الباحث القرآني
وقَوْلُهُ تَعالى - ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ الآيَةَ. قالَ أبُو بَكْرٍ يُفْعَلُ في يَوْمِ الجُمُعَةِ جَماعَةً صَلَواتٌ كَما يُفْعَلُ في سائِرِ الأفْعالِ ولَمْ يُبَيِّنْ في الآيَةِ أنَّها هي واتَّفَقَ المُسْلِمُونَ عَلى أنَّ المُرادَ الصَّلاةُ الَّتِي إذا فَعَلَها مَعَ الإمامِ جُمُعَةً لَمْ يَلْزَمْهُ فِعْلُ الظُّهْرِ مَعَها وهي رَكْعَتانِ بَعْدَ الزَّوالِ عَلى شَرائِطِ الجُمُعَةِ واتَّفَقَ الجَمِيعُ أيْضًا عَلى أنَّ المُرادَ بِهَذا النِّداءِ هو الأذانُ، ولَمْ يُبَيِّنْ في الآيَةِ كَيْفِيَّتَهُ وبَيَّنَهُ الرَّسُولُ ﷺ في حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الَّذِي رَأى في المَنامِ الأذانَ ورَآهُ عُمَرُ أيْضًا كَما رَآهُ ابْنُ زَيْدٍ وعَلَّمَهُ النَّبِيُّ ﷺ أبا مَحْذُورَةَ وذَكَرَ فِيهِ التَّرْجِيعَ وقَدْ ذَكَرْنا ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى -: ﴿وإذا نادَيْتُمْ إلى الصَّلاةِ﴾ [المائدة: ٥٨]
ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ والحَسَنِ في قَوْلِهِ ﴿إذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ﴾ قالَ " إذا خَرَجَ الإمامُ وأذَّنَ المُؤَذِّنُ فَقَدْ نُودِيَ لِلصَّلاةِ " .
ورَوى الزُّهْرِيُّ عَنِ السّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قالَ " ما كانَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ إلّا مُؤَذِّنٌ واحِدٌ يُؤَذِّنُ إذا قَعَدَ عَلى المِنبَرِ ثُمَّ يُقِيمُ إذا نَزَلَ ثُمَّ أبُو بَكْرٍ كَذَلِكَ ثُمَّ عُمَرُ كَذَلِكَ فَلَمّا كانَ عُثْمانُ وفَشا النّاسُ وكَثُرُوا زادَ النِّداءَ الثّالِثَ " وقَدْ رُوِيَ عَنْ جَماعَةٍ مِنَ السَّلَفِ إنْكارَ الأذانِ الأوَّلِ قَبْلَ خُرُوجِ الإمامِ. رَوى وكِيعٌ قالَ حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ الغازِ قالَ سَألْتُ نافِعًا عَنِ الأذانِ الأوَّلِ يَوْمَ الجُمُعَةِ قالَ قالَ ابْنُ عُمَرَ بِدْعَةٌ وكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وإنْ رَآهُ النّاسُ حَسَنًا " .
ورَوى مَنصُورٌ عَنِ الحَسَنِ قالَ " النِّداءُ يَوْمَ الجُمُعَةِ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ خُرُوجِ الإمامِ واَلَّذِي قَبْلُ مُحْدَثٌ " .
ورَوى عَبْدُ الرَّزّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْحٍ عَنْ عَطاءٍ قالَ " إنَّما كانَ الأذانُ يَوْمَ الجُمُعَةِ فِيما مَضى واحِدًا ثُمَّ الإقامَةُ وأمّا الأذانُ الأوَّلُ الَّذِي يُؤَذَّنُ بِهِ الآنَ قَبْلَ خُرُوجِ الإمامِ وجُلُوسِهِ عَلى المِنبَرِ فَهو باطِلٌ أوَّلُ مَن أحْدَثَهُ الحَجّاجُ. " وأمّا أصْحابُنا فَإنَّهم إنَّما ذَكَرُوا أذانًا واحِدًا إذا قَعَدَ الإمامُ عَلى المِنبَرِ فَإذا نَزَلَ أقامَ عَلى ما كانَ في عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وأبِي بَكْرٍ وعُمَرَ. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما
* * *
وأمّا وقْتُ الجُمُعَةِ فَإنَّهُ بَعْدَ الزَّوالِ، ورَوى أنَسٌ وجابِرٌ وسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وسَلَمَةُ بْنُ الأكْوَعِ أنَّ «النَّبِيَّ ﷺ كانَ يُصَلِّي الجُمُعَةَ إذا زالَتِ الشَّمْسُ» . ورَوى شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ قالَ: صَلّى بِنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وأصْحابُهُ الجُمُعَةَ ضُحًى ثُمَّ قالَ: إنَّما فَعَلْتُ ذَلِكَ مَخافَةَ الحَرِّ عَلَيْكم " (p-٣٣٧)ورُوِيَ عَنْ عُمَرَ وعَلِيٍّ أنَّهُما رَضِيَ اللًّهُ عَنْهُما صَلَّياها بَعْدَ الزَّوالِ ولَمّا قالَ عَبْدُ اللَّهِ: إنِّي قَدَّمْتُ مَخافَةَ الحَرِّ عَلَيْكم " عَلِمْنا أنَّهُ فَعَلَها عَلى غَيْرِ الوَجْهِ المُعْتادِ المُتَعارَفِ بَيْنَهم.
ومَعْلُومٌ أنَّ فِعْلَ الفُرُوضِ قَبْلَ أوْقاتِها لا يَجُوزُ لِحَرٍّ ولا لِبَرْدٍ إذا لَمْ يُوجَدْ أسْبابُها، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ فَعَلَها في أوَّلِ وقْتِ الظُّهْرِ الَّذِي هو أقْرَبُ أوْقاتِ الظُّهْرِ إلى الضُّحى، فَسَمّاهُ الرّاوِي ضُحًى؛ لِقُرْبِهِ مِنهُ، كَما «قالَ النَّبِيُّ ﷺ وهو يَتَسَحَّرُ: تَعالَ إلى الغَداءِ المُبارَكِ» فَسَمّاهُ غَداءً لِقُرْبِهِ مِنَ الغَداءِ، وكَما قالَ حُذَيْفَةُ: «تَسَحَّرْنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وكانَ نَهارًا» والمَعْنى قَرِيبٌ مِنَ النَّهارِ ولَمّا اخْتَلَفَ الفُقَهاءُ في الَّذِي يَلْزَمُ مِنَ الفَرْضِ بِدُخُولِ الوَقْتِ، فَقالَ قائِلُونَ: " فَرْضُ الوَقْتِ الجُمُعَةُ والظُّهْرُ بَدَلٌ مِنها " وقالَ آخَرُونَ: " فَرْضُ الوَقْتِ الظُّهْرُ والجُمُعَةُ بَدَلٌ مِنهُ "، اسْتَحالَ أنْ يَفْعَلَ البَدَلَ إلّا في وقْتٍ يَصِحُّ فِيهِ فِعْلُ المُبْدَلِ عَنْهُ وهو الظُّهْرُ، ولَمّا ثَبَتَ أنَّ وقْتَها بَعْدَ الزَّوالِ ثَبَتَ أنَّ وقْتَ النِّداءِ لَها بَعْدَ الزَّوالِ كَسائِرِ الصَّلَواتِ.
* * *
وقَوْلُهُ تَعالى -: ﴿فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ قَرَأ عُمَرُ وابْنُ مَسْعُودٍ وأُبَيٌّ وابْنُ الزُّبَيْرِ: " فامْضُوا إلى ذِكْرِ اللَّهِ "؛ قالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَوْ قَرَأْتُ: " فاسْعَوْا " لَسَعَيْتُ حَتّى يَسْقُطَ رِدائِي
قالَ أبُو بَكْرٍ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ أرادَ التَّفْسِيرَ لا نَصَّ القِراءَةِ، كَما قالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لِلْأعْجَمِيِّ الَّذِي كانَ يُلَقِّنُهُ: ﴿إنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ﴾ [الدخان: ٤٣] ﴿طَعامُ الأثِيمِ﴾ [الدخان: ٤٤] فَكانَ يَقُولُ طَعامُ اليَتِيمِ "، فَلَمّا أعْياهُ قالَ لَهُ طَعامُ الفاجِرِ "، وإنَّما أرادَ إفْهامَهُ المَعْنى وقالَ الحَسَنُ: " لَيْسَ يُرِيدُ بِهِ العَدْوَ، وإنَّما السَّعْيُ بِقَلْبِكَ ونِيَّتِكَ " . وقالَ عَطاءٌ: " السَّعْيُ الذَّهابُ " وقالَ عِكْرِمَةُ: " السَّعْيُ العَمَلُ " .
قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: فاسْعَوْا أجِيبُوا، ولَيْسَ مِنَ العَدْوِ قالَ أبُو بَكْرٍ الأوْلى أنْ يَكُونَ المُرادُ بِالسَّعْيِ هَهُنا إخْلاصُ النِّيَّةِ والعَمَلِ، وقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ السَّعْيَ في مَواضِعَ مِن كِتابِهِ ولَمْ يَكُنْ مُرادُهُ سُرْعَةَ المَشْيِ، مِنها قَوْلُهُ: ﴿ومَن أرادَ الآخِرَةَ وسَعى لَها سَعْيَها﴾ [الإسراء: ١٩] ﴿وإذا تَوَلّى سَعى في الأرْضِ﴾ [البقرة: ٢٠٥] ﴿وأنْ لَيْسَ لِلإنْسانِ إلا ما سَعى﴾ [النجم: ٣٩] وإنَّما أرادَ العَمَلَ ورَوى العَلاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أبِيهِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إذا ثُوِّبَ بِالصَّلاةِ فَلا تَأْتُوها وأنْتُمْ تَسْعَوْنَ ولَكِنِ ائْتُوها وعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ والوَقارُ فَما أدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وما فاتَكم فَأتِمُّوا»، ولَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الجُمُعَةِ وغَيْرِها واتَّفَقَ فُقَهاءُ الأمْصارِ عَلى أنَّهُ يَمْشِي إلى الجُمُعَةِ عَلى هِينَتِهِ.
* * *
* فَصْلٌ
واتَّفَقَ فُقَهاءُ الأمْصارِ عَلى أنَّ الجُمُعَةَ مَخْصُوصَةٌ بِمَوْضِعٍ لا يَجُوزُ فِعْلُها في غَيْرِهِ؛ لِأنَّهم مُجْمِعُونَ عَلى أنَّ الجُمُعَةَ لا تَجُوزُ في البَوادِي ومَناهِلِ الأعْرابِ، فَقالَ أصْحابُنا: " هي مَخْصُوصَةٌ بِالأمْصارِ ولا تَصِحُّ في السَّوادِ "، وهو قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الحَسَنِ (p-٣٣٨)وقالَ مالِكٌ: " تَصِحُّ الجُمُعَةُ في كُلِّ قَرْيَةٍ فِيها بُيُوتٌ مُتَّصِلَةٌ وأسْواقٌ مُتَّصِلَةٌ، يُقَدِّمُونَ رَجُلًا يَخْطُبُ ويُصَلِّي بِهِمُ الجُمُعَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهم إمامٌ " .
وقالَ الأوْزاعِيُّ: " لا جُمُعَةَ إلّا في مَسْجِدِ جَماعَةٍ مَعَ الإمامِ " وقالَ الشّافِعِيُّ: " إذا كانَتْ قَرْيَةٌ مُجْتَمِعَةَ البِناءِ والمَنازِلِ وكانَ أهْلُها لا يَظْعَنُونَ عَنْها إلّا ظَعْنَ حاجَةٍ وهم أرْبَعُونَ رَجُلًا حُرًّا بالِغًا غَيْرَ مَغْلُوبٍ عَلى عَقْلِهِ وجَبَتْ عَلَيْهِمُ الجُمُعَةُ "
قالَ أبُو بَكْرٍ: رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «لا جُمُعَةَ ولا تَشْرِيقَ إلّا في مِصْرٍ جامِعٍ»، ورُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِثْلُهُ وأيْضًا لَوْ كانَتِ الجُمُعَةُ جائِزَةً في القُرى لَوَرَدَ النَّقْلُ بِهِ مُتَواتِرًا كَوُرُودِهِ في فِعْلِها في الأمْصارِ؛ لِعُمُومِ الحاجَةِ إلَيْهِ.
وأيْضًا لَما اتَّفَقُوا عَلى امْتِناعِ جَوازِها في البَوادِي؛ لِأنَّها لَيْسَتْ بِمِصْرٍ وجَبَ مِثْلُهُ في السَّوادِ ورُوِيَ أنَّهُ قِيلَ لِلْحَسَنِ: إنَّ الحَجّاجَ أقامَ الجُمُعَةَ بِالأهْوازِ فَقالَ: لَعَنَ اللَّهُ الحَجّاجَ يَتْرُكُ الجُمُعَةَ في الأمْصارِ ويُقِيمُها في حَلاقِيمِ البِلادِ فَإنْ قِيلَ: رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أنَّ الجُمُعَةَ تَجِبُ عَلى مَن آواهُ اللَّيْلُ، وأنَّ أنَسَ بْنَ مالِكٍ كانَ بِالطَّفِّ فَرُبَّما جَمَعَ ورُبَّما لَمْ يُجْمِعْ؛ وقِيلَ مِنَ الطَّفِّ إلى البَصْرَةِ أقَلُّ مِن أرْبَعِ فَراسِخَ وأقَلُّ مِن مَسِيرَةِ نِصْفِ يَوْمٍ.
قِيلَ لَهُ: إنَّما هَذا كَلامٌ فِيما حُكْمُهُ حُكْمُ المِصْرِ، فَرَأى ابْنُ عُمَرَ أنَّ ما قَرُبَ مِنَ المِصْرِ فَحُكْمُهُ حُكْمُهُ وتَجِبُ عَلى أهْلِهِ الجُمُعَةُ، وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّهم لَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَ الجُمُعَةَ إلّا في الأمْصارِ أوْ ما حُكْمُهُ حُكْمُ الأمْصارِ.
* * *
والجُمُعَةُ رَكْعَتانِ نَقَلَتْها الأُمَّةُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَوْلًا وعَمَلًا؛ وقالَ عُمَرُ: «صَلاةُ السَّفَرِ رَكْعَتانِ وصَلاةُ الفَجْرِ رَكْعَتانِ وصَلاةُ الجُمُعَةِ رَكْعَتانِ تَمامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلى لِسانِ نَبِيِّكم ﷺ؛ وإنَّما قَصُرَتِ الجُمُعَةُ لِأجْلِ الخُطْبَةِ» .
* * *
بابُ وُجُوبِ خُطْبَةِ الجُمُعَةِ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللَّهِ وذَرُوا البَيْعَ﴾ فاقْتَضى ذَلِكَ وُجُوبَ السَّعْيِ إلى الذِّكْرِ، ودَلَّ عَلى أنَّ هُناكَ ذِكْرًا واجِبًا يَجِبُ السَّعْيُ إلَيْهِ وقالَ ابْنُ المُسَيِّبِ: ﴿فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ مَوْعِظَةَ الإمامِ " وقالَ عُمَرُ في الحَدِيثِ الَّذِي قَدَّمْنا: " إنَّما قَصُرَتِ الجُمُعَةُ لِأجْلِ الخُطْبَةِ " ورَوى الزُّهْرِيُّ عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إذا كانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ كانَ عَلى كُلِّ بابٍ مِن أبْوابِ المَسْجِدِ مَلائِكَةٌ يَكْتُبُونَ النّاسَ الأوَّلَ فالأوَّلَ فَإذا خَرَجَ الإمامُ طُوِيَتِ الصُّحُفُ واسْتَمَعُوا الخُطْبَةَ، فالمُهَجِّرُ إلى الجُمُعَةِ كاَلَّذِي يُهْدِي بَدَنَةً ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ كالمُهْدِي بَقَرَةً ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ كالمُهْدِي شاةً ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ كالمُهْدِي دَجاجَةً ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ كالمُهْدِي بَيْضَةً» ويَدُلُّ عَلى أنَّ المُرادَ بِالذِّكْرِ هَهُنا هو الخُطْبَةُ؛ لِأنَّ الخُطْبَةَ هي الَّتِي (p-٣٣٩)تَلِي النِّداءَ، وقَدْ أمَرَ بِالسَّعْيِ إلَيْهِ، فَدَلَّ عَلى أنَّ المُرادَ الخُطْبَةُ وقَدْ رُوِيَ عَنْ جَماعَةٍ مِنَ السَّلَفِ أنَّهُ إذا لَمْ يَخْطُبْ صَلّى أرْبَعًا، مِنهُمُ الحَسَنُ وابْنُ سِيرِينَ وطاوُسٌ وابْنُ جُبَيْرٍ وغَيْرُهم، وهو قَوْلُ فُقَهاءِ الأمْصارِ واخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ فِيمَن لَمْ يُدْرِكِ الخُطْبَةَ وأدْرَكَ الصَّلاةَ أوْ بَعْضَها، فَرُوِيَ عَنْ عَطاءِ بْنِ أبِي رَباحٍ في الرَّجُلِ تَفُوتُهُ الخُطْبَةُ يَوْمَ الجُمُعَةِ: أنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ أرْبَعًا " ورَوى سُفْيانُ عَنْ ابْنِ أبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجاهِدٍ وعَطاءٍ وطاوُسٍ قالُوا: مَن لَمْ يُدْرِكِ الخُطْبَةَ يَوْمَ الجُمُعَةِ صَلّى أرْبَعًا " وقالَ ابْنُ عَوْنٍ: ذُكِرَ لَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَوْلُ أهْلِ مَكَّةَ إذا لَمْ يُدْرِكِ الخُطْبَةَ يَوْمَ الجُمُعَةِ صَلّى أرْبَعًا، قالَ: لَيْسَ هَذا بِشَيْءٍ.
قالَ أبُو بَكْرٍ: ولا خِلافَ بَيْنَ فُقَهاءِ الأمْصارِ والسَّلَفِ ما خَلا عَطاءً ومَن ذَكَرْنا قَوْلَهُ أنَّ مَن أدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الجُمُعَةِ أضافَ إلَيْها أُخْرى، ولَمْ يُخالِفْهم عَطاءٌ وغَيْرُهُ أنَّهُ لَوْ شَهِدَ الخُطْبَةَ فَذَهَبَ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ جاءَ فَأدْرَكَ مَعَ الإمامِ رَكْعَةً أنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَلَمّا لَمْ يَمْنَعْهُ فَواتُ الرَّكْعَةِ مِن فِعْلِ الجُمُعَةِ كانَتِ الخُطْبَةُ أوْلى وأحْرى بِذَلِكَ.
ورَوى الأوْزاعِيُّ عَنْ عَطاءٍ أنَّ مَن أدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الجُمُعَةِ أضافَ إلَيْها ثَلاثًا، وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّهُ فاتَتْهُ الخُطْبَةُ ورَكْعَةٌ مِنها ورُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وابْنِ عُمَرَ وأنَسٍ والحَسَنِ وابْنِ المُسَيِّبِ والنَّخَعِيِّ والشَّعْبِيِّ: " إذا أدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الجُمُعَةِ أضافَ إلَيْها أُخْرى " ورَوى الزُّهْرِيُّ عَنْ أبِي سَلَمَةَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَن أدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ إلَيْها أُخْرى، ومَن فاتَتْهُ الرَّكْعَتانِ يُصَلِّي أرْبَعًا» واخْتَلَفَ السَّلَفُ وفُقَهاءُ الأمْصارِ فِيمَن أدْرَكَ الإمامَ في التَّشَهُّدِ، فَرَوى أبُو وائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قالَ: " مَن أدْرَكَ التَّشَهُّدَ فَقَدْ أدْرَكَ الصَّلاةَ " ورَوى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الكَرِيمِ عَنْ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ قالَ: " إذا دَخَلَ في صَلاةِ الجُمُعَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وهو جالِسٌ فَقَدْ أدْرَكَ الجُمُعَةَ " ورُوِيَ عَنْ الحَسَنِ وإبْراهِيمَ والشَّعْبِيِّ قالُوا: " مَن لَمْ يُدْرِكِ الرُّكُوعَ يَوْمَ الجُمُعَةِ صَلّى أرْبَعًا " وقالَ أبُو حَنِيفَةَ وأبُو يُوسُفَ: " إذا أدْرَكَهم في التَّشَهُّدِ صَلّى رَكْعَتَيْنِ " وقالَ زُفَرُ ومُحَمَّدٌ: " يُصَلِّي أرْبَعًا " وذَكَرَ الطَّحاوِيُّ عَنِ ابْنِ أبِي عِمْرانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِماعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أنَّهُ قالَ: " يُصَلِّي أرْبَعًا، يَقْعُدُ في الثِّنْتَيْنِ الأُولَيَيْنِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَإنْ لَمْ يَقْعُدْ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أمَرْتُهُ أنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ أرْبَعًا " .
وقالَ مالِكٌ والثَّوْرِيُّ والحَسَنُ بْنُ صالِحٍ والشّافِعِيُّ: " يُصَلِّي أرْبَعًا "، إلّا أنَّ مالِكًا قالَ: " إذا قامَ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً أُخْرى " وقالَ الثَّوْرِيُّ: " إذا أدْرَكَ الإمامَ جالِسًا لَمْ يُسَلِّمْ صَلّى أرْبَعًا يَنْوِي الظُّهْرَ، وأحَبُّ إلَيَّ أنْ يَسْتَفْتِحَ الصَّلاةَ " وقالَ عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أبِي سَلَمَةَ: " إذا أدْرَكَ الإمامَ يَوْمَ الجُمُعَةِ في التَّشَهُّدِ قَعَدَ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ، فَإذا سَلَّمَ الإمامُ قامَ فَكَبَّرَ ودَخَلَ في الصَّلاةِ نَفْسِهِ، (p-٣٤٠)وإنْ قَعَدَ مَعَ الإمامِ بِتَكْبِيرٍ سَلَّمَ إذا فَرَغَ الإمامُ ثُمَّ قامَ فَكَبَّرَ لِلظُّهْرِ " وقالَ اللَّيْثُ: " إذا أدْرَكَ رَكْعَةً مَعَ الإمامِ يَوْمَ الجُمُعَةِ وعِنْدَهُ أنَّ الإمامَ قَدْ خَطَبَ فَإنَّما يُصَلِّي إلَيْها رَكْعَةً أُخْرى ثُمَّ يُسَلِّمُ، فَإنْ أخْبَرَهُ النّاسُ أنَّ الإمامَ لَمْ يَخْطُبْ وأنَّهُ صَلّى أرْبَعًا صَلّى رَكْعَتَيْنِ وسَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ " .
قالَ أبُو بَكْرٍ: لَمّا قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «ما أدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وما فاتَكم فاقْضُوا» وجَبَ عَلى مُدْرِكِ الإمامِ في تَشَهُّدِ الجُمُعَةِ اتِّباعُهُ فِيهِ والقُعُودُ مَعَهُ، ولَمّا كانَ مُدْرِكًا لِهَذا الجُزْءِ مِنَ الصَّلاةِ وجَبَ عَلَيْهِ قَضاءُ الفائِتِ مِنها بِظاهِرِ قَوْلِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وما فاتَكم فاقْضُوا "، والفائِتُ مِنها هي الجُمُعَةُ، فَوَجَبَ أنْ يَقْضِيَ رَكْعَتَيْنِ وأيْضًا لَمّا كانَ مُدْرِكُ المُقِيمِ في التَّشَهُّدِ لَزِمَهُ الإتْمامُ إذا كانَ مُسافِرًا وكانَ بِمَنزِلَةِ مُدْرِكِهِ في التَّحْرِيمَةِ وجَبَ مِثْلُهُ في الجُمُعَةِ؛ إذِ الدُّخُولُ في كُلِّ واحِدَةٍ مِنَ الصَّلاتَيْنِ بِغَيْرِ الفَرْضِ.
فَإنْ قِيلَ: رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «مَن أدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ إلَيْها أُخْرى» وفي بَعْضِ الأخْبارِ: «وإنْ أدْرَكَهم جُلُوسًا صَلّى أرْبَعًا» قِيلَ لَهُ: أصْلُ الحَدِيثِ: «مَن أدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاةِ فَقَدْ أدْرَكَ»، فَقالَ الزُّهْرِيُّ وهو راوِي الحَدِيثِ: ما أرى الجُمُعَةَ إلّا مِنَ الصَّلاةِ؛ فَذِكْرُ الجُمُعَةِ إنَّما هو مِن كَلامِ الزُّهْرِيِّ؛ والحَدِيثُ إنَّما يَدُورُ عَلى الزُّهْرِيِّ، مَرَّةً يَرْوِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ ومَرَّةً عَنْ أبِي سَلَمَةَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، وقَدْ قالَ حِينَ رَوى الحَدِيثَ في صَلاةٍ مُطْلَقَةٍ: أرى الجُمُعَةَ مِنَ الصَّلاةِ؛ فَلَوْ كانَ عِنْدَهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ نَصٌّ في الجُمُعَةِ لَما قالَ: ما أرى الجُمُعَةَ إلّا مِنَ الصَّلاةِ وعَلى أنَّ قَوْلَهُ: «مَن أدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الجُمُعَةِ فَقَدْ أدْرَكَ» لا دَلالَةَ فِيهِ أنَّهُ إذا لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً صَلّى أرْبَعًا، كَذَلِكَ قَوْلُهُ: «مَن أدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الجُمُعَةِ فَلْيُضِفْ إلَيْها رَكْعَةً أُخْرى» وأمّا ما رُوِيَ: " وإنْ أدْرَكَهم جُلُوسًا صَلّى أرْبَعًا " فَإنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أنَّهُ مِن كَلامِ النَّبِيِّ ﷺ وجائِزٌ أنْ يَكُونَ مِن كَلامِ بَعْضِ الرُّواةِ أدْرَجَهُ في الحَدِيثِ، ولَوْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ كانَ مَعْناهُ: وإنْ أدْرَكَهم جُلُوسًا وقَدْ سَلَّمَ الإمامُ.
ولَمْ يَخْتَلِفِ الفُقَهاءُ أنَّ وُجُوبَ الجُمُعَةِ مَخْصُوصٌ بِالأحْرارِ البالِغِينَ المُقِيمِينَ دُونَ النِّساءِ والعَبِيدِ والمُسافِرِينَ والعاجِزِينَ، ورُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «أرْبَعَةٌ لا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ: العَبْدُ والمَرْأةُ والمَرِيضُ والمُسافِرُ» وأمّا الأعْمى فَإنَّ أبا حَنِيفَةَ قالَ: " لا جُمُعَةَ عَلَيْهِ " وجَعَلَهُ بِمَنزِلَةِ المُقْعَدِ؛ لِأنَّهُ لا يَقْدِرُ عَلى الحُضُورِ بِنَفْسِهِ إلّا بِغَيْرِهِ، وقالَ أبُو يُوسُفَ ومُحَمَّدٌ: " عَلَيْهِ الجُمُعَةُ " وفَرْقًا بَيْنَهُ وبَيْنَ المُقْعَدِ؛ لِأنَّ الأعْمى بِمَنزِلَةِ مَن لا يَهْتَدِي الطَّرِيقَ فَإذا هُدِيَ سَعى بِنَفْسِهِ، والمُقْعَدُ لا يُمْكِنُهُ السَّعْيُ بِنَفْسِهِ ويَحْتاجُ إلى مَن يَحْمِلُهُ وفَرَّقَ أبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ الأعْمى وبَيْنَ مَن لا يَعْرِفُ الطَّرِيقَ؛ لِأنَّ الَّذِي لا يَعْرِفُ وهو بَصِيرٌ إذا أُرْشِدَ اهْتَدى بِنَفْسِهِ والأعْمى لا يَهْتَدِي بِنَفْسِهِ ولا يَعْرِفُهُ (p-٣٤١)بِالإرْشادِ والدَّلالَةِ، ويُحْتَجُّ لِأبِي يُوسُفَ ومُحَمَّدٍ بِحَدِيثِ أبِي رَزِينٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ «أنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ جاءَ إلى النَّبِيِّ ﷺ فَقالَ: إنِّي ضَرِيرٌ شاسِعُ الدّارِ ولَيْسَ لِي قائِدٌ يُلازِمُنِي أفَلِي رُخْصَةٌ أنْ لا آتِيَ المَسْجِدَ ؟ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لا» وفي خَبَرِ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدّادٍ عَنِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ نَحْوُهُ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أتَسْمَعُ الإقامَةَ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَأْتِها» .
* * *
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وذَرُوا البَيْعَ﴾
قالَ أبُو بَكْرٍ: اخْتَلَفَ السَّلَفُ في وقْتِ النَّهْيِ عَنِ البَيْعِ، فَرُوِيَ عَنْ مَسْرُوقٍ والضَّحّاكِ ومُسْلِمِ بْنِ يَسارٍ: " أنَّ البَيْعَ يَحْرُمُ بِزَوالِ الشَّمْسِ " وقالَ مُجاهِدٌ والزُّهْرِيُّ: " يَحْرُمُ بِالنِّداءِ " وقَدْ قِيلَ: إنَّ اعْتِبارَ الوَقْتِ في ذَلِكَ أوْلى،؛ إذْ كانَ عَلَيْهِمُ الحُضُورُ عِنْدَ دُخُولِ الوَقْتِ، فَلا يُسْقِطُ ذَلِكَ عَنْهم تَأْخِيرَ النِّداءِ ولَمّا لَمْ يَكُنْ لِلنِّداءِ قَبْلَ الزَّوالِ مَعْنًى دَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّ النِّداءَ الَّذِي بَعْدَ الزَّوالِ إنَّما هو بَعْدَما قَدْ وجَبَ إتْيانُ الصَّلاةِ واخْتَلَفُوا في جَوازِ البَيْعِ عِنْدَ نِداءِ الصَّلاةِ، فَقالَ أبُو حَنِيفَةَ وأبُو يُوسُفَ وزُفَرُ ومُحَمَّدٌ والشّافِعِيُّ: " البَيْعُ يَقَعُ مَعَ النَّهْيِ "، وقالَ مالِكٌ: " البَيْعُ باطِلٌ " .
قالَ أبُو بَكْرٍ: قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿لا تَأْكُلُوا أمْوالَكم بَيْنَكم بِالباطِلِ إلا أنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنكُمْ﴾ [النساء: ٢٩] وقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لا يَحِلُّ مالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلّا بِطِيبَةٍ مِن نَفْسِهِ» وظاهِرُهُ يَقْتَضِي وُقُوعَ المِلْكِ لِلْمُشْتَرِي في سائِرِ الأوْقاتِ لِوُقُوعِهِ عَنْ تَراضٍ.
فَإنْ قِيلَ: قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وذَرُوا البَيْعَ﴾ قِيلَ لَهُ: نَسْتَعْمِلُهُما فَنَقُولُ: يَقَعُ مَحْظُورًا عَلَيْهِ عَقْدُ البَيْعِ في ذَلِكَ الوَقْتِ لِقَوْلِهِ: ﴿وذَرُوا البَيْعَ﴾ ويَقَعُ المِلْكُ بِحُكْمِ (p-٣٤٢)الآيَةِ الأُخْرى والخَبَرُ الَّذِي رَوَيْناهُ؛ وأيْضًا لَمّا لَمْ يَتَعَلَّقِ النَّهْيُ بِمَعْنًى في نَفْسِ العَقْدِ وإنَّما تَعَلَّقَ بِمَعْنًى في غَيْرِهِ وهو الِاشْتِغالُ عَنِ الصَّلاةِ وجَبَ أنْ لا يَمْنَعَ وُقُوعَهُ وصِحَّتَهُ، كالبَيْعِ في آخِرِ وقْتِ صَلاةٍ يُخافُ فَوْتَها إنِ اشْتَغَلَ بِهِ وهو مَنهِيٌّ عَنْهُ، ولا يَمْنَعُ ذَلِكَ صِحَّتَهُ؛ لِأنَّ النَّهْيَ تَعَلَّقَ بِاشْتِغالِهِ عَنِ الصَّلاةِ وأيْضًا هو مِثْلُ تَلَقِّي الجَلَبِ وبَيْعِ حاضِرٍ لِبادٍ والبَيْعُ في الأرْضِ المَغْصُوبَةِ ونَحْوِها كَوْنُهُ مَنهِيًّا عَنْهُ لا يَمْنَعُ وُقُوعَهُ.
وقَدْ رَوى عَبْدُ العَزِيزِ الدَّراوَرْدِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبانَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إذا رَأيْتُمْ مَن يَبِيعُ في المَسْجِدِ فَقُولُوا: لا أرْبَحَ اللَّهُ تِجارَتَكَ، وإذا رَأيْتُمْ مَن يَنْشُدُ ضالَّةً في المَسْجِدِ فَقُولُوا: لا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْكَ» ورَوى مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: " أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ «نَهى أنْ يُباعَ في المَسْجِدِ وأنْ يُشْتَرى فِيهِ وأنْ تُنْشَدَ فِيهِ ضالَّةٌ أوْ تُنْشَدَ فِيهِ الأشْعارُ، ونَهى عَنِ التَّحَلُّقِ يَوْمَ الجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلاةِ» ورَوى عَبْدُ الرَّزّاقِ قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «جَنِّبُوا مَساجِدَكم مَجانِينَكم وصِبْيانَكم ورَفْعَ أصْواتِكم وسَلَّ سُيُوفِكم وبَيْعَكم وشِراكم وإقامَةَ حُدُودِكم وخُصُومَتَكم وجَمِّرُوها يَوْمَ جُمَعِكم واجْعَلُوا مَطاهِرَكم عَلى أبْوابِها»، فَنَهى النَّبِيُّ ﷺ عَنِ البَيْعِ في المَسْجِدِ، ولَوْ باعَ فِيهِ جازَ؛ لِأنَّ النَّهْيَ تَعَلَّقَ بِمَعْنًى في غَيْرِ العَقْدِ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا نُودِیَ لِلصَّلَوٰةِ مِن یَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡا۟ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُوا۟ ٱلۡبَیۡعَۚ ذَ ٰلِكُمۡ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق