الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً﴾ اسْتِفْهَامٌ مَعْنَاهُ التَّقْرِيرُ وَالتَّوْبِيخُ. وَ "عَجَباً" خَبَرُ كَانَ، وَاسْمُهَا (أَنْ أَوْحَيْنا) وَهُوَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، أَيْ كَانَ إِيحَاؤُنَا عَجَبًا لِلنَّاسِ. وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ "عَجَبٌ" عَلَى أَنَّهُ اسْمُ كَانَ. وَالْخَبَرُ "أَنْ أَوْحَيْنا". (إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ) قُرِئَ "رَجْلٍ" بِإِسْكَانِ الْجِيمِ. وَسَبَبُ النُّزُولِ فِيمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْكُفَّارَ قَالُوا لَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ: إِنَّ اللَّهَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَسُولُهُ بَشَرًا. وَقَالُوا: مَا وَجَدَ اللَّهُ مَنْ يُرْسِلُهُ إِلَّا يَتِيمَ أَبِي طَالِبٍ، فَنَزَلَتْ: "أَكانَ لِلنَّاسِ" يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ "عَجَباً". وَقِيلَ: إِنَّمَا تَعَجَّبُوا مِنْ ذِكْرِ الْبَعْثِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِإِسْقَاطِ الْخَافِضِ، أَيْ بِأَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ، وَكَذَا (أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ). وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى النِّذَارَةِ وَالْبِشَارَةِ [[راجع ج ١ ص ١٨٤ وص ٢٣٨.]] وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَلْفَاظِ الْآيَةِ. وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى "قَدَمَ صِدْقٍ" فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَدَمَ صِدْقٍ مَنْزِلَ صِدْقٍ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ﴾[[راجع ج ١٠ ص ٣١٢.]] [الاسراء: ٨٠]. وَعَنْهُ أَيْضًا أَجْرًا حَسَنًا بِمَا قَدَّمُوا مِنْ أَعْمَالِهِمْ. وَعَنْهُ أَيْضًا "قَدَمَ صِدْقٍ" سَبْقَ السَّعَادَةِ فِي الذِّكْرِ الْأَوَّلِ، وَقَالَهُ مُجَاهِدٌ. الزَّجَّاجُ: دَرَجَةً عَالِيَةً. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ: لَكُمْ قَدَمٌ لَا يُنْكِرُ النَّاسُ أَنَّهَا ... مَعَ الْحَسَبِ الْعَالِي [[في ديوانه وتفسير الطبري (العادي).]] طَمَّتْ عَلَى الْبَحْرِ قَتَادَةُ: سَلَفَ صِدْقٍ. الرَّبِيعُ: ثَوَابَ صِدْقٍ. عَطَاءٌ: مَقَامَ صِدْقٍ. يَمَانٍ: إِيمَانَ صِدْقٍ. وَقِيلَ: دَعْوَةُ الْمَلَائِكَةِ. وَقِيلَ: وَلَدٌ صَالِحٌ قَدَّمُوهُ. الماوردي: أن يوافق صدق الطاعة صدق الْجَزَاءُ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ أَيْضًا: هُوَ مُحَمَّدٌ ﷺ، فَإِنَّهُ شَفِيعٌ مُطَاعٌ يتقد مهم، كَمَا قَالَ: (أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ) [[أي متقدمكم إليه.]]. وَقَدْ سُئِلَ ﷺ فَقَالَ: (هِيَ شَفَاعَتِي تَوَسَّلُونَ بِي إِلَى رَبِّكُمْ). وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ: قَدَمَهُ ﷺ فِي الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ. وَعَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا: مُصِيبَتُهُمْ فِي النبي ﷺ. وقال عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى: "قَدَمَ صِدْقٍ" قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ﴾[[راجع ج ١١ ص ٣٤٥.]] [الأنبياء: ١٠١]. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: أَعْمَالًا قَدَّمُوهَا، وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيُّ. قَالَ الْوَضَّاحُ: صَلِّ لِذِي الْعَرْشِ وَاتَّخِذْ قَدَمًا ... تُنْجِيكَ يَوْمَ الْعِثَارِ وَالزَّلَلِ وَقِيلَ: هُوَ تَقْدِيمُ اللَّهِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي الْحَشْرِ مِنَ الْقَبْرِ وَفِي إِدْخَالِ الْجَنَّةِ. كَمَا قَالَ: (نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلَائِقِ). وَحَقِيقَتُهُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنِ السَّعْيِ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَكَنَّى عَنْهُ بِالْقَدَمِ كَمَا يُكَنَّى عَنِ الْإِنْعَامِ بِالْيَدِ وَعَنِ الثَّنَاءِ بِاللِّسَانِ. وَأَنْشَدَ حَسَّانُ: لَنَا الْقَدَمُ الْعُلْيَا إِلَيْكَ وَخَلْفَنَا ... لِأَوَّلِنَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَابِعُ يُرِيدُ السَّابِقَةَ بِإِخْلَاصِ الطَّاعَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْكِسَائِيُّ: كُلُّ سَابِقٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ فَهُوَ عِنْدُ الْعَرَبِ قَدَمٌ، يُقَالُ: لِفُلَانٍ قَدَمٌ فِي الْإِسْلَامِ، لَهُ عِنْدِي قَدَمُ صِدْقٍ وَقَدَمُ شَرٍّ وَقَدَمُ خَيْرٍ. وَهُوَ مُؤَنَّثٌ وَقَدْ يُذَكَّرُ، يُقَالُ: قَدَمٌ حَسَنٌ وَقَدَمٌ صَالِحَةٌ. وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْقَدَمُ التَّقَدُّمُ فِي الشَّرَفِ، قَالَ الْعَجَّاجُ: زَلَّ بَنُو الْعَوَّامِ عَنْ آلِ الْحَكَمْ ... وَتَرَكُوا الْمُلْكَ لِمَلِكٍ ذِي قَدَمْ وَفِي الصِّحَاحِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: (لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءَ. أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي وَأَنَا الْعَاقِبُ) يُرِيدُ آخِرَ الأنبياء، كما قال تعالى: ﴿وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾[[راجع ج ١٤ ص]] [الأحزاب: ٤٠]. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَساحِرٌ مُبِينٌ﴾ قَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ وَابْنُ كَثِيرٍ وَالْكُوفِيُّونَ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ وَالْأَعْمَشُ "لَساحِرٌ" نَعْتًا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ "لَسِحْرٌ" نَعْتًا لِلْقُرْآنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى السحر في "البقرة" [[راجع ج ٢ ص ٤٣.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب