الباحث القرآني
ولَمّا كانَ كَوْنُهُ مِن عِنْدِ اللَّهِ مَعَ كَوْنِهِ حَكِيمًا - مُوجِبًا لِقَبُولِهِ بادِئَ بَدْءٍ والسُّرُورِ بِهِ لِما تَقَرَّرَ في العُقُولِ وجُبِلَتْ عَلَيْهِ الفِطَرُ مِن أنَّهُ تَعالى (p-٦٦)الخالِقُ الرّازِقُ كاشِفُ الضُّرِّ ومُدَبِّرُ الأمْرِ، كانَ ذَلِكَ مَوْضِعَ أنْ يُقالَ: ما كانَ حالُ مَن تُلِيَ عَلَيْهِمْ؟ فَقِيلَ: لَمْ يُؤْمِنُوا، فَقِيلَ: ما شُبْهَتُهُمْ؟ هَلْ قَدَرُوا عَلى مُعارَضَتِهِ والطَّعْنِ في حِكْمَتِهِ؟ فَقِيلَ: لا! بَلْ تَعَجَّبُوا مِن إنْزالِهِ عَلى مُحَمَّدٍ ﷺ ولَيْسَ بِأكْثَرِهِمْ مالًا ولا بِأقْدَمِهِمْ سِنًّا، فَرَجَعَ حاصِلُ تَعَجُّبِهِمْ إلى ما قالَهُ تَعالى إنْكارًا عَلَيْهِمْ. فَإنَّهُ لَوْ أرْسَلَ ذا سِنٍّ قالُوا مِثْلَ ذَلِكَ، وهَلْ مِثْلُ ذَلِكَ مَحَلَّ العَجَبِ! ﴿أكانَ﴾ [أيْ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ] ﴿لِلنّاسِ عَجَبًا﴾ أيِ الَّذِينَ فِيهِمْ أهْلِيَّةُ التَّحَرُّكِ إلى المَعالِي، والعَجَبُ: تَغَيُّرُ النَّفْسِ بِما لا يُعْرَفُ سَبَبُهُ مِمّا خَرَجَ عَنِ العادَةِ؛ ثُمَّ ذَكَرَ الحامِلَ عَلى العَجَبِ وهو اسْمُ ”كانَ“ فَقالَ بَعْدَ ما حَصَلَ لَهم شَوْقٌ إلَيْهِ: ﴿أنْ أوْحَيْنا﴾ أيْ: ألْقَيْنا أوامِرَنا بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ بِواسِطَةِ رُسُلِنا في خَفاءٍ [مُنْهِينَ] ﴿إلى رَجُلٍ﴾ أيْ [هُوَ] في غايَةِ الرُّجُولِيَّةِ، وهو مَعَ ذَلِكَ ﴿مِنهُمْ﴾ بِحَيْثُ إنَّهم يَعْرِفُونَ جَمِيعَ أمْرِهِ كَما فَعَلْنا بِمَن قَبْلَهم والمَلِكُ العَظِيمُ المُلْكِ المالِكُ التّامُّ المُلْكِ لا اعْتِراضَ عَلَيْهِ فِيما بِهِ تَظْهَرُ خُصُوصِيَّتُهُ مِن إعْلاءِ مَن شاءَ.
ولَمّا كانَ في الإيحاءِ مَعْنى القَوْلِ فَسَرَّهُ بِقَوْلِهِ: ﴿أنْ أنْذِرِ النّاسَ﴾ أيْ عامَّةً، وهُمُ الَّذِينَ تَقَدَّمَ نِداؤُهم أوَّلَ البَقَرَةِ، ما أمامَهم مِنَ البَعْثِ وغَيْرِهِ إنْ لَمْ يُؤْمِنُوا أصْلًا أوْ إيمانًا خالِصًا يَنْفِي كُلَّ مَعْصِيَةٍ صَغِيرَةٍ أوْ كَبِيرَةٍ وكُلَّ هَفْوَةٍ جَلِيلَةٍ أوْ حَقِيرَةٍ عَلى اخْتِلافِ الرُّتَبِ وتَبايُنِ المَقاماتِ ﴿وبَشِّرِ﴾ أيْ خُصَّ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أيْ: أوْجَدُوا هَذا (p-٦٧)الوَصْفَ وعَمِلُوا تَصْدِيقًا لِدَعْواهم [لَهُ] الصّالِحاتِ، أيْ مِنَ الأعْمالِ اللِّسانِيَّةِ وغَيْرِها، بِالبِشارَةِ بِقَبُولِ حَسَناتِهِمْ وتَكْفِيرِ سَيِّئاتِهِمْ والتَّجاوُزِ عَنْ هَفَواتِهِمْ وتَرَفُّعِ دَرَجاتِهِمْ كَما كانَ إرْسالُ الرُّسُلِ قَبْلَهُ وكَما هو مُقْتَضى العَدْلِ في إثابَةِ الطّائِعِ وعِتابِ العاصِي، والإنْذارُ: الإعْلامُ بِما يَنْبَغِي أنْ يُحْذَرَ مِنهُ، والتَّبْشِيرُ: التَّعْرِيفُ بِما فِيهِ السُّرُورُ، وأضافَ القَدَمَ - الَّذِي هو السّابِقَةُ بِالطّاعَةِ - إلى الصِّدْقِ في قَوْلِهِ تَعالى مُوَصِّلًا لِفِعْلِ البِشارَةِ إلى المُبَشَّرِ بِهِ دُونَ حَرْفِ جَرٍّ: ﴿أنَّ لَهُمْ﴾ أيْ خاصَّةً ﴿قَدَمَ صِدْقٍ﴾ أيْ أعْمالًا حَقَّةً ثابِتَةً قَدَّمُوها لِأنْفُسِهِمْ صَدَقُوا فِيها وأخْلَصُوا فِيما يُسِّرُوا لَهُ \ لِأنَّهم خُلِقُوا لَهُ وكانَ مِمّا يُسْعى إلَيْهِ بِالأقْدامِ، [وزادَ في البِشارَةِ بِقَوْلِهِ]: ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [فَفِي إضافَةِ القَدَمِ] تَنْبِيهٌ عَلى أنَّهُ يَجِبُ أنْ يُخْلَصَ [لَهُ] الطّاعَةُ كَإخْلاصِ الصِّدْقِ مِن شَوائِبِ الكَذِبِ، وفي التَّعْبِيرِ بِصِفَةِ الإحْسانِ إشارَةٌ إلى المُضاعَفَةِ.
ولَمّا ثَبَتَ أنَّ الرَّسُولَ وما أُرْسِلَ بِهِ عَلى وفْقِ العادَةِ، انْتَفى أنْ يَكُونَ عَجَبًا مِن هَذِهِ الجِهَةِ، فَصارَ المَحَلُّ قابِلًا لِأنْ يُتَعَجَّبَ مِنهم فَيُقالَ: ما قالُوا حِينَ أظْهَرُوا العَجَبَ؟ ومِن أيِّ وجْهٍ رَأوْهُ عَجَبًا؟ فَقِيلَ: ﴿قالَ الكافِرُونَ﴾ أيِ الرّاسِخُونَ في هَذا الوَصْفِ [مِنهم وتَبِعَهم غَيْرُهُمْ] مُؤَكِّدِينَ لِما [يَحِقُّ] لِقَوْلِهِمْ مِنَ الإنْكارِ: ﴿إنَّ هَذا﴾ أيِ القَوْلُ وما تَضَمَّنَهُ مِنَ الإخْبارِ بِما لا يُعْرَفُ مِنَ البَعْثِ وغَيْرِهِ (p-٦٨)﴿لَساحِرٌ﴾ أيْ مُحَمَّدٌ لَساحِرٌ - كَما في قِراءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ وحَمْزَةَ والكِسائِيِّ ﴿مُبِينٌ﴾ أيْ ظاهِرٌ في نَفْسِهِ، وهو مِن شِدَّةِ ظُهُورِهِ مُظْهِرٌ لِكُلِّ شَيْءٍ أنَّهُ كَذَلِكَ، فَجاءُوا بِما هو في غايَةِ البُعْدِ عَنْ وصْفِهِ، فَإنَّ السِّحْرَ قَدْ تَقَرَّرَ لِكُلِّ ذِي لُبٍّ أنَّهُ - مَعَ كَوْنِهِ تَمْوِيهًا لا حَقِيقَةَ لَهُ - شَرٌّ مَحْضٌ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الحِكْمَةِ فَضْلًا عَنْ أنْ يَمْتَطِيَ الذُّرْوَةَ مِنهُ مَعَ أنَّ في ذَلِكَ ادِّعاءَهم أمْرًا مُتَناقِضًا، وهو أنَّهُ مِن قَوْلِ البَشَرِ كَما هي العادَةُ في السِّحْرِ، وأنَّهم عاجِزُونَ عَنْهُ، لِأنَّ السِّحْرَ فِعْلٌ تُخْفى الحِيلَةُ فِيهِ حَتّى يُتَوَهَّمَ الإعْجازُ بِهِ، فَقَدِ اعْتَرَفُوا بِالعَجْزِ عَنْهُ وكَذَّبُوا في ادِّعاءِ أنَّهُ لَسِحْرٌ؛ لِأنَّ الآتِيَ بِهِ مِنهم لَمْ يُفارِقْهم قَطُّ وما خالَطَ عالِمًا لا بِسِحْرٍ ولا غَيْرِهِ حَتّى يُخالِطَهم فِيهِ شُبْهَةٌ، فَهم يَعْلَمُونَ أنَّ قَوْلَهم في غايَةِ الفَسادِ،
{"ayah":"أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنۡ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَىٰ رَجُلࣲ مِّنۡهُمۡ أَنۡ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ وَبَشِّرِ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَنَّ لَهُمۡ قَدَمَ صِدۡقٍ عِندَ رَبِّهِمۡۗ قَالَ ٱلۡكَـٰفِرُونَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَـٰحِرࣱ مُّبِینٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق