاعَةِ لِتَقْوى رَغْبَتُهم فِيها. وإنَّما قَدَّمَ الإنْذارَ عَلى التَّبْشِيرِ لِأنَّ التَّخْلِيَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلى التَّحْلِيَةِ، وإزالَةَ ما لا يَنْبَغِي مُقَدَّمٌ في الرُّتْبَةِ عَلى فِعْلِ ما يَنْبَغِي.
المَسْألَةُ السّادِسَةُ: قَوْلُهُ: ﴿قَدَمَ صِدْقٍ﴾ فِيهِ أقْوالٌ لِأهْلِ اللُّغَةِ وأقْوالٌ لِلْمُفَسِّرِينَ. أمّا أقْوالُ أهْلِ اللُّغَةِ فَقَدْ نَقَلَ الواحِدِيُّ في ”البَسِيطِ“ مِنها وُجُوهًا. قالَ اللَّيْثُ وأبُو الهَيْثَمِ: القَدَمُ: السّابِقَةُ، والمَعْنى: أنَّهم قَدْ سَبَقَ لَهم عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ. قالَ ذُو الرُّمَّةِ:
؎وأنْتَ امْرُؤٌ مِن أهْلِ بَيْتِ ذُؤابَةٍ لَهم قَدَمٌ مَعْرُوفَةٌ ومَفاخِرُ
وقالَ أحْمَدُ بْنُ يَحْيى: القَدَمُ كُلُّ ما قَدَّمْتَ مِن خَيْرٍ، وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: القَدَمُ كِنايَةٌ عَنِ العَمَلِ الَّذِي يَتَقَدَّمُ فِيهِ، ولا يَقَعُ فِيهِ تَأْخِيرٌ ولا إبْطاءٌ.
واعْلَمْ أنَّ السَّبَبَ في إطْلاقِ لَفْظِ القَدَمِ عَلى هَذِهِ المَعانِي أنَّ السَّعْيَ والسَّبْقَ لا يَحْصُلُ إلّا بِالقَدَمِ، فَسُمِّيَ المُسَبَّبُ بِاسْمِ السَّبَبِ، كَما سُمِّيَتِ النِّعْمَةُ يَدًا؛ لِأنَّها تُعْطى بِاليَدِ.
فَإنْ قِيلَ: فَما الفائِدَةُ في إضافَةِ القَدَمِ إلى الصِّدْقِ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿قَدَمَ صِدْقٍ﴾ ؟ .
قُلْنا: الفائِدَةُ التَّنْبِيهُ عَلى زِيادَةِ الفَضْلِ وأنَّهُ مِنَ السَّوابِقِ العَظِيمَةِ، وقالَ بَعْضُهم: المُرادُ مَقامُ صِدْقٍ. وأمّا المُفَسِّرُونَ فَلَهم أقْوالٌ: فَبَعْضُهم حَمَلَ ﴿قَدَمَ صِدْقٍ﴾ عَلى الأعْمالِ الصّالِحَةِ، وبَعْضُهم حَمَلَهُ عَلى الثَّوابِ، ومِنهم مَن حَمَلَهُ عَلى شَفاعَةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، واخْتارَ ابْنُ الأنْبارِيِّ هَذا الثّانِيَ وأنْشَدَ:
؎صَلِّ لِذِي العَرْشِ واتَّخِذْ قَدَمًا ∗∗∗ يُنْجِيكَ يَوْمَ العِثارِ والزَّلَلِ
المَسْألَةُ السّابِعَةُ: أنَّ الكافِرِينَ لَمّا جاءَهم رَسُولٌ مِنهم فَأنْذَرَهم وبَشَّرَهم وأتاهم مِن عِنْدِ اللَّهِ تَعالى بِما هو اللّائِقُ بِحِكْمَتِهِ وفَضْلِهِ قالُوا مُتَعَجِّبِينَ: ﴿إنَّ هَذا لَساحِرٌ مُبِينٌ﴾ أيْ: إنَّ هَذا الَّذِي يَدَّعِي أنَّهُ رَسُولٌ هو ساحِرٌ. والِابْتِداءُ بِقَوْلِهِ: ﴿قالَ الكافِرُونَ﴾ عَلى تَقْدِيرِ: فَلَمّا أنْذَرَهم قالَ الكافِرُونَ: إنَّ هَذا لَساحِرٌ مُبِينٌ، قالَ القَفّالُ: وإضْمارُ هَذا غَيْرُ قَلِيلٍ في القُرْآنِ.
المَسْألَةُ الثّامِنَةُ: قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وعاصِمٌ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ: ﴿إنَّ هَذا لَساحِرٌ﴾ والمُرادُ مِنهُ مُحَمَّدٌ ﷺ، والباقُونَ (لَسِحْرٌ) والمُرادُ بِهِ القُرْآنُ.
واعْلَمْ أنَّ وصْفَ الكُفّارِ القُرْآنَ بِكَوْنِهِ سِحْرًا يَدُلُّ عَلى عِظَمِ مَحَلِّ القُرْآنِ عِنْدَهم وكَوْنِهِ مُعْجِزًا وأنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِمْ فِيهِ المُعارَضَةُ، فاحْتاجُوا إلى هَذا الكَلامِ.
واعْلَمْ أنَّ إقْدامَهم عَلى وصْفِ القُرْآنِ بِكَوْنِهِ سِحْرًا، يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونُوا ذَكَرُوهُ في مَعْرِضِ الذَّمِّ، (p-٨)ويُحْتَمَلُ أنَّهم ذَكَرُوهُ في مَعْرِضِ المَدْحِ، فَلِهَذا السَّبَبِ اخْتَلَفَ المُفَسِّرُونَ فِيهِ. فَقالَ بَعْضُهم: أرادُوا بِهِ أنَّهُ كَلامٌ مُزَخْرَفٌ حَسَنُ الظّاهِرِ، ولَكِنَّهُ باطِلٌ في الحَقِيقَةِ، ولا حاصِلَ لَهُ، وقالَ آخَرُونَ: أرادُوا بِهِ أنَّهُ لِكَمالِ فَصاحَتِهِ وتَعَذُّرِ مِثْلِهِ، جارٍ مَجْرى السِّحْرِ.
واعْلَمْ أنَّ هَذا الكَلامَ لَمّا كانَ في غايَةِ الفَسادِ لَمْ يُذْكَرْ جَوابُهُ، وإنَّما قُلْنا: إنَّهُ في غايَةِ الفَسادِ؛ لِأنَّهُ ﷺ كانَ مِنهم، ونَشَأ بَيْنَهم، وما غابَ عَنْهم، وما خالَطَ أحَدًا سِواهم، وما كانَ مَكَّةُ بَلْدَةَ العُلَماءِ والأذْكِياءِ حَتّى يُقالَ: إنَّهُ تَعَلَّمَ السِّحْرَ أوْ تَعَلَّمَ العُلُومَ الكَثِيرَةَ مِنهم فَقَدَرَ عَلى الإتْيانِ بِمِثْلِ هَذا القُرْآنِ. وإذا كانَ الأمْرُ كَذَلِكَ كانَ حَمْلُ القُرْآنِ عَلى السِّحْرِ كَلامًا في غايَةِ الفَسادِ، فَلِهَذا السَّبَبِ تُرِكَ جَوابُهُ.
{"ayah":"أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنۡ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَىٰ رَجُلࣲ مِّنۡهُمۡ أَنۡ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ وَبَشِّرِ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَنَّ لَهُمۡ قَدَمَ صِدۡقٍ عِندَ رَبِّهِمۡۗ قَالَ ٱلۡكَـٰفِرُونَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَـٰحِرࣱ مُّبِینٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق